|
الثلوج تلتهم النيران ... قصص قصيرة
أحمد الجنديل
الحوار المتمدن-العدد: 2626 - 2009 / 4 / 24 - 06:08
المحور:
الادب والفن
الشجرة المقدسة، الشجرة المباركة ، شجرة الرحمة ، وأسماء أخرى اِختلفوا فيها ، لكنّ الجميع اتفّق على أن هذه الشجرة مصدر الرزق والعافية والقوّة والأمان . ممّا جعلها رمزا ومزاراً مقدّساً ، تنحر القرابين تحتها ، وتذرف دموع المظلومين على أوراقها ، وتقام الصلوات تحت فيئها . باستثناء الفهد الذي كان يراها شجرة هرمة، تنخرها الديدان ، وتغوط فوق أغصانها العصافير . وزاده احتقارا لهذه الشجرة ، انه في إحدى الليالي رأى الأسد الشاب يستبيح ابنة الدب على جذورها ، وشاهد الذئب يسند النعجة على جذعها ويفترسها . فقرر هو وأولاده، اقتلاع الشجرة ، ليحرر حيوانات الغابة من نفوذها . وتمّ للفهد ما أراد بعد جهد كبير ، حيث تهاوت الى الأرض عند منتصف ليلة مظلمة ، أفزع الحيوانات صوت سقوطها ، وجعل الفهد وأولاده يهربون الى مكان بعيد . في الصباح ، خرجت الجموع في موكب حزين الى مكان الشجرة المقلوعة حيث أقيم مهرجان العزاء الكبير ، ألقيت فيه كلمات الرثاء وعبارات التعزية . وقبل الأنتهاء من هذا المهرجان ، أفضى الحمار سرّا للحاضرين ، بأنه شاهد مخلوقا يهبط من الأعالي ويقتلع الشجرة ، وراح يصف لهم المخلوق العجيب الذي رآه في الليلة الماضية . وطبقا للوصف الذي أورده الحمار ، تمّ إقامة نصب لمخلوق له سبع عيون ، وأنياب تصل الى صدره ، وضفائر من لهب ، وعدد من القرون تتشابك جميعها لتشكل قرنا ضخما ، يمتد الى الأعلى . وبدا النصب أكثر مهابة وخوفا من الشجرة المقلوعة . فكثرت القرابين عند قدميه ، وتعالت الأصوات بالمجد والخلود له ، وانهالت كلمات التضرع والتوسل تحت ظلّه . وكان الفهد من بين الحاضرين في الاحتفال ، مع ابنه الأكبر الذي همس في أذن أبيه : لو بقيت الشجرة رغم وساختها ، لكانت أفضل ممّا نراه اليوم . أمّا الابن الآخر، فكانت عيناه طافحتين بالدموع ، وهو يصرخ بصوت مبحوح : لا أريد أن أرَ أبي بهذا الشكل القبيح. عند ذاك سحب الفهد ولده الأكبر، قائلا له: سيكون موعدنا هنا عند منتصف هذه الليلة. وسارا بعيدا عن المكان، يتبعهما الابن الأصغر .
