أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 11














المزيد.....

أسير العبارة (رواية)- 11


عبدالحميد البرنس

الحوار المتمدن-العدد: 2875 - 2010 / 1 / 1 - 02:19
المحور: الادب والفن
    


"لماذا يسلك البشر في أحيان كثيرة ضد مصالحهم الخاصة"؟.

ذلك تساؤل، تركه ماركس معلقا في "الآيديولوجية الألمانية"، لعل الوقت لم يتح له لطرح المزيد من التصورات هنا، لعله انشغل بأمر آخر بدا وقتها أكثر جدوى في الطريق إلى فردوس البؤساء الأرضي، وذلك شأن العبقرية: لا تعي أحيانا عظمة ما تطرح. أي صرح في مجال صياغة وإعادة صياغة الذاتية البشرية قام أساسه على ذلك التساؤل. أذكر هنا "ألتوسير" و"فانون" و"غرامشي" و"جورن ثوربورن" و"بولانزاس" وغيرهم من الماركسيين "المنبوذين ماركسيا". أغلبهم رحل عن العالم على نحو مأساوي. كان هناك السجن والجنون والسرطان والإنتحار وأشياء فظيعة أخرى. كنت أتأمل في معنى ذلك التساؤل، ناسيا النظر إلى شاشات المراقبة أمامي، والملل قد بدأ يرحل شيئا فشيئا، حين تناهى طرق تلك السيدة الأربعينية على باب مكتبي.
هكذا، وجدتني فجأة أنزلق من كرسي المفكِّر، هاويا بثقلي كله إلى وضعي الحالي كحارس داخل ذلك المجمع التجاري الضخم.
لأسباب غامضة، في ذروة سعادتنا معا، أنا و"أماندا"، كان ثمة ما يتهدد تلك العلاقة على الدوام. كان وقع ذلك الإحساس أشبه بوقع مطرقة على رأس المنفي الغريب. ذلك ما يدعونه "الحرمان بعد عطاء". كلما فكرت في ذلك، خطرتْ في ذهني، ولسبب ما، تلك الصورة اليومية من حياتنا معا، مرأى "أماندا"، وهي خارجة من الحمام، لا يسترها شيء، سوى تلك القطرات البلورية تنساب منها كما تنساب قطرة ندى على جسد زهرة بُعيد بوابة الشروق. هكذا، بدا وكأن الوحدة نخرت في عظامي طويلا، حتى غدا الأمر وكأني لا أصلح لأية رفقة بشرية من غير الوجود الكثيف لتلك الهواجس.
"أيدوم لنا البيت المرح
نتخاصم فيه ونصطلح
دقات الساعة والمجهول
تتباعد عني حين أراك
وأقول لزهر الصيف.. أقول
لو ينمو الورد بلا أشواك
ويظل البدر طوال الدهر
لا يكبر عن منتصف الشهر
آه يا زهر..
لو دمت لنا..
أو دام النهر".

أمل دنقل، في أقصى درجات الألم، قام بتحويل الموت إلى تجربة جمالية، فعل ذلك بحياد تام، لم يجزع من غول السرطان، لم يتأوه، وكأن الأمر برمته لا يعنيه. "المرض منتشر في جسدك منذ أكثر من سنة، وأنت لا تأتي لمتابعة الكشف، تذكَّر أنك مريض بالسرطان، وأن الأمر أكثر خطورة من أن تتعامل معه بمنطق الشاعر، لقد تجاوز المرض الجراحة ولابد من ذهابك في الغد إلى معهد السرطان". كازنتزاكي، وهو يكابد الألم على فراش موته، آثر أن يواجه المجهول وحيدا، أعطى القس ظهره، وقد أدار وجهه إلى الحائط في صمت. لكأنه يتساءل مع بتهوفن: "رباه، ما سِرُ هذه التعاسة العظيمة"؟.
فان جوخ، الذي أدرك منذ سنوات بعيدة خلوده الإبداعي، أخذ المسدس، ذهب إلى حقل قريب، لعله ألقى نظرة أخيرة على أحب موضوعات رسمه، "الوغد"، فعلها أخيرا. "سمانتا"، حين علمت أنها مصابة بداء "الإيدز"، تحولت إلى عاهرة، أقسمت أن تأخذ معها إلى الجانب الآخر أكبر قدر ممكن من الرجال. قبل عام من إصابتها، بدت في تلك الصورة ممتلئة، عفية، ضاحكة، وعيناها مليئتان بالحياة. ناقشت وقتها "أماندا" عن "ذنب أولئك الضحايا". قالت ببرود أثار حيرتي لفترة: "ذلك خيارهم".
هذا عالم لا رحمة فيه.
حين فتحت الباب، كادت تلك السيدة الأربعينية أن ترتمي بين ذراعيّ من شدة الهلع. بالكاد، تبينت أن رجلا وإمرأة من المشردين، قرب "اتحاد البطاقات الإئتمانية"، مصابان بمرض "الإيدز"، سلبا نقودها تحت تهديد إبر ملوثة. كان لا بد لي أن أتصدى لهما مقابل تلك الحفنة من الدولارات التي أتقاضاها كراتب. "لماذا، يتركون أمثال هؤلاء المصابين هكذا، طلقاء، بلا رقابة"؟. سألت "جيف" في أعقاب تلك الحادثة. قال:
"كندا دولة حرة، يا مستر هميد".
منذ أيام، هاتفتني "أماندا":
"وليم!، "سمانتا" ماتت".
لم تقل شيئا آخر قبل تلك العبارة أوبعدها.
"آه...
لو تعلمين...
أي حزن يبعث المطر،
وكيف يشعر الوحيد بالضياع.. إذا انهمر"؟.




#عبدالحميد_البرنس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسير العبارة (رواية)- 12
- أسير العبارة (رواية)- 13
- أسير العبارة (رواية)- 1
- مرثية للطيب صالح
- إني لأجد ريح نهلة
- وداع في صباح باهت بعيد
- ملف داخل كومبيوتر محمول
- لغة
- نصّان
- زاوية لرجل وحيد في بناية


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 11