أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الجنديل - الهجرة الى مواسم الرعب .... قصص قصيرة















المزيد.....

الهجرة الى مواسم الرعب .... قصص قصيرة


أحمد الجنديل

الحوار المتمدن-العدد: 2634 - 2009 / 5 / 2 - 07:04
المحور: الادب والفن
    



لا أحد يستطيع أن يغتال الشمس في داخلك ، وليس هناك قوّة تستطيع اعتقال خيالك ، وخرافة تلك التي تقول أنّ صحارى تحاصركَ لتقطع عنكَ طريق الإبحار صوب الشواطئ الدافئة .
لا تنتظرْ وحياً يهبط عليك فيملي ما تريد أن تقوله ، ابدأ بالمحاورة مع رأسكَ ليشرّع لكَ أبوابه بصمت ، ومارسْ المناورة مع لسانكَ ليغلق منافذه بحياء ، واعلمْ أنّ ما يدور في رأسكَ وعلى صفحة لسانكَ يتغذى أحدهما على الآخر ، فاعقدْ القِرانَ على الرأس ، وأعلن الطلاق من اللسان ، وتقدّمْ ، قاتلْ بضراوة من أجل أن تخلع كلماتكَ كلّ ثيابها التي منحها الوهم لها ، وعندما تنتصر ستجد كلماتكَ عارية ، مترعة بالصدق ، نازفة بالبهجة ، متوجّة بالكبرياء ، ملتهبة بالإحساس . وتقدّمْ ، وسّعْ خطواتكَ إلى الأمام ، احذرْ الوهن ، وعندما تنام لتستريح يكون رأسك قد أفرغ من داخله كـلّ ما يـريد أن يقـول ، قلْ كلمتكَ وارحلْ .
كان كلبي يحدثني بحرارة ، ولم أشعر وأنا استمع إليه ، أنّ العاصفة قد ثارت ودمّرت وهربت نحو المجهول ، ضحكنا أنا وإياّه من هروب العاصفة ، وعندما أتعبنا الضحك ، بدأ كلبي يسرد لي حكاياته ، وأنا لا أملك غير الإصغاء إليه .

فن القتال :

أثناء المبارزة ، كان قلب الفهد يهتزّ بين أضلاعه ، وكلمّا سددّ الخصم لولده ضربة قوّية شعر بألمها في داخله ، ولم يمض الوقت المحدد للمبارزة حتى سقط ابن الفهد على الأرض مضرجا بدمائه ، وجسده مثخن بالجراح ممّا جعل الأب يقفز حاجز المتفرجين ويسرع نحو ولده ، وعيناه تمطران أسىً ولوعة ، وقلبه يهدر بغضب شديد ، وعندما لامسَ رأسَ ولده ، وشاهد الدماء الغزيرة تسيل من جسده ، لم يتمالك نفسه ، فصرخَ به :
لماذا لا تحسن فن القتال ؟ لقد بذلتُ كلّ ما بوسعي ومنحتكَ كلّ ما أعرفه لكي تكون مقاتلاً باسلاً ، فما الذي دهاك ؟وما الذي أوصلكَ إلى هذه النهاية ؟ لقد ألحقتَ بي العار الذي ما بعده عار ، وجعلتني سخرية أمام حيوانات الغابة إلى الحد الذي لم يعد بمقدوري النظر إلى أحد منهم ، فما الذي جعلك تنهزم بهذه الطريقة المشينة ، بعدما علمتك أسرار اللعبة داخل البيت وبعيدا عن أنظار الجميع ، وقضيت معك وقتا طويلا تدربتَ من خلاله على ما يلزمك من الفوز على أعدائك ؟ .
كان الأب في ثورته عندما فتح ابنه عينيه ، والألم يهزّ كيانه ، والدماء تتدفق من جروحه ، وبصعوبة بالغة ردّ على أبيه :
إنّ ما قلته عين الصواب ، ولكنـّي أضع مصير أخوتي أمانة في عنقكَ ، فمَنْ يتعلم مثلما تريد لا يحصد إلا ما هو أمامك ، ومن ينشد الفوز عليه أن يتعلم في ساحات القتال المكشوفة وليس في الأوكار المظلمة !!
أغمض الابن عينيه ، وتوقف النزف ، ولم يعدْ هناك ألم ولا حركة .

