أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فضيلة يوسف - الولايات المتحدة والمأساة الأفغانية















المزيد.....


الولايات المتحدة والمأساة الأفغانية


فضيلة يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2569 - 2009 / 2 / 26 - 09:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


واحد من القرارات الصعبة الاولى للسياسة الخارجية لادارة اوباما سيكون ما ستفعله الولايات المتحدة أفغانستان. تصعيد الحرب ،كما شجّع مستشار الأمن القومي جيم جونز ، من المرجح أن تزيد الامور سوءاً. وفي الوقت نفسه ، فان التخلي عن هذا البلد ببساطة -- كما فعلت الولايات المتحدة بعد اطاحة الحكومة الشيوعية في أفغانستان بعد وقت قصير من انسحاب القوات السوفياتية قبل 20 عاما – سيؤدي إلى مجموعة أخرى من المشاكل الخطيرة. ما جعل مسؤولي الادارة الامريكية نفسها يعترفون ان عليهم اتخاذ قرار من خيارات صعبة ، علينا ان نفهم كيفية الوضع أفغانستان -- واستطراداً ، فإن الولايات المتحدة -- قد وجدت نفسها في هذه الحالة الصعبة: الفساد وضعف الحكومة المركزية ، وحركة طالبان ، وزيادة العنف والفوضى في المناطق الريفية.
يجهل الكثير من الاميركيين التاريخ في بلدان بعيدة تجد الولايات المتحدة نفسها فيها في حالة حرب. واحد وليس من الضروري معرفة الكثير عن أفغانستان الغنية والتاريخ القديم ، ولكن لنتعلم بعض الدروس الهامة المتعلقة بمأساوية فشل سياسة الولايات المتحدة تجاه هذا البلد خلال العقود الثلاثة الماضية.

غزا الاتحاد السوفياتي في كانون الأول / ديسمبر 1979 ، بعد أن انتفض الشعب الأفغاني مرتين على التوالي ، ضد الأنظمة الشيوعية التي استولت على السلطة في انقلاب عنيف في عامي 1978 و 1979. أدى القصف الجوي المدمر والعمليات المضادة إلى فرار أكثر من ستة ملايين افغاني الى المنفى ، ومعظمهم الى مخيمات للاجئين في باكستان المجاورة. وجدت الولايات المتحدة ، بمساعدة باكستان الاسلامية الديكتاتورية العسكرية ، حلفاء لها من بين أكثر الحركات الاسلامية تشددا حركات المقاومة ، وذلك على حساب بعض الأفغان المتنورين في مختلف المجالات ،وجوانب الحياة.

أرسلت الولايات المتحدة ما يزيد على 8 مليارات دولار للدكتاتور الباكستاني السابق ضياء محمد شهيد الحق ، الذي زاد من حجم دائرة الاستخبارات العسكرية للمساعدة في دعم المجاهدين الافغان في معركتهم ضد السوفيات ، وحكومتهم العميلة.وكان هدفهم وفقا لرئيسة الوزراء الباكستانية بنازير بوتو ، هو "زيادة تأثير التطرف الديني بين الفصائل داخل أفغانستان." ساعدت المخابرات الباكستانية في توجيه هذه الأموال الأميركية ، والمزيد من المليارات من الدول الغنية بالنفط والدول الحليفة لأمريكا ، من منطقة الخليج الى المتطرفين داخل حركة المقاومة الأفغانية.

