أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - زاوية لرجل وحيد في بناية














المزيد.....

زاوية لرجل وحيد في بناية


عبدالحميد البرنس

الحوار المتمدن-العدد: 2847 - 2009 / 12 / 3 - 12:15
المحور: الادب والفن
    




أقطن في بناية مكوَّنة من ثلاث طبقات تطل على شارع أبي بكر الصديق في "مصر الجديدة". تجاورها، من ناحية الغرب، بناية نحيلة مكوَّنة من خمسة طوابق، يطل مدخلها المعتم الكابي على شارع هارون الرشيد، بينما تنتصب في باحتها الأمامية شجرة أخذت تستحوذ على مركز تفكيري شيئا بعد شيئ.

حتى الآن، لا أدري ما الذي ظل يشدني إليها على ذلك النحو الآسر؟.


كان بين البنايتين ممران جانبيان يفصل بينهما حائط قصير. ومع ذلك، كانت محض شجرة عتيقة ، لا تثير في دواخلي أدنى خلجة من تلك الأحاسيس، عندما أراها كاملة أثناء سيري في شارع هارون، قبل أن أنحرف يسارا نحو بنايتي، حيث درجت منذ مدة على ممارسة حياتي العادية بين جدران غرفة السطح المؤجرة، وقد أحاطت بي من كل ناحية هوائيات الإرسال التلفزيوني مثل شواهد مقبرة مسيحية قديمة.

كنت في أحيان كثيرة أتوقف في شارع هارون. أطيل النظر إليها من فوق الرصيف. أتمعن فيها برويَّة، باحثا جهدي كله عن سر تلك الأحاسيس، التي ظلت تجتاحني كلما أبصرت فروعها العالية من "هناك".

كذلك، وعلى الدوام، بدا الأمر لي من هذه الزاوية:


مجرد شجرة "عادية"، تكاد تحتل الجانب الأيمن من واجهة البناية المجاورة، وهي تشرئب صوب الفضاء بساق ضخمة، فيما أفرعها الأكثر علوا تتهادى في ثباتها غير بعيد من أبواب الغرف الجانبية المفضية إلى بلكونات الطابق الرابع المحاطة بشبكة حديدية صدئة. على أن الأمر يختلف حقا حين أرنو إليها من هناك.

أي سحر، أية فتنة، بل أي جمال غامر أجدني سابحا داخله وقتها؟.


ربما لهذا ظللت أحرص في أيام الخميس على العودة قبل حلول ساعة الأصيل من جولاتي الغامضة في وسط المدينة. كان ذلك وقتا كافيا لدخول الحمام على عجل، إعداد كوب من الشاي، ثم الجلوس بحواسي كلها أمام غرفة السطح المؤجرة انتظارا لظهور الشجرة.. المتعة.


بعد ثوان أشبه بدهر من يأس ورجاء، أبدأ في التململ، متنفسا بصعوبة وبطء كما لو أنني أصعد نحو قمة جبلية، مرتعشا كمراهق على أعتاب القبلة الأولى، بينما تنصب عيناي على نافذة موصدة في ظهر البناية المجاورة تقبع وراءها امرأة. نافذة لا تفتح إلا نحو الساعة من كل أسبوع. وكان ذلك في شهوره الأولى يثير حيرتي إلى حد بعيد.. قبل أن أتحول عنه تماما إلى معشوقتي.. الشجرة.


كذلك، لم يكن بوسعي - ساعة أن تعرض جارتي، في أيام الخميس، عن فتح نافذة غرفتها، ما بين السابعة والثامنة مساءا (إذا كان الوقت صيفا).. أو الرابعة والخامسة (إذا كان الوقت في الشتاء) - رؤية الشجرة في فروعها العالية العالية.

أخيرا أرخي أذني لصرير رتاج النافذة. وهو يتناهى كمطلع سمفونية عبر الفراغ القصير القائم بين البنايتين. لا تمضي سوى ثانية واحدة، حتي تلوح ذرى راحتيها، ثم ذراعاها وهما يدفعان ضلفتي الشيش الأزرق الباهت نحو جانبي الحائط في جلبة.. ولا أروع!.


على هذا النحو، كان وجه جارتي يطل على العالم، ناظرا خطفا إلى أسفل، أو إلى أعلى، أو متلفتا يمنة ويسرة، قبل أن يختفي داخل الشقة لأمر ما. إذ ذاك، إذ ذاك فقط، أستأنف رحلة النظر، عبر النافذة المشرعة للتو، إلى باب غرفتها الجانبي المفتوح على البلكونة و"مشهد الفروع العالية".


هكذا.. حين أشاهدها من أمام غرفة السطح المؤجرة.. وهي تخربش في دلال منغم وجه السماء.. ثم تنثني سعيدة بعودة الطيور الصغيرة المتعبة.. يجتاحني حب جارف تجاه الله والكون والجارة.


أظل في تحديقي هذا، غافرا لأعدائي ما قد تقدم أوتأخر، إلى أن تطل ثانية، وتغلق النافذة. لينفتح، في قلبي، مثل جرح غائر، بابُ السؤال: "يا ترى.. هل سأشاهد الفروع.. بيت الطيور الصغيرة المتعبة.. مرة أخرى"؟.


"لو لا وجه الجارة، غلق النافذة، وإختفاء باب غرفتها الجانبي لمدى ستة أيام متصلة؛ لما صار كل هذا الرواء الجميل".

كنت أدخل السكينة إلى نفسي.
أخاف، إذا تغيبتُ، في مرة قادمة، لأي سبب، كأن يأخذني النوم خلسة، أو يرسل الله مطره الغزير؛ أن يكمل الزمن دورتيه. ولا أراها، وهي تميل سعيدة بعودة الطيور الصغيرة المتعبة، قبل مرور ثلاثة عشر يوما بالتمام.


أذكر، في هذه اللحظة، أن النافذة، ومنذ أسابيع خلت، ظلت موصدة في مساءات الخميس، رغم أني لم أنم، ورغم أن الله لم يرسل مطره الغزير... هذا الشتاء.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- موعد ظهور نتيجة الدبلومات الفنية 2025.. استعلم عن نتيجتك
- عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي -للاستشراق اله ...
- “متوفر هنا” الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ا ...
- “سريعة” بوابة التعليم الفني نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدو ...
- عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي -للاستشراق اله ...
- جداريات موسم أصيلة.. تقليد فني متواصل منذ 1978
- من عمّان إلى القدس.. كيف تصنع -جدي كنعان- وعيا مقدسيا لدى ال ...
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس nategafany.emis ...
- “رابط مباشر” نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول برقم ال ...
- امتحان الرياضيات.. تباين الآراء في الفروع العلمي والأدبي وال ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - زاوية لرجل وحيد في بناية