أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ردُّ الأشياءِ إلى أسمائها الأولى














المزيد.....

ردُّ الأشياءِ إلى أسمائها الأولى


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2684 - 2009 / 6 / 21 - 08:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من أهمّ الأمور لعقد حوار ناجح بين طرفين أو أكثر، الاتفاقُ على المسميّات والمصطلحات، من أجل الوقوف على أرض واحدة في النقاش. فلن تُجدي مناقشة موضوعة الديمقراطية، مثلاً، بين مجموعة من الناس، بينما يختلف اثنان منهم على تعريف الكلمة. وينسحبُ الحالُ على كافة أمور الحياة وإشكالاتها، سواء المعياريّ منها، أي القابل للتقنين والتعيير والقياس، أو غير المعياريّ الذي لا يخضع إلا لأحكام الشخص الخاصة تبعًا لثقافته ومكونه المعرفيّ والحضاري والبيئي.
وحين نصفو إلى ذواتنا ونحاول أن نتأمل مفردات نستخدمها كثيرًا في نشاطنا اليومي، نكتشف أننا قد نستخدمها في غير سياقاتها الصحيحة. ذاك أن معناها الأول قد طمرته، عبر العصور، طبقاتٌ من التسييس، ثم تعمُّد التغييب، حتى لبستِ الكلماتُ في الأخير، لدى الأجيال الأحدث، أثوابًا ليست لها. وفي محاولة ردّ الأشياء إلى أسمائها الأولى نكتشف أن مفردة "المواطَنة"، تعني علاقةً بين مواطِنٍ ووطن. وهي علاقة تبادلية من حقوق وواجبات. هي كذلك علاقة مجتمعية وليست فردانية. فكما للمواطن حقوقٌ لدى وطنه ومواطنيه، فعليه واجباتٌ تجاه وطنه، وتجاه مواطنيه الذين ينتمون إلى هذا الوطن. أما مفردةُ "العقيدة"، فهي علاقة فردانية مطلقة. تقوم بين إنسان، مهما كان موطنه، وبين إله ما، يؤمن هذا الإنسانُ في ألوهيته هذا الكون. وهي من هذا المنطق علاقةٌ غير مجتمعية لا دخل للجغرافيا أو للمجتمع ولا "للآخر"، على إطلاقه، أدنى علاقة بها. وهنا، يتشعب اعتناقُ العقيدة من أحد نبعين. إما أن تكون هذه العقيدةُ موروثةً، وهو شأن السَّواد الأعظم من سكّان الأرض؛ فنجد اليهوديَّ، يهوديًّا، لأن أبويه يهوديان، فورث عنهما عقيدتيهما ومن ثَمَّ صار يهوديًّا، وينسحبُ الحالُ ذاته على المسيحيّ والمسلم، مثلما ينسحبُ على الهندوسيّ والبوذيّ، وسواهما من الأديان الوضعية، كما في الديانات السماوية الثلاث. وأما النبع الثاني فهو أن تكون العقيدةُ مُختارَةً. أي أن يختارَ الإنسانُ عقيدتَه بملء وعيه؛ ضاربًا صفحًا عن عقيدة أبويه. وهؤلاء قلّة نادرة في أرجاء العالم.
هم قِلَّةٌ نادرةٌ ليس بسبب حدودِ الردّة التي يطبّقُها الهيكلُ أو الكنيسةُ أو الأزهر أو العشيرةُ أو القبيلةُ أو أي سُلْطة دينيةً كانت أم عُرفية، على الشخصِ الذي يريدُ أن "يختارَ" عقيدتَه بملء إرادته، بدلَ أن يستسلمَ لاختيارٍ إرثيٍّ عَرَضيٍّ فُرِض عليه من قِبَل أسلافه، لا، بل هُم قِلَّةٌ بسبب الكسل والتواكل والارتكان إلى الأسهل. فالإنسانُ اعتاد أن يُسلّمَ ببعض الأمور القَدَريّة التي يرى أنها محكومةٌ ومحسومةٌ ولا مجال ثمة متاحًا لإعادة التفكير فيها. فمثلما نقبلُ لونَ جلودنا، التي فرضها علينا الجين البيولوجي، نقبل أسماءنا، التي اختارها لنا أبوانا، نقبل كذلك "دون تفكير" عقيدتنا التي اعتنقها، بالنيابة عنّا، سلفٌ قديم انبتّت بيننا وبينه سُبُلُ التواصل.
