أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - عازف الرباب الجزء الثالث















المزيد.....



عازف الرباب الجزء الثالث


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 2693 - 2009 / 6 / 30 - 10:24
المحور: الادب والفن
    


46 ـ وليمةٌ في ريح

في شرفةٍ تجهشُ فوقها شهوةُ الذاكرةِ أوْلَمْتُ
تحت زهوِ سماءٍ مُتَبَرِّجةٍ تتلمظُ أقمارُها شبقاً أوْلَمْتُ
للطيرِ الآبقِ أوْلَمتُ
وناديتُ : أيُّها الطيرُ السادرُ في الحَيْرَةِ تقدمْ
ها هي شرفةٌ أسلمتْ نفسَها للريح
سيأتي الطيرُ الضال يا سيّدَ الوليمة
مِن شرفةٍ سبحتْ في ليلٍ ضاحكٍ ، أسْرَيْنا
بلا متاعٍ لأحلامِنا الصغيرةِ رحلْنا
حتى إذا أخذتنا ما بين عدنٍ وحضرموت المسافة
وتوسّطنا عُريَ الطريقِ
استوقَفَنا ، بالقربِ مِن خرائبَ عاد ، عشقٌ
فصرنا نمسحُ برائحةِ البحرِ جسدَ الصحراء
وحين اشتدّت بنا الرغبات
صلّينا ، ولم ننسَ ، صلاةَ العُشاقِ
ثم مع هبوبِ النّسيمِ تَوحّدْنا
هنا بالقربِ مِن أنفاسِ التواريخِ احتَطَبْنا الهُيام
وفوق زهرِ الذاكرةِ
سكبْنا أمام البرّيّةِ عطرَ الكلام
هنا تحت طلٍّ مُتساقطٍ مِن سقفٍ سماويٍّ
انفرجت لتهويمة القمرِ شفتان
ومِن حيائه تجرّدَ نهدٌ
هنا ما بين عدنٍ وحضرموت
ارتشفْنا مِن كأسِ الندى
عذوبةَ الليل

26 ـ 2 ـ 2008
***

47 ـ فقدان ذاكرة

لعشرينِك الشاهقاتِ تعود
تطرقُ أبوابَ البصرةِ وتدخل
تعودُ لليلٍ أنتَ فيه نجمةُ الميزان
أما زلت تحلُم بعد ؟
وحين ينكرُك القريبُ
هل تُوقِفُ مسير الذّاكرة ؟
**
منذ انبثاقِ الماء في جسدِ البوادي
منذ النطفةِ الأولى
منذ الصرخةِ الأولى
و الدمعةِ الأولى
منذ خلقِ الكوابيسِ وأنتِ تُخَرّبين
يا بصرُ ضاعَ
في زحمةِ المنافي زمني
وانطفأ يا بصرتي العمرُ

12 ـ 04 ـ 200

***

48 ـ إغواء

إنْ أغريتني بفردوسِك الموعود
وتركتَ في الفراشِ حوريةً
تظلُّ تُغويني بالدخولِ إليه
اخبرْها أنْ تتركَ سقفَ البابِ عالياً
فأنا لن أدخلَ محنيّ الظهرِ


6 ـ 3 ـ 2008
***


49 ـ خليل السّحاب

خُذْني يا هذا المجنون
إليَّ اجلبْ هولَ البرِّيّةِ
وبلهفتي اعبرْ ليلاً مِن خوف
خُذْني غيمةً في ريح
في متاهةِ ليل
خُذْني أيها المجنون
إلى بحارٍ باسمِك تلهج :
هو ذا طائرٌ مسحور
يسري في ليلٍ
خُذْني وهذا الليل
خُذْني وهذه الوحشة
وحين تمرّ مِن فوق شجرةٍ تشمخُ وحيدةً في فضاء
تنهضُ عاريةً في يباب
حاولْ أنْ تتمهّل
خُذني
فها نحن لا نرى غيرَ سرائر الأشياء
قُلْ قولةَ كريمٍ
ثم مرني :
اهطِلْ
اهطِِلْ يا هذا
لتُقبلْ كما السماء
أنتَ المُلَبّدُ بغيومِ القبيلة
للحَيْرَةِ يا طائرَ الرّحيلِ طربتُ
أنا الذي لم يطربْ لحظةً طربتُ
ولعودتِك يا أسيرَ الرعودِ يوماً ما طربتُ
لأيِّ نداءٍ ما طربتُ
لكني لحكمةٍ خارجة مِن أفواهِ الطيرِ طربتُ
فعانقتُ يا ربَّ الأسفارِ شبحي و هتفتُ :
يا هذا الطيرُ المسحورُ ، المجنون
أنا ومضةٌ تُضيء الليل
برقةٌ أنا أجهشت ذاتَ غياب
فانكشفت أسرارُ المدينة
يا طائرَ الرحيلِ
يا عاشقَ البروقِ
أيّ الهمساتِ التي جُنّت أنا ؟
أهدرَها الصحبُ
وعليها لم يأسفْ خِلٌّ
و الأبناءُ
سيندمُ ، بعد لأيٍ يا هذا المسحورُ ، الأبناءُ
نسمةٌ عليلةٌ أنا
هبّت ذاتَ صيفٍ وضاعت في سموم
نجمةٌ في سماء البلادِ
اختلجتْ عند مساءٍ نديٍّ وغابت
أهملَها الأهلُ
وأنكرَها الأغراب
قمرٌ أنا يا طائرَ الجنونِ
قمرٌ غريبٌ حطّ على دهشةِ أبوابٍ غريبة
هل تراني يا صريعَ الرحيلِ طروباً ؟
وأنا لستُ الطروبَ يا هذا المسحورُ
و كأسي شاخت وشحّت خمورُها
فاصحبني إنْ شئت
وخذني للطريقِ رفيقاً

