أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن ظافرغريب - جائزة بيروت 39 hayfestival















المزيد.....



جائزة بيروت 39 hayfestival


محسن ظافرغريب

الحوار المتمدن-العدد: 2807 - 2009 / 10 / 22 - 23:47
المحور: الادب والفن
    


أصدرت لجنة مسابقة بيروت 39 التي ينظمها مهرجان hayfestival البريطاني في بيروت بياناً خلال مؤتمر صحافي عقد في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وأعلنت أسماء الفائزين بالمسابقة التي تم تنظيمها ضمن فعاليات بيروت عاصمة عالمية للكتاب .
http://www.hayfestival.com/beirut39/index.aspx?skinid=6

فوز 39 كاتباً عربياً من أصل 470 مشتركاً- جاء في البيان: بعد اجتماعات عدة عقدتها لجنة تحكيم مسابقة بيروت 39، في عواصم عربية، وأخيراً في بيروت، تم التوافق على الأسماء التسعة والثلاثين الذين سيشاركون في المهرجان الذي تنظمه مؤسسة "hayfestival" تحت عنوان (بيروت 39) بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية وفي إطار الاحتفال ببيروت عاصمة عالمية للكتاب. إلا أنه تجدر الإشارة الى أن اختيار الكتّاب الفائزين هو قرار يعود فقط إلى لجنة التحكيم التي عيّنتهــا مؤسسة "hayfestival" ولا علاقة لوزارة الثقافة اللبنانية بها .
وكان لافتاً في هذه المسابقة تناهي عدد كبير من الكتّاب العرب للمشاركة في هذه المسابقة التي شملت شعراء وروائيين يكتبون باللغة العربية وبلغات مختلفة فرنسية وإنكليزية وهولندية وإسبانية. وقد بلغ عدد المشاركين نحو 470 كاتباً وكاتبة من معظم الدول العربية
، ومن دول الاغتراب العربي، في أميركا وأوروبا.
ولفت بيان الجهة المنظمة إلى أن أعضاء لجنة التحكيم التي ترأسها الناقد المصري د. جابر عصفور، والتي ضمت الروائية اللبنانية علوية صبح، والشاعر العماني سيف الرحبي، والشاعر والناقد اللبناني عبده وازن، كان عليهم أن يراجعوا أعداداً كبيرة من الكتب التي أرسلها المؤلفون والناشرون من أجل قراءتها وفرزها. وقد اعتمدت لجنة التحكيم منهج الاختيار المتعاقب، فاختارت في البدء مئة اسم ثم ستين اسماً الى أن توصلت الى الأسماء التسعة والثلاثين بعد نقاشات طويلة وعرض للكتب. وكان النقاش يمتد أحياناً ساعات نظراً لوفرة الأسماء المهمة التي تستحق الفوز، وكان اختيار الأسماء صعباً واستلزم الكثير من الدقة والتأمل والتفكير .
ونوهّت مؤسسة hayfestival إلى أن الأسماء التسعـة والثلاثين التي اختيرت تمَّ اختيارها انطلاقاً من رسوخ نتاجها الإبداعي، روائياً وقصصياً وشعرياً، وما يمثل من أصالة وتحديث في الوقت نفسه، ومن استجابة للمعايير الأدبية والنقدية. إنها أصوات مبدعين شباب، استطاعوا أن يكوّنوا شخصياتهم وأن يفرضوا تجاربهم، متميزين بأساليبهم الخاصة ولغاتهم ومقارباتهم، ورؤاهم أو مواقفهم .
إن اختيار هؤلاء لا يعني أن لائحة المشاركين لم تحفـل بأسماء أخرى مهمة، فالأسماء التي كانت تستحق الفوز في المسابقة ليست قليلة البتة، لكن الالتزام بقاعدة المسابقة التي تتبعها مؤسسة hayfestival باختيار 39 اسماً، هو الذي جعل الحظ غير محالف لها كلها .
وللتنويه بالأدب العربي الشاب الذي يتمتع بخصال لافتة وخصائص فريدة. ولعل جيل الشباب هو الذي سيصنع مستقبل الأدب العربي ، قبل أن يُوجّه الشكر إلى مجلة Banipal (أعلن في لندن 24 أيلول 2004 عن تأسيس " مؤسسة بانيبال للأدب العربي The Banipal Trust for Arab Literature " مؤسسة غير ربحية، مهمتها دعم نشر الأدب العربي في العالم http://www.banipal.co.uk/)، بشخص محرّريها مارغريت أوبانك وصموئيل شمعون، والتي ساهمت في جمع الأسماء وترتيب الكتب ومساعدة لجنة التحكيم في إدراجها داخل المسابقة .

الفائزون: عبدالله ثابت (السعودية)، عبدالعزيز الراشدي (المغرب)، عبدالقادر بن علي (المغرب، يكتب بالهولندية)، عبدالرحيم الخصار (المغرب)، عبدالرزاق بوكبة (الجزائر)، عبدالله طايع (المغرب، يكتب بالفرنسية)، عدنية شبلي (فلسطين)،/ أحمد سعداوي (العراق)/، أحمد يماني (مصر)، علاء حليحل (فلسطين)، يحيى أمقاسم (السعودية)،/ باسم الأنصار (العراق)/، ديمة ونوس (سورية)، فايزة غوين (الجزائر، تكتب بالفرنسية)، هالة كوثراني (لبنان)، حمدي الجزار (مصر)، حسين العبري (عمان)، حسين جلعاد (الأردن)، هيام يارد (لبنان، تكتب بالفرنسية)، إسلام سمحان (الأردن)، جمانة حداد (لبنان)، كمال الرياحي (تونس)، منصور الصويم (السودان)، منصورة عز الدين (مصر)، محمد حسن علوان (السعودية)، محمد صلاح العزب (مصر)، نجاة علي (مصر)، نجوى بن شتوان (ليبيا)، نجوان درويش (فلسطين)، ناظم السيّد (لبنان)، ربيع جابر (لبنان)، رندا جرار (فلسطين، تكتب بالإنكليزية)، روزا ياسين حسن (سورية)، سمر يزبك (سورية)، سامر أبو هواش (فلسطين)، وجدي الأهدل (اليمن)، ياسين عدنان (المغرب)، يوسف رخا (مصر)، زكي بيضون (لبنان).


