أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - عالم الرياضة - إكرام يوسف - تأملات مصرية غير كروية















المزيد.....

تأملات مصرية غير كروية


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 24 - 12:22
المحور: عالم الرياضة
    


مباراة مصر والجزائر الأولى في القاهرة: امتلأت شوارع المدينة بعشرات الآلاف من الشباب والصبايا يهتفون باسم مصر، ويلوحون بعلمها، ويغنون لها على دق الطبول.. المشهد كان مؤثرًا للغاية ومفرحًا. ومن منا لا يتأثر عندما يسمع اسم وطنه تردده حناجر عاشقة، ويرى علمه مرفرفًا بأيدي شباب من مختلف الطبقات والانتماءات الاجتماعية والثقافية والدينية؟ وحَّدتهم جميعا حماستهم الوطنية لاسم مصر الحبيب. فرغم الزحام الشديد ومشاركة الفتيات في الحشود لم نسمع عن حادثة تحرش واحدة.. يا الله! كم هو بديع مشهد توحد أبناء الوطن الواحد! وكم هو مدهش تساميهم في تلك اللحظة عن شتى أنواع الخلاف! انتشيت للمشهد الذي قابلته في طريقي للجريدة قبل ساعات من بدء المباراة..ثم سرحت بعيدًا، كم من هؤلاء الآلاف مستقر في وظيفته؟. وكم منهم آمن على مستقبله في هذا الوطن؟ وكم منهم يضمن أن يجد العلاج اللازم إذا لا قدر الله أصابه مرض؟ وكم منهم سوف يدفعه عشقه لمصر إلى رفض أي فرصة للسفر إلى الخارج من أجل لقمة العيش؟..

قررت أن أنحي عن ذهني هذه الأفكار حتى لا تفسد متعة متابعة المشهد البهيج.. وبدون قصد مني سرحت بعيدًا وتخيلت ماذا لو تحركت هذه الحشود بهذه الصورة السلمية الجميلة وبدقات طبولها وأناشيدها وأعلامها حتى قصر العروبة، ووقفت ـ فقط ـ تغني لمصر وتهتف باسمها الحبيب؟ ماذا سيكون رد فعل القوم في قصر الرئاسة؟ هل يهز وجدانهم اسم الوطن تترنم به شفاه الشباب والصبايا المتفتحين كزهور عباد الشمس وهم يتطلعون إلى شمس نهار أفضل؟ هل سيشفق الساكن في قصر العروبة على هؤلاء الأبناء وما يواجهونه وما ينتظرهم من جراء سياسات متواصلة مذ عقود؟ هل يحن قلبه وتناله عدوى عشق الوطن فيقرر إعادة النظر في كل ما كان، وما هو كائن، ويستجيب لطموحات وآمال هؤلاء العاشقين ويعيد الحقوق لصحابها ويعتذر عن كل ما تسبب فيه نظامه.. ثم، يمضي، مشيعًا بالحمد والشكر والعرفان؟ أم ستنطلق جحافل الأمن تنشب أظافرها في عشق هؤلاء العاشقين لوطنهم؟

كنت قد وصلت إلى مقر الجريدة فقررت أن أنحي عن ذهني التفكير في المباراة وألتفت لعملي، قرر الزملاء أن يتجمعوا في أحد طوابق المبنى لمتابعة المباراة، لكنني لم أشاركهم، فلست ممن يتحملون الشد العصبي، ولم أكن أبدًا من المهتمين بكرة القدم، ولا أتابعها عادة. وأذكر أنني كنت أسعد كثيرا وأنا صغيرة عندما أسمع عن تعادل فريقين، فذلك معناه ألا يحزن أحد!. أردت أن ينتهي اليوم على خير وأن يفوز منتخب مصر حتى لا يحزن من أحبهم.

