أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - قال الأفْيُون















المزيد.....



قال الأفْيُون


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 2721 - 2009 / 7 / 28 - 09:15
المحور: الادب والفن
    


1 ـ طيف لمحمد يمرّ
***
كأننا نسكنُ الريحَ
لا بلدة آمنة فنحطّ رحالَنا
ولا واد طرقَ حجارتَه في غفلتِنا العابرون
هجرهُ الوحشُ ولاذ في ظلِّه نبتُ
نخشى نظرةَ الطيرِ إنْ زارنا صبحاً
وطينَ الطريقِ إنْ أنكرَ القدمَ
هل صرنا نخافُ الذرى فوق رؤوسِنا ؟
فلا الطير تُرشدنا
ولا السماء تأنس لصحبتِنا
كأننا نسكنُ الريحَ
أو على ضفّةِ شمسٍ
لم نبتنِ في شروقِها معبداً
ولا ظلّنا نحو غروبِها خطى
في تلك الأيامِ حروبٌ خفيّةٌ بُدئت
كنّا في دارِ اليتامى أو في مكانٍ هو
إلى الذُّلِ أقربُ
علينا الأكفُّ تتلاعبُ
وعلى رؤوسِنا اللعناتُ تتعاقبُ
لا أذكرُ تحت أيِّ سماء أتلفعُ بالضيمِ
حين جئتني مطعونَ الكلامِ
تسبقُك إليَّ قوادِمُك
تعضّ بنواجذ صبيٍّ جائعٍ على جلبابٍ قديم
تزأرُ صمتَك
وزمنَك الشحيح
حاملاً قدحَ ماءٍ وبعضَ حزنٍ في عينيك
تُرى
هل كنتَ صغيراً فعابثتك الطائراتُ
أم تدرجتَ إلى عمرٍ سيلهو
وعمرٍ سيأسى ؟
تلك غربتُك آتية
وحروبُهم تلك ، لم تسع إليها ، آتية
لا طير يرشدنا
عنّا المدى تاه.. والطريق
لا شئ سوى سرابٍ
وبعيد هو النبعُ
وأنتَ ظمآنُ تنشدُ بللاً
فأسقطوا من يدِك قدحَ الماء
وجففوا النهرَ
إليَّ سرّحتَ بصرَك متسائلاً
أتدري .. ؟
شهقتُ
وعيني فزعت إلى دمعتِك
التي في عيني انصلبت
لم تستنفر ضعفي وأنتَ بضعفي أدرى
كنتُ مثلَك صغيراً
فعفوتَ عني .. و سكتَّ
سمعتُك تقول :
لا عتب عليك حبيبي
لا أتذكرُ سوى جلبابِك المخططِ بطفولةٍ آفلةٍ ،
وسوْراتٍ في صدرِك دارت
سمعتُها ؟
أجل وسمعتُ اصطخابَها
لا أتذكرُ سوى سؤالٍ تردد
لم أسمعْه
لكنه في حدقتيك مراراً دار
لم تطلقْه
آه .. لو أطلقتَه وحررتني من هذا الأسرِ
آه .. لو تكوّر في طريقي مثل قتيلٍ
دهراً عذبني ولما يزل
لم أتذكر حبيبي
سوى الطائراتِ التي عابثْتَها
كدمىً متحركةٍ
وجلبابِك القديم
كنّا في دارٍ إلى الموت أقرب
فالدارُ لا تزهرُ إلاّ بلوعتِنا
والموتُ إليه نُعبِّدُ السبيلَ
صحتَ بها :
فلتزهري بنا أو بغيرنا أيتها الدارُ
فنحنُ نسكنُ الريحَ
أزهري ما شئتِ فنحنُ نحصد الريحَ
ونحن أُسلِمنا إلى الريحِ
والحربُ ما بدأت
كنتَ صغيراً حبيبي
أنا مثلك في الشقاء
أمرتني :
اسقِها من أوجاعِنا كأساً
وحربُهم ما بدأت
زغباً كنّا
فأجهشت في وعائنا الشمسُ
انتظرنا
حتى دبّت حروبٌ ، لم نسعَ إليها ، تحت جفونِ الغيبِ
أ كنتَ تعدُّ النجمَ وتطحنُ الليلَ برحى الرجاء ؟
أ كنتَ تغوي الصبحَ ؟
تستدرجُه بصبرٍ نافدٍ ؟
ما فائدة أنْ يأتي الصبحُ وقد جاءت
حربُهم ثالثةً
قالوا هي حربُك يا محمد
هي حربُهم الثالثة التي لم تسعَ إليها
هي حربُنا التي ( لا نوق لنا فيها ولا جمال )
قالوا هي حربُ محمد
وقد جلبَ لأهلِه عَبْرَ البرِّيةِ البحرَ
وجنحت سفائنُه
هي حربُهم يا محمد
فلا تفسحْ لها الطريقَ
لا تُدخلْها البيتَ
هي حربُهم
ونحن لا بحر رمل جلبنا ولا ماء
ولا سماء دعونا

31 ـ 7 ـ 2002
***

2 ـ وقفة النّوتي
***
في أعلى مصبّاتِ اللوعةِ
وقف النّوتيُّ
يفتحُ أبوابَ البصرةِ لشجرٍ ،
مُتعباً يأتي
يأتي الماء
وتأتي أفراسٌ طائرةً بأجنحةِ الشمسِ
فلتفتحْ أيّها الفتى للريحِ جسدَ الصحراء
ولتفتحْ لأشواقِ الموجِ أحضانَ الميناء
في أقصى شهقاتِ العشقِ
وقفَ النّوتيُّ
مرحّباً بأجسادٍ عاريةٍ
تأتي مثلَ تماثيلَ رومانية نُحتت من هواء
تأتي أرواحٌ مُتعبة
يأتي المنفيون بلا صيدٍ في شباكِهم ولا ندى
ويأتي صيادو الفجرِ
الذين بالبهجةِ غمروا البحرَ
غمروا الميناء
فلتفتحْ يا هذا الفتى المتيم
لحورياتٍ استنشقْنَ زهرَ الطينِ
ولتفتحْ للصفوةِ باباً نحو المجدِ
في أعلى أكتافِ الليلِ
وقفَ النّوتيّ
ليطفئ بوجهِ الأبناء كلَّ الأقمارِ
وينثرُ الترابَ

