أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - قوانين لأحوال غير طبيعية















المزيد.....

قوانين لأحوال غير طبيعية


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2699 - 2009 / 7 / 6 - 06:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من يذكر، من السوريين، عبارة "بابا حسن"، التي يرددها "بعض أبناء سوريا"، للإشارة إلى الإنسان الأزعر الفلتان والفاسق والمتحلل من أية قيمة أخلاقية تذكر، وارتباط تلك العبارة بالتاريخ والتراث والنزاعات الدموية التي سادت في زمن ما، ألزمت البعض بسب وشتم أحد كبار أئمة وخلفاء الإسلام لمائة عام على المنابر، إلى أن أتى الخليفة عمر بن عبد العزيز وألغى ذلك التقليد والطقوس "المقدسة". وهذه العبارة، مع مثيلاتها تشير، أولاً لطبيعة الثقافة الخلافية والإشكالية السائدة في المجتمع. وهي في رأيي، ما تزال مهذبة، جداً، بالقياس لعبارات ومصطلحات وأفكار ومفاهيم وقيم وتصورات مرعبة، موجودة ومتجذرة في عمق المركب الدوغمائي والشيفرات الثقافية والوراثية للمجتمع، ككل. فهناك من لا زال يعتقد، مثلاً، وبقوة، أن هناك "أقليات"، بعينها، تمارس الجنس الجماعي في حفلات زار علنية، وجماعات أخرى، مثلاً، لها أوصاف غير آدمية، ومنها من تسجد لحجر، أو تعبد الشيطان، أو تركع لإنسان، أو لا تحلل ولا تحرم في مسألة الجنس والزواج وتمارس زنا المحارم والسفاح، وهناك من لا زال يقاطع بعض أبناء وطنه اتكاء على هوية أو انتماء، أو .. أو ..، وهذه التصورات ، ككل، وبالطبع، هي من مخلفات الحروب "الإعلامية" التي رافقت المواجهات البدوية المزمنة والدامية، والتي ما تزال قائمة بشكل أو بآخر، بين الطوائف، والعشائر، والقبائل التي غزت هذه المجتمعات واستقرت فيها، ونقلت لها عدوى أمراضها التاريخية.

فالمشكلة ليست في التخلص من ذاك القانون أو تلك اللجنة الآن، بل، أولاً، في كيفية سحب واقتلاع تلك المفاهيم والقناعات والقيم من قلب ووجدان وعقل مجموعات كثيرة ومتناقضة من الناس، وساعتئذ لا مشكلة في كتابة أي قانون.

الرعب الكامن في تصورات اللجنة، هو في تلك الصيغ الإقصائية الوصائية والأحادية الجانب، والفجة والواضحة التي لا تعترف بخصوصيات ومكانة الآخر وثقافته ووجوده وإيلاء أي نوع من الاهتمام لوجوده. ولو كان القانون المقترح لمجتمع "أغلباوي"، كالسعودية، والمغرب، فلم يكن ليثير كل هذه التحفظات، وكنت سأعتبره، شخصياً، ومن وجهة نظر ديمقراطية بحتة، منطقياً وطبيعياً كونه يعبر عن رغبات وتطلعات غالبية الناس. لكنه لن يكون إلا قانوناً للصدام المجتمعي في حالة مجتمع تعددي. لا ننكر، أن من حق الجميع التمتع بقوانين تؤطر لواقعها المجتمعي والثقافي، ولكن ليس من حق أي قانون أن يغلـّب فئة على أخرى، أو أن يتمتع أحد بالغلبة على حساب الآخر. وهنا الخطأ القاتل الذي ارتكبته اللجنة. كونها صاغت القانون لترضي تياراً واحداً، دون آخر، فهي هنا كمن يعد العدة ويخطط لوضع قنبلة موقوتة، على أمل الانفجار في زمان ومكان ما، أو كمن يعلن البلاغ رقم واحد لحرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

لكن، ومن منظور ما فهناك إيجابيات لعمل اللجنة السرية، التي كلفت عمليات بإعادة وضع قانون قديم، "جديد"، للأحوال الشخصية السورية، هي أنها أظهرت وأبرزت الطابع التكويني لعقل النخب ( افتراضاً) القانونية السورية، ( هي ليست نخباً هنا طالما أنها تتطابق وتحاكي، وتتماهي العقل الجمعي الشعبوي العام)، وبينت مدى لا تطور ذلك العقل وعدم انسجامه مع المتغيرات الدولية والعصرية والحداثة والعلمنة ومدارس الفكر الإنساني الحديث، واتجاهات التفكير السوسيولوجي المعاصر في إدارة الدول والمجتمعات. وقد أكدت عبر مسودة قانونها ذاك، أنها لم تخط خطوة واحدة نحو الأمام، وكأنها تضع هذا القانون، المستمد كلياً من ثقافة قسرية، لشعوب عاصرت ما يسمى بالدولة الأموية والعباسية. و كان جيداً جداً أن تفصح اللجنة السرية، وألا تمارس أي قدر من التقية القانونية، وأفصحت بشكل رائع وجلي عن مكنوناتها وما تضمرها "النخب القانونية الشرعية"، إياها، وبكل وضوح، من رؤية ومنظورات وتصورات.