زيادة التطرف في التعليم

لمست إدارة ريغان تشدد حركة المقاومة الافغانية ، وعدم رغبتها في التوصل الى تسويات عن طريق التفاوض ، ولكن الهدف كان شلّ الاتحاد السوفياتي ، وليس تحرير الشعب الأفغاني. ، مع الاعتراف بدور الإسلام القوي تاريخيا في المجتمع الأفغاني ، فقد حاولت الولايات المتحدة استغلال ذلك لتعزيز أهداف السياسة الأميركية. فتم التركيز على الدراسات الدينية والعسكرية أكثر من التعليم التقليدي في النظام المدرسي للاجئين الأفغان في باكستان. ارتفع عدد المدارس الدينية (المدارس) لتعليم الأفغان من 2500 في عام 1980 في بداية المقاومة الأفغانية إلى أكثر من 39000. وقد شجعت الولايات المتحدة توظيف السعودية للوهابيين في التدريس في المعاهد الدينيةللاجئين والانضمام الى المقاومة.

بينما قدمت الولايات المتحدةالمليارات للمساهمة في المجهود الحربي فقد كانت أقل سخاء في توفير تمويل التعليم وغيره من الاحتياجات الأساسية للاجئين ، فالمال القادم من مصادر خارجية قدّم لسعوديين وللمخابرات الباكستانية. باستثناءبعض محاولات المنظمات غير الحكومية مثل لجنة الإنقاذ الدولية لكن أياً من هذه المشاريع لم تكن قادرة على منافسة التمويل السخي للتعليم الديني والمنح الدراسية للمدارس الاسلامية في المملكة العربية السعودية وخارجها. ونتيجة لذلك ، كان التعليم المتاح هو التعليم الديني ، في المقام الأول من الوهابيين المتشددين .وسمح التمويل السخي للمؤسسات الدينية في زمن الحرب ان يكون التعليم مجاني ، مع توفير الملبس ، والطعام للفقراء والأطفال اللاجئين. من هذه المدارس جاء ال(طلاب) ، الذي عرفوا فيما بعد باسم حركة طالبان.

هذا لم يكن حادثا. فيبدو أن هذه السياسات بدأت عمدا بهذه الطريقة لجر الشبان الأفغان نحو التطرف والحرب ، وحتى يكونوا مستعدين تماما ليس فقط لخوض حرب التحرير ، ولكن لمحاربة الخصوم والمنافسين الأجانب على حساب دماء الأفغان ودمارهم .ان التطرف بين الشباب الافغاني الذين تحولوا في وقت لاحق الى حركة طالبان لم يكن مدعوماً من مصادر خارجيةفقط لكنه تلقى دعماً مباشراً من قبل حكومة الولايات المتحدة أيضاً ، وذلك من خلال الكتب المدرسية الصادرة عن الوكالة الامريكية للتنمية الدولية التي كانت بين يدي الأطفال اللاجئين من 1986 -1992 ، والتي صممت لتشجيع مثل هذا التشدد والعسكرة.

وكثيرا ما تم التضحية بالرياضيات وغيرها من المواضيع الأساسية تماما لصالح التربية الدينية والمذهبية.قال سردار غلام نبي المعلم في مدرسة ابتدائية في مخيم لللاجئين في بيشاور ، ان إدارة المدرسة قد منعته من تدريس التاريخ الأفغاني لأطفال اللاجئين الأفغان ، وجرى التركيز على الدراسات الدينية وليس غيرها من المواضيع.

هذا التركيز على التعليم الديني المتطرف على حساب المواد الأخرى في التعليم كان مثيراً للدهشة ، خاصة أن الأفغان مجتمع متدين محافظ ، ولم يكن يميل لقبول نوع من التعصب والأصولية والوهابية التي سادت الدراسات الاسلامية في المخيمات.