10 ـ 4 ـ 2008

***

50 ـ حورية النهر

امرأةٌ ارتدتْ نهراً
فاضطربَ مِن حولِها الموجُ
امرأةٌ مِن فرطِ عشقِها
ابتلعت شطَّ العربِ
وطلبت عصا موسى
قالت اعبرْ مِن تحت العصا تنجُ
امرأةٌ بادلتني الصمتَ
فضعتُ في تفاصيل الكلامِ

1991

***

51 ـ أشياؤنا

هي أشياؤنا التي أُهمِلتْ
تركناها مُعلّقةً على أسيجةِ العراق
لشجنِ العراءِ تركناها ولفح الرياحِ
لم نَعُد نسألُ عنها
وعنها لم نُسأل
أشياؤنا التي كانت يوماً ثمينةً
لم نودِعْها في بيتٍ
ولم تضمها حقيبةُ الرحيل
أشياؤنا التي استصرختنا ذاتَ جحودٍ
مازالت تتذكرنا
مازالت تسألُ عنا
أخبرَنا عنها الوافدون

الثلاثاء 27 ـ 5 ـ 2008 مستشفى الشارتيه

***

52 ـ تحليقٌ أثيريٌّ

مُحلِّقاً في سماواتٍ بعيدةٍ
أبحثُ عن مثيلٍ عاشرَ كوكباً همجياً
فابتنى له هذا قصراً مِن نور
مُحلِّقاً أحملُ بحاراً فيروزيةً
وسفائنَ مِن ياقوت
وأصيحُ بمثيلي :
يا هذا ابتن لي كوخاً
مِن حجرٍ كريمٍ
أو تأخذ أحمالي هذي لسيِّدك السماويّ هدية

27 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه

***

53 ـ حبيبتي والصمت

أنتِ دهشةُ الصباح
أنينُ ياسمينةٍ مُغمّسةٍ بالندى
صمتُ فيءٍ صيفيٍّ في ثراءِ الحدائق
أنتِ اللهفةُ الأولى إلى صدرِ حبيبٍ
أنتِ أعزُّ إشراقةٍ
من شمسٍ عزيزةٍ
أنتِ تَنَهُّدُ النسيمِ في وجهِ المُتعبِ
أنتِ
ما أنتِ ؟
أنتِ خياري الجميل

الأربعاء 28 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه

***

54 ـ وفاء متأخر

في العراق البهيِّ غصناً ما زرعتُ
تحت أشواقِ الحديقة
ولا نزلتُ نحو الجذورِ قطرةَ ندى
ولا قبّلتُ لزهرةٍ خدّاً
به الشمسُ تنبهرُ
في العراقِ المشاكسِ نهطلُ عليه زمناً مِن شتائم
في الليلِ مرّةً وفي النهار مرّات
وفي طريقِه نضعُ العصا
أو نرمي العجلات
في العراقِ الخالدِ منذ الأزل
نعاتبُ صيفَه حين لا يعجبُنا
ونلومُ الشتاء
وهو المُتسامحُ أبداً
يسمعُ الغيظَ ويضحك
في العراقِ الذي خسرناهُ
والذي خسرنا إلى الأبد
فقدْنا لغةَ التفاهمِ بيننا
في عراقِ الأحزان
وجدْنا المسرّةَ متدليةً بحبلٍ
من فوقِ أعلى منارةٍ في بغداد
في عراق الأرامل
لم نجدْ ضحكةً في طريق

الأربعاء 28 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه

***


55 ـ امرأتي

عاصفٌ هذا الليلُ
باذخةٌ هي الذّاكرةُ
و ساعاتٌ بدونِك لا تمرُّ
أنتِ زهوي القادمُ بكلِّ جلالِ الحبِّ
أنتِ صوتي المُنبعثُ في البريّةِ
ولحني الرشيق على جسدِ الكلمات
أنتِ ذاكرتي العابثةُ في المكانِ الذي به مررنا
ذاتَ زمان
صبواتي الجميلاتُ أنتِ
وخلجاتُ نَفْسي المتمردة
طبيبُ روحي الماهرُ أنتِ
ومِن دونك لا يطيبُ عيشٌ
آه أنتِ
في غيابِك لا قمر يدرجُ في سماء
ولا موجة ترتدي البحرَ ثوباً للمساء
أنتِ .. أنتِ .. يا أنتِ
يا وردةً مِن عواطف لم تعرفْها الحدائقُ بعد

الشارتيه 28 ـ 5 ـ 2008
***


56 ـ شجنٌ شخصيٌّ

أنا المُشاعُ في كلِّ المنافي
الموزّعُ بين القبائل
أنا المُطْعَمُ للموجِ وأحياء البحرِ
المنثورُ في كلِّ صحاري الدُّنيا
أنا النارُ المُضرمةُ في رأسِ جبالٍ
لم يصلْها الطيرُ المُعاند
أنا ابنُ النخلةِ التي أعطت تمرَها والفسيلَ
ثم اكتفت بأنينِ ليل
أنا العابثُ بقلبِه فأسلمه لمَن لا يعرفُ وفاءَ القلوبِ
أنا الذي ضيّع نفسَه وضاع
أنا المُرتجفُ الليلةَ على سريرِ المرضِ في مشفى الشارتيه ببرلين ، وحيداً بلا صديقٍ أو رفيق كأنني ابنُ الأسيرة .
أجل .. أجل
أنا ابنُ الكسيرة

