أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أحمد الجنديل - العراق بين شرعية الاحتلال واحتلال الشرعية















المزيد.....

العراق بين شرعية الاحتلال واحتلال الشرعية


أحمد الجنديل

الحوار المتمدن-العدد: 2595 - 2009 / 3 / 24 - 05:17
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



عندما نتحدث عن الشرعية ، لابدّ وأن نضع أمامنا جملة اعتبارات ، أهمها : انّ كلّ من ينادي بالشرعية يعتقد أنها إلى جانبه دون غيره ، فهو صاحبها ولا يجوز لغيره أن يتحدث عنها . والشرعية تخضع لمفهوم النسبية ، فما كان شرعيا بالأمس ليس بالضرورة أن يكون شرعيا اليوم ، فالمجتمعات التي تتطور وتتجّه نحو التقدم تطوّر شرعيتها معها ، وبكلّ أصنافها ، سواء كانت تخص الفرد أو المجتمع أو الدولة .
لقد بدأت الشرعية السياسية تكسب أهميتها عندما بدأت الشعوب والحكومات تدخل المعترك السياسي والاقتصادي المحكوم بشتى النظريات والأفكار ، حيث استغل الحكّام مفهوم الشرعية سلاحا لقمع حركات التحرر ، وزج كلّ القوى المعارضة في الزنزانات والسجون ، ومارسوا كلّ أنواع القهر والبطش من أجل الحفاظ على مناصبهم ، وكلّ من شأنه أن يهدد وجودهم هو خارج عن دائرة القانون ويستحق العقاب الصارم .
وعندما بدأت الساحة تفرز الكثير من أشكال الصراع وتعقيداته ، بدأت الدول بالتخندق على هيئة تكتلات حاملة لواء الشرعية غطاء لتنفيذ مراميها وتحقيق أهدافها ، ومتخذة من الشرعية ذريعة للتجويع والإبادة والاحتلال . انّ الشرعية القائمة على أساس سيادة القانون بمعناه الفلسفي والأخلاقي هي من أهم الأهداف النبيلة لخلق عالم تسوده الحرية ويتمتع بالأمان ، وما عدا ذلك ، فهو تزييف قهري لأمر واقع فرضته الدول القوّية على الدول الضعيفة المقهورة .)
ورغم إيماننا بأن الشرعية تخضع لمفهوم النسبية ، ومرتبطة بشروطها وآلياتها ، إلا أنها تبقى محكومة بحيثيات الأطر العامة لكينونتها . فعندما يحتل بلد مثل العراق وتدمّر البنى التحتية له ، ويصبح عرضة للنهب والسلب ، وتفتح حدوده لكلّ من هبّ ودبّ ، وتصادر سيادته بالكامل إلى درجة تجاوزت كلّ حدود الاحتلال العسكري المعروف ، تحت غطاء البحث عن أسلحة الدمار الشامل ، أو ذريعة الحرب الوقائية من أجل الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي ، ثمّ بعد ما حصل ما حصل من تمزيق ودمار وقتل وتهجير وتشريد تعلن الدولة المحتلة ، أنه لا يوجد أثر لأسلحة دمار شامل في العراق ، ولا إلى ما يشير لوجود خطر يهدد الأمن القومي الأمريكي . في مثل ما حصل للعراق ، تكون الشرعية قد غادرت جميع مضامينها وأشكالها ، ولا يمكن تفسير ما حصل على أساس الشرعية وإنما ينحصر في مضمون الغزو الهمجي السافر ، والمنطلق من مبدأ هيمنة القوي على الضعيف دون مراعاة لأبسط الأعراف المتعارف عليها في الأوساط الدولية .
انّ احتلال العراق بالكيفية التي تمّ احتلاله فيها ، يشكّل ظاهرة خطيرة مفادها انّ العالم بدأ بطلاق علني لكلّ الشرائع والقوانين والأعراف ، واتجّه نحو شريعة الغاب ، وأنّ قانون الغاب هو القانون الذي بدا يمسك بتحركات الدول ، ويرسم سياساتها وفي جميع مجالات الحياة .
