أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - ذاك الذي غبارٌ عليه














المزيد.....

ذاك الذي غبارٌ عليه


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2757 - 2009 / 9 / 2 - 00:19
المحور: حقوق الانسان
    


كان العقّادُ العظيم يحبُّ طائرَ البومة، ويضعه، تمثالاً، في بيته، وهذا الأمريكيُّ إدجار آلان بو يقولُ في قصيدته الشهيرة "الغراب": "لكنَّ الغرابَ لا يفتأ يُغوي روحيَ الحزينةَ لكي تبتسم"! كيف للبومةِ والغراب، اللذين يتشاءم منهما الناس، أن يكونا مصدرًا للتفاؤل والبهجة والابتسام؟! يمكن هذا بيسرٍ؛ لو حرّرنا الروحَ والعينَ من إرثهما القديم حول الأشياء. ثم محاولةُ النظر إلى تلك المخلوقات البريئة بشيء من الحياد غير المُثْقَل بالمفاهيم النَّقْلية التقليدية المتوارثة.
تكلمنا الأسبوعَ الماضي عن مفهوم الجمال بوصفه حُكمًا نسبيًّا على الأشياء، لا خَصِيصَةً ثابتةً فيها. فلا شيءَ جميلٌ أو قبيحٌ في ذاته. الجمالُ أو القبحُ هما فكرتنا الخاصة حول الشيء. لهذا السبب يحبُّ بعضُ الناس تربية الفئران والثعابين والزواحف، تلك التي ينفر منها البعضُ الآخرُ من الناس، ويرتعب.
مع الستينيات الماضية، بدأ العالَمُ يتمرّد على الثوابت الكلاسيكية للجمال والأناقة. فصار الأثرياءُ يلبسون الجينزَ الأزرق، ملابسَ رعاة البقر وطبقة البروليتاريا من العمّال الكادحين. بل تمادوا في ذلك ومزقوا بناطيلهم وبهّتوا ألوانَها وتعمّد بعض مصممي الأزياء أن يبرزوا الخياطات التي كانت تتخفى في الداخل. واحتلّتِ الملابسُ الكتّانيةُ المكرمشة، التي استخدمها الفراعينُ في تكفين الموتى، قائمةَ أغلى المنتجات وأرقاها في العالم. وصارتِ النسوةُ حريصاتٍ على إضفاء السمة الرعوية البريّة لشعرهن، بتجعيده على نهج الأفريقيات قاطنات الأحراش. فلم يعد الشعرُ المنسدلُ الناعم حُلمَ الفتيات كما كان دومًا في القديم. حتى في العمارة؛ بدأ المعماريون يصممون مبانيَ تبدو مائلةً أو مهشّمة، أو يبرزون الأحجارَ والكمراتِ الخرسانيةَ والأعمدةَ التي كانت دائمًا تتخفى وراء دهانات الملاط الملونة في التصميمات القديمة.
كذلك في الأدب، لم يعد الشعراءُ والروائيون مشغولين بالكتابة عن النجم اللامع والقمر المضيء والشمس الوهّاجة والسماء الصافية والوردة اليانعة، فكلها تيمات استهلكها الشعراءُ وقتلوها استلهامًا؛ بل راحوا يكتبون عن "الأرض الخراب"، والأحراش والعشش الصفيح والجوعى والصرعى والمجزومين والعميان؛ لأن بكل ما سبق جمالاً من نوع فريد ونادر غاب عن السَّلف القديم إدراكُه. لم يعد بطلَ الحكي هو القائدُ هكتور والفارسُ أخيل والمقاتلُ المشّاء الأعظمُ أوديسيوس، ولم يعد أيقونةَ المادة الإبداعية صلاحُ الدين، بل أبسطُ جنديّ مجهول يقف في الجبهة يذودُ عن الوطن بصدره العاري من الأوسمة، حتى إذا ما شقَّت هذا الصدرَ رصاصةُ العدو، دُفن دون اسم في نُصُبٍ تذكاريّ يحمل أجساد أولئك الجنود المجهولين الذين جادوا بأعمارهم دونما مجدٍ سيحصّله القادةُ والزعماءُ الذين يديرون المعارك من غرفهم المحصّنة. ومثلما حلَّ الجنديُّ محلَّ الفارس، حلّتِ الخادمةُ والعاملةُ وبائعةُ الخضر والجواربِ محلَّ النبيلة والأميرة المُترفة، وحلّت عبيطةُ القرية برثِّ ثيابها محلَّ سيدة الصالون الأنيقة التي تجلس في بهو قصرها إلى البيانو تعزف مقطوعةً لشوبان.
حلَّ المعطوبُ محلَّ الغَّضِّ، والناقصُ محلَّ المكتمل، لأن الفنانين والفلاسفة والأدباء أدركوا أنَّ في العطبِ جمالاً، وفي النقص اكتمالاً. حلَّ الذي "غبارٌ عليه"، محل الذي "لا غبارَ عليه"، لأن الناسَ سئموا من معايير الجمال التقليدية الخاملة، التي استهلكها الشعراءُ في مدوناتهم القديمة، فحاول المجددون الكشفَ عن مناطقَ خبيئة متوارية من الجمال البرّيّ النافر، الذي يشذُّ عن المفاهيم الراسخة القديمة لـ"مازورة" الجمال القديم.- جريدة "المصري اليوم" 27/7/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القتل صعب يا هنادي!
- يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-
- أنا في طبلة المسحراتي!
- كيف يقرأ هؤلاء؟
- ترويعُ الأطفال، والاسمُ: مُلْتَحٍ
- الحضورُ موتًا،
- المِصَحْيَاتي
- السلطانُ والخُّفُّ الجِلديّ
- يا مباحثَ بلدنا، أحبيِّنا
- أنا أستطيعُ، والناسُ تحبُّني
- الفِتْنةُ ليست دائمًا أشدَّ من القتل!
- للجريدةِ مآربُ أخرى
- لغةٌ -قايلة- للسقوط
- حتى الضفدع!
- أوباما، وغرفةُ الجلوس
- أجملُ قارئ في العالم
- فلتقصّ الشريطَ تلك السيدة!
- مقابر جماعية للمصريين
- ردُّ الأشياءِ إلى أسمائها الأولى
- المواطَنة ودرس الفلسفة


المزيد.....




- بضغوط أمريكية.. محامٍ بريطاني يستقيل من المحكمة الجنائية الد ...
- سفير إيران بالأمم المتحدة يرد على ترامب: تخصيب اليورانيوم -ل ...
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام مواطنين -أسسا تشكيلا عصابيا و ...
- هل يمكن محاكمة جنود إسرائيليين بتهمة جرائم حرب في ألمانيا؟
- معتقل محاط بالتماسيح والهروب منه شبه مستحيل... سجن ألكاتراز ...
- الأمم المتحدة تحذر: خفض المساعدات يهدد استقرار العالم
- حشود عسكرية في طرابلس وحقوق الإنسان تحذر من انهيار الهدنة
- معتقل محروس من التماسيح : ألكاتراز يفتح أبوابه الثلاثاء أمام ...
- إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة إسرائيل والولايات المتحدة ...
- حصار المهاجرين في عقر ديارهم آخر تكتيكات أوروبا لمكافحة الهج ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - ذاك الذي غبارٌ عليه