الانتقام :

سماء الغابة لم تكن صافية بفعل تراكم الغيوم السوداء التي عكست شعورا مليئا بالكآبة والضجر في نفوس حيوانات الغابة . في هذا الجو الذي كان النعاس والسأم يسيطران على الغابة ، خرج الثعلب من بيته مسرعا متجها نحو منازل الحمير المتناثرة على الأطراف الجنوبية للغابة ، وبهمّة عالية بدأ ينقل مشاهدته للقط الذي أراد استباحة ابنة الملك ، وكيف رآها تصفعه بقوّة وتزمجر في وجهه بعنف ، وتهدده بالقتل لأنه عديم المروءة والأخلاق . كان الثعلب يتحدث إليهم بهمس ، ويرجوهم كتم هذا الخبر ، ثمّ يوّدعهم لينتقل إلى بيت آخر ليعيد الخبر ذاته وبالطريقة ذاتها ، حتى إذا بدأ الليل بالانسلاخ ، أدرك أنّ مهمته وصلت إلى ما يريد ، فأسرع إلى بيته وراح يراقب ما يحدث .
في الساعات الأولى من الصباح، خرجت بعض الحيوانات واتجهت صوب مركز الغابة ، وبدأت تلتحم مع بعضها مكوّنة تجمعا ضخما ، أبرز ما يميزه بريق الانتقام المتدفق من العيون وارتجاف الشوارب من شدّة الغضب الذي يعصف بهم .وأخيرا اعتلى الحمار المرتفع ، وتحدث بصوت مشروخ عن أهمية الشرف ، وطمأن الحضور بقوله : سوف تبقى غابتنا مثالا يحتذى به لكل المتطلعين لغد مزدهر ، وسنبقى نموذجا لكل من أراد أن يكون شريفا .
وأراد الحمار الخطيب أن يستمر في حديثه إلا أنّ جموع المحتشدين قد استبد بهم غضب عارم ، فهتفوا للانتقام وهرعوا إلى بيت القط الفاسق ، وما أن وصلوا إليه حتى بدأ الهجوم الصاعق ، وما هي إلا لحظات وإذا بجسد القط قد تحوّل إلى قطع متناثرة ، وخرج الجمع مزهوّا بما فعل ، وقد رفع كلّ منهم يديه الملطختين بالدماء كنياشين بطولة وشهادة على غسل العار الذي لحق بالغابة .
وعلى ضوء توجيهات الحمار الخطيب ، اتجّه الحشد إلى بيت صاحبة الرفعة ، ليزّف له بشرى معاقبة القط الفاسق ، وليقدّم التهاني إلى ابنته باعتبارها رمز العفـّة والشرف والفضيلة .
ومع مرور الأيام أصبح مقام صاحبة العفـّة مزارا لفتيان الغابة ، باستثناء الأرنب الصغير الذي اعتاد على الذهاب مع حلول الظلام إلى بيت القط المقتول ليذرف دموعه ، ويبكي بحرقة ، لأنه كان معه في تلك الليلة التي أتهم فيها ، وكانا معا إلى جانب السنجاب الذي يعاني من سكرات الموت ، وبقيا عنده حتى الخيوط الأولى من الفجر .

الرأس العنيد :

بعد مكوثه عدة سنوات في سجن الغابة الانفرادي ، خرج الذئب وفي نظراته خوف ورعب ، وعلى ملامحه ذل وانكسار ، وفي خطواته تعثر وارتعاش ، يسحب جسده بجهد واضح ، وأفكاره لا تستقر على حال ، وعند اجتيازه الطريق المؤدي إلى أشجار الصنوبر، التقاه صديقه الدب الذي لاحظ علامات الانهيار عليه ، فصاح به مستغربا :
ما الذي دهاك ياصديقي الذئب الشجاع ؟ وأنت صاحب الرأس العنيد والرأي السديد ، وأين ذهب كل ذاك العناد المليء به رأسك ؟
نظر الذئب إليه برعب ، واقترب منه أكثر حتى لاصق فمه أذن صاحبه ، وهمس مرتبكا :
إنهم لم يضربوا رأسي ، لكنهم ضربوا معدتي ، فسقط رأسي دون جهد .