يبدو خلال الحروب الأفغانية أن لا أحد يهتم بقيمة حياة الأفغان. أصبح الأفغان موضوع صراع بين مختلف المذاهب المتنافسة والمتناحرةالأجنبية .ولم يهتم احد من الأجانب بآثار وتبعات سياساتهم على مستقبل أفغانستان. Milt Bearden رئيس مكتب وكالة المخابرات المركزية السابق في إسلام أباد ، باكستان خلال الحرب الأفغانية السوفياتية ، علق ان "الولايات المتحدة كانت تقاتل الروس حتى اخر افغاني". قالت Kolhatkar ، في كتابها" نزيف أفغانستان "" واشنطن ، أمراء الحرب ، والدعاية من خلال الصمت" : ان البعض في الولايات المتحدة رأى في الغزو السوفياتي لأفغانستان "هدية". مستشار الأمن القومي Zbigniew Brzezinski في حكم الرئيس السابق جيمي كارتر قال " ان الولايات المتحدة ساعدت على تحريض الاتحاد السوفيتي لغزو افغانستان بتسليح المجاهدين من قبل ، نحن لم ندفع الروس للغزو لكننا زدنا من احتمالات هذا الغزو. وعندما فعلت كتب لكارتر : "لدينا الفرصة الآن لإعطاء الاتحاد السوفييتي حرب فيتنام الخاصة به".

كتب البروفيسور حسن كاكار ، وهو مؤرخ افغاني مشهور عمل في السابق في جامعة كابول و يعيش الآن في المنفى في جامعة ولاية كاليفورنيا بعد أن قضى وقتا في السجون الافغانية خلال الحقبة الشيوعية ،في كتابه كيف أن المنافسة بين اليمين واليسار الأفغاني كانت في السابق تقتصر على المناقشات اللفظية ، مماثلة لتلك الخلافات الفكرية التي حدثت في الدوائر الثقافية في البلدان النامية الأخرى في أواخر فترة الحرب الباردة. ومع اجتياح القوات السوفياتية لأفغانستان ودعم الولايات المتحدة للمجاهدين ، اتخذت هذه الخلافات شكلاً مباشراً من الصراع المسلح، الصراع الذي تطور الى مواجهة مفتوحة تدعمها الدولتين والقوى الإقليمية الأخرى. وانقسمت أفغانستان الى مجموعات مختلفة الايديولوجية ، مما أدى إلى سفك الدماء والقتل والتدمير والمعاناة والكراهية بين الافغان.

ونشأ جيل كامل من الأطفال الأفغان لا يعرف في الحياة الا التفجيرات التي دمرت منازلهم ، وقتلت ذويهم ، واقتادتهم إلى اللجوء عبر الحدود. ونتيجة لذلك ، أصبح هذا الجيل لقمة سائغة للراغبين في زيادة الكراهية والقتال. هؤلاء الأطفال ، الذين وقعوا في شرك التنافس بين الأيديولوجيات المتطرفة من كل جانب ، تعلموا ان يقتلوا بعضهم البعض و ان يدمروا بلادهم لمصالح الآخرين.

تم تهميش معظم الأفغان الذين يمتلكون رؤية واضحة ورؤية استراتيجية من أنصار التطرف الأفغاني ،والمثقفين الأفغان الذين حافظوا على الطابع الأفغاني في مواجهة الايديولوجيات الخارجية ،تم في بعض الحالات ارسالهم الى المنفى القسري مثل البروفيسور Sayed Bahauddin Majrooh ، الكاتب والشاعر الافغاني. اما Aziz-ur-Rahman Ulfat ، صاحب كتاب "الألعاب السياسية "، الذي انتقد فيه سياسة الولايات المتحدة الداعمة لحركات المقاومة الأفغانية التي تستقر في باكستان. فكان من بين الكثيرين الذين تم اغتيالهم في إطار الجهود المبذولة لإسكات أصوات العقل والمنطق.

الحزب الإسلامي وهو عبارة عن مجموعة صغيرة نسبياً من بين الحركة المقاومة للسوفيات وحلفائهم الافغان ، تلقى ما لا يقل عن 80 ٪ من المساعدات الأمريكية. ووفقا للبروفيسور Barnett Rubin في شهادته امام مجلس النواب الاميركي ، "ان الميليشيات -- سيئة السمعة بقيادة قلب الدين حكمتيار – قامت بعمليات إرهابية ضد المثقفين في مخيمات اللاجئين في باكستان". ورغم كل هذا ، كما لاحظ Rubin " نظرت إليه كل من وكالة المخابرات المركزية الامريكية والمخابرات الباكستانية على انه أداة مفيدة لصياغة مستقبل آسيا الوسطى."

