عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2578 - 2009 / 3 / 7 - 10:13
المحور:
ملف 8 اذار/مارس يوم المراة العالمي- 2009-اهمية وتاثير التمثيل النسبي (الكوتا) في البرلمان ومراكز صنع القرار في تحقيق مساواة المراة في المجتمع
عندما نتمعن في النظم السياسية و الحضارات التي مرت عبر التاريخ ،و ما موجود اليوم على المعمورة ، و ندقق في فلسفاتها و مناهجها و ما تتصف بها من المضمون و المظهر العام ، و الطرق التي تسلكها و تعاملاتها مع المواطنين بشكل عام و المراة بشكل خاص ،فيما يخص حقوقهم و واجباتهم ، و نشددعلى تدقيقنا في موقفها حول المراة و دورها و مكانتها و ما موقف و نظرة السلطة اليها من حيث المبدا و العمل ،نجد الفروق الشاسعة بيت تلك الانظمة و الحضارات و فلسفتهم و ما يدعون مع الوضع الخاص للمراة في المراحل التي مروا بها في بقاع العالم .
اختلفت حياة المراة من عصر لاخر و من موقع و منطقة و بلد لاخر حسبما كان النظام السياسي الاقتصادي الثقافي الذي تمتع به ذلك العصر و الموقع ، من المراحل البدائية المشاعية مرورا بالفترات و العهود الاقطاعية و البرجوازية الى الراسمالية غير الناضجة ، و الاشتراكية المتمثلة في الاتحاد السوفيتي و من نحا نحوه . و لكن الفرق الشاسع كان من خلال فلسفة النظام اكثر مما كان على الواقع الذي عاشته المراة في ظل تلك المراحل التاريخية ، و كانت في كل مرحلة هناك جوانب اكثر سلبية من الاخرى فيما يخص المراة و مغايرة تماما لمرحلة تاريخية اخرى ، و هنا نتكلم فيما يعني المراة من الجوانب الاجتماعية بشكل خاص و ان كانت العلاقة الجدلية الصحيحة حقيقة واقعة بين فلسفة النظام و الوضع الاقتصادي و ماموجود على الارض من الوضع الاجتماعي و الظروف و المستوى الثقافي . و لا يمكن ان نتجاوز الاختلاف الواضح بين وضع المراة في الحضارات المختلفة من اليونانية و الرومانية القديمة الى الصينية و الفرعونية و بلاد مابين النهرين .و ما كانت لها من حقوق تختلف باختلاف العهود في الحضارة ذاتها ايضا ، فمثلا ، المراة في العهد الفرعوني رغم مبدا تعدد الزوجات كان لها الدور البارز ، و ينتسب الاولاد الى امها ،و انصفت الفرعونية حق البنت في اخذ حصتها من ارث ابيها ، هذا اضافة الى لعبهن الدور الملحوظ و البارز في السياسة و الادارة و الاعمال العامة ، و حتى تعدد الزوجات كان مشروطا بمن يتمكن من تحمل النفقات رغم تسميتهم المختلفة للزوجات و شرعيتهن ، و اعتمدوا على ان جميع الاولاد خلف شرعيين و لهم كافة الحقوق ، على الرغم من زواج في الاسرة الواحدة بين الاخوان و الاخوات . اما حضارة بلاد ما بين النهرين من عصور السومريين و الاكديين و الكلدانيين و الاشوريين و البابليين و الميديين ، فكان للمراة المام عام بالحياة ، و نظرا لاختلاف الاراضي التي بنيت فيها الحضارة من الجبلية الى السهول المتشعبة ، اختلفت ظروف المراة و معيشتها و وضعها من موقع لاخر ، الا انها عاشت فترات منفتحة حرة مقارنة بوجود الطبقات من الاحرار و المساكين و العبيد و الرقيق ، و هنا لابد ان نذكر انه كانت في هذه الحضارة الرقيق و العبيد و تباع معهم زوجاتهم و اطفالهم ، و لكن لم تشملهم الواجبات التي كانت مفروضة عليهم . و لكن القانون كان يحاسب المراة في هذه المرحلة وفق طبقاتهم ان اجرموا مع مراعاة طبقة الرجل المتهم و يختلف عقوباتهم من السيد و الشريف الى المسكين او الرقيق و العبيد ، و التي اثاره باقية لحد اليوم اجتماعيا و مترسب في العقلية الباطنة للشعب بلاد ما بين النهرين على الرغم من تقدم الحياة وتغيير القوانين . اما ما كان يميز حضارة بلاد ما بين النهرين هواعتمادها مبدا الزوجة الواحدة على خلاف الحضارة الفرعونية ، و كانت حقوق الزوجة متوفرة وفق تقاليد الزواج ، و الطلاق كان ممنوعا الا اذا كانت المراة عاقرا فيحق للرجل الزواج بالثانية شرط ان تختارها الزوجة الاولى .
