أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض الأسدي - لم يتبقَّ لدى نوح من ينقذه















المزيد.....

لم يتبقَّ لدى نوح من ينقذه


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 2786 - 2009 / 10 / 1 - 21:14
المحور: الادب والفن
    


وساطة روحية لأربعين قصيدة عن الحرف للشاعر أديب كمال الدين

ربما يجد المرء أحيانا صعوبات ما في الكتابة عن صديق قديم ووسيم عشت معه سنوات جمر الديكتاتورية في بغداد الخرائب وحمى المعارف في آن. وربما تجد ثمة سهولة ما – في الوقت عينه- في سرد حوادث تعينك على تفهم النصوص التي كتبها الشاعر أديب كمال الدين في ( أربعون قصيدة عن الحرف: عمان، دار أزمنة – ط1- 2009) لذلك لا تغادروني وتذهبوا لسبر أغوار الحروف الاديبية ولنقم بدور وسيط روحي (غير مهني) لفك بعض الطلاسم الواضحة في هذه النصوص التي ترقى إلى العالمية.
لا يحاول الشاعر منذ البداية إغراقنا في بحر الغموض حتى الشفيف منه فأسلوبه مبسط جدا لكسب المتلقي العادي وهذه ميزة قلما نجدها الآن. لكن للنص عمقه وهيبته التأملية بما يثيره من تساؤلات فلسفية أيضا. فالشاعر كان قد شقّ عصا الطاعة للجماعة عن مجمل (التجمعات الشعرية) في وقته التي ظهرت في أواخر السبعينات وبدايات الثمانينات من القرن البليد المتصرم في بغداد. وأراد ان يكون متفردا وعنيدا وبعيدا عن كورس الجماعات المجعجعة بالحداثة بلا رؤية التي تؤثر سياسة المظلات الثقافية غالبا: بعضهم – بلا أسماء- لم يجد حرجا في توظيف نفسه طوعا لا كرها في زريبة خنانيص سامي مهدي و حميد سعيد وأضرابهما من (الجندرمة الثقافية) السابقة الزيتونية- طبعا توجد جندرمة لاحقة والماكينة شغالة!- وفي ان يقدما اعتذارهما للشعب العراقي المصفوع على عينيه دائما، وهو أضعف الإيمان بالنسبة لهما ولمن لف لفهما من قردة المشهد الذين لا يتوانى اديب عن الإشارة لهم ..
ولي مع اديب كمال الدين حب حروفي، فقد كان الرجل شاعرا ضمن محبة وصداقة مع فيصل عبد الحسن القاص والروائي الجميل السامق ورياض الأسدي و( آخر) أسقط أسمه عمدا لأن السلطة الصدامية ابتلعته بجدارة وهو كان يستحق الابتلاع حقيقة، فكان بامتياز من جندرمتها وأتحفني كما علمت لاحقا ببعض التقارير النظيفة من نوع صمود وظافر وقاهر: شكرا للصداقة والثقافة الصدامية. لكن لم تستطع أية سلطة في الأرض ان تبتلعنا على أية حال، مثلما هي سلطة الحرف التي ابتلعت كمال الدين من البداية ووارته ثرى عجائبها.
كانت المسألة التي شغلت أديب مذ كان شابا يافعا ممتلئا درس الإدارة والاقتصاد – ولا يزال- بحيوية الشعر: هو الموقف من التراث العربي الإسلامي. لكنه درس اللغة الإنكليزية بعد ذلك رغبة منه في معرفة العالم الغربي عن كثب. ثم هاجر حروفيا أولا. أعترف الآن: إن اديب كمال الدين هو من علمني الركون إلى المكتبة الوطنية للقراءة: كان مكان المكتبة الوطنية يقع سابقا في دار قديمة مقابل كلية التربية الرياضية. وكان أديب مهووسا منذ البداية بالسهروردي والحلاج –كانت طروحتي في التخرج في مرحلة البكالوريوس عن التصوف والاعتزال-وأبو حيان التوحيدي وخاصة في (الإشارات الإلهية) وابن عربي وابن الرومي.. وكل ذلك السيل من مدرسة العرفان والنورانية. ويومئذ كنت مهووسا بطريقة عيش عبد الحسن الشذر وعبد الامير الحصيري وحسين مردان ثم ملك الحيدرخانه الجني جان دمو. ولما نكتشف بعد مخطوطات الحضرة الكيلانية العتيدة.