فالنقطة الأساسية ها هنا، هي ليست قضية مصطلحات ولا تسميات، موجودة بشكل أو بآخر، في العمق، والمخزون الوراثي لهذه المجتمعات، بقدر ما هي ثقافة موجودة، أوغلت في غلوائها وتطرفها، ورفضها الأخذ والتعامل مع أي مستجد، وتأكيد التصاقها، يوماً بعد آخر بأزمان غابرة، وآفلة، ورابطة كل ذلك بالمقدس، والأسطوري، والمحرّم.

الأمراض الاجتماعية المستفحلة والخطرة الملموسة اليوم، كالطائفية، والقبلية، والعشائرية، والانقسامات المجتمعية الحادة، العامودية منها، والأفقية، والولاءات الما قبل وطنية، ودولتية، وحداثية هي ليست وليدة لحظتها، وليست من صنع اليوم، ولا يمكن نسبتها، لشخص، أو لنظام، أو لفئة اجتماعية، وطائفة دينية ما. فهي عملية تراكمية ترسخت عبر قرون طويلة. ويمكن استحضار مئات الأمثولات الفاقعة، ومن قلب تاريخنا المطعم بالطابع البدوي، عن مآس ما زالت تتكرر بشكل أو بآخر، في ألفيتنا الثالثة هذه. ومن هنا لا يمكن لقرار، أو لشخص، أو حتى لمقال، كما يعتقد البعض من تغييرها. كما قد لا يجرؤ أحد، في نفس الوقت، من مجرد التفكير في تغييرها، والعبث بها، أو حتى إجراء أي تعديل على بعض من نصوص تلك الثقافة التي صارت جزءاً من الشيفرة الوراثية المجتمعية الجمعية لهذه الشعوب، لا رتباطها كما أسلفنا بالمقدس والميتافيزيقي، والمؤسطر.

ليس من العيب، البتة، وهو ما فعلته اللجنة السرية، تأطير تلك الثقافة، ووضعها في إطار قانوني كونها موجودة ومتجذرة على الأرض وتهم شؤون وحياة شرائح عريضة في المجتمع. فالقضية هنا- عمل اللجنة- لا تبدو معيارية وقيمية، كما تناولها كثيرون، بقدر ما هي إجرائية بحتة، وربما، بقدر ما، استطلاعية وإحصائية للرأي العام، وطالما أنها لم تستفز هذا "الرأي العام" بأية درجة، فهي جيدة بالنسبة له، على الأقل، وتساير وتتماشى مع طبيعته. وكان القانون المقترح في النهاية ليس إلا بالون اختبار ثقافي ونفسي اجتماعي، وقرن استشعار لسبر مكونات واتجاهات العقل المجتمعي.

وما يؤرق، بالمحصلة، وأكثر من أي شيء آخر، هو إذا كان هذا هو حال "النخب"، وعلى هذه الدرجة من الانغلاق والتواضع، فكيف سيكون عندها الحال، لو آل الأمر للغوغاء، والدهماء، والرعاع؟ لا بد أن الأمر سيكون كارثياً، ومأساوياً، ودموياً.

غير أن الأكثر إقلاقاً، من هذا وذاك، هو أن هذه اللجنة صاغت تصوراتها تلك في ظل نظام يوصف عادة بأنه شبه علماني، ولا زال يتمتع بقبضة فولاذية، وغير عاجز عن التحكم بالوضع العام، ومجتمع لم ينحدر بعد، كلياً، كما معظم المنظومة البدوية العربية، نحو الغلو والتطرف الديني وفرض المظهرة الدينية والأسلمة، ولم تزل هناك بعض "شذرات" وضاءة من المظاهر العلمانية، فما بالك لو كانت "قوى" أخرى، كتلك التي خبرنا مركباتها العقلية والدوغمائية خلال سنوات "الانفتاح السياسي"، وطغيان موجة الإعلانات، وإظهار الخطاب الفئوي إلى الوجود، هنا لا يمكننا سوى القول: إنها سيناريوهات الصدام الأكثر رعباً، وعلى الدنيا السلام.

إن ما أتت به هذه اللجنة القانونية "النخبوية"، وما هو موجود على الأرض، يؤكد، بما أن هناك مجرات ضوئية، تفصلنا عن أقرب حدود، يتوفر فيها قدر كاف من العقلنة، والعلمنة، والأنسنة. وهنا لب المشكلة.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كان إعدام سقراط عادلاً؟
- الجنس الجماعي الثلاثي
- قانون أحوال غير شخصية
- من الفتوى إلى الجهاد: قضية رشدي وتراثها
- لماذا يحتفي إعلامنا بالفساد في الأرض؟
- إنها لم تنقرض يا...أدونيس
- صفقة دمج عملاق بين إنتل، ونوكيا
- العرب والبكاء على الديمقراطية في إيران
- بين عبير العراقية، وندى الإيرانية
- الموناليزا العارية: حقيقة أم أسطورة؟
- فاغنر والنازية: حقيقة أم أوهام؟
- التكنولوجيا الثورية
- الحيوية الإيرانية
- الزلازل المصرفية تعصف بالخليج
- بدء التحقيقات السرية بشأن الحرب في العراق
- الحل في حل الدولتين
- من يقف وراء فوز أحمدي نجاد؟
- من هو الفائز الحقيقي في انتخابات لبنان؟
- ماذا يحدث في إيران؟
- أوباما وأمريكا والإسلام


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - قوانين لأحوال غير طبيعية