28 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه

***

57 ـ اليمامة

هي توأمي الأجملُ منسوجةٌ من عبير
هي ابتداءُ الكلامِ إنْ أردتُ الكلامَ
وهي جُنحي الذي به أطير إن نويتُ الرحيل
هي قرنفلةُ القلبِ إنْ عُبثَ به أطلقَ الرحيقَ
تأتي عَبْرَ محطّاتِ الشّرقِ ببطاقةِ طريقٍ واحدةٍ
ليس فيها أملٌ في عودة
تعلنُها أمامَ المحافلِ : هذه بطاقةُ الرحلةِ
ومزقتْ ما كان فيها من كلام
أنا ذاهبةٌ لسيِّدِ الأحلام
هي قلبي الذي بعاطفتِه أتلفَ نفسَه وحيَّر الحكماء
هي نفسي الحائمة
التي لا تحطُّ على بيتٍ أو شجرة
هي لغتي الهائمة

29 ـ 5 ـ 2008

***

58 ـ مدينةُ السِّحر

لمّا البصرة استضافت الأنهارَ
أَولَمت لها في صحراء الرؤيا
على نارٍ أضاءت ليلَ البحارِ
هي البصرةُ ملكةُ الكبرياء
سيدةُ الكرمِ الأرضي
أمّ السِّحرِ والأساطير
هي المدينةُ التي عبقت رائحتُها في الأقطار
امرأةُ الدفءِ القاري
عشيقةُ الرّحالة
عذراء الدُّنيا هي البصرة

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه

***

59 ـ غريبان كغرابين

بالقربِ مِن مِهبطِ الطائراتِ في مشفى الشارتيه
وعلى ممرٍ كأنه بالوجودِ يضيق
التصقتْ بفحْلِها مرمورةٌ تركية
هنا في الخَلوةِ القسريةِ تُغادرُ العيون
وينامُ صاحبُ البرجِ
هنا
بالنارِ التحفي يا امرأةً للنشوةِ
غادر زوّارُ المساء
وأنتِ ما تبقّى مِن حمرةِ الشمسِ تحطبين
تحت فرحِ أشجارِ الكستناء
بفحلِك التصقي
مثلَ غُرابين في أعالي الكستناء
مثلهما يتعاشقان
وأنتِ عاريةُ الفخذين بالخصرِ تتشبثين
يا امرأةَ الشهوةِ
خُذي فأرَكِ الجميلَ تحت إبطِ المساء
اعبري به حدودَ العزلةِ
ارتشفي ما شئتِ الليلةَ
واجعلي الأجسادَ تلتحم
بالقربِ مِن مدرجِ الإنقاذِ يزدحمُ في الأعالي نعيق
وتحت الكستناء يُدرُّ الحليب

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه

***

60 ـ اعتذار لابنتي

هو الزمنُ يا بُنيتي مَن ألقى بنا في هذي المنافي
فاعذريني لو تركتُك في منتصفِ الطريقِ
هو الوطنُ الذي كلّما مددنا له يداً راح يبتعدُ
يا بُنيتي هذا وطنٌ مسحورٌ كأنهُ السراب
وحين رأيتُ يا بُنيتي البشرَ في أوطانِهم يمرحون
رأيتُ الوطنَ في قلوبِنا يمرحُ
نحن يا حبيبتي لا نسكنُ وطناً
بل فينا يسكنُ الوطنُ
اعذريني يا حبيبتي لو
تركتُك في منتصف الطريق