27 ـ 8 ـ 2004
***

3 ـ القوافل في الطريق إليها
***
أتدري ؟
منذ عامٍ لم تنمْ المدينةُ
إلى دورِهم غادرَ حرّاسُ الخليفةِ
وعلى الأبوابِ نُصبت حانُ
فدارت بيننا ندلٌ فاتناتٌ
ثم أُشرعت للجارياتِ
بعد القصورِ غابُ
منذ تشييد القلاعِ لم تنمْ المدينة
ربما مرَّ في صحوتِِها
الأبناءُ خفافاً
كانت قد انكسرت خلفَ السورِ سراياهم
ربما انفتحت للغيلانِ بابُ
ربما انتظرت شجراً
في الوادي زاحفاً
ربما سيقت أمامها إلى الموتِ
نوقٌ بحاديها
منذ عامٍ لم تنمْ المدينة
هل يصهلُ النهرُ
لو تكاثفت فوق رأسهِ ليلةٌ
ثم أُمطرت
وتفجّرت ريحُها ؟
هل يصهلُ النهرُ
لو طوقتنا سحائبُ ؟
مَنْ يمسحُ عينَ المدينةِ ، التي منذ عامٍ لم تنمْ ،
لو طافت مآقيها ؟


26 ـ 7 ـ 2002
***
4 ـ استباحات
***


فلتكن مشرعةً إلى أقصاها مسافاتي
وحزني يُعلِّمني درساً
في العراء
ألاّ أُغلق على جنّتي الأبوابَ
أو أردّ بوجهِ النورِ نافذةً
فالريحُ تختارُ
من أشواقِها لحظةَ دهشٍ
ومن أثوابِها
شفيفَ الظلالِ
فلتكن مشرعةً مدني
ونحو أعالي التخومِ تبعثُ حنينَها
فتُعلِّمها الوحشةُ
لغةَ بوحٍ
وأسرارَ روحٍ
وتُطلقُ ما اعتمل في الجائشةِ :
أيتها النجمةُ القصيّةُ
تعالَي في هنيهةِ اشتهاء
لتسهري في سريري
وتستنفري ورودي حتى منتهى التفاؤل
فلتكن مشرعةً للمطرِ حدائقي
تُعلِّمها المنافي
ألاّ تخفي
في بهجتِها الرحيقَ
فلتكن مشرعةً للهديلِ سمائي
يا ضيفي المستريح في دورةِ الأفياء
وتحت وحشةِ السفرِ
ادخلْ في ربيعِ الطيرِ ومن بوّابةِ الجناحِ
فلتكن مشرعةً لحظاتُ زمني
من أجل إيواء العابر
وإرشادِ الضائع
وإغواء المنفيين
فما عادت تسحرني في نسيمِ الليلِ أعراسُ الياسمين
ولا تطربني أنغامُ الصيفِ
في عودةِ القمرِ
فلتكن مشرعةً حتى جنونِ الأحزانِ مسافاتي
وكفّي مُحنّاة
تسابقُ أكفَّ الطارقِِ على بابي
فلتدخلي
أيتها الرياحُ النبيلةُ
من أوسعِ بواباتِ الحزنِ
من عويلِ نوافذي المسكونة بالرحيلِ
وأعلِني في الليلِ
على رأسِ الهجعةِ الأخيرة
على رأسِ الصمتِ الصديقِ اللدود
على رأسِ الكلامِ المؤجل العذوبة
إني أمام الاشتهاء
جهّزتُ لكلِّ النسيمِ بلادي
وجعلتُها مباحةً لكلِّ الرياحِ

14 ـ 7 ـ 2002
***

5 ـ بهجة المساء
***

ذات ليلٍ جميل
غمرتْنا في جبهةِ النهرِ دهشةٌ
كان ، في الحومةِ ، جليسنا القمرُ
وطفلٌ عدنانيُّ الملامحِ
من نسلِ هاجر
أو من سلالةِ الجُرهمية
ذات ليلٍ يختضُّ التياعاً
عمّرْنا أكؤسَ الحنينِ
وليلَ النسيمِ
وباشرْنا الشوقَ
ثم لم نرتشفْ من زلالِنا
سوى بللٍ
يأخذُنا نحو ثغورِ المسافةِ
ولم نتنسمْ
سوى نشقةٍ تعبرُ معنا بحرَ النجاةِ
ذات ليلٍ جميلٍ
كنّا في الحومةِ
ندورُ
بلا طفلٍ
ولا قمر

18 ـ 6 ـ 2002
***
6 ـ قيثارة الصندل
***
مرّةً وأنا أبحثُ عن شمائلِ السوسنِ
رأيتُ في أُفقِنا ناراً
تُطلقُ الأسماءَ الحُسنى
وبعضاً من رؤىً
تُلامسُ وجدَ
قيثارةٍ صغيرةٍ سوداء ، صُنِعت
من بهجةِ الصندلِ
أو من جَفْلةِ الأبْنوس
وشئٍ من لوعةِ وطنٍ مأسورٍ
كلما انعتقَ في محاجرِنا
استعبدته دمعةُ امرأةٍ
هي قيثارةٌ صغيرةٌ .. صغيرة
تُحفةٌ أثريةٌ
انسلّت من سفينةٍ غارقةٍ في مياهِ نهرٍ
كأنه السرابُ
ودخلت ليلاً بحريّاً مدهشاً أزرق
لا ندري
لأيٍّ منهما تنتمي الزرقةُ ؟
صنعها جارُنا أثناءَ استراحةِ المحاربين
على مشارفِ صيدا
في حربِ الأُرزِ
أو على أبوابِ تبريز
في حربِ الأهواء
قيثارة تُدندنُ مرّةً وتصمتُ مرّاتٍ
لكنها وبكلِّ أناقتِها صُممت للصخبِ .. للصمتِ .. وللصدمةِ
تئنُّ .. جعلها الصانعُ .. تئنُّ
وفي غيابِنا مرّاتٍ تئنُّ
هكذا أخبرتنا المرأةُ القاطنةُ في طبقاتِ الشوقِ
من مسرحِ أوهامِنا السامقِ
قالت : تسترقُ السمعَ لهمسِ الصلاةِ ،
ثم في وحدتِها تُردد ، على أُذنِ الخميلةِ ، الهمسَ
قيثارةٌ تَنسجُ ، في دفءِ الحانةِ ، أنفاسَنا
وتنزفُ
في كأسِ النهايةِ
وهمَنا الجميل