أحمد سعداوي: روائي وشاعر ورسام وصحفي عراقي، ولادته في بغداد 1973. عمل ككاتب ريبورتاج في العديد من الصحف والمجلات والمؤسسات الصحفية المحلية، وعمل مراسلاً ل BBC في بغداد 2005-2007. يعمل حالياً في إنتاج وكتابة الافلام الوثائقية وأعداد البرامج التلفزية
وكتابة السيناريو. ويعمل مراسلاً لوكالة (MICT)الألمانية ومقرها برلين. وينشر بشكل منتظم في صحف، الصباح، الصباح الجديد، المدى. ومجلات الاسبوعية، الشبكة، تواصل. وجميعها تصدر في بغداد.

اصدر في مجال الشعر:

ـ الوثن الغازي، مجموعة، بغداد 1997.

ـ نجاة زائدة، مجموعة، بغداد 1999.

ـ عيد الاغنيات السيئة، مجموعة، مدريد، دار ألواح 2001.

ـ صورتي وأنا أحلم، مجموعة، بغداد 2002.

مرآة

الكل أمام المرآة ويرونه

الكل يريد إطلاق النيران عليه

أنا مخير

أن أكون في صفهم

أو صفه

ولا يتركون لي

أن أظل هذه المرآة

مرآة.. فحسب.

هجرة

صامتاً

أطعمُ العصافيرَ

فتاتي موزع في أحشائها.

بقيت قطعة مني

تغري

عصفورها المرسوم

على الحائط.


عزلة

كي يخرج من عزلته

ها هو ذا

يعلم الآخرين

الدخول إليه.

برابرة

حين عاد الملك والقضاة

من أسوار المدينة

كان البرابرة هناك

في مكمنهم

يملأون كل مرايا المدينة.


حلوى

الشعراء الحلوانيون

جابوا بعرباتهم

طرق الليل والنهار

يبيعون للكبار والصغار

حلوى ملفوفة بالشعر.

يأكل الكبار الحلوى

ويلعق الأطفال

الورق المحلى بالقصائد.

وفي الرواية:

ـ البلد الجميل، دار الشؤون الثقافية ببغداد 2004. فازت بالجائزة الأولى للرواية العربية بدبي 2005.

ـ إنه يحلم، أو يلعب، أو يموت، دار المدى، دمشق 2008.

أحمد سعداوي في القصة:

ـ اللعب في الغرف المجاورة، مخطوطة، نشرت اغلب نصوصها في الصحف والدوريات العربية والعراقية.

مقطع من رواية/ أحمد سعداوي

--------------------------------------------------------------------------------

مقطع من رواية (إنه يحلم، او يلعب، او يموت)


أحمد سعداوي

أنا سائق التكسي. طبعاً يمكن الافتراض أنني صباغ الاحذية في الباب الشرقي، او عامل الكبة في المعامل الخلفية لعلوة جميلة. أنا ضابط متقاعد بعد ان تحلل الجيش كيمياوياً وعاد الى عناصره الاولية: رجال، وارض، واسلحة تلاشت او تحولت الى خردة غير مفيدة. ولكني لم اختر ذلك. لا اعرف من الذي قال: (المهنة تختار صاحبها)، لذا انا سائق التكسي التي اختارتني، أليس كذلك؟!

* * *

ولكن، لماذا اغامر. انا لا افهم هذه الكلمات، انها تضبب الرؤية امامي، مثل مطر شديد على الزجاجة الامامية، في وقت لا تعمل الماسحات فيه.
أنا اعرف فقط العاهرات الفموية في زيونة وشارع السعدون، وهذا طبعاً ليس ذنبي، فانا غير قادر على فضح اسمي او منح اية معلومات لا يريدها اللسان الذي اتحدث به الان، والذي غدا لساني دون إرادة مني.
أنا اعرف فقط ان السابلة يختفون دائماً، وبحركة متسارعة، الى الوراء. العالم كله يرجع الى الوراء على نوافذ الابواب في سيارتي، وانا اتقدم. اطارات هانكوك الجديدة في سيارتي لا تعرف الاستدارة، حين تستدير، ولا تعرف شيئاً، انها تتقدم فحسب. تدور حول نفسها ابداً،
حتى عندما تتآكل ويتم التخلص منها، تبقى استدارتها المهملة اشارة للتقدم الممكن الذي مازال ينبض فيها.

* * *

هل يفكر سائق له علاقة بالعاهرات الفموية بهذه الطريقة؟ لا اعرف. لأن حديثي يجري على لسانٍ غدا دون تدخل مني لساني الان.
ورغم اني قد لا افهم الكثير مما سأقول، ولكن هذا لا يهم، لأن عليّ التقدم فحسب، فسيارة الكرونا موديل 82 هي التي اختارتني، وانا اتقدم معها، رغم ان التقدم غدا عسيراً، ولا يبدو الامر مفهوماً، فالكل يتحدث منذ رحيل الريس عن التقدم، ولكني لا ارى ذلك. كس اخت الريس طبعاً، هذا اولاً، ولكن ثانياً، انا ارى السابلة يتقدمون، وسيارتي تنحشر دائماً في زحام طويل ومخيف. السابلة يتقدمون، الجنس البشري يتقدم للأمام دون معونة الآلة. آه.. رومانسية روسو. آخ.. أنا السائق المحب للعاهرات الفموية اتحدث عن روسو الان!

* * *

لا ادري كيف تذكرت الواجبات الليلية المغموسة ببرد سيبيريا، هناك، في عراء الحدود مع إيران، حين اضطررت للمبيت ببطانية وبراد شاي خلف مئة وثلاث وستين سيارة، كانت مصفوفة امام سيارتي عند محطة وقود (ابو قلام) في الكرادة.
الغريب أنني استفدت كثيراً من قاموس خدمتي العسكرية في هذه الايام التعبانة. لقد قال لي ذلك الشاب الذي ركب معي في تلك الليلة من مدخل شارع الكفاح اننا نسير في حقل ألغام، واعجبني ذلك، رغم اني نذرت أن اذبح خروفاً أمام ضريح العباس لو سلمني الله من حكاية حقول الالغام إبان الثمانينيات. انني اتقدم الان، وبطريقة مقلقة، داخل حقل إلغام حقيقي، أو أمر في كثير من الأحيان بجوار سيارة نسفتها هذه الألغام الغامضة، وحولتها الى ما يشبه صفيحة مجعلكة ومحروقة.

