أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - تصحيح التفكير في عقل السوربوني الكبير2















المزيد.....


تصحيح التفكير في عقل السوربوني الكبير2


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2716 - 2009 / 7 / 23 - 10:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


سنتابع في حلقتنا هذه محاولتنا اليائسة في مناكفة العقل البدوي الذي لم تزحزحه الثقافة السوربونية عن تخندقاته البدوية ولغتها الظلامية الاتهامية التكفيرية، ولم يختلف كثيراً، في خطابة السوربوني المصطنع، عن الثقافة الشوارعية السائدة في منظومة مدن الظلام. وحين ينزاح الغبار التنويري الاصطناعي المرحلي عن العقل البدوي لسبب ما، فسيظهر على حقيقته، وهذا بالضبط ما حصل مع أخينا، بالله، فالقضية ليست قضية معارضة، و"بروستات"، بقدر ما هي إعادة تأصيل، وتذكير، لما هو عليه، من بنيوية ظلامية مستفحلة سوداء. فبعد ثقافة السوربون العظيمة، لا يتورع، ويؤكد انتماءه وولاءه بكل افتخار، بعض من كبار سفاحي البدو في التاريخ الملوثة أيديهم بدماء الملايين من الناس، ويطالب بالعدالة الدولية من أجل مقتل تاجر سلاح ومجوهرات، وهذا من نصه، ومن فمه، ولا نزعم البتة، أنه نصه مخابراتي أو مأجور أو مدفوع، كما قابل به نصناً. كلا وحاشى أن نفعل هذا ونلجأ له في يوم من الأيام، قثقافتنا التنويرية الشفافة تمنعنا برمي الناس، بـ"أي كلام". ولا نتعامل مع أي كان إلا من خلال نصه الذي أمامنا والذي هو، الحكم والمعيار، بما فيه من حقائق ومنطق وتعقل، فإما أن يكون قرار اتهام، أو صك براءة، و"شيك" على بياض. وللأسف فإن جميع نصوص الأخ السوربوني هي قرائن دامغة وأدلة خطيرة، تستوجب فيما لو أخذت بجدية، بأكثر من المساءلة القانونية المعهودة.

المهم، اعترضت جداً حين قال لي صديقي، المثقف "الرعاعي" من أبناء الريف، كما مثقف آخر "حثالاتي"، من أبناء المدن المعروفين ، ناهيك عن إعلامي سوري كبير ومرموق جداً، بأن السربوني قد سقط فعلاً من خلال تلك المواقف واللغة غير اللائقة والحالة المحزنة والعنصرية الواضحة تجاه المكونات السورية والأقليات الأخرى التي وصفها بالرعاع والحثالات، وهذه بحد ذاتها في القانون جناية القدح والذم والسب والتشهير، فأجبت بأن السقوط يكون عادة من عل والرجل السوربوني لم يكن، وبكل أسف، في عل في يوم من الأيام، حتى يسقط والسقوط يتطلب مكانة أعلى غير أن صديقنا وكل الحمد والشكر لله، لم يبرح مكانه المعروف، وكما فعل "ربعه" الأبرار من ألف وخمسمائة عام، فقط. فالعملية، كما نرى، ليست عملية سقوط بقدر ما هي عملية كشف وعودة إلى الأصول، بمجرد أن تنضج الظروف وتفسح البيئات السلفية والبدوية للمكنونات الحقيقة بالظهور حتى يتحول هؤلاء المراكسة إلى مطاوعة ومكفرين وسيافيين كما يفعل بدو الصحراء من ممارسات بحق الأقليات والمهاجرين والمختلفين معهم في العقيدة والدين والانتماء القبلي. وقد ألفنا الكثير من هذه "المساطر"، الفكرية العرضية والطارئة التي تتبجح ماركسويا وليبرالويا وشعاراتيا، أمام الناس، ولكنها في علاقاتها الاجتماعية والحميمية والشخصية وممارساتها اليومية لا تختلف مطاوعة الوهابية أو عن أي متزمت وأصولي، وتجد من الصعوبة بمكان الفصل بينهما. ومن هؤلاء من يتمركسون ويتلبرلون ويرقصون يساروياً على صفحات المواقع، ومن ثم يعودون إلى بيوتهم ليمارسوا نفس ممارسات الجاهلية البدوية المتسعودة بترولياً، ضد نسائهم وبناتهم بطريقة لا يمكن فصلها البتة عن ممارسات لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن هؤلاء بكل أسف، كتاب في مواقع يسارية وعلمانية، وتفرد لهم المواقع والصفحات الأولى في نفس هذه المواقع الرائدة، ولذلك ترانا لا نبالي بكل ما يقولون، وكل ما يكتبون، ولا نصدق حرفاً مما يجترون، ولا نعبأ بما ينظـّرون، ولا نقرأ سطرً مما يخطون.