حرم اغتيال المثقفين الأفغان في مخيمات اللاجئين الشعب الأفغاني من العقول المستنيرة الحالمة التي تمثل الشخصية الأفغانية المتوازنة مقابل العقيدة الدينية والتقاليد الثقافية ، والتعليم الجديد في المخيمات. ما امتلكه ضحايا العنف المتطرف في الغالب كان معارضة التطرف ومعارضة خطف المقاومة الأفغانية ، لأغراض غير حق تقرير المصير للافغان. كانت المقاومة الأفغانية ضد السوفيات انتفاضة وطنية تشمل المثقفين والطلبة والمزارعين ، والبيروقراطيين ، وأصحاب المتاجر وكذلك كل شخص في البلاد من مختلف المجموعات العرقية. وكان الغرض تحرير بلادهم ، وليس تطرف وقهر مجتمعهم بالمتعصبين الدمويين.كان عند بعض القادة الميدانيين الأفغان رؤية واضحة ورؤية استراتيجية وضمير واتبعوا نهجاً مختلفاً جذريا عن القادة الافغان المدعومين من باكستان والمملكة العربية السعودية -- وبموافقة الولايات المتحدة -- تلك الدمى الاسلامية المتشددة التي حلت محل الدمى الشيوعية المتشددة.
عبدالحق
وكان من بين هؤلاء القادة المتنورين زعيم المقاومة الافغانية الأسطورة عبد الحق (تنويه : عبدالحق هو عم المشاركة في هذه المقالة). إنه يدرك أن الكفاح المشروع للأفغان من أجل الاستقلال وتقرير المصير يجري جرّه بتعمد نحو التطرف والتعصب لمصالح الآخرين. كتب في رسالة الى صحيفة نيويورك تايمز انه :



"بدأنا نضالنا بدعم وتصميم كامل من شعبنا الذي سيستمر في نضاله بغض النظر عن رغبات أو أوامر الآخرين. ونحن لا نريد أن نكون دمية في يد الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحادالسوفياتي. أود أن تكونوا معنا كأصدقاء ، أن لا تتعاملوا معنا كألعوبة في يدكم .ان نضال أمتنا من أجل بناء نظام يضمن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسلام. وهذا النظام لا يهدد أي دولة".
وانتقد عبدالحق الولايات المتحدة صراحة ودعمها لحلفائها المتطرفين في صفوف المقاومة من خلال الحكومة الباكستانية وحذر المسؤولين الامريكيين من العواقب الوخيمة لمثل هذا الدعم للتطرف في المجتمع الأفغاني من خلال تقديم الدعم للمتطرفين. وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز عام 1994 حذر من ان الارهابيين من جميع أنحاء العالم سيجدون مأوى في افغانستان التي تسودها الفوضى وبشكل متزايد أن أفغانستان "تتحول الى سموم وليس فقط للشعب الافغاني بل لجميع الدول الأخرى في العالم ، وربما يوما ما سيتعين على الأميركيين إرسال مئات الآلاف من القوات للتعامل معه. " مشيرا الى ان افغانستان كانت مقبرة لكل من البريطانيين والروس ، وأعرب عن مخاوفه من ان الجنود الاميركيين سيعودون في وقت قريب الى بلادهم في أكياس بسبب دعم واشنطن للمتطرفين خلال الحرب السوفياتية الافغانية خلال الثمانينيات ، وقد ترك عبد الحق البلاد في أعقاب الاطاحة بالحكومة الشيوعية في عام 1992.