القتال الشرس :
بعد فترة طويلة قضاها النمر خارج الغابة ، عاد إليها وسط المستقبلين والمهنئين من أصحابه ومعارفه وبعض المتطفلين الذين يرغبون سماع أحاديثه عن الغابات البعيدة ، وقد خرج إليهم النمر بمظهر المتحضر في جميع حركاته ، واجتهد في اقتناء مفرداته ، وطريقة التحدث إليهم ، ممّا أثار حفيظة الشباب الذين شرعوا يتوافدون على داره مساء كلّ يوم وهو يحدثهم عن الحرية ، وضرورة تحطيم القيود والأغلال التي تعيقهم عن التطور والتقدم . وعندما يشعر بانشداد الجميع إليه تأخذه موجة من الحماس ، فيهتف فيهم : علينا تحطيم كلّ القيود ، ونسف كلّ ما يعيق حريتنا ، وأن نجعل من الغابة ملكا مشاعا للجميع ، اسحقوا التقاليد التي حرمتنا من متعة الحياة وبهجتها ، فحيوانات الغابات البعيدة تعيش في أمان واستقرار وسلام . الحماسة تلهب مشاعر السامعين ، والرغبة تشتدّ في نفسه ليخرج لهم بمظهر الواعظ والمنقذ في آن واحد، لهذا كان يلوّح بيديه ، وبلهجة القائد يأمرهم أن يزيحوا ما في أذهانهم من ترسبات وأوهام ، وعليهم أن ينتهجوا سلوكا قائما على الاستمتاع الجماعي والمشاركة الجماعية في جميع أشكال الحياة . ظلّ النمر يقضي النهار باختيار ما يقوله في الليل ، وبوادر العصيان بدأت تلوح لدى بعض الشباب الذين انفلتوا من دائرة سلوكهم السابق ، وبدأوا بممارسات جديدة أثارت شيوخ الغابة ، والنمر مستمر كعادته بإلقاء خطاباته النارية على الشباب وهو في غاية الفخر والاعتزاز . في إحدى الليالي وأثناء دخوله إلى غرفته ، شاهد الذئب الأغبر يغازل زوجته ، فخرج مسرعا وقد صدمته المفاجأة وفارت الدماء في عروقه إلا أنه حاول كظم غيظه وستر غضبه . بعد هذه الحادثة بأيام غابت ابنته الصغيرة ، علم بعدها أنها غادرت برفقة الثور الشاب في رحلة إلى الغابة الصغيرة المجاورة لغابتهم ، ونتيجة لما حصل بدأت أحاديث النمر تتقلص شيئا فشيئا ، وبدأ الصمت يعقد لسانه ، ولم يعد يستقبل أحدا ، وأصيب بالذهول والنحول إلى الحد الذي لم يمكنه من الحركة والتنقل ، ممّا دفع البعض إلى استدعاء حكيم الغابة الطاعن بالسن لمعاينته . وفي الساعة التي دخل الحكيم فيها الدار ، كان النمر قد فارق الحياة . اقترب الحكيم منه ، وأمعن النظر فيه ، وتأمله بعناية ، بعدها خرج وقد اكتسى وجهه بسحب التجهم والانفعال . وحاولت زوجة النمر أن تعرف سبب وفاة زوجها ، إلا أنه أشاح بوجهه عنها وخاطب الوقفين قائلا : لقد مات النمر نتيجة مشاجرة عنيفة وشرسة بين رأسه ولسانه ، انتصر فيها الرأس على اللسان .
الجرح :
سأل الأرنب صديقه : ــ إذا جرحت فهل تستطيع أن تفصل دمك عن جرحك ؟ أطرق صديقه هنيهة ، وأجابه بهدوء : ــ هذا ممكن . ــ وهل تستطيع أن تفصل آلامك عن جرحك ؟ لم يتردد صديقه في الإجابة : ــ هذا غير ممكن . ــ لماذا ؟ ـــ لأنه لو تحقق هذا ، لم يعد هنالك جرح . أنجبت نظراتهما المتلاقية ابتسامة طغت على شفتي كلّ منهما ، وافترقا يلفـّهما ظلام كثيف . السراب :
نظر السنجاب الصغير إلى الأفق الواسع ، وحثّ خطاه نحو بركة تراءت له من بعيد ، وظلّ يحثّ خطاه حالما بالماء العذب . بعد عدة أيام تأمل راعي الأغنام ابتسامة السنجاب الصغير الميّت ، وأزاحه برفق عن طريق أغنامه .
#أحمد_الجنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاع عن حقوق المرأة ...... ( بلقيس حسن انموذجا )
-
العراق بين شرعية الاحتلال واحتلال الشرعية
-
التنوع في الكتابة ( جاسم عاصي انموذجا )
-
أنهار الخوف .. قصص قصيرة
-
تداعيات البعد الواحد ... قصة قصيرة
-
العلاقات العربية الأمريكية مسارات الرفض والقبول
-
ليلة الزفاف الدامي
-
لوحتان ( للعرض فقط )
-
تراويح شيطانية
-
زفاف في معبد وثني .......................... قصة قصيرة
-
العصافير تموت جوعا في البيادر .............................
...
-
حقوق الانسان زيف الشعارات وفعل الهراوات
-
عندما يغيب الصهيل .............. قصة قصيرة
-
الهجرة الى البحر........منلوج قصصي
-
حكايات عن عواصف الرعب .......... قصص قصيرة
-
الحفاة ........ .. قصة قصيرة
-
الارصفة تشرب الصراخ ................... قصة قصيرة
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|