وبالعودة إلى مقال السوربوني الذي يمنح فيه، وعامداً متعمداً، المخابرات السورية شرف الرد الكتابي، وليس الأمني، فليس ثمة ما يثبت، وما يجزم، فعلياً، أن هذا الرئيس العربي، أو ذاك، قد تقدم بمبادرة ما، طالما أن الأمر لم يأخذ مداه وطابعه الإجرائي المعروف إعلامياً، ودبلوماسياً، وقد يبقى، وهو الأرجح، في إطار التسريبات الإعلامية معروفة الغاية والأهداف. تكلمنا، سابقا،ً عن عملية تزييف الوعي الممنهج والتضليل الذي تقوم به المنظومة البدوية المتحالفة عضوياً، وأمنياً، واستراتيجياً، ومالياً مع أمريكا وإسرائيل، وما مجلس "التهاون" لدول الخليج الفارسي إلا تلك الذراع السياسية لذاك التحالف من خلال ممارساته التاريخية وابتعاده العلني والاستحقاري الاستعلائي عن المحيط العربي، ووقوفه بالضد من التطلعات الإنسانية والتحررية والعلمانية لمختلف شعوب المنطقة( أخونا بالله يحاول أن يوهمنا بتطلعاتهم العروبية ويلصقهم لصقاً بها، من دون رغبتهم). إذن ليس ثمة ما يجزم، مادياً، بوجود تلك المبادرة. لكن في المقابل هناك عشرات آلاف الأدلة والبراهين والممارسات اليبومية على تواطؤ المنظومة البدوية، وسعيها الحثيث لتحطيط وتحثيل وسلفنة المنطقة وسياساتها الما قبل أدغالية والما قبل ديناصورية وغاباتية وممارساتها العجائبية المنفرة والبعيدة عن أية شريعة ومنطق وأخلاق. ولا أدري كيف يتم هذا الربط العبطوي التسذيجي الإلحاقي، وهو بكل حال محاولة لتشريف وتعويم هذه المنظومة، بين هذه المنظومة والعروبة السياسية على النمط الناصري أو البعثوي الرسالاتي الخالدي المقدس، وهي كانت من ألد أعداء الناصرية، وحاربتها بضراوة وبلا هوادة، وكانت وراء سقوط وتحلل المشروع الناصري والقومي العربي في المنطقة، وانكفأت بعد ذلك على نفسها بذاك الكيان السياسي الهزيل المسمى بمجلس "التهاون" لدول الخليج الفارسي(لايوجد خطأ إملائي ها هنا). وبغض النظر عن موقفنا، ومع تحفظنا المطلق والمعروف على أي مشروع قومي عنصري في أي مكان في العالم. ثم أليس من المفجع والمبكي، أن يعود سربوني كبير و"ماركسي وليبرالي وتنويري"، ( ومع التحفظ بس يالله معليش والمعاملة مع الله)، إلى الكلام عن ما يسمى خطاب عربي وهمي خلبي غوغائي وغير موجود، سوى لاستنهاض الغرائزوية الإثنية والقبلية بغية تجميع أكبر قدر من االشوارعجية وراء خطابه ونصه. هل هناك شيء في العالم اسمه خطاب عربي موحد؟ وهل كان موجوداً يوماً عبر التاريخ؟ أما إذا كان القصد هو الخطاب السلفي الغوغائي الديماغوجي الناري الفارغ الخاوي، فلا ضير ساعتذاك، ونعترف ونقر بوجوده. وكيف لخطاب تنويري وعلماني وسوربوني عولمي ما بعد حداثي كما يزعمون، أن يهرف، أيضاً، بخطاب "الأمة"، ما غيره، ذاك المفهوم المهدد بالانقراض، وفي طوره للزوال في ظل هذا الانفتاح العولمي المبارك؟ ألا يبدو هذا الشحن العاطفي من بقايا ومخلفات الحقب العروبية والقوموية الانعزالية الانغلاقية البائدة التي يحاول السربوني إحياءها عبر هذا الخطاب البائس المفلس الفقير؟ هل هناك اليوم أمة صافية على وجه الأرض؟ وإذا افترضنا وجودها، من يجرؤ على ترديد هذا الخطاب العنصري في عالم يجتمع ويتآلف ويتحابب ويتوافق، إلا إذا كان هذا الواحد من فصيلة هذا السربوني الفريد؟ والتناقض الفج الآخر هو ما يأخذه على الآخرين من خطاب "بعثي قومي عربي"، ثم يعود ليشتغل عليه في عموم نصه ويحارب به؟ كيف يستقيم الأمر هنا حين يدعو باسم العروبة وقوميتها للوقوف مع الإمارات الهندية والباكستانية والفيليبينية، في وجه إيران الصفوية، وفي بداية النص يأخذ على البعثيين خطابهم القومي العروبي؟؟؟ لماذا يستعمل هو الخطاب القومي العروبي، وينكره على غيره من العالمين، حتى لو كانوا يتاجرون به؟ أليست التجارة حلال، ونبي الإسلام نفسه، صلى الله عليه وسلم، كان تاجراً قبل الدعوة المباركة.

ومنذ تبلور وظهور المنظومة البدوية إلى الوجود لاحت هناك محاولات حثيثة لتزييف الوعي تقوم به هذه المنظومة تحت قيادة القوى الإمبريالية المتحالفة معها عضوياً لتمكينها من المنطقة وإخضاعها استرقاقياً وهذا ما حصل، تماماً. فلا يمكن لهذه القوى من الاستمرار والعمل إلا في ظل تلك العملية من تزييف الوعي الممنهج، التي انضوى تحت لوائها ثلة من الكتاب والمفكرين الذين نراهم اليوم والتي تحفل بها آلات تزييف الوعي البترولية الموجودة على الساحة، والتي تعمد على صرف انتباه الناس في عملية التزييف إياها عن المخاطر الحقيقية المتمثلة بالقوى الكولونيالية والاستعمارية والصهيونية والسلفية الأصولية، نحو قوى ومواضع أخرى. ومن هنا نرى تلك الحملات المتتابعة هنا وهناك باتجاه إيران باعتبارها الخطر الأكبر على المنطقة فيما لا يأتي أحد على ذكر إسرائيل. ونفس هذا الدور تم القيام يه أيام الاتحاد السوفييتي السابق، حيث تم تصوير ذلك البلد، وبالاعتماد على البنية الإيديولوجية العقيدية لشعوب المنطقة واستغلال ذلك في الصراع الدائر بين القوى الإمبريالية والقوى التقدمية والإنسانية التي كان يمثلها بشكل ما، الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية . ورغم أن الاتحاد السوفييتي كان يقف مع ما يسمى بالقضايا العربية، وكانت نفس تلك القوى التي تزيف الوعي تمارس العدوان الممنهج ضد شعوب المنطقة حتى اليوم.