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه


***

61 ـ مساء بَصْريٌّ

خَضِلٌ هذا المساء
النهرُ في أتمِّ فحولةٍ
والبصرةُ خرجت في أعقابِ المشهدِ عاريةً
هو الشَّطُّ فانزلي
أو أعيريني هذا العُرْيَ
لأغويَ ، بفتوتي ، ملائكةَ الموجِ
ولتندلعَ بوجهِ الرِّيحِ حرائقي
فأنا تعلّمتُ ، منذُ انبثاقِ الفسيل ، الغوصَ بقلقي نحو الصهيل
تعلّمتُ أنْ أدْمنَ الحكايا ورائحةَ السمكِ المسحورِ وشيئاً مِن عبيرِ الطينِ
تعلّمتُ أنْ أزرعَ لؤلؤةً في جسدِ قوقعةٍ شبقيةِ النّزعةِ غريبةِ التكوين
وعن حوريةٍ اغتصبها دليلُ المَرْجان ذاتَ رقصةٍ همجيةٍ فاحشةٍ ،
قصَّ علينا الماءُ مِنْ نسجِ الخيالِ وقال :
كانت في ذروةِ الشّوقِ تبحثُ عن عشقٍ ضاع في القرارِ
ثم بصق في زيقه الفضفاض خوفاً من الغِيْبةِ وأضاف :
كانت مشبوبةً استغفرُ الله
في تلك الأثناء اندلعَ كومٌ مِن رذاذٍ
لسانُ نار
مُتْعَبٌ أنا هذا المساء
وتلك سويعاتٌ معطوبةُ المعنى ،
عبّتْ بشغفٍ أُسطوريٍّ ما تبقّى مِن الظلالِ ومَضَتْ
إلى آخرِ القعرِ في هذيانِ الكأسِ مَضتْ
تبيعُ الهوى في ليلِ القيعانِ
يا زهرة الكأس الكريمة لا تتعرقي
يا أديم الكأسِ أنّا مازلنا في محرابِ الشّتاء
اشربي ما استقرّ لديك مِن خلاصةِ الوجدِ
اثملي .. فتلك سويعاتٌ مترنحةٌ
ثملت وعاثت باشتياقي
مَنْ يُعيرُني صحوتي ؟
مَنْ يُعيدُني إلى أولِ المشهدِ ؟
مَنْ يُدني مني زورقي المعطوب ؟
مُتعَبٌ أنا الليلة
وقبل المساء سأغيِّرُ هندامي
سأستقبلُ ثياباً مِن عطر جاء بها النسيمُ
تلك سويعاتٌ سكرى
تلك ضفافٌ نشوى
وهذه الكأسُ لا تعرفُ مِن أسراري
غيرَ ما يعرفُ القرارُ عني
وما توحي به حركةُ الشّفاه في لحظةِ اشتياق :
بضعُ كلماتٍ تأتي كأنها مِن غورٍ سحيقٍ تأتي
بلا رائحةٍ شهوانيةٍ أو طيفِ رحيقٍ تأتي
طاب نسيمُك أيها المساءُ
تنهّد في صدرِ المشهدِ طلٌّ وقال :
الندمانُ شجرٌ في العراء
الندمانُ توزّعوا تحت نجومٍ كثرٍ في آخرِ العمرِ
آه لهذا المساء
مُتعبٌ أنا هذا المساء
لا عطر يفتك بغَيبةِ روحي
لا دعوة تغويني لاعتناقِ شبحٍ زار المخيلةَ
لا أنا أدمنتُ الخيالَ
آه لهذا المساء
ودون البصرةِ أوصدتُ نوافذي
وسرّحتُ بوجهِها كلَّ أبوابي
ثم شمختُ مُكابراً
هي غلطةُ الأجدادِ غلطتي
مَن يُعيرُني صحوتي ؟
مَنْ يبعثُ في شهدي الكلامَ حتى أوزعَه وخبزَ النّهارِ ؟
يا لهذا المساء
وقد انزرعتْ ، تحت قدميّ المستقرتين فوق جرفِ المشهدِ ،
بضعُ نرجساتٍ يتضوعْنَ عشقاً
وينشدْنَ لوعةً :
ها قد دبَّ الخصبُ
يا بنات الحيِّ
يا أسيرات الظلالِ الطيبة
خُذْنَ مِن الرحيقِ جسدَهُ العاري واعبرْنَ الأزلَ
ضَجِرٌ أنا
والبصرةُ في أعقابِ المشهدِ عاريةً تجوبُ الأنحاء
خُذي مِن كأسي رشفةً لعلّكِ مِن الجنون برئتِ
لعلّكِ مِن نبيذِ الوجدِ سُقيتِ
لعلّكِ بددتِ الحزنَ الكامنَ في زهوِ المكان
ضَجِرٌ أنا هذا المساء
فمَنْ يطعنُ غيمتي بضحكةٍ عابرةٍ ؟

12 ـ 9 ـ 2008


***

62 ـ سؤالٌ افتراضيٌّ من ابني

لو سألتني يوماً يا بُني
لو أطلقتَ عاصفةَ السؤالِ :
لِمَ نحن في الغربةِ انزرعْنا ؟
هل تظن أنني سألجأُ للجوابِ
وبماذا أُجيبُ ؟
لو سألتني يا بُني :
أين العراق الذي على حُبّهِ ربيتنا ؟
هل تظن أنني أُجيب ؟
أما الآن
سأجيبُ .. نعم سأُجيب
لقد كبرتَ يا ولدي
وها أنتَ تراه عَبْرَ شاشةِ التلفازِ خراباً
ها أنتَ تراه عبرها يحترق

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه

***


63 ـ هل تعلمين ؟

هل تعلمين يا حبيبتي كم أنا مشتاقٌ لرشفةِ ماء ؟
لنبعٍ أدمَنَ سحرَ المساء
لفمٍ يتخضّلُ كلّما صوّبتُ نحْوه نظرةً
آه كم اشتقتُ
لمدينةٍ صيّرتُها في الحلمِ فردوساً
وهي بالدمعِ تسبحُ
هل تعلمين كيف نكونُ لو جفَّ جوفُنا ؟
وكيف نكونُ لو لم نجد
ما يروي ظمأَ المُسافر ؟

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***

64 ـ سفينةُ المجنون

السفينةُ القادمةُ مِن آخر المجهول
اختارت قبطانَها المجنونَ
ستحملُني إلى مكانٍ
لا تعرفهُ السفائنُ
السفينةُ التي انتظرتُها منذ أولِ الأحلامِ
رفعتْ نحوي أشرعتَها
وهبّت عليها ريحُ الرحيل
السفينةُ التي استسلمت لها البحارُ
عُزفت فوق ظهرِها لعرائس السماء
موسيقى اللقاحِ الجميل
السفينةُ لقبطانِها الوسيمِ استسلمت
حين جُنّت في مياهي

29 ـ 5 ـ 2008 الشارتيه
***

65 ـ مساء استثنائي

كلُّ الجميلاتِ يَغْتسلْنَ بطلٍّ لا تُنْزِلُه سماء
فتنتفض عصافيرُ المُشتهى تحت القمصانِ الشفيفةِ
كلُّ الحالماتِ
يحصدْنَ الآن زغبَ الرغبةِ
الآن ... الآن
يالعذوبةِ رائحةِ المساء
حين تتضوّعُ مِن صدورِ النِّساء

28 ـ 6 ـ 2008
***

66 ـ أثرُ الغزاةِ

قالوا عن غزاةٍ ، تربّصوا بالطريق
حتى اختطفوها وكانت
عليها قوافلُ الرّغبةِ تسير
وزهورٌ على الجانبين بسقتْ أغصانُها خِلسةً
وأمام السماء زهواً ما تفتّحتْ ،
ما عادوا غزاةً وهم في جلدِنا دخلوا
قالوا وفي القولِ أطنبوا
ضاعتْ على الطريقِ بلادٌ