* * *

لم افكر أنني في يوم ما، ونتيجة اصراري على التقدم، سأتحول الى عصفٍ مأكول. ولكني في ثمانينيات العبث البعثي كنت ارى بوضوح، فليس عليّ [شوف الفايخ] إن اردت النجاة من الألغام، سوى مغادرة هذه الحدود الجرداء والعودة الى المدن، مدينتي، او أية مدينة تختارها القيادة الحكيمة.
ولكن، سأغادر ماذا، للنجاة من هذه الألغام هنا ؟! آه.. خرب عرضك روسو، علينا التقدم للأمام ومغادرة المدن إذن !

____________________________

مساء الأفكار غير المجدية

قصة قصيرة

* أحمد سعداوي

1 ـ

كانوا جزءاً من طائفة غير معروفة، تمثل امتداداً لذلك التقليد العريق في استدعاء المخلص، والذي يضمر حيناً من الدهر ثم ينبثق بقوة في فترات لاحقة. لكن المخلص الذي بحثوا عنه، هناك في غرفة قذرة الحيطان في منطقة البتاوين، بين العمال السودانيين المهاجرين الى العراق. هذا المخلص يشبه الوجوه الداكنة للقادمين من منابع النيل المتشعبة، والذين لا يدينون بدين الاسلام. ويشبه الليل الذي يقودهم سكارى الى هذه الغرفة المعتمة، ويقذفهم عند الصباح الى المصاطب الحديدية لمقهى صغير في زاوية الشارع.

كان اكبرهم يعرّف المخلص بانه الذي يبعد يوم الالتحاق ويقرب يوم الاجازة. ذلك الذي ينهي الحرب، ولا يبدأ بحرب ثانية. ذلك الذي يقفل محاجر النساء عن البكاء السريع مع أي هبة حزن خفيفة، في مساءات الصيف العراقي اللاهب. وذلك الذي يأكل من صمون الجيش، ولا يطلق أطلاقة واحدة على العدو.

كانوا يهربون من أي طقس، مجرد الجلوس طقس، ومجرد الوقوف طقس آخر. العادات التي تتكرر طقس لا مفر منه. لذا تفرقوا قبل نهاية الحرب بأشهر، ولم يعودوا الى مخدعهم السري. وظلت افكارهم حول يوم الخلاص مجرد افكار غير مستعملة، اضيفت الى قائمة طويلة من منتجات التفكير غير المجدي، والذي بذلت البشرية في سبيله الكثير من الجهد الضائع.



أستيقظ هذا الصباح، وعلى غير العادة تنبثق كل تلك الافكار غير المجدية دفعة واحدة في رأسي. فيداهمني صداع سريع، لا يقضي عليه قدح الشاي الصباحي الداكن، ولا أي تدليك للصدغين، ولا أي حبة اسبرين.

أعرف بأنهم قتلوا جميعاً، وكما تقول مقررات طائفتنا السرية، فأن من لا يؤمن سيلقى جزاء كفره. انت من ارتضيت ان تكون وعاءً للحقيقة الإلهية، وليس عليك بعد ذلك ان تتخلى عنها، ان تتخلى عن كونك وعاءً. فمن يتلقى الحقيقة الالهية، أما ان يحملها، أو تقضي عليه. وليس من خيار ثالث.

هل كان لسكرنا الطويل سبب في هذه الافكار غير المجدية، أم يأسنا من أي مخلص ومنجي؟ لا اعرف بالضبط، ولكني كنت من السذاجة بما جعلني الاكثر ايماناً بينهم، لذا سرعان ما قتلوا تباعاً بأكثر الطرق بشاعة، وبقيت أنا، حياً ومؤمناً بحياتي.

3 ـ

اليوم تحل الذكرى السابعة عشرة للمجزرة التي حلت بطائفتي. لقد ذهبوا جميعاً الى المسلخ المقام على الحدود، في وادي الموت الذي يعقب بستان حمد بخمس كيلومترات، ولم يعودوا في الاجازة التالية.

ذهبت الى البتاوين وحدي. أخذت مشروباً كافياً لنا نحن الثمانية، وشربت كل شيء، تجلت لي الحقيقة هناك، في ذلك المساء، وأنا اسمع الاغاني السودانية الشعبية تأتي من أسفل البناية. لقد ذهبوا الى غير رجعة إذن. شربت لوحدي، ثم بدأت اشرب في الايام اللاحقة مع سودانيين هاجروا حديثاً الى العراق، وبدأت اعلمهم مبادئ عقيدتي.

كانوا يشربون ولا يستمعون لما اقول. ويتكلمون فيما بينهم باللغة الامهرية التي لا افهمها. لم يكونوا سودانيين اذن، كانوا من الحبشة.

وفي الليلة الاخيرة من اجازتي، جاءني ذلك الاصغر سناً بينهم وقال لي:

ـ عليك ان تقلب الكلام المقدس الذي نثرته علينا. لسنا مثلكم. يجب ان نعود الى السودان في يوم ما، ولا نريد ان نظل اثيوبيين حتى ذلك الوقت.

4 ـ

كان للمشروب علاقة بالحقيقة التي وصل اليها هؤلاء العمال سيئو الحظ. وتوقفت من ليلتها عن النطق بأي شيء. وغدت عقيدتي غصة دائمة في صدري.

5 ـ

في هذا المساء، وأنا أتطوح بكل الافكار غير المستعملة، سائراً على طرق مدينتي، ولا ارى أحداً. أسمع نداء الاستغاثة يتناثر من سيارة شرطة مسرعة، تمخر الشارع الخالي، ولا من مجيب. واضع زجاجة العرق الصغيرة في جيب البنطلون، أدسها بعيداً مثل أي سكير عتيق. وأعرف بأن لا احد سينتبه الى شيء. لم يحدث في الحقيقة أي شيء منذ زمن طويل. مازلت اتسكع كل ليلة، في طريق عودتي الى البيت، ولا أجد البيت، وأفقد الطريق. واقف فجأة وكأني استجيب لهاتف يصدح صوته في الخلاء، ويسمرني بأوامر لا ترد.