واصلت عملي، وحيدة في الطابق الذي أعمل به، وعلمت بدخول هدف لصالح المنتخب الوطني من صيحات هائلة رجَّت المبنى. ثم قررت أن أنصرف قبل انتهاء المباراة لأتجنب زحام الشوارع. وأثناء سيري وحدي تقريبا في الشارع الخالي ألفيت سائق سيارة أجرة؛ عجوز، بادي الإجهاد، تغضنت ملامح وجهه بفعل سوء التعذية، ربما بأكثر من كبر السن. يجلس على رصيف الشارع، في يده كوب من الشاي الأسود وبالأخرى سيجارة، يستمع إلى صوت الإذاعة من سيارته. عندما مررت به، رفع رأسه فاردا يديه في أسى وقال بصوت يقطر مرارة وحزنا "مصر.. حتتغلب!"، اعتصر ألمه قلبي وأحسست أنه كان في أمس الحاجة لشخص يبثه همه، حتى لو كان امرأة غريبة تعبر الطريق، فقلت له "قول يا رب" فصرخ الرجل قائلاً: "يااارب!". مضيت وأنا أدعو الله في سري أن يفوز المنتخب حتى لا يبيت هذا العجوز حزيناً.

يوم المباراة الثانية بين الفريقين في السودان: تكرر مشهد الأعلام والهتاف والأناشيد، لكنني دهشت عندما قابلت أكثر من شخص يدعو ألا يفوز المنتخب المصري حتى لا يتعرض أبناءنا في الجزائر لمكروه! وعلمت أن أنباء ترددت عن جمهور جزائري حملته طائرات حربية إلى السودان، معظمه من الصبية المراهقين؛ وأنهم انطلقوا يشترون الأسلحة البيضاء من المتاجر السودانية ويحرقون أعلام مصر، ويتوعدون المصريين بأنهم لم يجيئوا من أجل المباراة وإنما بغرض الانتقام مما رددته صحيفة جزائرية عن مقتل مشجعين جزائريين في مصر، على الرغم من تكذيب السفير الجزائري على الفضائيات إلا أن الصحيفة المذكورة لم تنشر التكذيب، وواصلت صب الزيت على نيران استفزاز بدأها إعلاميون من الجانبين لإرضاء نزعاتهم الشيطانية على حساب مشاعر البسطاء.

ثم انتهت المباراة بفوز الفريق الجزائري، إلا أن جمهوره تملكته روح الانتقام، وانطلق في إثر المصريين بالسكاكين والمدى يروعهم ويصيب بعضًا منهم، ولم ينج من الانتقام متاجر مصرية في السودان، بل وبعض الأخوة السودانيين أنفسهم. وبدأنا نتابع استغاثات الجمهور المصري؛ البعض ضل طريقه في شوارع الخرطوم فرارًا من المهاجمين ولا يجد مخبأ يحتمي فيه، والبعض وجد المأوى في بيوت بعض أهالي الخرطوم الطيبين، وآخرون لاحقهم الحانقون حتى صالات مطار الخرطوم...إلخ. وإلى هنا، والأمرـ مع كامل الإدانة للاعتداءات والقلق على أبنائنا المصريين والغضب من أجلهم ـ يمكن فهمه: شحن إعلامي مبتذل على الجانبين أثار استفزاز البسطاء، وأدى الاختلاف بين تركيبة كل من الجمهورين في الخرطوم إلى تفاقم الموقف؛ الجمهور المصري معظمه من الفنانين والفنانات والإعلاميين والإعلاميات، والأسر التي اصطحبت أطفالها، ليس بمقدوره أن يدخل في معركة كهذه مع جمهور من الصبية الغاضبين، معظمهم تحت سن العشرين، مدفوعين برعونة السن وحمية الغضب، ومسلحين بأسلحة بيضاء في مواجهة العزل.

كنا ننتظر تحركا حكيما من الحكومتين لاحتواء الموقف، ومعاقبة الخارجين عن القانون، وحماية الضحايا المحاصرين. لكن ما حدث من تطورات ـ على الجانبين يثير الريبة: بدا أن الحكومتين حريصتان على استمرار الوضع ملتهبًا؛ كما لو أن فرصة ذهبية جاءتهما لإلهاء الشعبين، وصرف أنظارهما عن حقيقة واقعهما في ظل أنظمة الفساد والاستبداد. ففي نفس الوقت الذي كانت تدق فيه طبول الحرب بين الشعبين، نشرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي عن حالة الشفافية ومكافحة الفساد في العالم؛ وللمفارقة، احتل البلدان ـ مصر والجزائر ـ نفس المركز 111 على مستوى العالم وتشاركهما جيبوتي في نفس المركز!