الأولوية للمتطرفين

في مقابلة ضمن برنامج تلفزيوني وثائقي بعنوان "عودة طالبان" عام 2006، لاحظ مبعوث الولايات المتحدة الخاص الى افغانستان كيف أرادت قيادة الجيش الباكستاني
وضع "قلب الدين حكمتيار "وسبعين في المئة من الأسلحة الأمريكية القادمة إلى البلاد على قمة الحكم في كابول ، على الرغم من ان الغالبية العظمى من الأفغان -- وربما تجاوزت 90 في المئة – ترى فيه دمية في يد الباكستان ، ووصفته بأنه غير مقبول كما الدمى السوفياتية التي كانت تجلس في كابول خلال فترة الحكم الشيوعي.
كان حكمتيار مفيداً للغاية لباكستان ، ليس فقط لانه كان ضد الشيوعية بشكل متطرف ، ولكن أيضا لأنه -- على عكس معظم قادة المقاومة الذين لا تفضلهم واشنطن -- لم يكن وطني أفغاني ، وكان على استعداد لدعم جدول أعمال الجيش الباكستاني وقادة اجهزة الاستخبارات المتشددين.كان دعم باكستان للهيمنة الاسلامية المتشددة في جزء منه للحفاظ الطويل الأمد على النزاع الإقليمي مع افغانستان على مناطق البشتون . فالمتشددون الاسلاميون مثل حكمتيار وبرهان الدين رباني وحركة طالبان في وقت لاحق تتجه إلى التقليل من أهمية حدود الدولة لمصلحة توحيد الأمة الإسلامية مع (جماعة المؤمنين) أينما تكون -- في باكستان ، وأفغانستان ، وكشمير ، والشرق الأوسط ، أو آسيا الوسطى.

حذر العديد من مسؤولي وزارة الخارجية من دعم الولايات المتحدة لحكمتيار والحزب الإسلامي.قال جون كيلي مساعد وزيرة الخارجية الامريكية ان حكمتيار "هو الشخص الذي هاجم الولايات المتحدة بشدة بشأن عدد من القضايا... واعتقد انه هو الشخص الذي لا حاجة لنا لأن نثق به". ولكن ، حتى عندما نجحت وزارة الخارجية الامريكية رغم معارضة وكالة المخابرات المركزية في تقليص دعم الولايات المتحدة للحزب الإسلامي ،فإن حليفة الولايات المتحدة "المملكة العربية السعودية "زادت المساعدة له بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية ، وتم تجنيد الآلاف من المتطوعين العرب للانضمام الى الكفاح من بينهم رجل الأعمال السعودي الشاب المدعو أسامة بن لادن.

كتب الصحافي الشهير احمد رشيد في كتابه طالبان : العسكرة الاسلامية ، النفط ، والأصولية في وسط آسيا:
دعم وليم كيسي مدير وكالة الاستخبارات المركزية مبادرة المخابرات الباكستانية لتوظيف المسلمين المتطرفين من جميع أنحاء العالم للحضور الى باكستان والقتال مع المجاهدين الأفغان. وذلك منذ عام 1982 وحتى الآن. كانت الأسباب الداعية لدعم الفكرة متوفرة عند جميع اللاعبين الاخرين. هدف الرئيس الباكستاني ضياء الحق تعزيز الوحدة الاسلامية ، وتحويل باكستان إلى زعيمة العالم الاسلامي ، وتشجيع المعارضة الاسلامية في آسيا الوسطى، واشنطن تريد أن تثبت أن العالم الاسلامي كله يقاتل السوفيت جنبا إلى جنب مع الافغان والاميركيين المحسنين. ووجدت المملكة العربية السعودية فرصة لتعزيز الوهابية ، والتخلص من المتطرفين الساخطين ففي نهاية المطاف ستتحول الكراهية على انظمتهم والاميركيين ضد السوفييت .
بعد تدمير بلدهم بشكل كبير وتمزق النسيج الاجتماعي اضطر السوفيات أخيراً الى الانسحاب من افغانستان في عام 1989 وانهار النظام الشيوعي بعد ذلك بسنتين.