والسوربوني الكبير، ومن جهتي، لا يمكن توصيفه بالطائفي. ففي عملية تزييف الوعي يتحالف اليوم السلفي البترولي الوهابي الكعبوي القرآني الأصولي البدوي، مع المسيحي الغربي الأنكلوساكسوني الكنسي الإنجيلي البروتستانتي الأبيض من جهة، مع اليهودي التوراتي الصهيوني الهيكلي "اللماماتي" من مختلف دول العالم، من جهة أخرى، لإظهار الشر والخطر الإيراني، فقط، ودون غيره، هذا ولاشك دين جديد لا علاقة له بكل ما هو متعارف عليه من أديان في العالم. فما الذي يلم الشامي على المغربي والقرآني على التوراتي مع الإنجيلي؟ لا أحد ينتبه اليوم فيما تسرح وتمرح إسرائيل في المنطقة، وتقصف ومن على شاشات الجزيرة والعربية أطفال غزة العرب والمسلمين من دون أن يأتي أحد على ذكرها، أو يندد ويشير لخطرها، وخاصة من فيالق كتاب "السيرة الإيرانية"، والمتخصصين فيها في الأبواق البدوية. يخطئ جداً من يقول بأن هؤلاء طائفيون، أو يعملون بوحي وإلهام طائفي، إنهم في الحقيقة وبعد التمحيص والفحص لا دينيون، وميتا-دينيون، معروضون في السوق الفكرية، والإعلامية، لمن هب ودب، وحتى لمن لا دين له، ديدنهم تزييف الوعي وقلب الحقائق وصرف الأنظار عن المخاطر الحقيقية التي تواجه شعوب ودول العام جمعاء.

نعم، مرة أخرى، لقد أثبتت المنظومات البدوية، من المحيط إلى الخليج، وبرهنت على فشل حضاري مريع، وعجزت عبر تاريخها المديد، 15 قرناً، من تقديم أنموذج بشري وإنساني وعلماني تصالحي وتسامحي وتعايشي، يحتذى به، بل تعيد إنتاج سيرة الدم، والموت والبداوة الأولى في كل مرة. ومن هنا لا يليق بها أن تدير لا الجزر الإماراتية ولا غيرها من مناطق العالم، ونكرر للمرة المليون، لقد كانت هذه المنطقة مولدة ومفرخة ومنتجة للحضارات شبه اليومية عبر التاريخ، ولكن منذ بزوغ الفجر البدوي في سماء المنطقة انعدمت سبل الحضارة والرقي والتمدن، وغفت هذه الشعوب في سبات تاريخي مزمن لا يبدو أن هناك مخرجاً منه في زمن قريب. هذه هي الحقائق التاريخية الدامغة التي أرعبت مزيفي الوعي ولاويي عنق التاريخ. ونؤكد من دون مواربة، بأنه، عبر التاريخ كان هناك احتلالات "تنويرية" حملت في باطنها بوادر نهضة وتغيير في البنية الفكرية والسلوكية لبعض المجتمعات، ومن هنا لا يمكن إدانتها بالكامل، وفي شقها الثقافي والإنساني والصحي والتعليمي والتنويري. ومن الأمثلة السريعة، احتلال نابليون لمصر حين أدخل معه الطباعة، وما كان لذلك لاحقاً من نهضة مصرية ملموسة قضى عليها اليوم المشروع الوهابي البدوي السعودي وأعادها للقرون الحجرية الجاهلية مرة أخرى. وكذا الأمر بالنسبة للمنظومة الاحتلالية البريطانية الكمومونويلثية نيوزيلندة وأستراليا والهند... إلخ والتي لا يخفى على أحد دورها في عملية الدفع الحضاري لتلك الشعوب والأمم، وأيضاً بالنسبة للاحتلال الفرنسي لدول المغرب تونس والمغرب والجزائر والفرنسة التي دفعت شعوبها حضارياً، وبغض النظر عن الممارسات الاستعمارية والعسكرية الوحشية، ونحن نتكلم هنا عن الشق الثقافي والفكري والسلوكي، غير أن القدر البدوي الأحمق عاد إلى هذه الدول مع الحقبة البترولية البدوية، والجميع يعلم المآلات الكارثية التي تعيشها بفضل الصحوة البترولية المزعومة. والسؤال والقضية الملموسة التي يبدو أن السربوني لا يعيها، هي لماذا كل المجتمعات التي تتسلح بهذا الفكر البدوي تقبع في أرذل وأسفل السلم والترتيب الحضاري؟ وبإجراء مقارنة بسيطة بين أي مدينة ومجتمع وقرية يعشش فيها السرطان البدوي، وتلك التي لا تعرفه، فإن النتيجة ستكون، وبكل أسف في صالح الأخيرة حزن أو فرح السوربوني أو غيره، هذه حقائق ووقائع وليس زعماً ولا فبركة مخابراتية سورية على الإطلاق.