اما ما يخص المراة في الحضارة اليونانية او الاغريقية و في جزيرة كريت و اليونان بذاتها ، كان للمراة الدور البارز في المجتمع ، مشاركة الرجل في الحياة العامة من كافة جوانبها بما كانت تختص به الحضارة في حينه ، و بما تتلائم مع تلك الفترة ، فهي تحضر الحفلات و المادب كما الرجل و تشارك في الخطب و المناقشات ، و تتفنن بالزينة و الملابس الملائمة بتلك الحضارة ، و تشارك بتقديم الذبيحة الدينية كطقس هام تنكب عليه كما الرجال ، و هو من الامور و الطقوس الدينية الاجتماعية التي يشارك فيه من له المكانة ، و شاركت المراة في الفنون و الجماليات و تنظيم و ترتيب القصورالمهمة الخاصة بالنظام ،و يخطن الرسوم الجميلة على جدرانها ، و الاهم من كل ذلك ان اهل جزيرة كريت في عصر الحضارة الاغريقية اعطوا مجالا واسعا للالهة النساء و و ضعوها على الاماكن المرتفعة ، و قدموا ليها من غلال الارض ، و اقاموا لها الاعياد الخاصة و احتفالات صاخبة من الالعاب و النشاطات الرياضية المتعددة ، و اشتهرت من النساء في الشعر و الادب في العصر الذهبي اليوناني كثيرات و الشاعرة صافو خير مثال على عظمة شعرها و مكانتها ، و التي جارت نتاجاتها و ابداعاتها الشعرية و الهامها كبار شعراء عصرها من امثال هوميروس و هزيودوس و باندوراس ، بل تفوقت عليهم . الم يتذكر المؤرخون و من يطلع في ثنايا الحضارة اليونانية ، ما ابدعته ايديهن من النحوت الانيقة و المزخرفة للاعمدة التي باقية لحد اليوم كصرح و معالم ، و كانت على هيئة تماثيل و نحوت للمراة . و هكذا للحضارات الاخرى التي اختلفت نظرتهم و تعاملاتهم و قوانينهم فيما يخص المراة و حياتها . اما في العالم المعاصر و منذ عصر النهضة و التقدم العلمي و تعدد الانظمة المختلفة و الفلسفات و المناهج ، نرى الاختلاف الواضح في موقع و مستوى المراة و تقدم شانها - و لكن و منذ انبثاق الديانات و ما فيها من الفلسفات و التوجهات حول المراة ، للاسف تراوحت الى حد كبير في مكانها – و ساعدت اليسارية و نظرتها الى الانسان بشكل عام في علو مكانة المراة و حفظ معالمها كفرد ضمن جماعة مصونة الحقوق . و كما تميزت الى حد ما في الحرية التي تتبناها النظام الليبرالي المتعدد الجوانب ما يشمل المراة على الرغم من الثغرات الكبيرة في الاعتماد على الفردية و وضعها المختلف عبر العصور ، و ترك شانها و ما يهمها على عاتقها ، و هي متاخرة لمسافات طويلة عن الرجل . و ساعدت نضالاتها و تضحياتها المتعددة بنفسها في تحقيق العديد من اهدافها و متطلباتها المختلفة الاوجه ، الا انها لاتزال في طور لا يمكن ان نعتبرها في مستوى طموح الفكر الانساني التقدمي . و هنا ان كنا نقيٌم وضع المراة على ما هي عليه ، و ان تعمقنا في الانظمة السياسية و الفلسفات و الافكار المعتمدة في العالم ، لابد ان نكون منصفين في تحديد مستوى نظرة اية فلسفة او نظام الى المراة ضمن الجماعة ، ومن يحفظ لها مساواتها و يؤمن قيمها و ليس تركها و شانها ضمن التعامل الفردي المعتمد و بحجة الحرية الفردية ما يجري لها . اذن اليسارية الواقعية المعتدلة التي تكافح من اجل ضمان الحرية و تامين العدالة الاجتماعية و المساواة المنشودة لابد ان لا تفرق بين الجنسين في الحقوق و الواجبات و ما لهما و ما عليهما . و هي التي توصل بالمراة و مكانتها الموضع المقصود ، و يعتمد تقدمها في المجالات كافة على مدى حيويتها و اندفاعاتها و ارادتها و نضالاتها بنفسها ، و عليها هي ان تاخذ بزمام الامور و تحصل على حقوقها ، و لا تنتظر الرجل ان يعطيها لها .
#عماد_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