20 ـ 4 ـ 2002
***
7 ـ
***
8 ـ سفينةُ الطلِّ
***
على ظهرِ سفينةٍ حالمةٍ زرقاء
نصبتُ في الليلِ مائدتي
وأطلقتُ عَبْرَ الموجِ الهوائيّ
حمامةً من نور
نحو الآفاقِ التي يلفُّها الظلامُ
أطلقتُها
كنتُ مزهوّاً بالصحبِ
بأكؤسِ الكرستالِ
ورحيقِ الأنفسِ
فمائدتي أُعدّت للمدنِ الشقراء
لسكّانِ الخيامِ المُبَخّرة
للكهفِ الجبلي وليلِ النار
وللنساءِ العامرات بخريرِ الشرابِ
وضحكاتِ الشمعِ في أقاصي اللهاثِ
فلتسقني حبيبي كلّما امتلأت كأسُ !
كنتُ ثملاً فأخذتني غفوةٌ
رأيتُ ساحرةً تُجدِّلُ
شعورَ الفاتناتِ
ومنهنَّ تفتضُّ العذارى
لا أدري إنْ كُنّا على
قمةِ جبلٍ
في قاعٍ
أم على جنحِ غيمةٍ مسافرةٍ
كنّا حيارى
لكن الغبشَ الجبليَّ
تمطّى ... انتعشَ بوجهِ الندى
فبانت قبورٌ في الهواء
ثم أطلقَ ، من فوّهةِ
تثاؤبه الطويل ، ريحاً سموماً
انفضّ الصحبُ
تحطّم على مائدتي الكرستالُ
وفرّت نحو القبورِ
ثرثرةُ الليلِ
لتُصبحَ شاهدةً من نسيمِ
وذكرى حسنةَ الوجهِ صادقةَ الرجاء :
من هنا مرَّ الضيوفُ الأعرابُ ،
شباباً كانوا ،
بين مضايقِ الصمتِ
وسفوحِ الكلامِ
استقبلهم في الليلِ
صوتٌ
وأكفُّ غائمةُ المعنى
زفّتهم نحو قصرِ الضيافةِ
فيما الطوائفُ
علّقت في فانوسِ الليلِ
أسودَ الصدورِ
وساقت إليهم العتمةَ

26 ـ 3 ـ 2002
***

9 ـ موت الشعراء
***
أمام غيومِ القصيدة
نحو أقاصي الجبالِ .. فرَّ الشفقُ الموعودُ
إلى كهفٍ من دخان
في تلك الأثناء كان الشاعرُ
ينوءُ بثقلِ وردةٍ
خنقها البارودُ
الوردةُ أسلمت جنونَها الأخير .
في كوخٍ على ضفّةِ جدول
أسْجى الوردةَ
وعلى ضوءِ فانوسٍ مهمومٍ
ناعسِ الذبالة
نام الشاعرُ
إلى جوارِ الوردةِ
نام
فوق حروبهِ التي لم تقعْ بعد
نام
فوق حروفهِ التي ، باسمه لم توقعْ
نام
نومةً أخيرةً
قيل
استعذبته رصاصةٌ
وفززت روحَه / الوردةَ
قيل
لم يتركْ سرّاً
أيها الشاعرُ المهدُ
هل كتبتَ الرسالةَ ؟
وإنْ انتظرت في سرابِ الطريقِ امرأةٌ
بمَ أُخبرُها ؟
أيها الشاعرُ الذي لم ينطقْ بعد
بِمَ أسرُّها ؟
في وديانِ المنافي
يطاردُ كلماتِ القصيدة
أجاب الصحبُ

26 ـ 3 ـ 2002
***
10 ـ هروب
***
يحتاجُ الهاربُ
عَبْرَ الصحراء :
قربةُ ماء
قطعةُ خبزٍ
رفيقُ طريقٍ
قليلٌ من نسيانِ الأهلِ
وكثيرٌ من الموتِ

6 ـ 1 ـ 1983
***
11 ـ حديقة القرنفل
***

هنا في حديقةِ الزهورِ ،
التي كلّفني الوصولُ إليها
جيلاً من الصعودِ ،
تمثالُ امرأةٍ عاريةٍ
تسحرُ كلباً مهتاجاً
وتقوده مبتهجةً نحو بحرِ اللذّةِ
هنا في ملعبِ الورودِ الفتيةِ ،
التي دفعتُ في سبيلِ الوصولِ إليها
عمرَ صبيٍّ
وجسداً فتياً ،
تغتسلُ الصبايا منذُ الصبحِ
بعرقِ الزهرِ
وعند المساء إلى عذريتِهنَّ
يرجِعْنَ فاتناتٍ
عذباتٍ
هنا في بحرِ البهجةِ الذي
يطلُّ في رأسِه
مسرحٌ رومانيٌّ ،
تبتزُّ المدرجاتُ
فحولةَ كلبٍ مسحورٍ
من أجلِ امرأةٍ
تطيرُ نحو البحرِ بلوثة


30 ـ 7 ـ 1996
***
12 ـ مسرح
***
فجراً
غادرْنا المسرحَ
وكان الفجرُ يتوضأ
من رجسِ الليلِ
في العراءِِ لا ندري هل نامَ رعاةُ النجمِ
أم لفّهم سرادقُ الحريرِ ؟
فجراً
خلّفنا الطهرَ يتهور
في سريرِ الإثمِ


7 ـ 1 ـ 2000
***

13 ـ وشم
***

جنياتٌ في الليلِ سرقْنَ الحُلمَ
وتيممنَ صوبَ الماء
نثرْنَ على الرملِ صيحاتِ العمرِ
لم يكترثْنَ لضراعاتي
جنيّاتٌ ملعوناتٌ
عثْنَ بالجسدِ فساداً
وبنصلِ السكين
وشمْنَ شيئاً غريباً