اطرق على رأسي بيدي الاثنتين، ولا تهدأ الاصوات. أصوات رفاقي الذين لم يؤمنوا بما يكفي، لكي يستمروا في هذه الحياة البائسة، ويخالطني ندم عميق يزاحم هيمنة الاصوات على روحي، فما الذي جنيته من هذه السنوات؟ أما كان من الافضل أن تنقرض طائفتي معي الى الابد، كما حدث الامر مع الكثير من الفرق والملل والنحل عبر التاريخ؟ لماذا ابقاني الله شاهداً وحيداً، شاهداً لا يرغب بالاستماع الى شهادته أحد؟ ومن سأورث علمي إن كان الجميع يموتون قبلي؟

6 ـ

في الذكرى السابعة عشرة لخروجي المبرم من البتاوين، وتمسكي الشديد بالمخلص الذي سيسكت القذائف، ويجلب الحافلة على الطريق الترابية المؤدية الى شيخ سعد، هذا المخلص الذي سيمنحني علبة روثمان مقابل لا شيء، ويجعلني اتزوج من الموظفات ما اريد، وفي اليوم اللاحق للعرس لا ترد العروس على تحيتي الصباحية، وأكون سعيداً رغم ذلك.

هذا المخلص الذي يشبه وجوه الممثلين الهنود في بوسترات شارع السعدون البالية عند واجهات السينمات المغلقة. ويشبه بائع العرقسوس، وأنا عطشان وخالي الوفاض. يشبه سمكة طويلة بخمسة وعشرين الف دينار، على عربة خشبية باردة، وأنا ذاهب الى اشهر محل لبيع الفلافل في بغداد. في هذه الذكرى، وفي ذكرى السنة التي تليها، والتي بعدها، سأكون جاهزاً لعرض كل افكاري غير المستعملة، وغير النافعة على من يريد. أنا الذي اؤمن أكثر من أي رجل وامرأة يمشيان معاً، وأؤمن أكثر من أي طريق دمرته مياه الامطار وكثرة السابلة. أنا الذي سلكت الليل والنهار بأحذية اصدقائي، وبقيت في أعماقي حافياً من أي خطوة.

ها انذا اعرف الوفاء العميق لأبناء طائفتي المنقرضين، سأترك كل شيء، وأختلي بأفكاري غير المفيدة او المجدية. سأحيي ذكركم أيها الفانون، وذكر ما لم تؤمنوا به بشدة. أجلب قدح شاي من المطبخ، واغلق باب غرفتي، وأتفرغ منذ الليلة لتدوين كتابي المقدس.

كتب مشتركة:

ـ جروح في شجر النخيل، شهادات لمؤلفين عراقيين، دار الساقي، لندن 2007.

ـ المكان العراقي، نصوص لكتاب عراقيين، معهد الدراسات الإستراتيجية في بيروت 2008.

ـ نشرت له اخبار الادب المصرية ملفاً خاصاً عن كتابه " رأسي "، في عددها الاخير لعام 2000، والكتاب عبارة عن اربعين لوحة كاريكاتيرية عن علاقة الرأس بالجسد. تضمن الملف مقالات احتفائية لجملة من الكتاب المصريين مع 24 لوحة من الكتاب بما فيها لوحة غلاف العدد.

ـ حاز على الجائزة الأولى في مهرجان الصحافة العراقية فرع الريبورتاج 2004.

أحمد سعداوي:حـوارسطوة التاريخ تتجسّـد بأشكال مختلفة
حاوره: نصيف فلك
قبل ايام صدرت للكاتب احمد سعداوي رواية (انه يحلم،أو يلعب،أو يموت)عن دار المدى ،وهي الثانية بعد رواية(البلد الجميل)التي فازت بالجائزة الأولى لمسابقة الصدى الاماراتية للرواية سنة(2005)

