|
نص خارج من معرض العبيدي
صبري هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 2539 - 2009 / 1 / 27 - 05:23
المحور:
الادب والفن
في مساءٍ خضلِ الأنفاسِ والمعنى ، نضرِ العودِ ، ارتشفتُ من عذوبةِ كأسِ يومي مرارةَ أمسي وصرتُ أحبسُ الرِّيحَ إنْ هبّت على شباكي .. أنا المسفوحُ كالخمرةِ المعتقةِ فوق طاولات الآخرين . في مساءٍ برلينيٍّ خريفيٍّ يجهشُ حسرةً على زوالِ زمنٍ مشمسٍ سأغني لقمرٍ نأى عن جسدِ الليلِ وغاب في المسافةِ . هذا زهرُ الاشتياقِ سأعدُّ نفسي على صخورِ ساحلي كطحلبٍ قبّل الموجَ وآخى الملوحةِ .. وأمام اللوحةِ أتجرد للقصيدةِ فكلما أطلقتُ نفسي في نسيمِ النثرِ لفحتني رياحُ الشِّعرِ المجنونةُ العاتيةُ . ** رشيقةٌ ظلالُ المساء وهي تسف في أحداقِنا كأفراسٍ عبرت شهيقَ الباديةِ .. هي المشتهى حين تستوقفني على طيبِ ذكرى أو تسوقني في محبةٍ إلى غايةٍ . ساعتي تختزن ذاكرةَ اللوحةِ .. لحظةٌ تستجلب رائحةَ اللون المتضوعة في أعطافِ شُنه بيرغ مِن أعمالِ برلين . لحظةٌ طويلةٌ تمتدُّ بصمتي إلى نهايةِ ستينيات القرنِ العشرين في بصرةِ الرّوح . كان فنانو البصرة يستعذبون في أعمالِهم رائحةَ الاغتسالِ بماءٍ ولون ، فلنغتسل هنا في زمنٍ آخر للماءِ المقدسِ .. ندخلُ جسدَ الوضوء حتى نقيمَ في شارع بارباروسة صلاةً للفنِّ أمام جدارٍ مائيٍّ طالما أحببتُه في أعمالِ الفنّان التشكيلي منير العبيدي . ** في مقهى كيتس أوآزة / الصالة الضاحكة ، المستنفرة بوجهِ البهاء القادمِ مع فتنةِ نساء المساء .. الواقفة بأبهةِ الحالمِ إزاء دهشتِنا ، مارسنا طقساً في الرحلةِ فاقتربنا مِن صولةِ الألوان ، مِن مجازفةِ الفنان وهو يُجسِّدُ رحيقَ المعنى . دعنا نرفرفْ كالفراشاتِ حول النورِ .. دعنا نرد هذا الغمرَ حتى لو أُصيبت أجنحتُنا وتناثر كحلُها المسحور . كان الندى رسولاً سماوياً يُدغدغُ وجوهَنا مع نغمٍ شرقيٍّ . ** استهوتني لوحاتُ الفنّان منير العبيدي منذ معرضِه الأول في برلين عام 2001 .. سألتُه مراراً : هل تجازف بهذا الاختراقِ اللوني الخارج من وهمِ الماء ؟ . أمتعتني الصدماتُ البصريةُ .. حروبٌ برشقاتِ الماء ونحن في زمنٍ عاصفٍ بالحروبِ . حينما دخلنا قاعةَ العرضِ المزدحمة بالأجسادِ الكريمة أخذَنا سحرُ اللوحةِ .. سحرتني حرارةُ الألوانِ وبرودتها .. كانت أعمالُ منير العبيدي مشرقةً متلبسةً بروحٍ مجنون . ** نحن " عازفو الربابة " ، فما أجمل ما نُعيّر به ! ما أجمل عارنا ! أبفنونِنا نُعَيّرُ .. بأشعارِنا ؟ يقولون : هؤلاء الفنانون يتبعهم الغاوون وهم لا يفقهون شيئاً غير الشعرِ وسحرِ اللوحةِ . ألم ننحت أربابَنا ونودع الجميلَ منها جوف الكعبة ؟ ألم نُسَخِّر حتى حبات التمر فنشكِّل منها أوثاننا ؟ ألم نترك العاشقين ، أعني إسافاً ونائلة ، يصهلان وجداً في أكثر الأماكن قداسةً حتى جاء مَن يمحو ظلالَنا ؟ ما أجملنا حين نُعَيّرُ بقوافينا وحدائنا وربابِنا وخلاخيل نسائنا وأجراسِ إبلنا ! وما أجملنا حين نُتهم بما ليس فينا ! ** مازلنا على ضفافِ المساء .. في رفيف الظلال .. بغدادُ حاضرةٌ في لوحةٍ .. في لوحتين .. في ثلاثِ لوحات ، وإشراقات من عمقِ الذاكرةِ تشهقُ في وجوهِنا .. تأكلُ رحابَ المدى وتستقطبُ الحدقَ.. هنا نمكثُ منذ اختمارِ عشقِ المدنِ التي نأت حتى خرابها . ما زلنا نتسلّى بدهشةِ الظلالِ : عينٌ على بغداد عينٌ على بهرز عينٌ على برلين هي الأنهارُ غائبةٌ في أصالةِ المدنِ أو في حداثةِ البلدان كيف يسرقُ منّا الريفُ بهجةَ المدينة وننسى في وعينا الشطآن ؟ ** يأخذنا الماءُ فلا نصلُ جسدَ اللوحة يسحرُنا الماء يُفرقنا والحواضر تتردد صدى يمسحُ عذابَنا الصهيل هي المُدنُ تتساقطُ كالنجمِ فوق رؤوسِنا ** يقتنصُ هذا الفنّان غفلتَنا كما يقتنص مدناً كريمةً تشهقُ في لوحاتِه اشتياقاً .. فهو لا يأتي منه باطلٌ ولا يأتي باطلاً .. هو مُذهّبٌ بالصمتِ والنغمِ . **
#صبري_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بماء عين الحمام اغتسلي
-
خليل السّحاب
-
امرأة المُلك
-
أمسية
-
سبب للحنين
-
مجالس
-
مزامير الغربة
-
في حضرة الملاك
-
حسرة في مقهى
-
عدن حانة البحّار الأزلية
-
دهشة الكوثر
-
على مياهك أصبُّ هديلي
-
ابن الرؤيا
-
أغنيتان ليوسف الصائغ
-
عطرٌ لجسدِ البلادِ
-
عشقتنا أميركا
-
حَيْرَةٌ على الكسندر بلاتس
-
صاحب الهمس .. يحيى علوان حين يكون نديماً
-
ورق الظلّ .. ورق الهمس
-
سراباد .. المكان واتساع مساحة الحلم
المزيد.....
-
“بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا
...
-
خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر
...
-
الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا
...
-
الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور-
...
-
الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
-
على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس
...
-
الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
-
“جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور
...
-
فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
-
بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|