14 ـ3 ـ 2002
***

14 ـ العرش

***

هي الأميرةُ السمراءُ مليكةُ الأعراسِ والحنّاء إلهة الماء . تفتحُ أبهةَ الحدائق لوردةِ الإباحةِ وعلى وجهِ طوفانِها تنصبُ خيامَها وتقيمُ عرشَ السطوةِ . إليها يعودُ حلمُها المتفجّر عنفواناً . هي المليكةُ السمراءُ عزيزةُ المدنِ الضاحكة وحبيبةُ السفنِ الراقصةِ على جسدِ الانتظارِ وهي رايةُ الجزرِ المشرعةِ الذراعين وهي مَنْ يُهَدْهِد هامَ النخيلِ . نأتيها من أعلى كرمتِها أو ندخلُ من خضرةِ رمّانِها الفاجرةِ . هي الشهيةُ في همسةِ السريرِ والبهيةُ في الطريقِ . هي الأميرةُ السمراءُ الماضيةُ إلى شمالِ الروحِ في ليلِ الخرافةِ وهي الطاعنةُ بنصلِ السرابِ لهفةَ الرمالِ لقطرةِ ماء . هي الزاهيةُ .. الحائرة على جانبي الترقب بأحمرها المجنونِ . هي ياقوتةُ النّفْسِ المتمردة في خيالِها وفي واقعِها ، الفاتنة بطلّتها ، ترشقني كلّما من عيونِها الزرقاء دنوتُ في تهويمةِ الليلِ . هي التي غادرت منذ شهقةِ الريحِ على النافذةِ ومنذ صيحةِ الزائرةِ الجديدة على البابِ هي التي غادرت ولم تغادر فالهوى إلى آخره مفتوح على فتنةِ الجسدِ .



17 ـ 2 ـ 2004


***
15 ـ الخارجي
***
ونحن نتراشقُ بألسنةِ المديحِ ونتقاذفُ نظراتِ الثناء ، روّعنا في الطريقِ هواءٌ مرّ ، فعرفنا أننا على تخومِ بغداد ، ما بين واسط وطيسفون.
حمدَ اللهَ ثم أمرنا ابنُ يزيد* ، وكان لحملتِنا الخارجيةِ المزعومةِ قائداً ، بالتوقفِ ، فتوقفنا
قال أميرُنا الخارجيُّ :
تزودوا من ثمرِ هذه الأرض ومن بقلِها .
ولكن لنا وجهة أخرى يا مولاي الأمير .
شُلّت نحونا عيناه
ولمعت من تحت العمامةِ نارٌ
وبه ارتاب الجوادُ ، فاعتلى ناصيةَ الخطابةِ :
أيّها الجندُ أنّي بسرائرِكم أعلمُ وبوجهتِنا أدرى
فما رأيكم لو جاء صاغراً إلينا الفراتُ ؟
لم نكن ندري قبل مجيء الرسولِ أنّ جيشَ عبدالملك بن مروان يخبُّ صوبَنا من ناحيةِ الكوفة . فأدركناه على أبوابِها وأهِلْنا قبلَ المغيبِ عليه الترابَ . وعند العودةِ فطنّا :
لم تكن من بيننا الغزالة **.
أردنا أنْ نبلغَ ابنَ يزيد ، فوجدناه يُصلّي ركعتين ، يُطلقُ أسرَ دمعتين ويُعاتبُ السماء .