في حين أن الحزب الاسلامى وغيره من الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة و الحكومةالباكستانية لم تكن ممثلاً حقيقياً للشعب الأفغاني ، فإنها قد أصبحت بوضع أفضل نتيجة التسليح الخارجي. وأرادوا السلطة لأنفسهم ، و سرعان ما تحولت العاصمة كابول إلى أنقاض "ما تبقى من البنية التحتية التي نجت من الحرب السوفياتية الافغانية" دمرتها الحرب الاهلية التي لا معنى لها.

أصبحت أفغانستان دولة فاشلة في السنوات الثلاث التي أعقبت سقوط النظام الشيوعي ، قتل 25000 مدنيا على الاقل في كابول في القصف العشوائي الذي يقوم به الحزب الإسلامي وغيره من الفصائل. لم يسر عمل الحكومة بشكل جيد. اغلقت المؤسسات التعليمية ، من المدارس الابتدائية حتى الجامعات والمباني ، ولم ينج احد من أعمال العنف. فانضم أكثر المعلمين والطلبة مجدداً الى اللاجئين في الدول المجاورة. في الفوضى والمعاناة الناجمة عن مثل هذه الظروف ظهرت جماعة طالبان التي تدعمها باكستان واعدة بالاستقرار والنظام ، وكانوا محل ترحيب في أنحاء عديدة من البلاد.

مرة واحدة في السلطة ، حركة طالبان - التي تتألف من الطلاب من نفس اللاجئين والمؤسسات الدينية التي عززتها وشجعتها الولايات المتحدة وحلفائها -- أدخلت المجتمع الأفغاني في ظلام الاستبداد والأمية. لا قيمة للتربية العلمية الحديثة في التعليم. منعت الفتيات من الذهاب الى المدارس. وبفضل العرب المجندين أصلا في ذلك بدعم من الولايات المتحدة لمحاربة السوفيات ، تم تدمير التراث الثقافي الأفغاني ، وحاولوا تحويل أفغانستان إلى دولة ثيوقراطية متزمتة. وجد المتطرفون والمجرمون من جميع أنحاء العالم ملاذاً آمناً في أفغانستان ، ويرجع الفضل في ذلك إلى أخطاء صناع القرار في الولايات المتحدة الذي خلق ، وشجّع التعصب ضد الاتحاد السوفياتي.