لقد رسمت أمريكا سيناريو لعبة غزو العراق ، ثمّ بدأت تتحكم بقواعد اللعبة وتحرك خيوطها للتأثير على نتائج الصراع السياسي الدولي لكي تحصل على تأييد الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لتمرير مخطط اجتياح العراق تحت مظّلة الشرعية الدولية ، فقامت بأوسع حملة غسيل دماغ ، رافقتها موجة ضغوط لحالات اغتصاب مقرفة للمواقف السياسية المترنحة للدول التي تملك لسان الأسد وقلب الأرنب . وبدأ تحرك سياسي محموم من قبل سادة البيت الأبيض ، فالرئيس الأمريكي جورج بوش يخرج إلى العالم بطريقة مسرحية ليعلن عن وجود أسلحة دمار شامل ، والعثور على دلائل تشير إلى أن العراق قد أنتج غاز الأعصاب والجمرة الخبيثة ، وأنّ العالم يواجه كارثة حقيقية إن لم يتخلص من هذه الأسلحة ، ثمّ يأتي دور نائب الرئيس الأمريكي ( ديك شيني ) ليفاجئ الجميع بالعثور على أسلحة بيولوجية وكيميائية ، وأنّ هناك كمية من اليورانيوم وأبحاث محرمّة ومخطط واسع لصنع القنبلة النووية ، وأنّ خزين العراق من هذه الأسلحة يكفي لإبادة البشرية ، وأنّ على العالم أن يتكاتف ويتوحد من أجل إنقاذ المجتمع الدولي من خطر أسلحة الدمار العراقية ، وتبدأ سياسة المبادرات وجولات التشاور والاجتماعات المغلقة ، وتنشط الصحافة الغربية في تصوير العفريت العراقي وهو يقذف حممه ونيرانه على الدول الآمنة المستقرة فيحيلها إلى هشيم .
ومع هذه الحملة المسعورة على العراق يتحول ( كولن باول ) وزير الخارجية الأمريكي مهندسا بارعا في رسم الديكورات والإكسسوارات للمسرحية ، فمرّة يطلق التصريحات النارية في المؤتمرات التي تحذر العراق من قدرات وبرامج العراق النووية وأنّ السلام والأمن الدوليين في خطر كبير ، ومرّة يصرخ في وجه المجتمع الدولي بأنّ الأدلة التي حصلت عليها أمريكا من خلال أجهزتها الاستخباراتية تشير إلى أنّ العالم أصبح قاب قوسين أو أد نى من الهلاك نتيجة الخطر الناتج من ترسانة العراق لأسلحة الدمار الشامل . وتستمر اللعبة ، وتتصاعد الإحداث ، وتتسارع الخطى ، وتنشط المؤتمرات ، وتكثر اللقاءات ، ويزداد عدد الكواليس ، ويبدأ الدجاج بالبيض ، ويعلو صراخ الديكة .
والعراق هو الآخر يتحرك كما تتحرك الديدان داخل المياه الآسنة ، حيث لم يترك بابا ولا نافذة إلا وفتحها للسيد ( محمد ألبرادعي ) والمرافقين له ن ولم يبق للعراق شاردة ولا واردة من أوراقه ووثائقه إلا وقدمها للسيد ( هانس بليكس ) وفيلق التفتيش الذي بمعيته إلى الحد الذي سجّل فيه هذا التصرف العراقي أعلى درجات الخنوع والاستسلام ، وأعطى إشارة واضحة عن حالة الضعف التي وصل إليها النظام ، حيث لم يعد قادرا على مواجهة أي تصرف لأي عضو من فرق التفتيش التي قامت بتدمير كل ما ترغب في تدميره ، فدخلت القصور الرئاسية والوزارات ودوائر الأمن والجامعات ، ولم تسلم من عمليات التفتيش رياض الأطفال ودور المواطنين .
وبدلا من أن تقول لجان التفتيش كلمتها بوضوح ، بدأت هي الأخرى تأخذ أدوارا في المسلسل الأمريكي ، الذي وضع القضية برمتها وراء القانون ، وراحت أمريكا تتحدى القانون من أجل هزيمة صدام حسين .