21 ـ 12 ـ 2003
***
16 ـ الأسير
***
لستُ آسفاً لمرورِ موكبِ الأميرة
وقد غمرتني نشوةٌ خالدةٌ
وأطربني النخلُ بما لم يسمع به الخَلفُ من لحنٍ
وأسمعني النخلُ ما فات على الأسلافِ
لستُ آسفاً
فالكلماتُ غيّرت طينَ الضفافِ
وأسقطت حجرَ المدار
فصار المدى أرحب من علبةٍ صدئةٍ
تبتلعُك حتى الرمقِ الأخير
***
17 ـ سقط البناء يا أبي
***
وَصَلتْنا الريحُ يا أبي
خفّتْ واعتدلتْ واشتاقتْ لمهجعِنا
فدفعتْ سحابةً مثخنةَ الحنينِ
لتسقيَ أرضاً بنا تملّحت .
كنّا نُجاريها في وحدتِنا كأطفالٍ
على الخواءِ يصطبحونَ بلا رغيفِ خبزٍ
يجهشُ في صرّةِ آلامِهم وبلا حساءٍ
في طبقِ الجوارِ .
أبٌ مُهلهل الثوبِ صادقُ النَّوايا يصطاد حجراً بنصلِ الفأسِ
ويرمي جذعَ جدارٍ في حانةِ النهرِ .
خُذوا مزيداً من ثوانيكم
إلى ساعةٍ أخرى فنحن تعطّلَ عندنا الزمنُ
ودارت علينا الشمسُ من ناحيةِ الكوفة .
نحن أبناء السباخِ المرسومة على المهملاتِ
من الأرضِ
مع القطيعِ نمضي ونعوي في هجيرةٍ
لا خوف فيها .
نحن أبناء الظباءِ الخائفات
وعول المسرّةِ نَسفُّ في أحداقِ الطريقِ إنْ مرّ القحطُ بأرضٍ فبنا يمرُّ
لا زرع فينا ولا ضرع يدرُّ
ستأتي النساءُ العذباتُ يشرقْنَ من عرباتٍ تقودهنّ جيادُ ضامراتٌ
كُنَّ يحصدْنَ الملحَ في حوطةِ بلُّورٍ
من عفّةِ الله انخرطت
كُنَّ يستبدلْنَ بالزرعِ ملحاً
استقبلناهن مرّةً بثمرِ اللوزِ
ووردةِ ماء النارِ
اقتربنا فصار اللوزُ جمراً
وانفرطَ على السعيرِ حَبُّ خلودِنا والماء ما ارتشفناهُ
تبدد وسطَ الدهشةِ ماءُ
نحن مسار الريحِ إنْ أتت
سناجرةٌ عربٌ أخذْنا الجبلَ للنهرِ
فانهزمَ الماءُ وعادَ الجبلُ بلوثةِ الغجرِ
حين هطلت عليه كالدودِ في ثمرِ المواسمِ
سناجرةٌ عُدنا
بلا جبلٍ ولا ماء
وللربِّ حطباً صرنا في كانونه الموقَد يوم صقيع
استعرنا بنارِ الجنوبِ والتهبنا ومن حولِنا طائفةٌ انبهرت
أيُّهم كان البدايةَ ؟ أيُّهم كان الضميرَ ؟
وأنتم قيل لنا
ماذا ؟
أتستعرون ثانيةً حين تشرقون ؟
ومن حانٍ لحانٍ تشرقون ؟
كنتم خرجتم توّاً من حروبٍ غابرةٍ
وكنتم خرجتم توّاً من صحبةٍ عاثرةٍ
يا أبي ما عبقت في الصحوةِ سوى نفحةٍ من عطرِك الأخّاذ
ففي الصباحِ يأتي مع فنجانِ الشاي
ورطبِ البدايةِ المُهتزِّ في نخلةٍ
باركتها السماءُ وسحرُ الأساطير
شاركني المُخيلةَ يا أبي
إنْ نحن بدأنا ما بدأتَ به
وإن نحن سرونا بما سروتَ عليه
دائخون حبيبي في الصيفِ وفي الشتاءِ
دائخون نتوجسُ خيطاً من فضّةٍ يؤدي بنا إلى ماءِ السبيلِ
ونسلكُ درباً نحو ثمرِ البدايةِ المُعَلّقِ في قناديل الجنّة
نهريّون
بحريّون
جبليّون
صحراويون
نهطلُ كالطينِ
ونُجرَفُ في سيلٍ يزفرُنا نحو الجحيم ونظلُّ
نظلُّ هاطلين
نأخذُ سوسنةً لصبايا
خرجْنَ من طينِ اللذةِ على عُمرةِ الماء
نوزعُ ورداتٍ على ضفائرَ سودٍ
وضفائرَ حمرٍ
وضفائرَ شقرٍ
وضفائرَ عجزَ عنهنّ الوصفُ
ونستنشق عبيرَ الجنّةِ ، في كؤوسِهنّ الناهلةِ ، طلاًّ .
أية نهودٍ هتك بهنّ اللهُ أستارَنا في الصباح؟
هاطلون
كأننا الهلامُ في المساء نُبعثُ من جزائرَ نائيةٍ
هل كُنّا سوى صغارٍ من فتيةٍ نعطي بلا حدودٍ
وردتَنا المفزوعةَ على ساقِها الجَذِلِ الرشيقِ ؟
أخذْنا بعضاً من جوعِنا الليليّ ودخلْنا في يراعِ الكلامِ على أُمهاتٍ جافلاتٍ في الفراشِ
منفوشات الأحلامِ والدثارِ والشَّعْرِ
الذي ما تدثر يوماً أمام زرقةِ السماء
إلاّ لغايةٍ أرادتها أسرابُ الطيرِ
نائيّون
كأننا لسنا من زهرِ الأيامِ
نأكلُ الخردلَ البرِّيَّ
و"الشفلّحَ " الفاجرَ الحمرة المتفتقَ على عذابِنا
و نباتاً لا نعرفُ له تسميةً
غير " زهرة الغريب "
يأكلنا الحمضُ المتلفعُ بالتربةِ
وتُنعشنا رائحةُ النعناع في حدائقِ الشاي العصري .
نعجنُ يومَنا بالقهرِ ونأتدمُ بسويق الفطر
كم تفاحةٍ هجرت موطنَها لتسكنَ بين فخذي بادية
كم ذاكرةٍ استوطنت في الصقيعِ البعيد
أيها الهادئون بوجهِ أكاذيبِ الزمانِ
أيها الصاخبون
الحمقى
المجازفون
خانتكم الروابطُ
وتهتكت بكم الساعةُ
فاعطبوا ظهورَ خيولِكم لكي تصلَ بكم إلى آخر الزمان
جوّابون أنتم في هذه الجبالِ
وفي هذه الوديان
تسرقون نجمةَ الله وتعطونها للدليل
تلوكون البلايا
أيها الصدّاحون في آخر الدُّنا
إنْ اصطفيتم شيئاً
فاصطفوا هرشَ الرمّان فهو الأيسر للانحناء
تُشاغلنا الريحُ والسحابةُ الفارغةُ
نُعمِّرُ ليلَنا بالخمرةِ السوداء
وخيطِ بياضٍ من كفنِ التاريخ
نتوسدُ شقائقَ وحشتِنا
نحن أبناء الغفلةِ نزدهرُ بالكلامِ حين نكون بطوناً فارغةً
تشهد لنا الريحُ
نحن بيض الوجوه والثياب والجوانب والنفوس
سلعةً لن نكون
وهذا البيع حرام
يا أبناءَ أخيارنا
هذا البيع حرام
كلهم يبيعون لنا الغبارَ
و بقوارب الطلعِ يحتفظون
هذا البيع حرام
ونحن سلعة لن نكون
وعلينا كُتِِبَ اللقاحُ نتكاثرُ بالرحيقِ السماوي
والبيع حرام
خوّافون ؟
لا
لا نمشي إلاّ في ليلِ السعلاةِ وليلِ الجنياتِ وليلِ بناتِ نعش وعاشقةِ الدارِ
مَنْ منّا تساءل مرّةً عن تخاريفَ موروثةٍ ؟
نمت معنا ومعها نمونا
صباح النسيم
صباح الحصاد
آفةٌ هو التاريخ ونحن من أعماقه نأتي
ما بالنا لا نقيم له قصراً
على الورقِ
أو خربةً في الذاكرةِ
صخّابون ؟
أجل تأتي العرباتُ محملةً بأمهاتِنا المتعباتِ وأكوامِ البلُّور
تدخل عينَ الشمس
صدرَ الحيّ وفي المساء تصدحُ الحانةُ
غيابون ؟
لا
لا نهتدي إلاّ بالعزّةِ
والصاحبُ فينا نُسلمُه قيادَنا حتى تهتزَّ له السماءُ
فتطلق ضيماً أو طيراً يشهد الله كأنها أبابيلُ
نحن ثمرٌ من شجرةٍ مباركةٍ
من تربةٍ مشكورةٍ طيبةٍ
استسقت غيثاً روى جذراً
امتدَّ في حُلُمٍ إنسانيِّ ، ربانيٍّ ، ملائكيٍّ أو في بؤرةٍ جنِّ
محتالون ؟
لا
دفنّا أسرارَنا البدائيةَ ، هل لنا أسرار ؟ في مجرى الماء
والماء ُ العذبُ أخذها إلى ساقيةٍ
والساقيةُ أخذتها إلى جدول
والجدول أخذها إلى نهرٍ يرتشفُ
من بحرٍ هائجٍ أصدافَ الأُلفةِ
وسمكَ الوحشةِ وأعشابَ الدهشةِ .
دفاعون؟
نعم ، عن البلاءِ والصعابِ والحريقِ والغريقِ
أكلنا في الهجيرةِ زادَنا وبانت عيوبُنا أو شقوقُنا
انكشفتْ أمامَ الناسِ صيحاتُنا لعزّةِ الأبناء
عيّابون ؟
معاذ الله
خشيةٌ فينا تُسلّينا وتمنعنا
فائضون كأننا من حطبٍ ، لقطٍ في طريق كأننا ما تحفّينا
حفاةٌ وغير الشمس ما داهمتنا شمسُ
ولا لوحتنا شمسُ
تلظينا
طلاّبون ؟
لمَن ؟
تهادي .. تهادي .. تهادي
فالماء في منزلقِ البحرِ والربُّ يذكي في قيامتِه أوارَ نارٍ
ونحن حطب البدايةِ
وحطب النهايةِ
ونحن حطب الطريقِ
تهادي .. تهادي .. تهادي
كالسفين إنْ شئتِ
أو كالنسيمِ
أو كقافلةِ نوقٍ من ورقِ التوتِ
تهادي .. تهادي .. تهادي
حريراً أمامنا فالأمهات تدفعنا نحو البحرِ
أو نحو البرّيِّةِ أو نحو يبابِ الطريقِ
هي الغفلةُ نجني ما غاب في باطنِ الأرض من شهدِ
ونحن مفطرون
وعلى الحصباء مفطرون
لا نأتي من دقيقِ الدهشةِ شيئاً
ومن سمكِ الذهولِ سوى ما أصبْنا
يا أبتِ ضاع الدليلُ
فاخرجْ لنا إلى عرضِ البرّيِّةِ تُرشدنا
يا أبتِ ضاعَ الدليلُ
والرومُ ما استخلفوا علينا سوى روميٍّ
والساقطِ من ثمرِ الفُرسِ
والغلامي
والديلميّ
والغجري المتشبث بالكهفِ المسحورِ
ونحن ابتلعْنا غصتَنا في آخر الليلِ
وأولِ الصبحِ
وآخر الندامةِ
يا أبتِ ضاع الدليلُ
والموتُ منه ما جنينا سوى موتٍ
فاصدحْ بنا يا دليلَ الريحِ
وفي متاهتِنا فانظرْ
نحن فزعْنا من هولِ ما عصفت بنا محنةٌ
ونحن ذهلنا من هولِ ما مرَّ علينا من جحود الزمانِ
سقط البناءُ يا أبي واهتزتْ مدينتُنا
سقط البناءُ يا أبي وفينا جذرٌ يغورُ
يغور
يا دليلَ الريحِ
سيِّر في مهبِّنا ريحاً
يا دليلَ الفرقةِ
كنّا ببابِ الألفةِ كلَّ ليلةٍ نسهرُ
فاشرقْ علينا
يا دليلَ الريحِ من ضحكةِ الحانةِ
يا دليل الريحِ
أرسلْها على رسلِ


