جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2700 - 2009 / 7 / 7 - 09:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يقولُ العقاد في ديوانه وحي الأربعين على ما أزُن (أظُن) :
إذا ما ارتقيتَ رفيع الذُرىْ
فإياك والقمة البارده
هنالك لا الشمس دوارة
ولا الأرضُ ناقصة ٌزائده.
وهذا يعني كما قال العقاد في مقدمته للقصيده : أن لكل جبل عالِ قمة باردة , وأن الإنسان المفكر والعاشق لا يرى الأشياء ثابتة بل يراها متغيرة , أحيانا تبدو جميلة , وأحيانا نشعرُ وأننا على خطأ وأحيانا نشعر وكأننا على صواب, والمناظر الطبيعية أحياناً تكون جميلة وأحيانا عنيفة وأحيانا مقرفة , إن الأشياء تتحكم بها طبيعة حرارة أجسامنا وعواطفنا , فأحيانا أو غالباً ما نبدو وكأننا متشنجون أمام المذهب الفلسفي الذي نتبعه , وحين نهجره يبدو بوضوح تام أن به ثغرات كبيرة , وهكذا هو الحب .
فحبيبتي تبعث في نفسي تلك المشاعر , فأنا الآن في القمة الباردة , كل شيء أطفأته حتى الفانوس السحري والأضواء الخافتة , بعد أن كنتُ أشعل ُ لها أصابع كفيّ, أصابع يدي الناعمتين والطريتين مثل خدود العروس , أصبحت ُ هذا الصباح أشتم بها رائحة الشتاء , فالشتاء قد عاد بسرعة , وهذا الصيف مر (كومض البارق اللمّاحِ)
وأنا وصلت هذا اليوم مع معشوقتي إلى القمة الباردة ,وأشعر أن جسمي يرتجفُ من البرد , وإنني بحاجة إلى مدفئة شتوية , وإلى معطف ألبسه على جلدي , فأين المعطف ؟ بل أين النار التي كنت أعبدها ؟ أين العيون السود , بل أين البنادق التي كانت تطلُ منها , وأين الرماح , وأين صدرها الجميل , فثديها بالنسبة لي هو رأس الفتنة , هو الذي أوقع بي , هو الذي قادني للثورة , هو المحرض على الإنقلاب الأنثوي , أين خصرها الذي دس الدسائس في المجتمع العربي , وأين أرجلها حين تلتفُ على بعضهما البعض , فأرجلها هي التي رسمت الخطط وقادة إلى الإغتيالات السياسية وإلى التصفيات الجسدية , ولي معهن قصة حب وفلسفة إجتماعية .
بل أشعرُ اليوم أن حبها أبرد من قمة إفرست , وأبرد من الوجوه التي ترسل لي على إيميلي بمسبات وفايروسات .
اليوم أشعرُ وكأنني نزلتُ عن حصاني لأركب الأرض, فأنا تعبت ُ من جولاتي ومن صولاتي معها , اليوم لأول مرة في حياتي أشعر ُ أن للحب خراطيم من الماء البارد قد تدفقت على قلبي وأطفأت النار التي كانت به مشتعلة , اليوم عدتُ كما كنت ُ قبل سنتين , بارد في المشاعر والأحاسيس , وأشعرُ أنني رجلٌ أبله لو وقفت أمامي ملكة جمال العالم لا يمكن أن تنتصب لي شعرة من شعر رأسي , ولست ُ كما كنتُ قبل شهر تقريباً , كلما أرى صورتها تنتصبُ حتى النباتات المزروعة في شباك غرفة مكتبي الخاص , حتى قلمي كان ينتصبُ ويفيض حبراً وحنانا ,اليوم لم أعد كما كنتُ قبل شهر , لقد كنت ُ قبل شهر كلما أرى عيونها السود أتحشرج وأشعر بحموضة في أنفي وأشياء حارة في عيني وإختناق في أسفل حلقي, فيزداد بكائي على الأطلال , اليوم لم تعد ثيابي تنتصب على ثيابها .
اليوم أشعر أن نار الحب أصبحت أجواؤها أبرد من أجواء سيبيريا , فمن الذي سيبعثني من بعد موتي ؟
اليوم أشعرُ أنني متُ موتاً كاملاً وليس جزئياً , فمن يعيدُ الأشياء الزاكية وطعمها الزاكي إلى فمي ؟, من سيعيدُ لي دفتر عشقي الذي كان في جيبي من شهر تقريباً أسجلُ به كل الملاحظات المتعلقة بنومها وإسلوب أكلها وشربها , وطبيعة سفرها , فهي سندبادتي .
سندبادتي التي تهوى السفر, يبدو أنها تهوى تلويع القلوب , ومة شدة ما لوعت قلبي شعرتُ اليوم أن النار التي كانت به قد إنطفأت , إنطفأت النار ُ التي كانت به وأصبحت رماداً.