13 ـ 8 ـ 2008

***

67 ـ لا تغِبْ عني حبيبي

عن خاطري ساعةً لا تَغِبْ
فأنتَ سيِّدُ الحرفِ
وإنْ شئت فسيِّدُ الكلامِ أنتَ
يا هذا العراقُ الجليل
امنحني شيئاً مِن صمتِك الجميل


15 ـ 8 ـ 2008
***


68 ـ رشفات


مِن عينيك يغترفُ البحرُ زرقتَه
والنارُ مِن شفتيك أخذت كلَّ شهوتِها
أنتِ يا أنتِ يا زورق الياقوتِ الصاهل في اللّجةِ
أنتِ يا أنتِ يا لذّة الكؤوسِ الفردوسية
أنتِ يا أنتِ يا خيول الرغبةِ المُغيرة نحو قلعةٍ في السماء
أقطفي أعناقَ النجمِ
واصنعي قلائدَ نورٍ لأعراسٍ وهميةٍ
أنتِ يا جموح المسافرِ
صادري البحار
وفي زمنٍ قاحلٍ اتركينا
**
حبيبتي
لا تنسي ، نحن أبناءُ الغفلة
إنْ صدرت آهةٌ منّا
استعذبتها ملائكةٌ في السماء
**
بقلقِنا دائماً نذهبُ نحو الأعماقِ
كلّما كان الموجُ عاتياً
**
في عدن
اندلعت حرائقي
وبعد ثلاثين عاماً مازلتُ ملتهباً
**
خلف الصورةِ الأبهى مازلتُ مُحلقاً
ربما اصطدتها بعد فواتِ الأوان
**
دعاء
دعاء
يا ربّ أنقذني من جمالٍ فتك بالرؤية
يا ربّ أنقذني من جمالٍ سكن الخيالَ
**

2 ـ 10 ـ 2008


***

69 ـ خيانة الجسد

ملاحظة : لم يَخنّي أحدٌ كخيانةِ جسدي لي.
أحرقوا هذا الجسدَ الخائن
ولا تتركوا لقنينةِ الرّمادِ مَدْفَناً

10 ـ 10 ـ 2008

***



70ـ حظ

عندما همَّ بالطيران
غادرتِ السّماء
10 ـ 10 ـ 2008

***



71ـ بائع السمبوسة الهندي


في أعالي عصرِ كلّ يومٍ يأتي مِن وراء الأفقِ صوتٌ ملتاعٌ
نسمعه بوضوحٍ خائفاً ، مرتجفاً :
" سمبوسة هار .. هار السمبوسة "
عرفناهُ غريباً في هذي الأنحاء
سجّاد بائع السمبوسة الهندي
يخترقُ الحيَّ مثل أرنبٍ مذعورٍ
قصيراً كان و نحيفاً
ربما لم يبلغ الخامسةَ والثلاثين بعد
ربما تجاوزها قليلاً
ربما أخفى وراءه سنواتٍ مِن نارٍ
وشجرةً عظيمةً للسلالةِ
ومدناً لم نعرفْها على وجهِ الخرائط
ربما أخفى وراء بريقِ عينيه زمناً مِن الحكايا
مِن على كتِفِه اليمنى صندوقٌ من الألمنيوم تدلّى
فيه ازدحمت سمبوساتُ لها طعم نشتهيه
مِن على كتِفِه اليسرى كيسٌ مِن الكتّان الأبيض تدلّى ، فيه
صموناتٌ حُشرت لها نكهة العراق
لكنه يأتي
محملاً بالعوزِ والخوفِ
يأتي بالبهار متضوعاً كما يتضوع عود البخور
سجّاد هذا لا يفهم غير : زين بابا زين .. الله كريم بابا .. الحمد الله بابا
وحين نتحلّقُ حولَه نحن الصبيان نثرثرُ معه كثيراً معتقدين أنه سيفهمُنا كما نفهمُ نحن حركاتِه السريعةَ
سجّاد حذرٌ مِن غدرٍ
مِن أين ؟
وبالكادِ يسدُّ رمقَ عياله الأربعة
ننفضُّ مِن حولِه آمنين وبالسمبوسة والفلفل السائل الحار مستمتعين .
إنما مأبونان مِن الحيِّ ، كانا فوق العشرين ، تربّصا به .. أشبعاه ضرباً مُبرحاً .. استباحا صندوقَه وسفحوا المالَ القليلَ .. بينما سجّادُ يستغيث .. بطفولتِنا يستنجدُ ونحن الصبيان لا نملك إزاء خصومِه الأقوياء سوى الشتيمةِ .. سوى اللعناتِ . أهلُنا الكبارُ لم ينجدوا سجّاداً . كيف لقومٍ لم يتعودوا نجدةَ القريبِ أن ينجدوا الغريبَ ؟
سجّاد بعدئذٍ كفَّ عن المجيء
سجّاد آثر الغيابَ .
12 ـ 10 ـ 2008

***

72 ـ وقفات

أنا وفنجانُ القهوةِ
على طاولةٍ واحدةٍ التقينا ذات مساء
الفنجانُ أكرم مني كان
فمِن أجلي بذلَ ما في جوفهِ
**
كلّما مررتُ بمقهى السِّيْف
استوقفتني رائحةُ الشاي الساخنِ
وتقدّمت نحوي
**
عشتار لم تعشقْ جلجامش
لم تصنع مزماراً
عشتار بالنهرِ تغزلت
وجلجامش مثليٌّ
**
على ساحلِ أبْين مشّط البحرُ شعورَ النساء
وبضحكِهن سافر الموجُ
على ساحلِ أبْين زرعْنا
شجرَ الياقوت
لحورياتٍ حلمْنَ بالقلائد
13 ـ 10 ـ 2008