24 ـ 11 ـ 2005

***

18 ـ كلمات لصمت قادم

1

مثل فراشةٍ عطشى
زاغت من سربِ الفراشاتِ
حطّت كفُّه على كتفي
قال : أما زلتَ تقضمُ الذاكرةَ ؟
قلتُ : نعم
قال : سنزرعُ منها حقلاً
بعدئذٍ حطَّ كلّه على كفّي
يلتقطُ البذورَ

2

الممرُ الذي انغلقَ بوجهي
والذي تراكمت على جانبيه خيباتي
الممرُ الذي لا يعرفُ من وجوهِ العشّاقِ
سوى وجهي
أطنب في إيذائي

3

عندما عادَ الجندُ مدججين بالهزيمةِ
فرحين بالنجاةِ
سألناهم عن طريقِ العودةِ
لم يجيبوا
ولكنهم سدّوا أنوفَهم

4

في بدلاتِ الجندِ
ثمةَ رائحةٌ تدلّك على الهزيمةِ
مثلما
في الأسمالِ الباليةِ
هناك دائماً
ثمةَ رائحةٌ تدلّك
على الفقرِ

5

قال : انتصرنا
قلنا : مبروك
ولكن أين الغنيمة ؟

10 ـ 9 ـ 1999
***
19 ـ أسئلة الأُلْفَة
***

أيّها المنفى
وبعد عمرٍ طويلٍ
هل ألفتَني
أم أنّ رائحتي
مازالت غريبةً ؟

27 ـ 6 ـ 2000
***

20 ـ عطارد والسحاب
***
كنتِ عاشقةً حين تساقطتِ بين يديّ لهفةً لهفة
واندفع اشتياقُك عَبْرَ شجنِ الطريق
أيتها المجنونةُ
التي ما هذبتها أهدابُ سحابةٍ
وما زفرتها أنفاسُ ريحٍ
لمَنْ ارتديتِ كلَّ هذا العنفوان
الذي فتك بوردتِنا ؟
ولِمَ تقطرتِ بكأسِ هيامي الطافحة فتنةً فتنة
أنتِ إذن مَنْ نَوّرَ أولَ الليلِ بصهيلِ الضحكاتِ
وأنتِ مَنْ أفرغَ زيتَ القناديل
أنتِ .. أنتِ مَنْ أحرقَ بصندلِه
رائحةَ الوسادة
وأنتِ .. أنتِ نجمةُ الدليل

20 ـ 12 ـ 2003
***
21 ـ أشياء مرّة
***

لا تتعجلي يا حبيبتي
فمازال ثمرُ الطريقِ مرّاً
وماءُ الفراتِ مازال مرّاً
وبحجارةِ التيهِ مازلنا نتعثرُ
لا تتعجلي الغربةَ يا حبيبتي
فربما أنكرنا النخلُ
وربما كان طلعُه مرّاً


21 ـ 12 ـ 2003
***

22 ـ وردة الراعي
***

خُذيْها .. خُذيْها
وردةَ الراعي
وبرفقٍ من عطرِها إلى وجهِ القمرِ ارفعيْها
ثم علّقيْها مثلَ خزامةٍ إلى أنفِ عذراء
خُذيْها .. خُذيْها
وردةَ الراعي
وبهمسِك اسحريْها ثم إلى مخدعِ العاشقِ أدخليْها ، لتنزفَ على وسادتِه لوعتَها الأخيرة
خُذيْها .. خُذيْها
قبل أنْ يقطفَها شوقُ النسيمِ

