أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مقابر جماعية للمصريين














المزيد.....

مقابر جماعية للمصريين


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2683 - 2009 / 6 / 20 - 08:55
المحور: حقوق الانسان
    


هاتفني أولَ أمس من الرياض، حيث يعمل طبيبًا وأستاذًا بكلية الطب، سألني قلِقًا: "ماذا يحدث في مصر؟ هل بالفعل تحوّل الأمرُ وباءً؟ هل أخفقتِ الحكومةُ في السيطرة على الأمر؟ هل يسيرُ الناسُ في الطُّرقات بالكمامات؟ طيب، هل وضعتِ أنتِ كمامةً؟" ولأنني لا أعرف إجابةً عن أسئلته الصعبة، اخترتُ أن أجيبَ عن السؤال الوحيد الذي أملكُ إجابته. قلتُ: "لا، لا أضع كمامة!" ثم أردفتُ: "ثم إنه وباءٌ عالميّ، فلماذا تعاتبُ حكومتَنا وحسب؟" ولأنه مصريٌّ، مُحبٌّ هذا الوطن، ولأن العَتْبَ يجيء بقدر الحب، فقد جاءني صوته عبر الهاتف حزينًا: "أعاتبُ حكومتنا لأنها لم تستطع السيطرةَ على أنفلونزا الطيور فارتقتْ مصرُ قمة سُلَّمَ الإصابات حتى غدتِ البلدَ الأولَ عالميًّا من حيث عدد الإصابات والوفيات، في حين حَجَّمَه العالمُ منذ الشهور الأولى، أعتبُ على حكومتنا لأنها تبثِّ في التليفزيون فقراتِ توعية للمواطنين تحثهم فيها على غسل الأيدي بالماء والصابون، ومراعاة النظافة الشخصية، بينما تترك في شوارع مصر وحواريها ملايين الأطنان من القمامة التي تُهيّئ ميديا ممتازة ومناخًا صالحًا لترعرع أشرس الفيروسات. كيف لا تصبحُ مصرُ مَرْتعًا لأمراض الدنيا بينما تحتلُّ أعلى نسبة تلوّث في العالم؟" وانتهتِ المهاتفةُ وأنا حائرةٌ وعاجزة عن الرد. فأنا أدافع عن مصر ظالمةً ومظلومة إذا ما جاء الهجوم من خارجها. صحيح أن هذا الطبيب مصريٌّ مثلي، لكنه يعيش في الرياض، ومن ثَم سأعامله معاملةَ الغريبِ عن الوطن حتى يعودَ إلى الوطن. دافعتُ وأنا غير مقتنعة بما أقول، ومقتنعةٌ جدًّا بما يقول، مثلما تدافع الأمُّ عن ابنها وهي تعلم أن الغلط راكبه "من ساسه لراسه".
ثم هاتفني أمس غاضبًا هذه المرة، وقد غادر صوتَه الحزنُ واحتلَّته مرارةٌ حادة، تكاد تُذيب أسلاك الهاتف. "قرأتِ صحف اليوم يا أستاذة؟" ثم هتف هادرًا: "خلاص فتحوا لنا مقابر جماعية؟ كتّر خيرهم والله. الحكومة بدل ما تشغّل الشباب العاطل، وبدل ما تبني بيوت لسكان العشوائيات العايشين في خيش وصفيح، قررت تفتح لنا مقابر وتدفنا وترتاح مننا، ايه ردك دلوقت يا أستاذة؟" ولما استوضحته الأمر، قرأ لي فقرةً وردت ب"المصري اليوم" أول أمس السبت جاء فيها: "إلى هذا، كشف مصدر مسؤول بوزارة البيئة أن لجنة عليا من جهاز استخدامات أراضى الدولة التابع لمجلس الوزراء، بالتعاون مع وزارات البيئة والصحة والزراعة، قامت، أمس، برصد مساحات الأراضي المناسبة التي تصلح لتخصيصها كمقابر جماعية في حالة تفشى الوباء، وحدوث وفيات على نطاق واسع، موضحًا أن هذا الإجراء يأتي ضمن بنود الخطة الحكومية لمواجهة الوباء."
قال: "أنا حزين جدًّا، ليس بسبب الوباء، ولا الموت، فهو آتٍ بالمرض أو بدونه. أنا حزين لأن حكومتنا تتعامل معنا بوصفنا أرقامًا، لا تنظر إلينا بوصفنا أبناءها وعقولها وسواعدها، بل بوصفنا أفواهًا مفتوحةً تريد الطعام، ومن الأفضل أن تقلَّ الأفواه، بوصفنا أجسادًا تمرض وتطلب دواء ومشافيَ، ومن الأفضل أن يقلَّ عدد الأجساد، بوصفنا كتلا تحتلُّ فضاء مصر وتملؤه تلوثًا وزحامًا وضجيجًا، وتطلب مساكنَ وباصاتٍ وشوارعَ وخدماتٍ وكهرباءَ ومياهًا، ومن الأفضل جدًّا أن تقل هذه الكتلُ، حتى تريح الحكومةُ دماغَها من كل ما سبق. أنا حزين لأن حكومتنا تهيننا. حفر المقابر الجماعية لابد أن يكون الخطوة رقم 100، تتم في صمت، بعد سلسلة طويلة من الخطوات تبدأ أول بإزالة القمامة وتنظيف البلد، فهل أتمت الحكومة الخطوات، بل هل بدأتها أصلاً، لتعلن للناس أن يموتوا مطمئنين، حيث حفرتْ لهم حكومتُهم أضرحتَهم؟ جريدة "المصري اليوم" 15/6/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردُّ الأشياءِ إلى أسمائها الأولى
- المواطَنة ودرس الفلسفة
- هذا شابٌ من جيلي
- مصر
- سألتُ الأستاذَ: لمَن نكتب؟
- وأكره اللي يقول: آمين!
- الغُوْلَة
- -شباب يفرح القلب-
- بل قولوا إنّا شبابٌ صغار!
- إنهم يذبحون الأخضرَ
- مصرُ التي خاطرهم
- القططُ المذعورة
- لا تأتِ الآن، فلسْنا أهلاً لك!
- أيها الطائرُ الخفيف، سلامٌ عليك
- فريدة النقّاش، صباحُ الخير
- عزازيل ومرآة ميدوزا
- لشدّ ما نحتاجُ إليكَ أيها الشارح
- قال: لا طاغوتَ يعْدِلُ طاغوتَ الكُهّان
- وإننا لا نبيعُ للكفار!
- أبريلُ أقسى الشهور


المزيد.....




- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مقابر جماعية للمصريين