روايته الجديدةهذه تحمل بصمة مأساة تتهكم على نفسها بفم جرحها المدمى،فقد كثف فيها الكاتب كوارث وحروبا واحداث تاريخ امتدت نازفة طوال ثلاثين سنة،كثفها احمد سعداوي في كتاب لا تتعدى صفحاته المئتين من خلال استخدامه تقنيات جديدة لم يألفها السرد العراقي.وحول هذه الرواية وتلك التقنيات نحاول هنا المرور سريعا باثارة أسئلة عن طاقات السرد في قول ما فشل فيه التاريخ وعجزت عن الاحاطة به بقية الاجناس الادبية فكان لنا هذا الحوار معه:
طاقة السرد اللامتناهية
روايتك (انه يحلم،أو يلعب،أو يموت) هي الكتاب الثاني بعد رواية (البلد الجميل)، هل هي خطوة ثانية لمشروعك السردي ولمخطط الرؤيا تحاول فيه الخروج من ورطة الحياة ومأزق العالم الذي وجدت نفسك فيه بلا
اختيار وبدون ارادة مسبقة، كيف تشعر بأنك على الطريق الصحيح في خطوتك الثانية
هذه؟
ـ هذه الرواية هي تجربة ضمن مشغلي الروائي، لا افهم الامر على انه خطوات متتابعة، هناك حفر في اتجاهات عدة داخل المشغل، وكل رواية عندي لها مسارها الخاص. في الوقت الذي انهيت في "إنه يحلم.. " كانت لدي روايات اخرى غير مكتملة، الرواية عندي حلم، والاحلام لا تتشابه، ولا تسير في رتل مثل خط مستقيم. وفي الوقت الذي يظل الحلم فيه مسيطراً على آخرين، اقوم انا بأنجازه مهما كلف الامر من مشقة وخسائر شخصية. ثم اتفرغ لملاحقة حلم آخر، وهكذا. في روايتي الجديدة هناك مجازفة بالاشتباك مع حدث راهن ما زال ساخناً. ففي الوقت الذي كان الاطار الزمني/ التاريخي لـ"البلد الجميل" يتحدث عن عقد التسعينيات، بكل ما حفل من متغيرات كبيرة في المجتمع العراقي، تتحدث الرواية الجديدة عن لحظتنا الراهنة، والاحداث الجارية في هذه اللحظة، والتي بسبب راهنيتها، تكون فاقدة للشعرية. وهنا التحدي. ان تنافس القراءة الاعلامية الضاغطة بقوة على المشهد الحياتي في العراق. لكي تنتزع مكونات لمسار شعري. مسار لقراءة مختلفة لهذا الواقع والمشهد الحياتي. ولكي تنشئ قصة، تسقط تفاصيلها من القراءة العامة التي تنجزها وسائل الاعلام. قصة تنشئ موقع لنظر مختلف للحياة. ولقيمتها، ولمحاكمة اللحظة الراهنة ايضاً.
* ربما تكون الرواية المنفذ الوحيد من بين أجناس الكتابة في الدخول الى قلعة التاريخ والاشتباك معه في زحزحة الوثوقية الصارمة التي يتمترس بها، حيث يتم ذلك من خلال سرد التاريخ الشخصي الذي يوازي خط التاريخ العام، يتحارش به يحفره ويستخرج حيوات طمرتها آلات صناعة وانتاج التاريخ، كيف تعاملت مع هذا التاريخ في روايتك (انه يحلم،أو يلعب،أو يموت) وبأية تقنية سردية اخترتها لتكون أفضل وأقصر طريقة للفضح والتعرية مع عدم اغفال عناصر المتعة داخل مناخ العمل الجاد؟
ـ هناك من قرأ هذه الرواية على انها رواية كوميدية او فكاهية. وهذه القراءة لها مرتكزاتها في الرواية طبعاً. ولنا ان نصوغ هنا موقفاً افتراضياً للرواية (هذه الرواية وجنس الرواية عموماً)، حين تكون الفكاهة هي النافذة التي نطل من خلالها على التاريخ. كم من المواقف الحياتية التي نمر بها تحتمل القراءة الفكاهية؟ حتى هذا الحوار يستبطن موقفاً فكاهياً. كل موقف جاد وبالغ الصرامة يختزن في داخله، ويقاوم ايضاً، الوجه الفكاهي له، الوجه الاخر المغيب بقوة. وهذا امر واقعي جداً.
روايتي كانت تختزن هذا الموقف الواقعي. فالبطل كان يسعى لمركزة العالم حول ذاته، وحول مأساته، ولكن الرواية تنتهي بكونه مجرد برغي صغير في اللعبة الكبيرة. هناك سخرية للرواية من بطلها الاساسي، وبالامكان التقاط العديد من المواقف والاشارات في الرواية الى هذه السخرية التي تتجسد كموقف اساسي ازاء الوجود والتاريخ.
وقدر تعلق الامر بسؤالك عن اشتباك جنس الرواية مع التاريخ، لم تكن الرواية مشغولة كثيراً بتقديم قراءة مغايرة للتاريخ بالمعنى المتداول، بقدر سعيها لتوصيف مساعي الفرد للتخلص من سطوة التاريخ. نحن هنا في العراق أكثر شعوب الارض تعرضاً لسحق القوة التاريخية. نحن ابناء ارض قديمة، والاراضي القديمة تكبل ابناءها بسلاسل التاريخ.
وهذا المسعى للتخلص من سطوة التاريخ تجسد في الرواية باشكال مختلفة يبدأ من عنوان الرواية، فليس هناك شيء مؤكد، حيث كل ما يجري واقع تحت عدة مقترحات او احتمالات، فكل ما يجري سيكون حلماً او لعبة، او مساراً لموت مؤكد. وكنت قد وضعت بيتاً للمتنبي في مطلع الرواية في نسختها الاولى يؤكد هذه الاحتمالية التي أراها اكثر أصالة من الحقيقة النهائية. يقول البيت على ما اذكر:
وأياً كنت يا طرقي فكوني.. نجاةً او أذاةً او هلاكا
ليس هناك شيء عند العراقي أكثر جاذبية من التخلص من التاريخ. حتى لدى ابسط الناس، انه الحلم الاكثر تجذراً لديه، كل عراقي يفكر دائماً بالتخلص من حياته احياناً، ان يكون تايلندياً مثلاً او اسبانياً، ان يعيد عجلة (التاريخ) الى الوراء، لكي يتخذ الخيار الآخر الذي لم يتخذه وندم عليه الآن. الاحتمالية هي واقع نعيشه كل يوم. والرواية التقطت هذا الواقع واشتغلت عليه.
العراقيون الآن اصبحوا اميركيين ودانماركيين وسويديين وكنديين، وحتى جنوب افريقيين، ولكنهم لم يتخلصوا من سطوة التاريخ ابداً. هذا الامر لا يعيشه الاميركي مثلاً ولا الاسترالي ولا حتى البريطاني الانغلوساكسوني الذي يستجيب لحقيقة ان البريطاني أمر يمكن صناعته في ظرف بضعة سنين، وبدون الحاجة الى التاريخ اصلاً.
* اثارت رويتك الجديدة (انه يحلم،أو يلعب،أو يموت) ردود افعال متطرفة من القراء فالبعض يصفها بالهائلة والرائعة وانها فتح جديد في السرد العراقي والبعض الاخر على قلتهم يقولون انها لا تستحق القراءة، أين سنعثر على رأي معتدل لا يلغي ولا يطير بها للسماء، ولماذا برأيك هذا التطرف؟
ـ الرواية حديثة الصدور، واصدار رواية لا يشبه اطلاق فيديو كليب، الاستجابة الى الرواية امر يطول. أنت تكتب الاف الكلمات، وتنشئ عالماً كاملاً، والتواصل مع الكتاب بهذا الوصف أمر لا يحتكم للاستجابات السريعة. بامكانك ان تكتب قصيدة في ليلة، وتنشرها في اليوم التالي، وترى الانطباعات حولها في اليوم الثالث. ولكن ضريبة الرواية انها تكتب في بضع سنين، ويتم تمثلها والاستجابة لها في بضع سنين ايضاً. وعلى الكاتب ان ينتظر استقرار القراءة العامة لكي يرى حصيلة الاستجابة الفعلية. ولدينا امثلة كثيرة على هذا الامر، بالاضافة الى انني ازعم بان الرواية (روايتي) حفلت بأشياء جديدة وغير مألوفة، ازعم بانها رواية جديدة تماماً، ربما تخلق حاجزاً مزاجياً لدى القراءة الاولى. وهذا لا يلغي ان القراءة الذكية والمنصتة لجوانيات العمل تستطيع تكوين حكم سريع لصالح الرواية.
استغرق الامر مني بضع سنين لكي ارى فاعلية "البلد الجميل" في القراءة، والاستجابة الجيدة التي فاقت في بعض الاحيان توقعاتي. بالاضافة الى تلقي اكثر من عرضين لتحويلها الى فيلم سينمائي، وآخر لتحويلها الى مسلسل تلفزيوني، بالاضافة الى عرضين للترجمة، أحدها للفارسية والآخر للالمانية، وتقديمها كجزء من متطلبات اطروحة للماجستير في جامعة بغداد، وغيرها. من جانب آخر فان تنوع الانطباعات واختلافها يؤشر فاعلية الرواية، وأي مبدع حقيقي عليه ان يتوقع دائماً اشد الاراء تطرفاً حول عمله، إن كانت مؤيدة او معارضة.
* استخدمت في روايتك تقنيات ربما تبدو للقراء صعبة ومعقدة خاصة في فصل(حميد وهاميت) ومصطلح الهنانك الذي هو ليس هنا ولا هناك، وما الغاية من فصل (تعطيل الحكاية) اذا كنت تروي لنا بالاساس حكاية، هل تجد نفسك قد برعت واجدت في استخدامك لهذه التقنيات وهل كانت ضرورتها ملحة جدا ؟
- هذه طبعاً خمسة اسئلة وليس سؤالاً واحداً. وانت تتوقع مني جواباً واحداً عليها. على اية حال، فيما يتعلق بالتقنيات المستخدمة في الرواية، الرواية مشغولة بلغة دقيقة ومؤدية، لغة عالية الاقتصاد والكثافة، ومن يقرأ بتأن لن يجد أية صعوبة او تعقيد، ليس هناك جملة في الرواية لا يمكن تصورها او تخيلها في ذهن القارئ، أما عن التفسير العام فهو منوط بطبيعة تلقي الرواية عند القارئ. اما عن "تعطيل الحكاية" فهو يردنا الى "حكاية التاريخ"، والذات التي تريد تعطيل حكاية التاريخ لكي تروي حكايتها الناسفة لأية حكاية مستقرة ومكتفية بذاتها. و الخ الخ.
أما عن الإجادة والبراعة فهما أمران نتركهما للتاريخ.