وبالعودة إلى موضوع المواجهات الدموية المؤسفة، التي جرت في سوريا وغيرها، نعود ونقول، أنه كان هناك ثمة مشاريع شبه نهضوية وتحديثية ومدنية علمانية في هذه المنطقة في مصر وسوريا والعراق والسودان والجزائر تجلت بانقضاض النخب العسكرية على الحكم، ولسنا هنا في معرض تقييم لتلك النخب، ولكن، ومن زاوية ما محددة، والحق يقال، لا يمكن البتة إجراء مقارنة، مجتمعية ومدنية بين نظام الرئيس صدام حسين ( مع كثير من التحفظات عليه)، والكهنوت الشيعي القروسطي الذي أعاد العراق إلى العصور الحجرية. المهم أن تلك المشاريع التحديثية المدنية حتى الشكلوية منها، اصطدمت بالقوى، إياها، المناهضة للتغيير والتجديد والعلمنة والتحديث، في مواجهات أخذت طابعاً دموياً، أحياناً، في كل من سوريا ومصر والجزائر، وحتى المنظومة البدوية، نفسها، التي تعتبر معقل التزمت والسلفية البدوية الدولية وراعية الإرهاب العالمي. فعبد النصر لم يصطدم بالإخوان لأنه من طائفة أخرى، ولم يقم بتصفية زعمائهم لأنه "أقلوي"، ورعاعي ريفي وحثالاتي وصفوي وما شابه من تحف سربونية، بل لأنه كان هناك صراع بين مشروعين وتوجهين. الكارثة والمأساة الجزائرية هي الأخرى أيضاً أوجع وأفظع وأفجع من أن تذكر، إنها ليست صراعات طائفية كما يجاول السربوني أن يقول في إطلاقه وتبنيه والتزامه بعملية تزييف الوعي الممنهج. ولو كان هناك أي نظام حكم في سوريا اليوم، كما الأمس، لوقعت هذه الصراعات المؤسفة بين القوى التحديثية والتنويرية والقوى الظلامية والسلفية، والدليل، أن الرئيس الراحل المرحوم أمين الحافظ، رحمه الله، الحلبي، ابن الكلاسة، يؤازره "الزعيم الديمقراطي" الخلاصي الحالي، عبد الحليم خدام، محافظ حماه آنذاك، بالانقضاض على معاقل الظلام والتزمت الرافضة للنور والحياة، وفي نفس المدينة المنكوبة بهؤلاء، وتهديم الجوامع فوق رؤوس المصلين والمؤمنين؟ هل كان الرئيس المرحوم أمين الحافظ الحلبي ابن الكلاسة، طائفياً هو الآخر في صدامه وصراعه مع تلك القوى التي تحارب العلمنة والتنوير والعصرنة والتحديث؟ أيضاً، في الجزائر وتركيا، وإندونيسيا، ومصر، لكن تزييف الوعي، واللعب على الحقائق، والاتجار بالمواقف، وتجيير الأحداث وتقسيرها في غير وجهتها هو وحده ما يقف وراء "سربونيات" أخينا بالله. ما حدث في حماه، في أكثر من عهد، ونظام حكم، وحقبة، وبغض النظر عن هوياتها، هو في إطار تلك الصراعات السياسية الدائرة في عموم العالم، وفي غير مكان، ولا يمكن تحليها من وجهة نظر طائفية، على الإطلاق، اللهم إلا في نطاق عملية تزييف الوعي الحثيثة والتضليلية التي تنتهجها المنظومة