أنا نار , أنا كنت ناراً واصبحتُ هذا المساء رماداً صيفياً عادياً , فذروني في الهواء , ولا تعيدوني إلى حضيرتها .
اليوم لأول مرة أصدق كلام الناس : أنا عايش على الوهم , أنا أعيشُ بالوهم , أنا منفعل وهمياً , لا توجد بحياتي معشوقة أعشقها وأجنُ بها أكثر من مجنون ليلى , أنا لا أنفع للعشق , أنا مجرم , أصلح لإرتكاب جرائم حرب , أصلحُ لأكون قمة باردة , أصلح للعيش في سيبيريا .
اليوم أو الآن أنا قد خرجتُ طازجاً من الثلاجة , وأخرجتُ أعصابي منها باردة , بعد أن وضعتها قبل شهر في الفرن الساخن , أنا اليوم إشتريت خط موبايل بارد , بعد أن كنتُ أحمل خطاً ساخناً , أنا الآن بارد المشاعر والأحاسيس , ومشاعري باردة جداً جداً جداً وأصلح للعمل مكان جراح بريطاني , فجراح الأعصاب البريطاني أعصابه مشهورة بالبرودة , وكما غنت سعاد حسني :(عم تبرد أعصابه إسم الله ولا جراح بريطاني ).
أنا اليوم أعصابي أبرد من أعصاب الذئب الذي يقطع فريسته دون أن تهتز له شعرة من شعر رأسه , أنا كنتُ قبل شهر حين أرى أحداً يأكل اللحمة أو يذبح الدجاجة (الجاجة) أشعرُ بكل شعر رأسي وهو يقف وينتصبُ كما الرماح المشرعة , أما اليوم فلو قتل أحد أمامي شعباً بكامله فلن تهتز لي شعرة من شعر رأسي .
أنا لا تهتز لي شعرة.
أنا اليوم بارد الحس والوجدان , وحتى لو عاد نيرون وأحرق روما وشعبه فلن تهتز لي شعرة من شعر رأسي .
أنا لا أريد ُ أن أضعف أكثر من ذلك أو أكثر مما كان , لن أضعُفَ بعد اليوم , لن أسمح لأي إمرأة أن تدخل قلبي لتشعل به نار الحب كنار المجوس , لن أسمح لملكة جمال بلاد العرب أوطاني , بأن تدخل إلى أنفاسي وإلى رئتي اليمنى واليسرى , لن آذن لدموعي بالسقوط , لن أسمح لعيوني بالمطر وبالبردة وبكوريات الثلج , لن أسمح بالحرارة أن ترتفع أكثر من 37ْ فوق الصفر , لن أسمح باالبركان أن ينفجر , وسأسدُ كل الطرق المؤدية إلى ينابيع قلبي , لن أسمح لأحد بأن يقهرني .
سأكون أقوى من الظروف سأتحدى الحرارة , صحيح أنها لو عادت وأرسلت لي برسالة , صحيح أنه من الممكن لي أن أرق وأحن , ولكنني سأقاوم الحنان والرقة كما يقاوم بعض العرب الجبنة الدينماركية والتطبيع مع اليهود , وسأحاول أن أنهض من فراشي لأكتب لها رد على رسالتها ولكنني لن أفعل , لالالالالا وألف لالالا ,, لم أفعلها آبداً, وإذا نهضت ُ من فراشي فلن أمد يدي إلى الكيبورد ,وسأقاوم الكيبورد وجمال الكلمات العاطفية التي ستخرج مني في وقتها , وإذا خرجت الكلمات ولم أنجح في السيطرة عليها , فإنني سأكتب ُ لها رسالة جديدة أطلب فيها مكنها , أن تعيد إلى قلبي غليانه , وإلى عيوني منظر المطر , وإلى آذاني صوتها وإلى عدسة عيني صورتها اتلجميلة وهي كطفلة مدللة تلعبُ تحت المطر , وسأقول لها , سامحيني على الثلالجة التي وضعت ُ فيها أعصابي , كنت في لحظة سكر وقد صبأت عنك , فأعيدينني إلى وثنيتي , إلى عبادة خصرك وتنورتك القصيرة , أعيدينني إلى حضيرتك , أنا أكره أيضاً جراح الأعصاب البارد القلب والمشاعر والوجدان , أنا أعبد ُ النار أنا أشتاق ُ إلى جهنم , أنا أحن إلى حرارة الخليج العربي, وأحنُ إلى طعم التمر والعجوة من فمك الرطب , يا رطبة جداً ويا أغنية للموج وللصحراء وللقمر حين يصبح بدراً , يا ناري التي أتعذب بها , يا قمتي المشتعلة , لا أريد الوصول معك إلى قمة العقاد الباردة .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