هل تنبغي قراءة أحمد سعداوي ؟
خضير ميري :
لسبب ما، تحدث جاك دريدا، ذات مرة، عن علاقة قرابة حميمة بين الكتابة والموت، على أن الكتابة الجيدة تعكس الموت أكثر، تسرق تفاصيله وتجعله أكثر حياةً من الحياة نفسها.. ولذات السبب أو ربما لأسباب ليست كلها نقدية،

تتمرد كتابة أحمد سعداوي وتأخذ شكلها الجديد داخل واقع السردية العراقية اليوم، ذلك لأن سعداوي يقلل من حجم ما هو مألوف في المسرود العراقي القائم على التراكم والتجريد.. ويدفع الموت الى داخل المروي بمحاربة السرد نفسه وجعله مقبوضاً عليه داخل عناصر من الاقتصاد واللمسة والبخل في الإرواء، وأحمد سعداوي، شاب مجهد، يعمل طوال الليل ويقدم أوراقه بعناية شديدة مضروبة على آلة الحاسوب استطاع أن يخترع له داخل أعلى درجات الموت والخراب بلداً جميلاً لا واقع فيه سوى القلم والورقة التي يكتب عليها، يتفكر، بعناية فلسفية بما يقول ويكتب، وقد استطاع ان يجمع مميزاته المبكرة داخل مشروع روائي أستطيع أن أبصر أهميته من وقع أقدامه على الطريق الشائك، ولعل ما يدفع القارئ الى النفور منه وعدم التعاطف الفوري معه، هو درجة التوتر العالية في جمله السردية، وولعه بالتفاهة اليومية والتفاصيل النافلة المطلوبة لكتابة أي عمل جيد فضلاً عن انعدام القيم الأخلاقية في أعماله وتأثره الواضح بمناخات الرواية العالمية دون احتقار لمادته العراقية في الخلق والبناء... لقد استوقفني هذا الشاب الجميل، وسعيت لقراءته من”كل عقلي “ فوجدته مرأ فأدمنت عليه، ولم أجد انصافاً مشابهاً، في النقدية العراقية التي تسجل غياباً ملحوظاً هذه الأيام، بالرغم من أنني، لا أنصح بقراءة كتابات أحمد سعداوي، على الأقل من قبل الذين يخبزون كتابة الروايات كل يوم داخل فرن كهربائي سريع، فإنه شيؤثر في حماستهم المطلوبة لصناعة الوهم الشخصي، بالنسبة للسعداوي، فهو، نوع متفرد، للكتابة السردية لا أدري من أي مجهول أتى.. وأخشى عليه من سرعة فهمه الزائد على الحد لما يريد كتابته، رغم انه من الذكاء ما لا تخدعه الكلمات ولا تنطلي عليه لعبة الفأس والشهرة.. فالذي يمشي بعمق يمشي ببطءلكنه يصل سريعاً.

