جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2691 - 2009 / 6 / 28 - 10:38
المحور:
حقوق الانسان
ليس للحرية ضوابط أو حدود تبدأ منها , وليس لها محرمات ومُحَللاتٌ منها يبدأ الإنسان وإليها ينتهي , لأن الحرية في الأصل ليست جماعية يعيشها الجماعة مع بعضهم البعض , بل هي فردية يعيشها كل فرد بمحض إرادته.
والإسلام الذي يقول : من متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً , هو أيضاً يقدم برنامجاً دينياً شاملاً للعبودية , فبمجرد أن يكون الإنسان عبداً , ينتفي وجوده وحريته في التعبير , لذلك لا يمكن إقامة النظام الإسلامي مع الحرية والديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية .
فلو أخذنا الموضوع بجزئياته ونظرنا إلى حرية المرأة في اللباس أو التبرج أو أي شيء آخر , لوجدنا أن الإسلام يقول : أن الله أعطى المرأة الحرية في إختيارها لشريك حياتها ضمن ضوابط وحدود , وأعطاها الحرية في كل شيء ولكن ضمن ضوابط وحدود وهنا مقولة ضوابط وحدود تلغي الحرية الشخصية نهائياً, الميزان العام للحرية هو ميزان فردي وليس جماعي .
إن هذه المسألة الجزئية تتعارض مع مبدأ إنشاء مشروع الحرية نفسه , ذلك أن الحرية تقوم على تصورات الفرد لحياته التي يرغب بها , من أجل الوصول إلى حياة كريمة , لأن المبدأ الأساسي للحرية هو الوصول إلى الحياة الكريمة ,من هنا المرأة والرجل كل واحد منهم لديه تصورات وأشكال في مخيلتهم عن الطريقة التي يرغبون في العيش بها , من هنا الحرية سلوك شخصي وشخصنة واقعية لمبدأ الحياة الكريمة.
من زاوية أخرى , لا يستطيع الإنسان وفق التعاليم الإسلامية , أن ينشأ حزباً سياسياً معارضاً أو يسارياً , يتعايش هذا الحزب مع مبدأ التعاليم الإسلامية , لأن الإسلام يكفر الإتجاهات الأخرى , حتى لو قال الإسلاميون أننا نحترم الرأي الآخر , فهذا الكلام كما يقولون (ضحك على اللحى والشوارب) فالإسلام لا يحترم الإتجاهات الأخرى أو بعبارة أوضح لا يستطيع الإسلام أن يتعايش مع العلمانيين ومع الشيوعيين ومع اليساريين ومع مؤسسات المجتمع المدنية المناهضة للعنف ضد الأطفال والنساء , ولا يتعايش مع المثليين الجنسيين ولا مع هواة التعري على الشواطىء ولا مع الإشتراكيين ,لأن مبادىء التعاليم الإسلامية فيها غلظة بحق المرأة والأطفال , والنزوات والرغبات .
إن الإتجاهات الإسلامية المعتدلة هذا اليوم تحاول أن تبرهن على أن الإسلام مشروع وسطي , وأقول لأولئك : في كل مرة يظهر الإسلام أو تظهرونه بالثوب الذي تريدونه , فمرة يكون وسطي ومرة متطرف ومرة إرهابي ومرة يكون في الإسلام مبادىء إشتراكية , إن المبدأ الوحيد الحقيقي للإسلام هو هو لن يتغير , معارض لمبدأ إطلاق الحريات العامة.
من هنا سنأخذ المسألة بكلياتها من مبدأ إطلاق الحريات العامة في المدن والشوارع ومؤسسات المجتمع المدني والتي تُعتبر بعرف الإسلاميين خلبطيطة وكفر وضلالة , ناهيك طبعاً عن أمور أخرى منها أن الإتجاهات الأخرى عدوة لله .
ومن الممكن للإنسان أن يتعلم أي مهنة ما عدى الحرية , لأنها ليس تخصصاً علمياً أكاديمياً لها قوانين وأنظمة بل هي تخصص فني وإبداع ذهني وكل إنسان يتفنن في حريته ويمارسها كيفما يشاء , بخلاف الإسلام الذي يراها أنها منحة من الله ورسوله لها قوانين خاصة يجب أن نمارسها دون الخروج عنها , من الممكن لنا مثلاً أن نُعلّم أي شخص أو أي إنسان مهنة صناعة هيكل طائرة أو ماتور متحرك , أو أي صناعة مهما كان شكلها أو لونها , ولكننا لا نستطيع أن نعلم أي إنسان الحرية , لأن الحرية سلوك وطبع ومزاولة وتأمل واكتشاف ومهارة وخبرة وابداع وفن , مثلها مثل فن كتابة القصة أو القصيدة , أو رسم لوحة فنية , كل الناس تعتقد أنها حرة أو أن لديها الحرية التي تؤهلها لدخول المجتمعات المتعددة الألوان , فأي إنسان نجده يمارس الحرية على قدر إتساع أفقه , لأن الحرية أفق وسقف عالي غير مسقوف أي غير محدود , فالحرية إذا كان لها سقف جماعي محدود فهي بهذا تصبح كبح لجماح رغبة الفرد من قبل جماعة مستبدة .