في تشرين الأول / أكتوبر 2001 ، وفي مقابلة مع مجلة نيوزويك ، قال عبد الحق :
"لماذا العرب هنا؟ أحضرت الولايات المتحدة العرب الى باكستان وأفغانستان (خلال الحرب مع السوفييت). قدمت واشنطن لهم المال ، وقدمت لهم التدريب ، وخلق 10 أو 15 من الجماعات المقاتلةالمختلفة.عملت الولايات المتحدة وباكستان معاً. وحين انهار النظام الشيوعي ، ابتعد الأميركيون وحتى لم ينظفوا قذارتهم. هم احضروا هذه المشكلة الى أفغانستان".
بعد أسبوع واحد من هذه المقابلة ، عبد الحق -الذي كان معارضا لتدخل الولايات المتحدة في عام 2001 وأحد القلائل من الأفغان القادرين على توحيد البلاد تحت راية القومية الافغانية --قبضت عليه طالبان ، وأعدم في وقت لاحق. تجاهلت القوات الامريكية في المنطقة النداءات لتقديم المساعدة لانقاذه ورفاقه.
ولا يزال الأفغان يدفعون ثمن استمرار طالبان في تدمير أفغانستان من قواعدهم في باكستان. طالبان تقتل وتهدد الهيئات التدريسية والموظفين وتحرق المرافق التعليمية. جرائمهم الشنيعة تحرم الشباب في افغانستان من التعليم اللازم لاخراج البلاد من الوضع المأساوي الذي تمر فيه. وعلى الرغم من الأدلة القوية على الدعم المستمر لحركة طالبان من عناصر في المخابرات الباكستانية والجيش الباكستاني ، واصلت ادارة الرئيس جورج بوش ارسال اسلحة بمليارات الدولارات وتدعم باشكال مختلفة ديكتاتورية مشرف في باكستان.
الآثار المترتبة حتى اليوم
لعبت النتائج المترتبة على سياسة الولايات المتحدة تجاه أفغانستان خلال الثمانينيات و التسعينيات دوراً رئيساً في صعود طالبان واتخاذ القاعدة من افغانستان ملاذاً لاحقا. وأجبرت اعتداءات 11 ايلول الولايات المتحدة الدخول الى معركة في افغانستان للمرة الاولى وبصورة مباشرة، وما زالت القوات الامريكية تحارب حتى هذا اليوم قوات طالبان والحزب الإسلامي وحلفائهم.
ارتكبت الولايات المتحدة الكثير من الأخطاء خلال أكثر من ثماني سنوات من القتال ، ولكن واحداً من أخطرها هو تكرار الخطأ المأساوي ببناء تحالفات قصيرة الاجل بدلاً من تحالفات تقود الى الاستقرار على المدى الطويل. خلال الثمانينيات ، كانت الولايات المتحدة تركز على هزيمة السوفيات والشيوعيين في أفغانستان بالتحالف مع الاسلاميين المتطرفين وأدّى ذلك الى تدمير البلاد. وفي هذا العقد ، تحاول الولايات المتحدة هزيمة طالبان والقاعدة ببناء تحالفات مع تشكيلة من لوردات المخدرات والأفيون ومن اقطاب قادة الميليشيات ، وغيرهم من أقطاب العنف والفساد والتي أدّت الى مزيد من الدمار في افغانستان . لا يوجد حل سهل للوضع المأساوي في افغانستان . والمسألة ليست أنسب دور يمكن للولايات المتحدة ان تقوم به الآن بعد أن ساهمت كثيراً في هذه المأساة.

المهم الاعتراف بأن مصير أفغانستان ملك لشعب أفغانستان. وفي الواقع ، فإن المزيد من الجهود من جانب الولايات المتحدة للعب ضد فصيل واحد مقابل الآخر لتحقيق مكاسب سياسية مؤقتة لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة هذا البلد ولكن - كما أصبحنا ندرك على نحو مأساوي في صباح ايلولي قبل ثماني سنوات - يمكن في يوم من الايام أن يصل العنف الشواطئ الأمريكية.
مترجم -http://www.fpif.org/fpiftxt/5878




#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمير الظلام ينفي وجوده
- متى وكيف اخترع الشعب اليهودي؟
- تعليم العلوم والرياضيات من وجهة نظر النظرية البنائية
- تضمين القضايا الاجتماعية في تعليم العلوم
- تعليم العلوم بالاستقصاء العلمي
- تأثير الاختبارات على المناهج
- من يأخذ كمبيوتر فريدمان قبل ان يكتب جملة اخرى
- انت تقرر: مقاتلو الحرية إرهابيون أم ابطال
- حماس (حقيقة في الشرق الاوسط )
- إحباط فرص السلام (ما وراء حمام الدم في غزة )2
- إحباط فرص السلام (ما وراء حمام الدم في غزة)
- إذكاء جذوة الكراهية
- حماس بعد الحرب
- إبادة المتوحشين 3
- إبادة المتوحشين 2غزة 2009
- إبادة المتوحشين 1
- جنون العظمة (ابتسامة ليفني)
- عملية (رصاص لا يُعاقَب)
- غزة :أسئلو وأجوبة 3
- غزة :أسئلة وأجوبة 2


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فضيلة يوسف - الولايات المتحدة والمأساة الأفغانية