أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مصنعُ السعادة














المزيد.....

مصنعُ السعادة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2851 - 2009 / 12 / 7 - 08:24
المحور: حقوق الانسان
    


لقاء معتّز الدمرداش مع الفنانة والإعلامية نجوى إبراهيم في برنامج 90 دقيقة كان له فرادتُه وخصوصيتُه. من حيث أنه لقاءٌ جمعَ وجهين طِفلين؛ لن تطالهما الشيخوخةُ أبدًا. تلك منحةٌ تمنحها السماءُ لبعض أبنائها من البشر ممن يقبضون أبدًا على شمعة الطفولة ألِقَةً وهّاجةً داخل قلوبهم، وإن بلغوا مائة عام. يمتلك معتّز تلك المنحة الإلهية، مثلما تمتلكها ماما نجوى بوجهها العَذْب الطفل.
سألها معتز ماذا تعني بأنها تمتلك مصنعًا للسعادة. فأجابته أن ثمة الكثيرَ مما يحدث لنا قمينٌ أن يمنحنا السعادةَ، لكننا ندعه يمرُّ دون تبصّر. مجرد أنْ نصحوَ من نومنا، بعد ميتتنا الصغرى نيامًا، شيءٌ مبهج، أنْ نكتشف أن بوسعنا أن نحرّكَ أطرافَنا، ثم ننهضَ من الفراش، ثم نتعاملَ مع يومنا دون حاجة إلى من يحملُنا أو يساندُنا، أن نتكلمَ، أن نفّكرَ، أن نحْلُمَ، أن نعملَ؛ كلُّ هذه عطايا من السماء، ومتعٌ ومباهجُ كبرى؛ فكيف نسمح للغضب، بعدئذ، أن يغمرَنا لمجرد أنَّ أحدَهم، مثلاً، زاحمَنا في الطريق، أو كشّرَ في وجهنا، أو أخذَ مكانَنا في طابور، الخ؟ هذه صغارات تتضاءلُ جوار المِنَح السماوية العُليا التي نمتلكها ضمن مصنع السعادة الضخم الذي مفتوحٌ داخلَ أرواحنا، ينتظرُ أنْ نُفعّله.
هذا الإدراكُ العميق لفكرة الفَرح والبهجة، لا يمتلكه إلا من أصرّوا على القبض على الطفل الذي في أرواحهم. نحن نسمحُ للطفل داخلنا أن يكبرَ وينضجَ ويَهرمَ ويشيخَ ثم يموت، ونحن بعدُ في شرخ الصبا! وهو ما يقتلُ معه، أوتوماتيكيًّا، القدرةَ على الشعور بالفرح والدهشة من موجودات العالم. نحن من يغلقُ بإرادتنا "مصنع السعادة" لأجل غير مسمى، ويطرد، مع إغلاقه، ويشرّد آلافَ العمّال الذين كانوا يعملون من أجلنا مجانًا لوجه الله تعالى، ولوجه الجمال والحب والفرح. أولئك العمّالُ هم الروحُ والعقلُ والأعضاءُ، والأهمُّ هو الوعي بفكرة الفرح وانتزاع البهجة عنوةً من الحياة، حتى ولو كانت كل دفوعاتها تدعونا للكآبة والحَزَن واليأس.
سأحكي لكم قصةً من الفولكلور تحمل جانبًا مشرقًا، وجانبًا عدميًّا. كان أحد الفقراء يجلسُ في جزيرة يصطاد سمكة، وتكسو وجهه سيماءُ الراحةِ والسعادة. مرّ به أحدهم وسأله لماذا يجلس هكذا؟ فقال لكي أصطاد سمكةً وأستمتع بوقتي. فقال له الثاني: لماذا لا تصطاد سمكًا كثيرًا بشبكة كبيرة ثم تبيعه، بدلاً من اصطيادك بصنارة سمكةً واحدة لتأكلها؟ فقال الأول: ثم؟ فأجابه، ثم تبيع وتبيع حتى تشتري قاربًا للصيد. فسأل الأول: ثم؟ فأجابه: ثم تثرى وتشتري أسطولاً للصيد، ثم أساطيلَ كثيرة. فسأله الأول: ثم؟ فقال الثاني: ثم تثرى جدًّا فيكون بوسعك أن تشتري هذه الجزيرة التي تجلس عليها، ووقتها تقدر أن تستمع بوقتك وتصطاد سمكة بصنارة! فأجابه الأول: ها أنا ذا وصلتُ الهدفَ النهائيَّ دون كلِّ الجهد الذي تريدني خوضَه!
بالحكاية جانبٌ عدمي سلبيٌّ كسولٌ بالطبع، وأنا من الذاهبين إلى أن العملَ هو أصلُ السعادة في الحياة والشعور بالثقة والامتلاء. لكنني أشيرُ إلى فكرة المقدرة على اقتناص البهجة حتى في أحلك الظروف ومع أقصى وأقسى درجات الفقر والعَوَز.
التفاؤلُ والبحثُ عن نقاط النور وسط العتمة مَلَكةٌ كبرى، لا يمتلكها سوى الكبار. الكبارُ روحًا ووعيًا. أولئك القادرون على تدليل الطفل الذي يربض في قلوبهم فلا يسمحون له بالكِبَر أبدًا. من أولئك، وعلى رأسهم، يقفُ المفكر المصري الكبير محمود أمين العالم. لم نره إلا مبتسمًا متفائلاً. رغم أن وعيه السياسيَّ الفائق كان يجعله مدركًا حلكةَ اللحظة التاريخية المظلمة التي نحياها. كان يبتسم مراهنًا على غدٍ مشرق، لم يره هو، وربما لن نراه نحن، هو الذي تشقّق ظهرُه بسياط معتقلات 59، هو الذي خسر رهاناته وشهد انهيار حلمه الاشتراكي بعينيه. تجده يمازح البسطاءَ في الشارع، وينادي على بواب العمارة وبائعة الخضر وسائس الجراج بأسمائهم ويسألهم عن أولادهم وأحفادهم، وابتسامةٌ طفلةٌ ترقصُ على وجهه الجميل. هو الذي لم يسمح لطفل روحه أن يهرَم ويشيخ، لذلك مات شابًّا يافعًا، في الثمانين من عمره.- جريدة "المصري اليوم" 19/10/09