الوصيّة :

الغابة تزهو ، تتألق ، تغفو في أحضان الحلم ، تبحر في اشراقات الآتي ، تَرضع من ثدي مثقل بثمار الشمس ، تتوحم في بيادر الفجر ، تتوضأ بنور الله ، تتهجد بخشوع في محرابه ، تنتصر على الحياة فتختطف من فمها رغيف الخبز كي تستمر ، وتيمّم شطرها نحو سواقي الحكمة فتنهل منها كي ترتقي ، كانت تعيش على الخبز والحرية فلم تقترب الشيخوخة إليها رغم كثرة الخفافيش التي تغادرها في الظلام وتعود إليها في الظلام ، فالأقلام التي تملكها الغابة كانت المرصد الكبير والمجهر الدقيق الذي يكتشف ويتابع ما يجري ، فعاشت الغابة تحت ضلال أقلامها ، تتوحد فتزداد إشراقا ، وتختلف فتزداد إبداعا حتى ارتقت منبر السيادة باقتدار .
وجاء عصر العواصف ، وموسم البراكين ، وزمن الجنون ، وصمدت الغابة رغم سماع رفيف أجنحة الوطاويط في الليل ، ونهيق الحمير في النهار ، وحفيف الأفاعي عند الظهيرة . ومع استمرار فصول المواجهة ، عرفت الغابات سرّ القوّة التي تملكها الغابة ، فأصبح القلم الهدف الذي تتسابق إليه السهام ، والدائرة التي تتطاير نحوها الرماح ، فألجمت أقلام بقيود الخوف ، واحترق بعضها بنيران القوّة ، وعقدت صفقات لشراء ما تبقى منها ، عند ذاك لم تعد الغابة قادرة على خلق الأمن والأمان ، ولم يكن بوسعها صنع الانتصار ، فرحلت من أحضان الحوار إلى حظيرة الصراع ، ارتوت أرضها بدماء ساكنيها ، وتقافزت الرؤوس بين وديانها وطرقها المتشعبة ، وتعفنت أجساد بين أدغالها دون أن يلتفت إليها أحد . ولم يبق في الغابة من الأقلام غير نمر هدّه المرض ، وأقعده الجوع ، وأكلت الآلام رغبة الحياة فيه ، وعندما أزفت ساعة رحيله ، اجتمع كبار القوم من الثعالب والقردة والخنازير وحشد من الحمير ليسمعوا وصيته الأخيرة باعتباره القلم الأخير المتبقي في الغابة .
عند الفجر فاضت روح النمر دون أن يسمعوا منه وصيته الأخيرة ، إلا أنّ النسر العجوز وقع نظره على ورقة راقدة جنب رأس النمر ، أسرع إلى اختطافها وطار نحو شجرة السنديان الكبيرة ، وقف عليها وأبصار القوم شاخصة إليه ، وبصوت حزين ، قرأ النسر وصية النمر :
أعلنوا الحداد على مستقبل الغابة ، وليقرأ كلّ منكم الفاتحة عليها كلّ صباح .



#أحمد_الجنديل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كم أنت رائعة ياناهده 0000!!!؟
- الثلوج تلتهم النيران ... قصص قصيرة
- الدفاع عن حقوق المرأة ...... ( بلقيس حسن انموذجا )
- العراق بين شرعية الاحتلال واحتلال الشرعية
- التنوع في الكتابة ( جاسم عاصي انموذجا )
- أنهار الخوف .. قصص قصيرة
- تداعيات البعد الواحد ... قصة قصيرة
- العلاقات العربية الأمريكية مسارات الرفض والقبول
- ليلة الزفاف الدامي
- لوحتان ( للعرض فقط )
- تراويح شيطانية
- زفاف في معبد وثني .......................... قصة قصيرة
- العصافير تموت جوعا في البيادر ............................. ...
- حقوق الانسان زيف الشعارات وفعل الهراوات
- عندما يغيب الصهيل .............. قصة قصيرة
- الهجرة الى البحر........منلوج قصصي
- حكايات عن عواصف الرعب .......... قصص قصيرة
- الحفاة ........ .. قصة قصيرة
- الارصفة تشرب الصراخ ................... قصة قصيرة


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الجنديل - الهجرة الى مواسم الرعب .... قصص قصيرة