لا ادري.. كيف تسرب الموروث إلى اديب بتلك السرعة كسرعة الضؤ.. قد يعود ذلك – برأيي- إلى تحدر أديب من أسرة علوية تمتد جذورها إلى الرسول محمد (ص) لكن مثل هذا الأمر –صراحة- لم يكن يعني أديب بشيء؛ لكنه يسري في دمه كخلايا سرية سواء شاء أم أبى؛ فقد تشربه من أسرته حتما. واديب لم يكن بغداديا فهو بابلي من الحلة ( كلكامشي بالسليقة - عجبا للبابلي الآخر الذي لم يقدم اعتذاره من كلكامش!- يابه خلي يروح هو واعتذاره وكيور!) فقد كانت تسري في اديب الدماء الوطنية العراقية بقوة: هذه الدماء تربية أسرية بحتة لا علاقة لها بالثقافة أبدا: انظر إلى لوعة أديب على العراق وهي لا تفارق نصا واحدا من نصوصه (الأربعون= محاكاة لا واعية لرقم أربعين اكتمال النبوة او هذه الرغبة الجارفة في نورانية رقم الأربعين أيضا) فإلى جانب الحروف أهتم كمال الدين بالأرقام وكنت أحسب أنه سيستخدمها شعريا أيضا، فقد شاع في أوساط جيلنا كتابات عن غرابات الأرقام وعجائبها الخفية في حياتنا – واديب ملم بها- والحروف التي تم تداولها كثيرا على النطاق الثقافي إلى جانب الموروث الثقافي العراقي القديم:
(كل درهم
كان عبارة عن سرّ وجده كلكامش) (دراهم كلكامش:ص12)
كانت القصدية في بداية النصوص الأربعين بدراهم كلكامش دلالة على ما أورناه. فالإنسان – أي إنسان- يعيش بسبب السيد الدرهم وحده إلا كمال الدين يراه حظوة كلكامشية ضائعة دائما.
( أنا/ فقط /أعرف:/ إني أعيش منذ أربعين عاما/ قدام لحية كلكامش) ص 13-14
لماذا الإشارة إلى اللحية؟ هل لأنها رمز قديم للحكمة والمعرفة والوقار؟ أم للتذكير بالماضوية المهزومة لدينا أيضا؟ يحاول أديب كشاعر أن يجعل من الماضي منكسرا لكنه غير مهزوم بعد؛ بعد أن أضاع دراهمه السبعة ( لاحظ رقم سبعة الذي يعني اللانهاية عند العرب وهو رقم الحظوة أيضا).
ثم يعلن أديب كمال الدين منذ البداية أيضا إنه بحار يبحر منفردا وسط صيحات قراصنة كثر ملونين بالألوان الأساسية المعروفة كلها، وحرب لا هوادة فيها ( نعم/ ذلك مجدك أيها الحرف/ فالقراصنة كلهم يجيدون كراهيتك)( المبحر منفردا: ص16) من هم أولئك القراصنة؟ سياسيون؟ شعراء مغايرون؟ مقربون؟ يمكنك أن تجمع كلّ ذلك بلا مواربة. لكن هذا التفرد على أية حال وهذه المغايرة دفع ثمنها اديب كمال الدين كاملا: هجرة وغربة وفقرا وأصدقاء ساذجين! ويسجل لكمال الدين حقيقة هذا التفرد في عدم مهادنة النظام الدكتاتوري السابق وعدم اللقاء به على مفترق أي طريق: وهذا ما كان عليه فيصل عبد الحسن وأنا، فقد كان كل واحد منا يوصي الآخر بعدم السقوط في براثن زريبة (مثقفي) النظام سواء كان بالهجرة عن البلاد أو التوقف عن النشر لعشرين عاما بالنسبة لي. لم يتوقف أديب – وكذلك فيصل- عن الشعر ونشره في أحلك الظروف التي مرّ بها العراق واستطاعوا الهجرة عن الوطن دون أن يهجروه، وهاهو أديب يلهج بالعراق كإشارة توحيدية عراقية في القرن الحادي والعشرين.
( هذا التراب
منه خلقت وإليه سترجع) ( المتبرقع: ص17)
وتخترم الذاكرة المنخوبة لكمال الدين مقابل إلغاء الذاكرة التي طبل لها بعضهم – رغم إن من الاستحالة المطلقة إلغاء ذاكرة ما- لتكتشف طريقها الوعر بعد أربعة عقود من الشعر استهلكت الحروفية جله. فأديب كمال الدين – كما أصفه أنا أحيانا- الحرف التاسع والعشرون للعربية!. فالرجل عاش للحرف ومن اجل الحرف: وقد لا يعني بالطبع الحرف هو حروف اللغة بل يعني بدقة – كما هو موروثنا الإسلامي الشيعي- العلم. فمما يرد: عن الله سبحانه قد أسس الكون على(73) حرفا أي علما كونيا علم الرسول محمد (ص) (72) واحتفظ بحرف واحد في ذاته ولذاته: إنه (علم الجفر) الأبيض والأحمر. من هنا فإن الرؤية القرآنية لا تفارق الشاعر في كل نص ومن هنا أيضا اختار نوح مفتتحا لمجموعته الشعرية رغم ان نوح أديب لم يسمع كل صوته التاريخي المبحوح في النجدة. عصور النجدة لم تعد موجودة على الإنسان أن ينجو بنفسه. لكن أديب يشك في النجاة دائما حتى شاعر وإن كان درويشا نصفه نار ونصفه طين كما يحلو لأديب ان يصف إنسانه في محنته الروحية.