**
على ساحلِ أبْين ذات ليل
ما بين عدنٍ والعلم
تعلمت الأسماك أنينَ الذروةِ
ثم أودعتْه الموجَ
**
أنتَ الأجنبي الوحيد
الذي لا يكفّ عن الغناء
أنتَ أحلى الغرباء
**
لا غريب بلا بكاء
ولو ادّعى غيرَ هذا
**
هذا القمرُ
علِق بشبكةِ الصّياد
ذات ليلةِ عشقٍ
14 ـ 10 ـ 2008

***


73 ـ عزفٌ على أوتار الجسد

1
كلما عاد مِن رحلتِهِ النهرُ
وجدني على ضفتِه منتظراً
2
عندما مرّت قافلةُ المهرِّج
بها التحقَ الجمعُ إلاّ أنا
آثرتُ المشاهدة
3
العصفورُ الذي ظلَّ يتيماً
أراني مِن عينيه
دموعاً بصمتٍ
على وجهه انحدرت
3
العاصفةُ التي هبّت هذا الصباح
حملت على ظهرِها اشتياقي
4
الشّباكُ الذي ظلّ بالنورِ ضاحكاً
أسدلَ الليلةَ
وإلى الأبد ستارةً سوداء
5
الأزهارُ التي احتشدت في الشرفةِ
تركها الصيفُ عاريةً
حتى آخر الشتاء
6
أمام بابِ بيتي
الذي فارقتُه مجبراً
سكبتُ عبرةً مازالت تجري
منذ ثلاثين عاماً نهراً رقراقاً
7
القمرُ الذي كان
في تمامِه الليلةَ
والذي صار نديمي
لم تتسع له المقاعدُ
فاتسع مِن أجله قلبي
8
بابُ بيتي الزرقاء
مازالت منذ ثلاثين عاماً زرقاء
هل هي قطعةٌ من السماء ؟

16 ـ 10 ـ 2008

***


74ـ عودةُ الجسدِ


هل عُدتَ ثانيةً وعن مُدنِ الخيالِ تبحثُ ؟
هي الصحراءُ تسيرُ عاريةً
لا نبت فيها وجدْنا ولا ماء
على مشارفِها احتفرْنا بئراً لبهجةِ العابرِ في الحُلمِ
وبشجرِ الآسِ أحطْناها
وحين علينا انفلتَ الصباحُ لم نرَ بئراً
ولا شجراً لاح لنا
هي الصحراءُ كما خُلِقتْ مِن رحمِ بحرٍ
أو مِن أديمِ ثرى
لم تكتسِ برمادِ الثّيابِ يوماً
ولا تغنّت بموجِ الجحودِ
هي الصحراءُ بِحَيْرَتِنا تغنّجت وبصبرِنا طوّحت
عوْرَتُها تُغوي الصاهلَ وجداً في الليلِ
والطاعنَ وجهَ الفجرِ
هي الصحراءُ كما تركتَها منذ انبعاثِ ألفِ زاحفٍ برّيٍّ
أو ألفِ ملاكٍ بحريٍّ
لا تقبلُ غيرَ خِفافِ العيْسِ لحناً
وصوتِ الحداءِ الجميلِ
هل عُدتَ تنتقي مِن الخطواتِ مَنْ
نحو أبوابِ البصرةِ توصلُك
نحو شهقةِ النخيلِ وحسرةِ النهرِ
والسماءُ لم تحتفِ بالنجمِ بعد ؟
اطلعْ يا هذا كثبانَ الرّملِ لتعرفَ وجهَ الله
لتُميّز رائحةَ الطريقِ التي منها ابتعد الدليل
هل عدتَ ثانيةً
وقد عصفَ بك الخيالُ ؟
لتمحوَ الأثرَ
أم تتوسلَ أشباحاً
مرّت مِن هنا ذاتَ جنون
خطفتْ وجهَ القمرِ
وغارت في الغيابِ ؟

17 ـ 10 ـ 2008
***


75ـ رقصةٌ على ساحلِ ليل

على ساحلِ ليلٍ ما ألفته وكنتُ مُشتعلَ الهوى
عذبَ الهديلِ
ألقيتُ شيئاً مِن جنوني
وأرخيتُ فوقَ الرّمالِ رداءَ عريِّ
على ضفّةِ ليلِ
وقد انزلق بعضُ خطوي إلى حافّةِ نجمٍ راقصٍ وهويتُ
أدمنتُ التنهّدَ والأنينَ
وقلتُ مِن هنا ستمرُّ سفائنُ الغيمِ عابرةً
وبحيزومِِ المُشتهى الصقُ لهفتي
ثم بالأدنى مني أتوسلُ حتى تغيثَني فأهتف:
عليَّ اهطلي وعمديني
فوقي اشهقي وارشقي وجهَ ورودي
عليَّ انزفي عطرَك الفتّاك وبه ضمخيني
أنا رغبةُ الغسقِ الأخيرِ للهديلِ
فإنْ شئتِ خذيني
وأنا لوعةُ طيرٍ مفارقٍ عشّه
وأنا سِحْرِكِ الجميل
18 ـ 10 ـ 2008