#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شباب اليوم يعاتبون:وطني حبيبي الوطن الأكبر
- سور في الرأس، سأسرق منه قطعةً
- التواطؤ على النفس
- حاجات حلوة، وحاجات لأ
- التخلُّص من آدم
- بلال فضل، وزلعةُ المِشّ
- الثالثُ -غير- المرفوع
- كريستينا التي نسيتُ أنْ أقبّلَها
- أعِرْني عينيكَ لأرى العالمَ أجملَ
- أنا عيناك أيها الكهلُ
- التردّد يا عزيزي أيْبَك!
- قطارُ الوجعِ الجميل
- بوابةُ العَدَم
- الشَّحّاذ
- الإناءُ المصدوع
- الملاكُ يهبطُ في برلين
- ناعوت: الإبداع العربي الراهن فرسٌ جموح والحركة النقديّة عربة ...
- تحيةٌ للشيخ طنطاوي
- بالأمس فقدتُ مَلاكيَ الحارسَ
- مينا ساويرس، موحِّد القطرين!


المزيد.....




- الصراع في السودان يعطل الدراسة ويحول مؤسسات التعليم إلى مراك ...
- وزير المهجرين اللبناني: لبنان سيستأنف تسيير قوافل إعادة النا ...
- تقرير حقوقي يرسم صورة قاتمة لوضع الأسرى الفلسطينيين بسجون ال ...
- لا أهلا ولا سهلا بالفاشية “ميلوني” صديقة الكيان الصهيوني وعد ...
- الخارجية الروسية: حرية التعبير في أوكرانيا تدهورت إلى مستوى ...
- الألعاب الأولمبية 2024: منظمات غير حكومية تندد بـ -التطهير ا ...
- لبنان: موجة عنف ضد اللاجئين السوريين بعد اغتيال مسؤول حزبي م ...
- الأمم المتحدة: -لم يطرأ تغيير ملموس- على حجم المساعدات لغزة ...
- مع مرور عام على الصراع في السودان.. الأمم المتحدة?في مصر تدع ...
- مؤسسات فلسطينية: عدد الأسرى في سجون الاحتلال يصل لـ9500


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مصنعُ السعادة