15 ـ 2 ـ 2000

***
23 ـ لا تنتظري المدينة
***

لا تحزني يا صديقتي
فعلى ساعديّ سأنقلُ إليك المدينة
اُتركي مداخلَ النّفسِ مشرعةً
فالمدينةُ لا تقفُ على الأبوابِ منتظرةً
اُتركي يا صديقتي في الطريقِ هوىً
فالليلة مع الصحبِ ننتظرُ على أبوابِ البحرِ أضواءَ المدينة
وحين تمرّ بنا الأضواءُ ، نأسرُها
إليك وبكاملِ هندامِها نجلبُها
لكنني يا صديقتي أخشى من نشوةٍ تطرحني
وتمرّ في غفلتي المدينة

18 ـ 2 ـ 2000
***
24 ـ مداهمات
***
في بعضِ بداياتِ الفصولِ الدافئة
تمرُّ الوعولُ نسيماً
بينما الأقمارُ تحتطبُ مؤونةَ الشتاء
في غابةِ النساء
في بعضِ بداياتِ الوعولِ النضرة
تهاجرُ السماءُ ونبقى عراةً
ننكشفُ أمامَ الليلِ
بأسرارِنا وملوحةِ أجسادِنا
عنّا يبتعدُ ورقُ التوتِ
وتبقى الوعولُ ، حولَنا تدورُ
في انشغالِ القمرِ

10 ـ 6 ـ 2002
***
25 ـ رقصة ليل
***
تنفّست بابي رائحةَ زائرٍ جميل
فانفرجت ، للدفءِ القادمِ ، ضحكةُ نشوتِِها
وللطارقِ بلهفةٍ على صمتِها الطويل
ولهمسِ النسيمِ يُداعبُ وجنتَها
ندهتْ :
افتحْني يا هذا لزوّارِ الليلِ
للقمرِ النازلِ من عليائه
ليتمرغَ في الأحضانِ
افتحني
للطلِّ الفاجرِ المتخبط فوق الصدرِ
في فحيحِ البطنِ
في شفيفِ الثوبِ
في ثورةِ الشعرِ ورفيفِ الشفّةِ
افتحْ .. افتحْ ، تنده بابي ،
لزوّارِ الغفلةِ
لزائرةٍ تجرُّ وراءَها الدنيا
أفتحُ
أرى الأكوانَ ترقصُ
على رأسِ النارِ ترقصُ
أرى امرأةً تزفرُ وجداً
هي زائرتي في العزلِ المطلق
هي قاهرتي في الموجِ الأهوج
أفتحُ
تدخلُ
في حومتي تصير
في جنتي تطير
مساء جميل
تعلنُ صبوتَها

27 ـ 6 ـ 2002

***
26 ـ حانة وسحابة

***
في حيِّنا طافت سحابة
أكملت من طوافِها
دورتين
ثم على أطلالِنا ذرفت عيناها
دموعَ ثكلى
مَنْ يدعو إلى وليمتِنا السحابةَ ؟
مَنْ يتعشق ماء أو يُكلّم ماء ؟
بقينا الليلَ .. جمعاً نتساءلُ
حتى افترقنا وصرنا أفراداً
بالهمسِ تطاعنا
وحين داهمنا العطرُ
علمنا أنَّ بالقربِ من نبعِنا حطّت ركابَها
غانيةُ الحانِ
وفي أكؤسِنا شغفاً صبّت
دعتنا
إلى مضاربِها مراراً
دعتنا
عدنا إلى جمعِنا نتساءلُ
أ نرحلُ بما استعذب الهمسُ ؟
وافترقنا
ثانيةً وثالثةً
افترقنا
لم ندعُ السحابةَ للوليمةِ
لم نشربْ مما في الكأسِ من شغفٍ
لم نقبلْ دعوةَ غانيةِ الحان
حتى انبلجَ من فوقِنا الصبحُ

29 ـ 7 ـ 2002
***
27 ـ أقمار ووعول

***


بوجهِ الليلِ افرغي كأسيَ
افرغي الثمالةَ
حطِّمي يا طيفي الجميل أصنامَ العبادة
اغضبي ما شئتِ
فأنا أشتهيك بهيةً كما أنتِ الآن
ومن صدري لا يخرجُ هاتفٌ
يثنيك عن التخريبِ
لا تتعبي من التخريبِ
لا تكفّي
أنتِ لا تعلمين حدودَ مسرّتي
فحين اعتلي هضباتِ الليلِ
أتوسلُ قدومَك وحيداً
أ تعرفين ماذا تعني الوحدةُ ؟
أنا مَنْ ينده مِن أعالي المسافة :
تعالَيْ
خُذي معولي واحرثي الظلامَ
لعل نوراً خلفه توارى
لعل صبحاً بعيداً حجزته الفاتناتُ
وحدي يا صديقتي أرقبُ الطريقَ
وحدي أهمسُ للوعولِ الصاعدة نحو القمر :
من هنا تأتي
من خلف أحراشِ غابةٍ جثمت على أطرافِ المدينة
من جهةِ محطةٍ تردها قطاراتٌ ماضية نحو صقيعٍ خامد
من مهابطِ الطائراتِ
من مواقف حافلاتٍ أنجزت رحلتَها الأخيرة
من سماء لا تعرفُ غيرَ البهاء
من هنا تأتي
مع مطرٍ أدمن الغناءَ وسحرَ التراشقِ
مع سيلٍ لا يحملُ غيرَ النسيمِ
مع برقٍ أفّاقٍ
مع غيمةٍ كاذبةٍ
هل أقايضُ الفصولَ ؟
مع الصيفِ .. أو الربيع
هل تأتين خريفاً ؟
أو خمرةً للشتاء ؟
يا إلهي .. نفد صبري
كفّي عن مداعبةِ خيطِ الدخانِ المتصاعد من عودِ البخورِ
فمازالت في الليلِ بقيةٌ

3 ـ 7 ـ 2002

***

28 ـ لقاء طويل
***

عندما التقينا
كانت بشعرٍ جميل
وكنت بحزنٍ نبيل
عندما التقينا
أُخِذنا بعناقٍ طويل


14 ـ 7 ـ 2002

***
29 ـ قول جميل
***

قال لي
ننتظرُ السفينة
فقفْ على رأسِ رابيةٍ
تُرشدُها إلينا
مرّت واحدةٌ
هتفتُ بها .. من بعيد
لوّحت لنا ..
عبرتْنا
واحدةٌ أخرى
مرّت بالقربِ من رابيتِنا
هتفتُ لها
خلفتْنا
لم يتحركْ
صاحَ بي مستدركاً
لا تتعجلْ فسوف تعبرُ نحوَنا
تائهةٌ
تقصدُ المدينة

