أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - القططُ المذعورة














المزيد.....

القططُ المذعورة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2652 - 2009 / 5 / 20 - 08:37
المحور: المجتمع المدني
    


قبل شهور، في عزّ الشتاء، دخلتْ قِطةٌ رماديةٌ خِلسةً من البلكون، واستقرتْ في بيتي. اكتشفتُها في الصباح وقد اختارتْ أحدَ الأسِرَّة الشاغرة ونامتْ، بعدما دسّتْ رأسَها في وسائده طمعًا في بعض دفء من برد يناير القارس. فرِحتُ بها. وعلى مدار أيامٍ حاولتُ استمالتها دون جدوى. هي تحبُّ المُقام عندي، بدليل أنني تركتُ لها باب الشرفة مُشرعًا ورفضتِ الخروج. أضعُ لها اللبنَ في الصباح، وقطعةَ سمكٍ عند الظهر، و"أبَسْبِسُ" لها لكي تأتي، لكنها تنظرُ لي في ذُعر ولا تقربُ الطعامَ حتى أبتعد. وبعدما تطمئنُ أنني جلستُ إلى مكتبي، وانشغلتُ عنها، تَقْرَبُ الصحنَ، وتأكل. أرقُبُها بطرفٍ خفيّ فترتجفُ أذناها حين تلتقي عيوننا. تحدّقُ في عينيّ طويلاً بنظرة تقفُ بين التساؤل والحيرة والشكِّ، وقليل من الامتنان. لكنها أبدًا لا تستجيبُ لمحاولاتي الاقترابَ منها لتدليلها والمسح على شعرها. أظنُّها تريدُ أن تحبني وتطمئن لي، لكنَّ عهدًا طويلاً لها في الشوارع بين مطاردات المارّة وسخافاتهم وزجْرهم لابد أورثَها انعدامَ ثقةٍ في بني البشر بمجملهم. غيرَ مُفرِّقةٍ بين مُحبٍّ القططَ وكارهٍ لها. القطةُ البيضاءُ التي نربيّها لا تخاف. تتمسح بقدمي وأنا أتجوّل في البيت، تشاكسُ ذيلَ ثوبي وتثبُ فوق المكتب مُطوِّحَةً الأقلامَ دون خوفٍ من عقاب. لا تعبأ سوى بالاستمتاع بأشعة الشمس في الصباح، ووجبةٍ جيدة توقنُ أنْ ستنالها كلَّ يوم، وفي المساء تقفزُ فوق سريري، وحين آتي تُفسحُ لي ببعض مساحة. لا يغريها التليفزيونُ الذي يثيرُ القطةَ الرماديةَ جدًّا، فتكمنُ له تحت الأريكة وتنظر في دهشة ووجل، ذيلُها يهتزُّ وأذناها منتصبتان في تحفّز.
أثارتني الفروقُ في السلوكيات بين القطتين. ولا أدري لماذا ذكرتني القطّةُ الرمادية بالمواطن المصريّ في شعوره نحو جهاز الشرطة. المواطنُ البسيط العادي "اللي مالوش ضهر". فيما القطةُ البيضاءُ هي المواطنُ "المسنود" المطمئنُ إلى مُتكأٍ يحمي ظهرَه. كلُّنا قطةٌ رمادية! أصبحنا نخافُ رجالَ الأمن ولو كانوا طيبين. وبسبب مِراسِنا الطويل مع بطش بعضهم، بِتنا نخافُ "الكلَّ" وليس ذلك "البعض"! مفارقةٌ مُحزِنة، أن يغدو جهاز "الأمن"، مصدرَ "فزعٍ".
جولةٌ واحدة في شوارع القاهرة، أو أقسام بوليسها، تكفيكَ لتلمح هذا الفزع الذي بات يملأ قلوبَ المواطنين من رجالات الشرطة. بصرف النظر عن الرُّتبة وعدد النجوم والنسور والسيوف. بل، للمفارقة أيضًا، يزداد الفزعُ كلما صَغُرتِ الرُّتبة والمقام. ربما لأن زهوةَ السلطان وشهوةَ التحكّم في خلق الله تكون في أوْجها في البدايات. حينما يتخرّج طالبُ الشرطة من الكلية، فيحاول أن يأخذ بثأره من المجتمع كله دفعةً واحدة. تخفُّ وطأةُ هذه المشاعر السلبية كلما تقدم الضابط في مدارج الترقيات، فتهدأ النفسُ وتتزنُ الأمور. فرُبَّ لواءٍ أكثر تواضعًا ورُقيًّا في تعامله من ملازم أو أمين شرطة يتعامل مع المواطنين، أبرياءَ ومتهمين، بصَلفٍ وقسوة، لم أفهم يوما مبررها.
أحدُ أجمل الرسائل التي وردت في فيلم "حين ميسرة"، حينما سَبَّ الضابطُ أحدَ المتهمين بأمّه، فقال له المتهم: "لا يا باشا، إنتَ ليك عليا احترمك، إن كنت قاعد اقوم لك، وان كان في ايدي سيجارة ارميها، لكن أمي مالكش دعوة بيها!" هكذا رفض المواطنُ المصري البسيطُ الجميلُ، "العارفُ حقَّّه" أن يكون قطًِّا رماديًّا. تحيةً له.- جريدة "المصري اليوم" 18/5/09






#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تأتِ الآن، فلسْنا أهلاً لك!
- أيها الطائرُ الخفيف، سلامٌ عليك
- فريدة النقّاش، صباحُ الخير
- عزازيل ومرآة ميدوزا
- لشدّ ما نحتاجُ إليكَ أيها الشارح
- قال: لا طاغوتَ يعْدِلُ طاغوتَ الكُهّان
- وإننا لا نبيعُ للكفار!
- أبريلُ أقسى الشهور
- احذروا هذا الرمز!
- الكونُ يتآمرُ من أجل تحقيق أحلامِنا
- ما تشدي حِيلك يا بلد!
- من أين نأتي بسوزان، لكلِّ طه حسين؟
- طواويسُنا الجميلةُ
- أنا أقولُها علنًا!
- وأين صاحبي حسن؟
- حينما للظلام وَبَرٌ
- الله كبير!
- -وهي مصر بتحبني؟-
- الحقلُ هو سجادةُ صلاتي
- مصرُ الكثيرةُ، وأمُّ كلثوم


المزيد.....




- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - القططُ المذعورة