***

76 ـ لقاربي هذا الجناح

لهذا الليلِ شجرٌ أعمى
ويدان شاردتان في بريِّةٍ مُطْلَقةٍ
وله جسدٌ مِنْ طينِ العشّاق
وأنا في هذا الليلِ أتنزّهُ وحيداً
على ظهرِ قاربٍ مِن بلُّور
أحاربُ قراصنةً مُدججين بنبالِ مِن زَبَدٍ بحريٍّ
أو مِن أسنانِ الرِّيح
أو مِن ريقِ المُشتاق
أطوي أعماقَ بحارٍ اختطفت أشرعةَ الخليقةِ الأولى
وأمواجاً تلهثُ وراءَ الماضي الأزرق
أنا العابرُ في زورقٍ مِن ورقِ التوتِ
جئتُ وحيداً
أبحثُ عن مأتىً للجمالِ
وأصواتٌ خلفي مِن لومٍ تسألُ :
لماذا أتيتَ وحيداً
تتنزّه وحيداً
وتحثُّ الخطى نحو ملجأ الآلهة ؟
على ظهرِ قاربٍ مِن بلُّور
أعصفُ في برلين تيهاً
وضياعاً أبدياً

24 ـ 10 ـ 2008

***


77ـ لقاء في مطعم الأعداء

في مطعمٍ هامشيٍّ
يطلُّ أحياناً على مساءاتِ برلين
التقى غريمان .. ندّان
وقيل غيرُ هذا
ولولا الأوحالُ الفاصلةُ بين خريفين
لأصبحا عدوين لدودين
على حافّةِ العاصفةِ
الشاتمُ منهما مِن المشتومِ يتقدّم
ينافقُ ويُطلقُ في ضحكةٍ هوجاء أسناناً صفراء
المشتومُ منهما يحاولُ قهرَ الأشياء
يلجمُ خيولَ نصرهِ
هما تواجها .. تغامزا .. تغازلا .. بالصمت تراشقا
ثم مصادفةً تعانقا
الشاتمُ نسيَ الشتيمةَ
والمشتومُ لحسَ الشتيمةَ
في برلين
كلُّ شيءٍ ممكن
كلُّ شيء مباح
أنْ تُصبحَ شيوعياً أولاً
وأنْ تُصبحَ شيوعياً أخيراً
أنْ تُصبحَ خائناً في الشمسِ ووطنياً في الظلِّ
في برلين
كلُّ شيء مباح
هنا بين ثيابِ العاهرةِ برلين مُباحةٌ هي الأشياءُ
مِن النُّباحِ
حتى جسدِ النّكاحِ

22 ـ 10 ـ 2008
***


78ـ زجاجةُ عطرٍ لامرأةِ الخيال

في قطارِ الأنفاقِ
داهمت المقاعدَ فتنةٌ
وتهتكت أمامَ الخلقِ صدورٌ
ثلاثُ صبايا ألْهَبْنَ العربةَ جمالاً
وامرأتان شاهقتان
على الرؤوسِ سكبْنَ طيباً شهوانياً
نسوةٌ بأنفاسِهن موسقْنَ المكانَ
وبكلِّ زجاجاتِ عطرِ الدُّنيا
أنعشْنَ الصّباحَ
أشعلْنَ الصّباحَ
كلَّ الصّباحِ
حريقاً

22 ـ 10 ـ 2008
***

79 ـ هجرةُ الشاعر

إلى مدينةٍ في بلادِ السويد
شدَّ الشاعرُ رحالاً
وصلَ في ليلٍ حجريٍّ ولم يصل
ففي تلك الأيامِ أنعمَ اللهُ على أبناءِ تلك البلادِ
بليالٍ بيضاء
الشاعرُ ظلَّ يعاني
مِن حصارٍ جائرٍ عانى ومِن المعنى
كان مُحاطاً بالفراغِ فعانى
والفراغُ الحاضرُ الغائبُ كان مأجوراً
في مدينةٍ مِن بلادِ السويد
أسودَّ وجهُ الشاعرِ
وضجّت به الشكوى
فقرر العودةَ
إلى بيتِ الطاعةِ عاد
يعاقرُ الفودكا وينادمُ كما كان ، في الحظائر ، قطيعاً
و لراقصةِ الباليه الروسية استبدَّ به الحنينُ
لضحكاتِ رئيسِ الدولة في عدن البركانية
ولحقيبةٍ منفوخةٍ بأموالٍ صدقةٍ
وصلتها يدُه ذات يومِ هروبٍ
فأنعشت سفينةُ الشاعرِ
الواصلة توّاً مِن بلادِ العجائب
في مدينةٍ مِن بلادِ السويد بات الشاعرُ كالفراغِ المأجورِ جائراً
وكالقطيعِ ثغّاءً


24 ـ 10 ـ 2008
***

80ـ موجة عذراء

إلى فندقِ البحّارةِ المُثقلِ بالأسرارِ
تأتي البحارُ
وتأتي بأشواقِها السفنُ
ثمَّ تأتي الرِّيحُ كالعادةِ مسالمةً
تأتي بعطورِها وتوابلِها آسيا
بحيواناتِها وغاباتِها أفريقيا تأتي
تأتي بشقراواتِِها أوربا وحروبِها تأتي
تأتي الأمريكتان بضجيجِ الهنودِ الحمرِ
استراليا لا تأتي بشيءٍ سوى بالكنغر الفتّان
وتأتي قارّاتٌ أُخر لم نسمعْ بها مِن قبل
تصهلُ في بابِ المندبِ
أو تجرّها نحونا إلى حيٍّ في التواهي سوقطرة
على حافّةِ بحرِ العربِ الذاهبةِ إلى فندق البحّارةِ
نجلسُ ليلاً
نتزوّدُ بكؤوسٍ لا حصرَ لها
ربما بالعشراتِ
ومِن أجلِ سهرةٍ مع الأقمارِ
نَنْدهُ على الموجِ ليبتلَّ مِن مائنا قليلاً
نرى الموجاتِ يدخلْنَ خجولاتٍ :
موجة في أعقابِ موجة
وكلُّ واحدةٍ تحتسي كأساً ثقيلةً
وتمضي سعيدةً
حتى لم تبقَ موجةٌ عذراء
في تلك الساعةِ من الليلِ