13 ـ 7 ـ 2002
***


30 ـ صباح رديء
***

قرأتُ في الجريدةِ
إنّ مخبراً أصبح شاعرَ عصرٍ
و خائناً استيقظ ذات صباحٍ
فوجدَ تحت وسادتِه جائزةَ فكرٍ
قرأتُ في الجريدةِ
كيف صار للبغيِّ شأنٌ
وأصبحت في بلدِ القديساتِ أميرةً
وكيف رضعَ مسخٌ من صدرِ كريمةٍ
لبنَ القصيدة
قرأتُ في فنجانِ قهوةِ الصباح
وجهَ الجريدةِ
الذي عليه
بصقتُ
13 ـ 7 ـ 2002
***
31 ـ حوار الملك والحاجب
***
ـ صالت وجالت .. طغت وبغت ،
ثم استنفرت أمةً من أجلِ رغبتِها
يا جلالة الملك .
ـ ماذا أرادت ؟
ـ تُريدُ أنْ تُصبحَ شاعرةً لا يُشق لها غبار
ـ أهي جميلة ؟
ـ أجل مولاي .. لأجلِ جمالِها تكفرُ الملوكُ
ـ اخبرها إذاً أنّها شاعرة عظيمة
ـ كيف يا صاحب الجلالة ، لم تقُلْ ما ينفع
الناسَ ؟
ـ كما سمعت . إنّه كلامُ الملوكِ

7 ـ 7 ـ 2002
***
32 ـ ليست كالنساء
***
1

أعلمُ بوصولِها
كلّما ارتجّت الطريقُ

2
في ليلةِ صيفٍ
فتحتُ للنسيمِ نافذتي
فارتمت على سريري
نجمةٌ عارية

3
ذات ليلةٍ
باغتنا الصبحُ
فعلمتُ أنها نضتْ ثوباً

4
خرجت من الماء
فاختبل البحرُ

5
حين مرّت على الرصيفِ
انقطعَ السيرُ

6
إنْ استيقظت مبكرةً
تأخرتِ الشمسُ

7
بحثوا عن الليلِ
في شعرِها
وجدوه

8

في بيتِنا
لا يغرِّدُ البلبلُ
إلاّ إذا شمّ عطرَها

9

اشتغلت نادلاً
فسكرت الحانةُ

10

لا تحزني يا حبيبتي
هم أقل مِن أنْ ينالوا منك
جرّحوك ؟
خسئوا
هم إلى الأرضِ أدنى
من باطنِ قدميك
لا تحزني حبيبتي
وحتى تحت قدميك لا تبصقي


14 ـ 7 ـ 2002

***

33 ـ مشهد العاصفة
***
في أولِ العاصفة
مثيراً كان المشهدُ
مثيراً جداً
حيث
إلى السطوحِ طارَ بلا أجنحةٍ أقراني
في آخر العاصفة
طارَ المشهدُ
تاركاً
للسطوحِ الأجنحة


24 ـ 7 ـ 1984
***
34 ـ مسيرة
***


في الصحراء
لم يأتِ الصبحُ
انتظرناه
سبعَ ليال .. ثم
تابعنا المسيرَ
وبعد
سبع ليال أخرى
لم يأتِ الصبحُ
أبلَغَنا الليلُ

25 ـ 7 ـ ‏1983
***
35 ـ قطار العمر

***

أيّها المُنْتَظِرُ في شوقِ المحطاتِ
أيّها الحالمُ بدفء المسافةِ
لقد مرّ في غفلتِك المشتهى
وفي غفوتِك مرّ النسيمُ
أيّها الحالمُ المُنتظرُ
لا تحزنْ
إنْ فاتك قطارُ العمرِ
فسوف على الجميع يفوتُ


22 ـ 7 ـ 1983
***

36 ـ سخرية
***
سوف تسخرُ منك
بشريةٌ معذبةٌ
إنْ ندمتَ
على لحظةِ مولدِك


22 ـ 7 ـ 1983
***

37 ـ حرب في الباب
***



يا فاطمة
لا تفتحي البابَ
فمِن سلامٍ مغتالٍ
هربنا
لا تفتحي يا فاطمة
باباً
فالحربُ تأتزرُ خرقةً
بيضاء

27 ـ 7 ـ 1987

***

38 ـ حرب في الطريق
***


في الطريقِ إلى البيتِ
حمراءَ كانت السماءُ
وكنتُ مسالماً
في الطريقِ هبّتِ العاصفةُ
إلى شوقِها أخذتني
ولمّا تركتني العاصفةُ
كنتُ في حربٍ
أجهلُها


1 ـ 8 ـ 1987
***
39 ـ صيد صيفي
***

في الصيفِ
في كلِّ صيفٍ
يتصيدني المساءُ
حيث تعودُ النسوةُ
من أعالي النشوةِ ممتلئاتِ الرحيق
في الصيفِ
في كلِّ صيفٍ
تفيضُ الأحواضُ
بما نضحت الأجسادُ
المكتنزة الخرير

3 ـ 7 ـ 1994
***
40 ـ غفلة
***
في غفلةِ الأيامِ
نرحلُ جميعاً
كما ترحلُ
في غفلتِنا
الأيامُ

8 ـ 5 ـ 2000
***

41 ـ عبور ليلي
***
حين ينامُ الدوارُ
وتسرحُ ساريةٌ في طلاقةِ الريحِ
نهمسُ بأذنِ الليلِ
ونعبرُ في غفلةِ النّوتي
إلى تلك الجزيرةِ
لكي نُرتِّبَ أحلامَها

2 ـ 8 ـ 2000

***
42 ـ عودة ثمود
***
يا بني
لو عنّي سألت ثمودُ
فأنا مُبحرٌ
بناقةِ صالح
نحو أعالي الفرات

23 ـ 8 ـ 1997



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عازف الرباب الجزء الثالث
- عازف الرباب الجزء الثاني
- عازف الرباب الجزء الأول
- لنشوى معبد في الريح
- خُذْ معك ثوباً للموجة
- لا تدخل ضباباً
- آخر الشرفات
- شرفات برلين
- نص خارج من معرض العبيدي
- بماء عين الحمام اغتسلي
- خليل السّحاب
- امرأة المُلك
- أمسية
- سبب للحنين
- مجالس
- مزامير الغربة
- في حضرة الملاك
- حسرة في مقهى
- عدن حانة البحّار الأزلية
- دهشة الكوثر


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - قال الأفْيُون