أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - التواطؤ على النفس














المزيد.....

التواطؤ على النفس


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2799 - 2009 / 10 / 14 - 00:27
المحور: حقوق الانسان
    


ظلّتِ الإعلاميةُ "منى الشاذلي" تُبَصِّرُ مواطنًا بحقّه لدى حكومته، وتقنعه بالمطالبة بها. لكن المواطنَ المسكين يأبى إلا أن يُفرِّطَ في حقّه، متواطئًا مع وزارة الداخلية على نفسه؛ مؤيّدَها على ظلمه وقهره واستلابه، راضيًا بأقلّ كثيرًا من القليل مما يجب أن تكفله لنا حكومتنا من حقوقنا كآدميين! الحكايةُ، كما وردت في برنامج "العاشرة مساءً"، أن مواطنًا قد اعتقِل 67 يومًا (يالرقم المشئوم سيء السمعة!)، لارتكابه تهمةً عام 1972. كان وقتئذ صبيًّا مراهقًا، يعمل حدّادًا مسلحًا، بينما التهمةُ ارتكبها سائق! المواطن لم يعمل سائقًا أبدًا، ولا استخرجَ رخصةَ قيادة في حياته. مكث وراء القضبان حائرًا لا يدري بأي ذنب حُبِس! بعدما انتزعه رجالُ الشرطة من مسكنه على مرأى من أولاده وأحفاده وجيرانه. وكانت، طبعًا، الزوجةُ الجميلة العونَ لزوجها ويمامةَ الحرية. أدّت واجبًا تكاسلت عن أدائه أجهزةُ المباحث والتحرّي. حدست المرأةُ بذكائها أن بالأمر لبسًا ما، أو تشابهًا في الأسماء؛ فسافرت إلى المنصورة متتبّعةً خيوطَ المسألةِ المشتبكةَ، حتى وصلت، بحبّها وإيمانها، إلى الحقيقة التي غابت عن أجهزة الدولة. ثمة سائقٌ كان يعيشُ ها هناك قبل عقودٍ ثلاثة، ارتكبَ جرمَه ثم غادر العالم. وحينما انتبهت أجهزةُ الأمن إلى الواقعة، بعد ثلث قرن(!)، بحثت فلم تجد إلا مواطنًا قاهريًّا يعمل بالحدادة، ويحمل الاسمَ ذاته، فاعتقلته، هكذا ببساطة! وبعدما قدّمتِ الزوجةُ الأوراقَ التي تثبتُ اختلاطَ الأمر على المباحث، لم يعتذروا لها، حاشاهم أن يعتذروا! وتحددت جلسةٌ للحكم في نهاية العام، يظلّ، حتى انعقادها، البريءُ متهمًا، حاملاً أرزاءَ وزرٍ لم يأته!
واقعةٌ كتلك، إن فُرضَ جدلاً، وعبثًا، أن تحدث في دولة متقدمة من تلك التي ترعى حقوقَ الإنسان، يظهر في التليفزيون فورًا وزيرُ الداخلية، أو رئيسُ الدولة حتى، ليقدّمَ اعتذارًا رسميًّا للأسرة المظلومة، ولكافة أبناء الوطن، لأن خللا أمنيًّا جسيمًا ومخجلاً قد وقع، فأوقع ببريء وراء ظُلمة القضبان. أمرٌ كهذا حريٌّ إزاءه أن تُقالَ وزارةٌ! أمرٌ كهذا يحملُ في طيّاته ثقافةَ حكومة بأسرها. ثقافةٌ يقول لسانُ حالها: "إن المواطنَ المصريَّ رخيصٌ، ورخيصٌ جدًّا." بينما تقول الحكمةُ القانونية البليغة: "إن فرارَ ألف مجرم، خيرٌ من أن يبيتَ بريءٌ ليلةً واحدة في السجن." وتساءلتِ الزوجةُ ببراءة: "ماذا لو أن التهمةَ جنايةُ قتل مثلا؟ أكانوا سيشنقون زوجي، ثم يكتشفون فيما بعد أن خلطًا في الأسماء قد وقع؟!"
على أن هذا الوعي المرتفع لدى الزوجة، تراجعَ وتنحّى حينما جاهدتِ المذيعةُ المثقفة أن تحثَّها على المطالبة بحقِّها. فعلى مدى دقائقَ، خاطفةٍ في قياس الزمن، طويلةٍ كأنها الأبد في قياس الإنسانية، سألتها منى الشاذلي: "هل تفكرين في المطالبة بتعويض؟" وأذهلني أنْ أطرقتِ السيدةُ برأسها هامسةً: لا نريدُ شيئًا، الحمد لله على قد كده."! فأعادتِ المذيعةُ الواعية السؤالَ الحاثَّ على الزوج المهدور حقّه: "من حقّك أن تطالب بتعويض!" فأجابها بمثل ما أجابت زوجته: "العوض على الله!" فاتصلتِ الشاذلي هاتفيًا بمحامي الأسرة وسألته السؤالَ ذاته، فقال، بنبرة الانكسار والانهزام والعدمية ذاتها التي تتلبّسنا جميعًا حينما تكون حكومتُنا هي خصيمنَا: "مازال الأمرُ مبكرًا (للتفكير) في تعويض، مازلنا نطمح في البراءة في جلسة ديسمبر!" وصدمتني كلماتُ المحامي، الدارس حقوق الناس، والمطالَب بالمطالبة بها! هل الأمرُ رهنُ "التفكير"؟ هل باتَ كلُّ ما نرجوه من حكومتنا هو ألا نُعتقل ظُلمًا، فإن اِعتُقِلنا ظلمًا، لا نطمحُ في غير الخروج للنور أحياءَ بعد شهور طوالٍ عشناها في ظُلمة الحبس الزور وبرودته؟ وماذا عن كرامتنا التي أُهدرها سجّانونا؟ وماذا عن تشويه سمعتنا؟ وماذا عن صفحتنا البيضاء التي لُوِّثَت؟ وماذا عن الرعب الذي نهشنا في انتظار الحكم؟ وماذا عن جهد الزوجة وأسفارها تلك التي صحّحت أخطاء المباحث الكسول؟ وماذا عن فرضية أن يتكررَ الأمرُ نفسُه مع أي مواطن من الثمانين مليونًا، إلا من رحم ربي من ذوي الحصانة؟ والأهم من كل هذا، كيف لنا أن نلومَ حكومتَنا على ظلمنا وقهرنا إن كنّا نحنُ، بيدنا لا بيد عمرو، نتواطأ معها بكل محبّة على ظلمنا وقمعنا؟ - جريدة "المصري اليوم" 12/10/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حاجات حلوة، وحاجات لأ
- التخلُّص من آدم
- بلال فضل، وزلعةُ المِشّ
- الثالثُ -غير- المرفوع
- كريستينا التي نسيتُ أنْ أقبّلَها
- أعِرْني عينيكَ لأرى العالمَ أجملَ
- أنا عيناك أيها الكهلُ
- التردّد يا عزيزي أيْبَك!
- قطارُ الوجعِ الجميل
- بوابةُ العَدَم
- الشَّحّاذ
- الإناءُ المصدوع
- الملاكُ يهبطُ في برلين
- ناعوت: الإبداع العربي الراهن فرسٌ جموح والحركة النقديّة عربة ...
- تحيةٌ للشيخ طنطاوي
- بالأمس فقدتُ مَلاكيَ الحارسَ
- مينا ساويرس، موحِّد القطرين!
- شوارعُ تُغنِّي بالفرح
- ذاك الذي غبارٌ عليه
- القتل صعب يا هنادي!


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - التواطؤ على النفس