الحرية سلوك شخصي وتعبيري , فأنا مثلاً أمارس الحياة في المنزل بحريتي على حسب معتقداتي فلا أتدخل في المنزل في أي شيء , ولا ببرنامج الزيارات أو السهرات أو الطشات وشمات الهوى , بل أترك هذه المواضيع لزوجتي , وأبدي رأيي في اللبس وما أحبه أن يكون ولكنني لا أفرض رأيي بالقوة بل أترك الموضوع وأعتبره حرية شخصية ,
أنا أعطي الحريةلنفسي على قدر إتساع أفقي ,فلا أمارس شيئاً لا أتقبله ذهنياً, لقد كان لي صديق سنة 1995م يعطي الحرية لزوجته في كل شيء ومع ذلك يبقى طوال النهار في شك وحيرة حتى أصبح مفصوماً يراجع العيادا ت النفسية , وكنت أقول له , إذا كنت لا تتحمل أن ترى زوجتك متبرجة في الشارع , فلماذا أصلاً أقمت معها علاقة زوجية , فيقول كنت أظن أنها ستتغير , أما هي فكانت تقول لي , لقد إعتدنا على هذه العادات في منزل بابا أنا وأخواتي , أي أن المسألة بالنسبة لها شيئاً عادياً , وأفقها يتسع لأكثر من ذلك , أما صاحبنا فأفقه لا يتسع إنه وضع نفسه في عنق الزجاجة , إنه مثل الشخص الذي ينفق شهرياً أكثر من مستوى دخله الشهري ,فسواء أكنت أميراً أو وزيراً أو وضيعاً فأنا من الممكن أن ألتقي في موضوع الحرية مع العامل ومع الوزير ومع الأستاذ ومع الطبيب ومع المهني , وفي موضوع الحرية تلتقي الطبائع والآفاق , لأن الحرية هنا وجهات نظر كل إنسان يعيشها كما يراها .
الحرية لا تمنحها الحكومات للشعوب بل أن الشعوب تحصل عليها من خلال إحترام كل فرد لمشاعر الآخرين , الذي يريد أن يبني كنيسة هو حر , والذي يريد الصلاة هو حر , والذي يريد شارعاً للعراة هو حر أيضاً , الذي يريد أن ينتسب لحزب سياسي أيضاً هو حر بإختياره للتوجه الذي يرغب به , لا يوجد في المجتمعات الحرة حزباً واحداً ولا حاكماً واحداً ولا كتاباً واحداً ولا ديناً واحداً ولا فكراً واحداً ولا صحيفة واحدة تخدم مصالح الحاكم الواحد والفكر الواحد والرجل الواحد , بل توجد صُحف متعددة وأقلامٌ متعددة وأمزجة مختلفة تمارس الحرية في التعبير والكتابة والشهوة , شهوة التعبير وشهوة الكتابة .
الحرية هي إرادة الشعوب والتي لا تتحقق مثل تلك الإرادة إلا بالدموع والإنفعالات والعيش مع كل لحظة من لحظات العمر والصدق في الأداء والتعبير والإختيار الحرية ليس أن تبقى نائماً تحلمُ بها -كما يقول جبران - بل يجب أن تستيقظ لتعيشها أفضل بكثير من الحلم بها والقراءة عنها .
الحرية في التعددية الفكرية والسياسية وإحترام دولة القانون والمؤسسات والتخفيف من حدة الدولة البوليسية , العسكرية المستبدة .
دولة القانون والمؤسسات , الناس فيها سواسية أمام القانون لا أحدى يأخذ أكثر من غيره , لكل الناس الحق بأن يعيشوا حياة كريمة خالية من الإهانة وبالذات تلك الإهانات الموجهة عن دون قصد .
في ظل دولة القانون والمؤسسات تحترم الآراء والأفكار فلا يوجد مؤمن وكافر بل يوجد الرأي والرأي الآخر .
الحرية هي: إختلاف الأمزجة والطبائع بعضها عن البعض الآخر , فلكل إنسان طبيعة مختلفة عن الآخر حتى الإخوان والتوائم مختلفون عن بعضهم البعض ولا يوجد إنسان متشابه ببصماته مع إنسان آخر أو متشابه مع قزحية عين الآخر , وكذلك المشاعر والأحاسيس , فكل إنسان يجب أن يعيش مع ما يشعرُ به ويحس به , وأن يتألم مع من يريد وأن يسعد مع من يريد
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