وحين أفكرُ في الأمر أندهشُ كثيرًا. كيف سنواجه اللهَ يومَ الحساب حين يسألُ أحدَنا: هل اخترتَ ديانتَك؟ فيجيبُ واحدُنا، بل استسلمتُ لما اُختيرَ لي من قِبَل أسلافي الذين لا أعرفهم! كيف يحقُّ لي، كمسلمةٍ، أن أفخرَ بعقيدتي وأشكرَ الله على نعمة الإسلام، وكيف يحقُّ للمسيحيّ، في المقابل، أن يفخرَ بعقيدته، ثم أساجلَه ويساجلني، وأُناحرَه ويناحرَني، ثم أُكفّرَه ويكفّرني، وقد أقتلُه أو يقتلني، بينما لم أخترْ أنا، ولم يختر هو، ما نتفاخرُ به ونتناحرُ، كلانا، من أجله؟!
وحين أنسلخُ عن ذاتيتي لبرهةٍ في محاولةٍ لتأمُل الأمر من منظور أوسع، أفكر أن الله تعالى بالقطع لا يريدُ منا ذلك. لا يريدنا ورثةَ عقائدَ، بل مُختارين تلك العقائد. يريد منّا أن نقرأ ونتأمل ونفكر ثم نذهب إليه يوم الحساب وقد اخترنا ما سنُسأل عنه، حتى نستحق جنّته التي وعد بها. يريدنا اللهُ جلّ وعلا أن نختاره بكامل وعينا وإدراكنا وإرادتنا، حتى نكون أهلاً لبُشراه لنا بالنعيم الخالد، لا أن نقبل ما قِيد لنا أو ما أُرغمنا عليه إرغامًا. من هنا تأتي عبقريةُ الآية القيّمة: " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ."
كتابي يقول: "إنما الدينُ عند الله الإسلام."، لكن بالتوراة كذلك، مثلما بالعهد الجديد، ما يقولُ مثل هذا القول عن اليهودية وعن المسيحية. وبالقطع يؤمن البوذيُّ والهندوسيُّ وغيرهما بمتانة معتقده، تماما مثلما يؤمنُ المسلمُ بمتانة عقيدته وواحديتها.
لذلك أندهشُ كلَّ الاندهاش من تطاحنات العقائد. والحقُّ أن العقائدَ لا تتطاحن، فجميعها تؤدي إلى الخالقِ الواحدِ الجميلِ الذي خلقَ لنا هذا الكونَ لنعمّره بالصلاح والجمال والحب والتعايش. إنما يتناحرُ معتنقو تلك العقائد الغافلون عن جوهر فكرة الخلق. ذاك أن العقائدَ والنظرياتِ، جميعَها، تدعو إلى الفضيلةِ والرُّقيِّ والتَّحابِّ بين الناس، لكن العطبَ، كلَّ العطبِ، دائمًا ما يأتي من مُطبّقي النظرياتِ ومعتنقي العقائد. وللحديث بقيةٌ حول المواطَنة. - جريدة "اليوم السابع 26/5/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواطَنة ودرس الفلسفة
- هذا شابٌ من جيلي
- مصر
- سألتُ الأستاذَ: لمَن نكتب؟
- وأكره اللي يقول: آمين!
- الغُوْلَة
- -شباب يفرح القلب-
- بل قولوا إنّا شبابٌ صغار!
- إنهم يذبحون الأخضرَ
- مصرُ التي خاطرهم
- القططُ المذعورة
- لا تأتِ الآن، فلسْنا أهلاً لك!
- أيها الطائرُ الخفيف، سلامٌ عليك
- فريدة النقّاش، صباحُ الخير
- عزازيل ومرآة ميدوزا
- لشدّ ما نحتاجُ إليكَ أيها الشارح
- قال: لا طاغوتَ يعْدِلُ طاغوتَ الكُهّان
- وإننا لا نبيعُ للكفار!
- أبريلُ أقسى الشهور
- احذروا هذا الرمز!


المزيد.....




- إيهود باراك: لا مبرر منطقيا للحرب مع إيران الآن
- مادورو يدعو يهود العالم لوقف جنون نتنياهو
- الاحتلال يفرض سياسة جديدة بعد 6 أيام من إغلاق المسجد الأقصى ...
- أفغانستان تغير تسمية -الجامعة الأمريكية- إلى -الجامعة الإسلا ...
- حرس الثورة الإسلامية يعتقل 5 جواسيس للموساد في لرستان
- آية الله مكارم شيرازي: الشعب الايراني يقف خلف سماحة قائد الث ...
- الدلالات الرمزية والدينية لتسميات العمليات العسكرية الإسرائي ...
- في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرا ...
- أحلى قناة لطفلك.. تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات ...
- معارك -آخر الزمان-: كيف تؤثر العقائد الدينية في المواجهة بين ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ردُّ الأشياءِ إلى أسمائها الأولى