البدوية. وإلا لكان الرئيس حسني مبارك في مواجهاته الدموية في إمبابة وتمشيطها في تسعينات القرن الماضي عن بكرة أبيها، طائفياً. ولكان الملك فهد وعبد الله طائفيين أيضاً، في صراعهم الدامي مع البنلادنيين. وعبد العزيز بو تفليقة في صراعه الدموي مع عباسي مدني وعلي بلحاج والجماعات إياها التي لا تختلف عن تلك الجماعات الحموية كثيراً بالشكل والمضمون، ولكان عبد الناصر طائفياً في صراعه مع نفس التنظيم السلفي الدولي، ونفس الأمر ينطبق على علي عبد الصالح، وفؤاد السنيورة، وزين العابدين بن علي مع الغنوشي وجماعاته المناهضة للتحديث والعصرنة، والأمثلة كما ترون أكثر من أن تحصى. وحماه لم تدمر على رؤوس أهلها، كما يزعم النص السربوني المصاول والمجاول والمقاول، والصدامات وقعت حصراً في بعض الجيوب السلفية والإرهابية المسلحة، فقط والأحياء التي تمترسوا فيها. وها هي حماة اليوم، كما الأمس، مدينة تنضح بالحياة والحيوية والازدهار، وتعج بأهلها وسكانها المتحابين، والمتآلفين والمتعايشين، بعيداً عن التمنيات والرؤى والأحلام الطالبانية التي تشغل تفكير البعض. ومن يرى حماه اليوم، ينكر كل ما يحاول البعض تصريره وفبركته عن واقع كان محض خيال. ومادام الشيء بالشيء يذكر، و"السوربوني رقيق القلب ويا حرام" لماذا لا يبكي ويتباكى على ضحايا مدرسة المدفعية، وعلى زملائه في جامعة حلب الذين سقطوا برصاص الغدر والطائفية والإجرام؟

وحتى في لبنان، ما غيرها، "قبلة الديمقراطية والانفتاح والتنوير"، وهو، كلياً، غير ذلك برأينا، ولا يختلف عن أية مغارة بدوية أخرى، والذي تغنى به السربوني في نصه "العروبي البدوي العظيم"، قامت قبل حوالي السنتين قوات حكومة السنيورة المؤللة، وما أدراكم ما السنيورة، مدججة بالأسلحة الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية وبدعم بدوي وعباسي دحلاني لا يخفي، وبغطاء "أخوي وكريم"، من منظومة جامعة عمر موسى العربية والإسلامية، بالانقضاض على المخيمات الفلسطينة وتنظيفها من جيوب السلفية الأصولية، وارتكبت ما ارتكبت من فظائع بحق من كان داخل تلك المخيمات من أطفال ونساء وشيوخ. فهل جرى ذلك بسبب خلافات وتباينات طائفية أم أن الأمر محض تجاذبات سياسية ومحاولات لخلق وقائع جيوسياسية على الأرض مطلوبة في المعارك الإقليمية الأكبر؟ فلماذا يقتل السني اللبناني السنيوراتي الحريري، أخيه السني الفلسطيني الإسلامي؟ هل هؤلاء طائفيين وهل هناك طائفية في الموضوع؟ وهل يريد السنيورة أن يقضي على السنة في لبنان كما يزعم السرابنة ويحللون الأمور في مكان آخر من العالم؟ وهل ما جرى في سوريا في الثمانينات من صراع بين قوى سلفية، وأخرى شبه تنويرية وعلمانية، وبغض النظر عن هوياتها الأخرى، يمكن النظر إليه من منظور طائفي فقط، اللهم إلا إذا كانت عيون البعض حولاء وعوراء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وفي الحديث عن مفهوم العصابات الذي يكرره قسرياً واحتقانياً إقحامياً وعصبوياً بادياً، في نصه، فلا أعتقد أن أحداً يتفق مع هذا السربوني في إطلاق هذا التوظيف على نظام حكم مؤسساتي وقوي تتشارك فيه مختلف المكونات السورية وفي قمة هيكليته، وتم إرساؤه بحنكة ورؤى استراتيجية غير عصاباتية وإلا لكان انهار من زمان. وتم تداول السلطات فيه، دائماً، باتجاه، سلس وناعم واستطاع أن يجنب سوريا الكثير من الملمات والخسائر والمواجهات والنزاعات والحروب، واحتلت سورية بموجبه مراتب متقدمة على سلالم الأمن والسلم الأهلي والمجتمعي وتعتبر واحة للأمن والسلام في العالم وفق المعايير الدولية في وقت صرحت فيه وزيرة الداخلية ذات يوم قريب بأنها لا تجرؤ على دخول بعض أحياء لندن في النهار. وسأهمس في إذن الاستراتيجي السوربوني همسة خافتة إذا كان قد سمع بشيء اسمه الحروب بالوكالة الـ War By Broxy، وكيف استغلت سوريا هذه الأداة السياسية والعسكرية بدهاء وعبقرية، ليس البتة من صنع "رجال عصابات"، بقدر ما هو عمل ساسر ورجال دولة كبار يعرفون كيف يستغلون الأوراق السياسية المتاحة وعلى بساطتها واللعب بها لإقليميا ودولياًـ يحققون المكانة الاستراتيجية والإقليمية لأوطانهم بحيث برزت كقوة إقليمية فاعلة لن يصدقنا أحد، ومعليش لا مؤاخذة يعني، أن من يفعل هذا هم شوية العصابات. ,اعتقد أن العصابات هم في أماكن أخرى في تكساس وتلك القبائل التي تستأثر باسم البلد ولا أعتقد أيضاً أن رؤساء دول في العالم بارزين من مستوى ساركوزي، وأوباما الذي عبر عن رغبته في زيارة سورية، أو براون، وغيرهم من كبار الساسة والدبلوماسيين الذين يحجون يومياً إلى دمشق وعلى مرأى من الناس ( أردوغان التنويري الإسلاموي حبيب السوربونيين ومن يدعون لتقمص أنموذجه السلطوي والمزاوجة بين الإسلام والحداثة هو اليوم في سوريا، هذه ليست فبركات واختلاقات مخابراتية سورية، واقع فقط)، يقبلون أن يتعاملوا مع عصابات وناس خارجين على القانون لولا إدراكهم بأهمية ومكانة ومعرفة مع أي نوع من الناس يتعاملون. لا أعتقد أن أحداً سيصدق كلام السوربوني، ولا يمكن النظر إليه إلا من وجهة نظر تزييف الوعي إياها، وخداع الناس وتضليلهم وتوريط من لم يورط بعد، واللعب بعواطفهم والمتاجرة بمعاناتهم وتناقضات مجتمعية ومذهبية وراثية وأبدية أورثتنا إياها المنظومة البدوية.