الشعب المصري اكتشفت حكومته فجأة أن له كرامة لا يمكن أن تهان في الخارج، متناسية أن كرامة المصريين "الغلابة" من العمال وصغار الموظفين تتعرض منذ عقود للسحق في بلاد الأشقاء دون أن تهتز شعرة في رأس النظام. أم أن الإهانة هذه المرة سببت "وجعًا" لأن من تعرضوا للمهانة صفوة المجتمع الفني والإعلامي، وعلى رأسهم نجلا الرئيس الذي صوبت علب المشروبات الفارغة إلى المقصورة حيث يجلسان؟ وبدلا من أن يتحرك النظام المصري لحماية كرامة المصريين التي أهدرها بسياساته، يطلق صبيانه لشحن الجماهير الغاضبة أصلا حتى تتحرك للرد العفوي، دون أن يكلف نفسه عناء تحرك مسئول.

وبدلاً من أن يقوم النظامان الحاكمان بتحرك حكيم وفعَّال، تسابق الاثنان في صب المزيد من الزيت على نيران الغضب الشعبية، فمن تصريحات مستفزة لمسئولين من الجانبين، إلى مواصلة لحملات الردح الإعلامي. حتى أنني فوجئت بمذيع شاب في إحدى الإذاعات المصرية يقسم أنه لن يذيع أغنية لمطرب جزائري حتى آخر يوم في عمره! ـ عمر المذيع ـ ولا أعتقد أن طفلاً يمكنه أن يصدق أن هذا المذيع اتخذ القرار من نفسه من دون أن يستأذن المحطة الإذاعية، أو أن المسئولين في المحطة لم يحصلوا على الضوء الأخضر "من فوق".

ولا أعتقد أيضًا أن العمال المصريين في عدة شركات مصرية في الجزائر يمكن أن يحاصرهم صبية مستفزين، من دون أن يستطيع الأمن الجزائري تفريق المعتدين وحماية العمال العزل الذين لا ناقة لهم ولا جمل.

ألهذا الحد بلغت استهانة النظامين بشعبيهما؟ ألهذا الحد يمكن للرغبة في البقاء في الحكم أن تعمي الأعين وتصم الآذان؟ أم أن العيب فينا نحن الشعوب؟



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العربة والحصان.. أو فقه الأولويات 2-2
- العربة والحصان.. أو فقه الأولويات 1-2
- مصداقية البديل.. أعز ما تملك
- إلا أزهار البساتين!
- احذروا.. إنهم يحرفون البوصلة! مسميات ثورية بنكهة المارينز
- انتبهوا.. إنهم يسرقون الحلم!
- هلوسات.. بمناسبة يوم المرأة
- أزمة .. وتعدي 22
- أزمة .. وتعدي 1-2
- صعوبة ألا تكون سوى نفسك!
- المشتومون في الأرض!
- غزة قبل عشرة أعوام 2-2..البديل الثالث
- لا وقت للمزايدة.. الكل مدان
- قبل البكاء على لبن يسكب
- الآن، وليس غدا
- المثقف المخملي .. وأولاد الشوارع
- -الباشا-.. عريس
- سلمت يمينك يا فتى!
- سلمت يمينك يافتى!
- الفتى -الحي-.. وتجفيف المنابع!


المزيد.....




- محاكمة الرئيس السابق لاتحاد الكرة بإسبانيا بعدما قبّل لاعبة ...
- المصرية ميار شريف تحقق مفاجأة في روما
- مورينيو نادم على قرار خاطئ اتخذه.. وينتظر فرصة ثالثة
- الملحمة الكروية على ملعب -سانتياغو برنابيو-.. التشكيلة الأسا ...
- -الشيرنجيتو-: ريال مدريد وفايزة العماري طلبا من مبابي الصمت ...
- لماذا اختفت الكرة البرازيلية الجميلة؟
- جوائز ضخمة تنتظر لاعبي ريال مدريد حال بلوغ المجد الأوروبي
- تصنيع شعلة أولمبياد 2024 من -الخردة- وغسالات الملابس
- لقاء القمة.. جميع القنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد وبايرن ...
- بعد عربة الكشري.. مسؤول يعلق على فيديو -البط- في حمام السباح ...


المزيد.....

- مقدمة كتاب تاريخ شعبي لكرة القدم / ميكايل كوريا
- العربي بن مبارك أول من حمل لقب الجوهرة السوداء / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - عالم الرياضة - إكرام يوسف - تأملات مصرية غير كروية