لقد حملت السفيرة الأمريكية السابقة ( سوزان لنداو ) والتي عملت سفيرة سرّية بين الحكومة العراقية وإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش ، بشدّة على الأمم المتحدة واتهمتها بالقصور في معالجة الأزمة العراقية ، وإنها سمحت لنفسها بأن تقع ضحية للتلاعب والخداع الذي مارسته واشنطن معها ، وأعربت عن أسفها في رسالة أرسلت نسخا منها إلى جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي والدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن أسفها لرزوح الشعب العراقي أحد عشر عاما تحت وطأة عقوبات قاسية سببها ( كذبة كبرى ) لأسلحة الدمار الشامل العراقية .
وفي 9 / 4 / 2003 سقط نظام صدام حسين وسط ذهول الكثير من المحللين السياسيين ، والمتابعين لشؤون الحرب ، ودخلت القوات الأمريكية بغداد ، ودخل معها من دخل ، وأصبح العراق بأرضه وسمائه وترسانة أسلته المزعومة في قبضة قوات الاحتلال ، وبدأ صراخ التصريحات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل يخفت شيئا فشيئا ، وحلّت مكانه أصوات أخذت بالارتفاع ، منها بناء عراق ما بعد الحرب ، وجعل العراق الدولة النموذج في منطقة الشرق الأوسط ، إلى غيرها من التصريحات التي أريد منها التغطية على السؤال الخطير : أين أسلحة الدمار الشامل العراقية ؟ فالجميع يعرف أنّ الحرب قامت على أساس وجود هذه الأسلحة ، فإذا لم تـكن موجودة ، فمن يتحمـل مسؤولية هذه الحرب الـمدمّـرة ونـتائجها الخطيرة .
الجواب هنا تعرفه أمريكا قبل دخولها الحرب ، ومعها الكثير من الدول المتحالفة معها ، أمّا الدول الأخرى فقد بدأت تعرف الجواب بعد الحرب ، وبدأ العالم بأسره يدرك موضوع أسلحة الدمار الشامل العراقية ما هو إلا لعبة خدعت الكثير من دول العالم وأدخلتها في وضع لا يحسد عليه مع شعوبها .
ومع مرور الأيام أصبحت ترسانة العراق النووية والكيميائية والبيولوجية نكتة سياسية ضحكت فيها أمريكا على ذقون المغفلين ، وبدأ العالم يأخذ درسا بليغا منها ، باستثناء الحكام العرب الذين لم يتعودوا بعد من الاستفادة من مثل هذه الدروس .



#أحمد_الجنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنوع في الكتابة ( جاسم عاصي انموذجا )
- أنهار الخوف .. قصص قصيرة
- تداعيات البعد الواحد ... قصة قصيرة
- العلاقات العربية الأمريكية مسارات الرفض والقبول
- ليلة الزفاف الدامي
- لوحتان ( للعرض فقط )
- تراويح شيطانية
- زفاف في معبد وثني .......................... قصة قصيرة
- العصافير تموت جوعا في البيادر ............................. ...
- حقوق الانسان زيف الشعارات وفعل الهراوات
- عندما يغيب الصهيل .............. قصة قصيرة
- الهجرة الى البحر........منلوج قصصي
- حكايات عن عواصف الرعب .......... قصص قصيرة
- الحفاة ........ .. قصة قصيرة
- الارصفة تشرب الصراخ ................... قصة قصيرة


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أحمد الجنديل - العراق بين شرعية الاحتلال واحتلال الشرعية