إيران هي قوة إقليمية كبرى، وحقيقة جيواستراتيجية في المنطقة وليست محمية قبلية مشيخية أمريكية استرقاقية أو فبركة أمنية أو مخابراتية، وأول الخطوات الصحيحة هو في إدراك تلك الأهمية والتعامل معها من هذا المنطلق والأساس. لا وفق رغبويات وعصبويات واصطفافات وحسابات لا تقدم ولا تؤخر، ولا تفيد بحال من الأحوال. وحين نقول للناس هذا ونشرح لهم الوقائع بعيداً عن العواطف والتمنيات والهواجس والأحلام، أعتقد أننا نقوم بخدمتهم أكثر بكثير من عملية ممارسة التزييف المنهج التي يقوم بها ثلة من الكتاب بعينهم، دون حياء واحترام للحقيقة ولعقل القارئ من الأساس، والذي هو أمانة تاريخية بيد حملة الأقلام. سواء كانت إيران صفوية شيعية كهنوتية خمينية فارسية أو غير ذلك فيجب التعامل معها من حيث تأثيرها وواقعها لا وفق هذه التوصيفات البدوية التي لا تقدم ولا تؤخر، ووفق ما تملك من مؤهلات جيو- إقلمية لا يمكن القفز من فوقها أو تجاهلها بحال، لمصلحة هذا أو ذاك.

ختاماً نتفهم تماماً، البنية الإيديولوجية العقيدية وكل ما يمكن أن يبنى عليها من تصورات وأوهام، كما نتفهم كل البواعث والدواعي والمركبات النفسية والوراثية وكل التكوينات والتوليفات الفكرية الارتجالية والاستباقية والعبطوية المتواضعة الأخرى التي تقف وراء توجهاته، ولكن هذا كله لا يجعل منها بالضرورة حقائق راسخة وثابتة، ولا تكتسب أية قوة أو شرعية، ولا يمكن التعويل عليها في تحليله ووجهة نظره بالنظام السوري وغيره من القضايا الملحة، ولسنا ملزمين، ولن يأكل بعقلنا حلاوة بكم كلمة عن الاستبداد والفساد، أو الأخذ بأي منها على الإطلاق. وكل همنا، ومبتغى أملنا، من هذا الجدل المرهق الثقيل، أن يكون قادراً على التفكير التنويري العلماني والإنساني الصحيح والرفيع في يوم ما، مع الاعتراف بصعوبة المهمة. والسؤال المؤرق والمضني الآخر، إذا كان هذا الجدل والسجال والمماحكة، تكشف عن هذه الطبيعة المرعبة والمهولة للسوربونيين وتأخذ منا كل هذا الجهد لتصحيها ومحاولة تجليسها وتهذيبها، فكم من القرون الضوئية سيستلزم الأمر مع تلك الجموع الدافقة من الجهلة والأميين والسلفيين والظلاميين التي تحفل بهم الساح؟ أعتقد أن الأمر أكبر من حجم أية كارثة إنسانية، وأفظع وأفجع من أية مجزرة ارتكبت على مر التاريخ.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن كاسترو ضحية لعاشقة وهمية على النت
- تصحيح التفكير في عقل السوربوني الكبير (1)
- مروة الشربيني: قصة اغتيال حجاب
- الأزمة المالية العالمية: محرقة البليونيرات
- فضيحة العمدة المثلي الذي فر مع صديقه تهز تكساس
- مشيخات العبيد: كنتُ عبداً في الخليج الفارسي
- فضائح الجنس تطارد الرئيس كنيدي إلى القبر
- جمعيات حقوق الإنسان السورية في قفص الاتهام
- إعادة اكتشاف كونفوشيوس
- أرفعوا أيديكم عن المرأة
- هل الثقافة الجنسية ضرورية في المدارس؟
- إعلام الموبايل من الصين إلى إيران؟
- لماذا المطالبة بالجزر في الخليج الفارسي؟
- ما هو سر هذا الحقد البدوي على إيران؟
- من الذي قطع أذن فان كوخ فعلاً؟
- ماذا يعني إسلام مايكل جاكسون؟
- قوانين لأحوال غير طبيعية
- هل كان إعدام سقراط عادلاً؟
- الجنس الجماعي الثلاثي
- قانون أحوال غير شخصية


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - تصحيح التفكير في عقل السوربوني الكبير2