بروفايل داود سالم: شخص غير موجود
19/05/2007
أحمد سعداوي

كان يعرف سعر الملابس التي أرتديها، يحدد سعر القميص والبنطلون والحذاء بنظرة واحدة. حتى جاء ذلك النهار في مقهى الجماهير حين اعترف لي بأنه ما عاد قادراً على التخلص من هذه العادة:
(انها لعنة التسعينيات يا صديقي). قال ذلك في الوقت الذي كنت ارتدي به (18) ألفاً. وقبل يومين قال انني ارتدي (7) آلاف ليس إلا، واصابني اصراره بالخيبة. القميص لوحده يساوي سبعة الاف. لكنه خبير بما يقول، وعليَّ التسليم بكلامه.
ـ حين اسير في الشارع لا ارى سوى قمصان وبنطلونات واحذية.
يقول ذلك، وهو يفرك جبهته المتغضنة وكأنه يريد نسيان عمله القديم الذي ادمن عليه مدة ثماني سنوات، حين كان يبيع الملابس المستعملة في سوق هرج بالباب الشرقي.
ليس سهلاً الانتقال من الملابس المغموسة بروائح اجساد مجهولة الى رائحة ورق عتيق لكتاب اشتراه من ارصفة شارع المتنبي، ولكنه يترك القميص، او القمصلة القماشية دون اسف ويتلقف الكتاب، لكي ينظر في المرآة ويرى نفسه الاخرى، نفسه التي يتركها عند الصباح في عهدة المجهول.
ـ من الصعب الامساك بالاثنين معاً، ستخرب أحدهما او كليهما يا صديقي.
قال ذلك وهو يرشف من الشاي الساخن ثم يقرر حقيقة جديدة:
ـ في بعض الاحيان ارتدي هذه الملابس المستعملة ثم امسك بكتبي واخرج من البيت. ارتدي في العادة (الفي) دينار. بينما الكتاب يساوي خمسة آلاف. أكون الاثنين معاً.
ولكنه لم يخبرني بتلك الحقيقة الاعمق. إن هذه المهنة تناسبه أكثر من الكتب ودوار الثرثرات التي لا تنتهي عن الكتب وحول الكتب. انه بائع ملابس مستعملة ممتاز.
وهو يخاف ذلك، يخاف الاعتراف مع نفسه أو أمام الاخرين بأنه يجد نفسه هناك في سوق الهرج، مع اناس مسحوقين، ومع ضوء واضح في نفق النهار. وأنه يغترب على هذه الطاولة القذرة في مقهى الجماهير، ويشعر بالاسى، لأنه يتذكر نفسه، بينما كان ينسى، او بالعكس.
حدثني عن ذلك الرجل الذي خر على الارض مصروعاً ببكاء حرّاق حين لعب معه احد اللصوص لعبة خبيثة لسرقة جهاز التلفزيون الذي كان يعرضه للبيع. أغمض هذا اللص عيني البائع الساذج وقال له وكأنه يلعب مع صديق:
ـ آني منووو؟
شرع البائع الغشيم يعدد اسماء اصدقائه فاتحاً شدقه بابتسامة بلهاء، بينما كان رفيق للص قد اخذ التلفزيون من امام البائع بسرعة واندس بين جموع المارة. بعد لحظات اختفى اللص ايضاً، واكتشف البائع اختفاء تلفزيونه من امامه.
قال لي بأنه كان يضحك على هذا البائع الباكي، والذي قطع نفسه من البكاء، واكتشف في نفسه الضاحكة قسوة غير مفهومة، وتضامناً غامضاً مع اللص المجهول، الذي كان وسط الجميع ولم يعرف وجهه احد.
ـ أخشى اننا سنغدو هذا اللص في زمن قريب. وأخشى اكثر ان اعترف بأننا من طينة البائع الغشيم.
ولكنه ترك مهنة بيع الملابس المستعملة، واستمر بالقراءة والتفكير بالقصة. ثم بدأ يبيع الكتب، ويتخيل اثناء النهار تلك القصص التي سينكب ليلاً على كتابتها. تخيل قصة يكون فيها بائعاً متجولاً، يبيع الموسوعات الطبية في أحد شوارع مدن الضواحي في اميركا اللاتينية. واكتشف سريعاً انه يعيد كتابة قصة من كتاب (كوب الحليب).
تخيل أن اسمه داود سالم، وانه يجعد عينه اليسرى دائماً حين يغضب، ويهزأ بكل شيء، حتى حين يصل الكلام الى المواضيع الساخنة، تلك التي تذكر الجالسين بالقدر المغلي لحضرة جناب السلطة.
وبعد انقلاب هذا القدر الساخن، وانقلاب السلطة نفسها، وجد نفسه دون نقاش ينقاد للكتابة عن المسحوقين. وهو يتخيل أنه يكتب عن نفسه. إنه غير قادر على ترك ملابس البروليتاريا، وحتى لو كان يرتدي بذلة انيقة وربطة عنق ملونة، فعليكم أن تصدقوا انه سينظر الى المرآة في تواليت نادي اتحاد الادباء أو في مقر جريدة (طريق الشعب) ليقول مع نفسه (ثمنطعش) أو (تسعطعش) ولا يزيد على ذلك ديناراً. فالانتقال الى سلسلة الـ(إييين) من العشرين والثلاثين.. إلخ أمر يثير الرعب في نفسه.
أراد ان يكتب قصة عن رجل يخرج من جريدة (طريق الشعب) ويعبر (طريق السيارات) فتصدمه سيارة مسرعة وتقذفه نحو الجماهير السائرة على الرصيف. لكنه استيقظ في المستشفى ليجد وضعاً غريباً، فها هو الان، ولأول مرة منذ سنين، يملك وقتاً اجبارياً فائضاً لكتابة كل القصص التي فكر بها، تلك القصص التي خطفت في رأسه تحت امطار باب الشرقي، وبين روائح الملابس العتيقة. والقصص التي تأتيه وتنادي عليه وهو يتطوح سكران بيأسه على ارصفة العاصمة باتجاه البيت أو المجهول او اللعنة. كان لديه كل الوقت المناسب لأي كاتب عظيم، ولكن القصة التي فكر بها كتبها شخص آخر. كتبتها انا.
أخرجه اولاده على كرسي مدولب، وشاهد واجهة (الحزب الشيوعي العراقي) حيث مقر جريدة (طريق الشعب) من نافذة السيارة المسرعة، والتي كادت ان تصدم مجنوناً عاري البدن مر بشكل مباغت عند تقاطع ساحة الاندلس. اهتزت السيارة بعنف وفكر مع نفسه: القصص لا تتكرر.
كان في المقعد الخلفي للسيارة، ولهب صيفنا هذا يسفع وجهه. وعيناه تتأملان العجيزة المشعرة للمجنون الذي عبر باتجاه إتحاد الادباء، وفكر للمرة الاخيرة داخل هذه القصة بأن السائق الشاب لسيارة الاجرة هذه كان يرتدي، حين لمحه أول مرة بباب المستشفى، (25) ألفاً. وابنه الكبير يرتدي (18) بينما حذاؤه هو وقميصه الملون وبنطلونه غير المكوي لا تساوي بأجمعها غير (8) آلاف. أما ذلك المجنون العاري داكن الجسد والذي ضرب الحراس بيديه القويتين في هذا الوقت ودخل مسرعاً نحو نادي الاتحاد، فقد كان شخصاً غير موجود بالنسبة له.