31 ـ 10 ـ 2008
***

81 ـ ابن المسلة


أنا روحُ المسلّة وتاجُها المنزوع
أنا صراخُها الأزليّ
أنا طينُها
أنفاسُها
وسرُّ بقائها
أنا بابلُ
ونهرُها المستغرقُ في النحيبِ أنا
أنا طيفُ أبراجِها
أنا الآمرُ فيها
و الناهي أنا

30 ـ 10 ـ 2008
***

82 ـ الساعة العاشرة

في كلِّ عاشرةٍ مِن كلِّ صباحٍ
تُطلُّ مِن شهقةِ شبّاكِ الحمّامِ
تغتسلُ بأنهارٍ تجري في المرآةِ طويلاً
تسبحُ في بلُّور الموجِ الهمجيِّ
وأمام صفحةِ سماء مكتظةٍ بالعيونِ وبالشموسِ
يتهتك نهدُ
يتمردُ وينتزعُ زجاجَ الماء
ثم يخرجُ معلناً عصيانَه ومع الرِّيحِ يمضي
في كلِّ عاشرةٍ مِن كلِّ صباح
تتجرّدُ مِن ثيابِها سمكةُ الله
وتلبطُ في عيوني

30 ـ 10 ـ 2008
***


83 ـ أشواق

صباحاً ارتدى البحرُ قمصانَ المنافي
واحتجز أشواقَنا
قال سأوصلها للأهلِ
صدقناه
لكن البحرَ الغادرَ الذي على أسرارِنا أمّناه
سرّحَ الموجَ وغادر المكانَ
في المساء
صرنا نقولُ قبل البكاء:
هنا كان البحرُ ذات صباح

12 ـ 12 ـ 2008
***

84 ـ السارق

لقيثارةٍ أجهشت على تخومِ الأَبُلّة أشواقَها وآثرت الصمتَ
أسرقُ نغمةً
بها أداعبُ أوتاراً نائمةً
ثم أُدندنُ :
هي الليلةُ الموعودةُ يا قيثارتي الجميلة
فانطقي لأقمارٍ تزورنا هذا المساء
هي ليست كالضيوفِ
أشعلي مِن حولِنا السكونَ
وناراً لم يبقَ منها سوى جذوةٍ مِن حنين
أسرقُ موجةً
لأنهارٍ كفّت عن الجريان
وطلعاً لنخلتي اليتيمة
وردةً لشرفةِ جارتي العاتية الشهوة
ناراً أسرقُ لتنورِها العجيب
ومنفىً استدرجُ
لمَن لا يعرف حزنَ المَنْفيّ
لقيثارةٍ حطّمت أوتارَها ذات صهيل
أجلبُ من أقصى الضياع نغمةً

فجر 16 ـ 12 ـ 2008

***

85 ـ أنفاس المكان

في وسطِ الظلامِ وقفْنا
هنا على أنقاضِ إرم ذات العماد
فوق بقعةٍ مِن حجرِ التاريخ
على الطريق ما بين أَبْيَن وحضرموت
نعومُ في الوحشةِ
تحت سطوةِ نجومٍ لا تبدو حنونةً
هنا أمام الله والخلاء وأنفاسِ البريّةِ
وقفنا عراةً متلاصقين
كأننا روحان مُنغمسان في حوارٍ جسديٍّ طويل
كانت أَبْيَنُ بحراً ورمالاً
هباءً ورماداً
عقيقَ التواريخِ وزهرَ الخيالِ
وأبْيَن في الختامِ
وطنٌ في ريح

14 ـ 1 ـ 2009
***

86 ـ تَحْذير

على بيتي لا تَرْمِ أَحْجارَك المُتْعَباتِ
فبيتي مِن قهرِ الزمانِ مُشَيّدٌ
وبيتُك أوْهن من بيتِ العنكبوتِ

***

87 ـ لا ندّ لي

لي لا تحسب نفسَك ندّاً
فأنا لا ندّ لي
وإنْ أردتَ مقاماً مقابلاً
فأئتِ بما أتيتُ به

***

88ـ لحظات عامرة بالوفاء

كلما ناحت اليمامةُ
في الأرجاء
صمت الطيرُ
إكراماً لحزنِها

*
عندما أيقظتها
أشرقَ في عينيها
البحرُ

*

كلما أقبلت نحوي
أحرقني
لقاؤها
*
لا تسل البحرَ
عن زرقتِه
إنما سله
عمّا يخفي وراءَها



15 ـ 1 ـ 2002
برلين ـ بُخ
***



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عازف الرباب الجزء الثاني
- عازف الرباب الجزء الأول
- لنشوى معبد في الريح
- خُذْ معك ثوباً للموجة
- لا تدخل ضباباً
- آخر الشرفات
- شرفات برلين
- نص خارج من معرض العبيدي
- بماء عين الحمام اغتسلي
- خليل السّحاب
- امرأة المُلك
- أمسية
- سبب للحنين
- مجالس
- مزامير الغربة
- في حضرة الملاك
- حسرة في مقهى
- عدن حانة البحّار الأزلية
- دهشة الكوثر
- على مياهك أصبُّ هديلي


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - عازف الرباب الجزء الثالث