( لك المجد يا ألهي
خلقت الموت ليكنسنا في هدؤ مريب
مثلما تكنس الريح
أوراق الشجر المتناثرة على الأرض) ( تناص مع الموت: ص24)
والموت هو أسم الشاعر وهو عنوانه وهو الذي يقض مضجعه منذ بدايات شعريته. فاديب الشاعر يستهلكه الموت كل لحظة ولم تستطع المادية الديالكتيكية أو عدمية جان بول سارتر التي طوت جيلا بأكمله تحت آباطها ان تقدم أجوبة مناسبة وغير مقلقة عن سرّ الخلق وجدوى العالم؟ (لا تدعوني باسمي/ أسمي الموت) ( سأقبلك الآن: ص63) وفي نص (قطارات سدني) برغم كل الرصد لحركة العالم بشعوبه المختلفة وعذاباتها المتنوعة ودورة الدولار الطبيعية فيه، فقد كان الموتى يقبعون في قطارات سدني أيضا: إنهم موتى مسلوبي الحياة، موهومون، ومموهون، رغم كل الحيوية المخادعة هم ميتون في النهاية ولا مناص من ذلك. من هنا تبدأ الحداثة الشعرية المغايرة لكمال الدين فليس ثمة نوحا جديدا يلوح في هذا الضجيج السيدنوي يمكننا ان نناديه او يلقي لنا بطوق نجاة: هذه المزاوجة بين الموروث الديني وتحديات تقانة العصر هي – من وجهة نظري- خلاصة التجريب الشعري لأديب كمال الدين.
ولا يفوت الشاعر في الأربعين نصا أن يتذكر الطاغية صدام على طريقته في أنه الحرف الذي لا معنى له وهو الذي يشن حروبا غبية – كل الحروب غبية في القاموس الإنساني طبعا- هذا الوهج الأرعن المتقلب بالموت البليد هو الذي ساق لنا أبجدية غبية أيضا. أبجدية: لا تحتوي على أية معاني معينة تفي بالغرض المعرفي مثلما تفعل بعض المواقع الإلكترونية الآن حينما لا ترغب في حفظ ما تكتب على طريقة ( copy &past) حيث تكون المنقولات محض rubbish هكذا هي لغة الطغاة جميعا عادة لأنهم من يحمل الموت المجاني دائما لبني الإنسان الذي لا يتحرج الشاعر إلى وصفه بذلك النعت الشعبي (عابر سبيل) أجل ما نحن إلا عابري سبيل قلقين في هذه الرحلة المقذوفين فيها قذفا. أما حروفية أديب كمال الدين – في مواجهة القذف الإلهي هذا- فهي أقرب إلى فلسفة هربرت ماركوز في الحب:
(حينما متّ
لم يشأ أحد أن يخبر الحروف
بالنبأ الأليم
عدا الحاء الذي أعلمه قلبه بالنبأ
والباء الذي خطر له خاطر في المنام)
الحب وحده من يواجه لعبة الموت في شعر أديب قد يبدأ بالمرأة التي تشغل حيزا كبيرا في رؤية الشاعر للعالم لكنه حب لن ينتهي عند حافات المعشوق الأكبر: الله. أيضا. وهنا سرّ الحروفية.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بانوراما ليل سعدي الحلي
- عجز مكتسب: قفص حديد امن البصرة
- على ماذا يراهن المالكي في الانتخابات القادمة؟
- زخرف: ملحمة ظهور محمود البريكان مؤخرا
- الأدب السرياني العراقي دليل مضاف على وحدة الثقافة العراقية ا ...
- تعليم الببغاء صوت إطلاق الرصاص
- عراق ما بعد الأربعاء الدامي.. ( المشروع الوطني العراقي) امكا ...
- اثنا عشرية آدم
- العراقيون في الداخل/ يستغيثون لتدخل العالم: scandl الأربعاء ...
- (خرنقعيون): لن تنفعهم كريما الوطنية
- الإسلاميون العراقيون: (جبل التوبة) وماذا بعد؟
- لا يصلح العطار ما افسده الاميركان!
- رماد قديم / نصوص لم تنشر كتبت إبان الحرب العراقية الإيرانية
- غرف البالتوك والمنتديات العراقية
- مع الشيخ الدكتور احمد الكبيسي و الصمت على مدير المجاري
- ما تبقى من عازف الساكسفون قراءة عراقية في مذكرات بيل كلنتون
- شكل الدولة القادم في العراق
- البريطانيون: لا حللتم أهلا ولا وطأتم سهلا
- منظومة امنية اميركية جديدة لمنطقة الخليج العربي
- هل يعي (المالكيون) الدرس


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض الأسدي - لم يتبقَّ لدى نوح من ينقذه