نصان شعريان
15/02/2007
باسم الانصار

زمن على صخرة سوداء

لم يكن حذراً بما يكفي ،
حينما هرول صوب
الغموض ،
ولم يكن ماهراً في
تقشير جلود الأسرار
منذ أن غادر حقول القلق
وعاش في بيت العنكبوت .

صار نقطة من دون حرف ، وصار الجراد يغزو أحلامه بعد هروب الينابيع منه . فكر أن يستعين بموتٍ أحمر ، ليشن حربه على امرأة من الزمن البعيد ، كانت قد غابت طويلاً في مملكة الظنون . كثيراً ماكان يحلّق على غيمة صفراء فوق مخيلتها ، وكثيراً ماكانت تختبئ منه في فم اللغز . كانت نوافذه تطل على تعويذة من الماضي السحيق ، وكانت نوافذها تطل على شيخوخة تلوّح للطفولة طويلاً . وعندما دقَّ أجراس نومها ، صفعته بسعفة الريح .

هاهي الكائنات الخفية
تخطف مبررات البقاء
من فمهِ المخنوق
بقمرٍ أسود .
وهاهو زمنه يتآكل
بأسنان فأر يعيش منذ
ألآف السنين .

حشّد خيول الغياب أمام منزله، بينما حشّدت هي سيوف الحضور أمام منزلها. كان يريد لها أن تأخذ زورق الفكرة الشبيه بزوارق السلاطين المنخورة، وكانت تريد له أن يرحل على سطح العقل المتجه الى مزارع اللّوتس. غير أنهما أدركا أن الغيابَ، حضورٌ غير ملموس، وأن الحضورَ، ومضةٌ من ومضات الغياب الذي لايعرف النهاية. لذا ذبح خيوله ووزع أرواحها على الفقراء، بينما ألقت هي بسيوفها في أحشاء سرٍ يقع خارج قريتهما.
دفعه الفضول الممزوج بالغواية للتسلل إليها عبر أحلامها المتكلسة، بينما دفعها المجهول الى أحضانه الجديدة. وحينما رأى جثتها خالية من الروح، لمسها بيده. حينذاك، طار عبر النافذة بعيداً جداً، الى أن أنتهى به المطاف فوق صخرة سوداء تقع في أبعد سحابة في الكون!

حينما تُزهِر الأفكار الخبيثة


رقصه الجميل مع البحار،
ألهمه القدرة على
تكسير الشمس،
وغناؤه في حقول الياسمين
مكّنه من تهشيم
أضلاع القمر،
وتدمير أسوار الزمان.

كان أول الذين دخلوا أحشاء التراث ، وآخر الذين خرجوا منه برفقة السعالي الوردية . لم يكن أبناً مطيعاً للشريعة المألوفة ، ولم يكن جندياً يحارب أشباح المستقبل . رأى الأنقاض تتجمع في باطن الأمنيات ، ورأى النشوة تركض في شارع مليئ بالحواجز العلمية . حمل نهراً صغيراً في أحضانه ، بينما حملته الأغاني الحزينة على أكتافها . كثيراً ما أنزل الدساتير تحت الأوهام ، وكثيراً ما وضع حياة مابعد الموت على طاولة المساء . كان إبن الموجة القادمة من بحيرة الجنون ، وكان إبن الزمن الذي يقع خارج الأزمان الثلاثة .

ماكان له أن يتوجه
الى وجوده محملاً بالماس،
لولا خروجه من
جمهورية اليقين.
وماكان له تحطيم
سقف أيامه العفن
لولا وجود ساقية بيضاء
في قلبه اليتيم.

أحبَّ الهروب الى البراري برفقة ينبوع أخضر ، بينما أحبَّت الحياة إرساله الى الأدغال برفقة البياض الكريه . وحينما جعل زهرة العّباد تلتفت اليه كل صباح ، ألقته الحياة في قصر التراب . صار شوكة شرسة في عيون الصخور ، وصارت عناقيد البصل هديتها المفضلة لعينيه . وعندما طار على بساط النار فوق غاياتها الكبيرة ، سلخت من رأسه الأفكار الخبيثة . زرع جمراته في كف الموت ، بينما زرع الموت قرنفلة ملونة في صدره . دفن أفكاره الخبيثة في حديقة منزله ، بينما دفن أطفاله دموعهم فوقها . أزهرت الأفكار الخبيثة الكثير من الأحجار الكريمة ، وأزهرت معها حياته الكثير من اللعنات . وزع الأحجار على المارة مجاناً ، ووزعوا له فرحين خواتمهم العتيقة . غير أن الشئ الذي أدهشَ الجميع ، هو أن كل من أخذ تلك الأحجار قد أُصيبَ بالخَرَسْ !

باسم الانصار
http://www.ahewar.org/m.asp?i=299
[email protected]



#محسن_ظافرغريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سينما الشمال العراقي الإيراني
- إدانة النائب الهارب الدايني
- سينما الشمال العراقي
- كانتْ أعواماً على المالكي أينعتْ وعلينا أجدبتْ
- أبوالقاسم الشابي لم يلتزم بالعَروض‏
- يسقط حكم المخابرات وتحفظ ملفات
- غويتيسولو وجائزة القذافي العالمية للآداب
- The Tragedy of Shakespeare
- مسلسلات وأفلام تركية مدبلجة
- لاعنف
- تعليق على آخر المواد
- رسائل van Gogh
- مهوى هام الجواهري
- فتوى عقلية شرعية
- The 2009 Nobel
- Mantel فوزBooker
- William Blake
- أول تاريخ رسمي MI5&MI6
- وزارة الثقافة العراقية تخصص رواتباً
- غدا غاندي‏


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن ظافرغريب - جائزة بيروت 39 hayfestival