أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - التردّد يا عزيزي أيْبَك!














المزيد.....

التردّد يا عزيزي أيْبَك!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2786 - 2009 / 10 / 1 - 01:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


العنوانُ هو إحدى أشهر العبارات في السينما المصرية "الأبيض والأسود" الجميلة. ورَدَتْ على لسان الفاتنة تحية كاريوكا حينما لعبت دور "شجرة الدّر" في فيلم "وا إسلاماه" عن رواية علي أحمد باكثير. وأما شجرة الدر فأول ملكة في الإسلام اشتهرت بذكائها وثقافتها الرفيعة وسعة حيلتها وقوة شخصيتها، إضافة إلى كبريائها التي كانت السبب الرئيس في هلاكها. تقلّدت تاجَ مصرَ واعتلت عرشها خلفا لزوجها الملك الراحل نجم الدين أيوب، ثم ولي عهده غياث الدين توران شاه. ساعد حسُّها العالي في الشأن الحربي على هزيمة الصليبيين عام 1250م، بعد عام من الحملة التي شنّها الصليبيون الغزاة على المسلمين عام 1249م. قيل إنها كانت تساعد الجنود بنفسها وتعدُّ الخططَ الحربية كأفضل ما يكون مخططو الحروب. وإضافة إلى دهائها العسكري والسياسيّ، أظهرتِ الملكةُ براعةً عزّ نظيرُها في الحكم وإدارة شؤون الدولة. كانت على دراية واعية بطبيعة شعبها ومتطلباتهم فنبذت ما سبقها من حكومات استبدادية ولم تتخذ قرارا إلا بعد مصادقة مجلس الشورى فشهدت مصرُ في عهدها عصرا زاهيا ومجيدا. ارتفع شأنُ الثقافة والشعراء، وعمَّ الخيرُ ونَعِمَ الفقراءُ في عهدها بالرغد. ويحسبُ لها أنها هي التي استنّت طقسَ تسيير المحمل كل عام من مصر إلى البيت الحرام بالحجاز في موسم الحج حاملا كسوة الكعبة والمؤن والأموال لأهل البيت مصحوبا بكتائب من الجيش لحماية الحجيج. رغم كل هذا المجد الذي حققته في ولايتها، لم يرق للسلفيين من الأمراء أن تتولى امرأةٌ حكمهم! طبعا! فاضطرت إلى الزواج من رجل تنصّبه ملكا هو عز الدين أيبك.
كل هذه المقدمة، غير الضرورية، من أجل أن أصل للجملة الفذّة عنوان المقال. "التردّد يا عزيزي أيبك!". قالتها تحية كاريوكا وابتسامةٌ فوق شفتيها تجمع بين الحنوّ على الزوج الملك، والسخرية من تردده وعدم جسارته. قالتها وعيناها متوقدتان بالعزم الواثق من النفس والكبرياء الرفيعة لامرأة تعرفُ أن قدراتها تفوق قدرات الرجال ملوكًا وأمراءَ وعساكرَ.
في ثقافتنا العربية نقول: "العجلةُ من الشيطان"، فيما تقول الثقافةُ الغربية: Devil takes the hindmost. يعني: الشيطانُ لا ينالُ إلا المتأخر. والفكرة هو افتراض أن الشيطان يطارد مجموعة من البشر ليقتنصهم، وبالتأكيد سيكون أولَّ المقتَنَصين هو الواقفُ في آخر الطابور، لأنه الأقربُ إلى قبضة الشيطان، ولأنه أيضا لن يجدَ من يحميه حال اقتناصه. وبديهيٌّ أن الحكمةَ الغربية لا تدعو إلى العجلة وعدم الروية عكس ما تدعو حكمتُنا، لكنها تنبه إلى خطورة التردد.
بعضُ الناس يظلُّ طيلة حياته يفكر في البدائل، وحين يقرُّ عزمُه في الأخير على بديل، لا يلبثُ أن يشك فيه. فلا يهنأ أبدا. ولو أثبتت له النتائجُ صحةَ اختياره، يظلُّ نادما على أنه لم يختر البديل الآخر. عيناه شاخصتان إلى الوراء في أسف أبدا. والأسفُ والندمُ مثلهما كمثل الثقب الأسود في السماء، أو مثلث برمودا في الأطلسي، لا يصلح للبناء فوقه، بل يغري للغوص فيه ثم التلاشي إلى الأبد. هذا هو طابور الخاسرين.
بينما الناجحون في الحياة يفكرون مليًّا، لكن من دون تردد ومن دون خوف، ثم يتخذون قرارهم رأسا ويمضون فيه. فإذا ما أثبتت لهم النتائجُ خطأ قرارهم لا يتوقفون لحظة للندم، (فاللحظة عند هؤلاء أثمن من أن تُهدَر)، بل ببساطة يعدّلون مسارهم نحو البديل الأصح. وهكذا يكسبون كثيرا. أولا متعة المغامرة، وثانيا عدم مقاساة شعور الندم المرّ، وثالثا النجاح. وقبل كل شيء وبعده متعة الثقة بالنفس وبالحياة.
حدثنا وليم جيمس، الفيلسوفُ الأميركيّ وأحدُ روّاد علم النفس الحديث، قائلا: "ليس أشقى من رجلٍ تأصّلت فيه عادةُ التردد، يجعل كلَّ عمل يبدأه موضعا للتردد، ويقضي نصفَ وقته في اتخاذ القرارات، والتحسّر على ما فات". أما كونفوشيوس العظيم فقد قال في السياق ذاته: "ليست العظمة في ألا تسقط أبدا، بل في أن تسقط ثم تنهضَ من جديد".




#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطارُ الوجعِ الجميل
- بوابةُ العَدَم
- الشَّحّاذ
- الإناءُ المصدوع
- الملاكُ يهبطُ في برلين
- ناعوت: الإبداع العربي الراهن فرسٌ جموح والحركة النقديّة عربة ...
- تحيةٌ للشيخ طنطاوي
- بالأمس فقدتُ مَلاكيَ الحارسَ
- مينا ساويرس، موحِّد القطرين!
- شوارعُ تُغنِّي بالفرح
- ذاك الذي غبارٌ عليه
- القتل صعب يا هنادي!
- يا صغيرتي، ليس كلُّ فأرٍ -جيري-
- أنا في طبلة المسحراتي!
- كيف يقرأ هؤلاء؟
- ترويعُ الأطفال، والاسمُ: مُلْتَحٍ
- الحضورُ موتًا،
- المِصَحْيَاتي
- السلطانُ والخُّفُّ الجِلديّ
- يا مباحثَ بلدنا، أحبيِّنا


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - التردّد يا عزيزي أيْبَك!