أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - باسنت موسى - في الوقت الضائع- للراحل توفيق الحكيم















المزيد.....

في الوقت الضائع- للراحل توفيق الحكيم


باسنت موسى

الحوار المتمدن-العدد: 2505 - 2008 / 12 / 24 - 05:18
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لحظات الضعف والمرض واحدة من أقسى الفترات التي نمر بها في حياتنا لكنها في ذات الوقت قد تكون محفز إبداعي لأعمق الأفكار، الكتاب محور عرضنا اليوم "في الوقت الضائع" للراحل توفيق الحكيم به عدد من الأفكار التي كتبها أثناء مرضه الأخير أو مرحلة الوقت الإضافي الضائع من حياته كما أطلق عليه هو حيث أنه كان يرى بلغة الكرة أن حياته في الشوط الأخير، وعلى الرغم من أن المنطق يملي عليه أن ينصرف ويغادر الملعب ليقضي وقته المتبقي في نوع من اللعب الذي يختلط فيه الجد بالهزل وينتهي بالإبتسام ليريح نفسه إلا أن القدر ومشيئة الله دفعا به أن ينتهج خطة أخرى لقضاء الوقت الأخير أو الضائع في حياته بين عالم الأفكار والكتابة وذلك عندما دعاه رئيس تحرير الأهرام في ذلك الوقت إبراهيم نافع للإستمرار في الكتابة.

يقول الحكيم أنه كان على صداقة شخصية مع عزرائيل منذ عام 1945 عندما ترك الخدمة في الحكومة وجلس كعاطل على مقهى "ريتز" حيث أنه كان يفكر في حياته ولا يرى لها معنى، ووقتها طلب الحكيم من عزرائيل أن ينهى حياته في أحد الأيام وكان ثلاثاء....وتخيله في شكل رجل بشري ودار بينهم حديث طويل إستخلص منه الحكيم أن عزرائيل ليس صاحب الصورة التي يرسمها لها الغرب كهيكل عظمي حامل لمنجل لحصد أرواح البشر.
فعزرائيل هو في الحقيقة صورة للموظف المجتهد المظلوم... هو العمل المتواصل الذي لا يعرف راحة... هو الجراب الذي يحمل بداخله ما يلقي فيه من لعنات البشر.
العلاقة بين الحكيم والموت كانت دوماً تحمل سر ما، فهي علاقة ممتدة منذ أن كان طفلاًًَ يصاب من حين لأخر بحمى تلزمه الفراش نحو ما يقرب من ثلاثة أيام عندما يقع بصره على جنازة مارة في الطريق، وعندما أدرك أهله هذا كانوا يحرصون على إبعاده عن مناظر الجنازات ولكن بقى سؤال في ذهنه عن ذكريات تلك الطفولة مع الموت وهو "ما هي العلاقة بين شيء خارجي كمنظر جنازة وإصابته السريعة بمرض داخل كالحمى؟ وعندما كبر وقرأ للشاعر "جوته" وجد إجابة في إحدى القصائد التي حكى فيها عن طفل تعلق فجأة بصدر أبيه ليحميه من صوت خفي يعرض عليه هدايا كثيرة ولعب وأزهار كي يذهب معه الطفل، وأعتقد الأب أن حديث طفله عبث أطفال ولم يهتم لكن ما إن بلغ الطفل عتبة البيت حتى فارق الحياة، وبتلك القصة يعتقد الحكيم أن ملك الموت لم يحاول إغرائه وإستدعاءه وهو طفل وإنما فقط إكتفى بأن يشعره بوجوده وهذا الإشعار كان وحده كافي لأن يقعده في الفراش محموماً عدة أيام.

الروح هي الشيء الثابت بإعتقاد الحكيم أما الجسد فهو المتغير، فالإنسان يتغير جسده بتغير مراحل العمر والأشجار تتغير أوراقها بتغير الفصول وحتى ملابس الإنسان تتغير أيضاً بتغير العمر والزمن لكن الروح غير ذلك لا يطالها تغيير مع الزمان أو المكان... الحال متشابه مع الحضارة فمظاهرها المادية تتغير تبعاً للظروف وتغير المكان والزمان لكن روح الحضارة كالشمس تطلق مشاعر وإحساسات قبل أن تظهر وسائلها المادية فهي الإحساس الذي يجعل من الإنسان إنساناً.
هناك مخاوف كانت تواجه الحكيم منها أن يحدث ويتغلب التلقين والحفظ في أمور الدين والدنيا على الفكر، بحيث يثقل الطلاب في المدارس بحفظ الآيات الدينية الطويلة الصعبة الفهم بالنسبة لحجم إدراكهم كصغار مما يؤتي بنتائج عكسية، وعلى رجال الدين أن يتسامحوا مع الأبحاث التي تتحدث عن الدين عن طريق العقل، فملكة العقل لا تنمو إلا بالتفكير الحر لذلك ليترك رجال الدين المفكرين يتحدثون كما يريدون فضجيجهم لن يصل خبره للقلب الذي يخفق رغماً عن كل هذا بالعقيدة.

"إذا أردت أن تكتب اليوم من جديد "عودة الروح" و"عصفور من الشرق" و"أهل الكهف"... كيف تكتبها؟ سؤال وجه للحكيم في باريس ويبدو عليه كما ظن هو أنه سطحي المحتوى لا يهدف سوى للتسلية والفكاهة لكن هذا الظن لم يستمر طويلاًًَ برأس الحكيم فعندما خلا لذاته وتأمل السؤال أجاب مؤكداً أن إفتراض أن يعود لشبابه مرة أخرى ليكتب تلك الروايات من جديد أمر صعب فربما لو عاد للشباب لما حمل القلم بالأساس بل وقد يلجأ لحياة الترف عن حياة الصرامة، خاصة وأن صرامة الفكر لطالما كانت متعبة ومجهدة له لكن ذلك الترف كان حتماً سيرفضه طبعه الذي ولد به ذلك الطبع الذي أهله لرسالة القلم.

سؤال العلم كما حدده الحكيم هو "كيف؟" أما سؤال الفلسفة فهو "لماذا؟" ففي العلم نسأل كيف نعيش؟ في حين أننا في الفلسفة نسأل "لماذا نعيش؟" وهذا السؤال "لماذا؟" يعد من خصائص الإنسان وحده وبغيره لا تقوم الإنسانية، فالحيوان حياته طعام وهواء وغاية الحياة سؤال لا يمكنه الإجابة عليه لقصور وجدانه والعلم هنا لا يمكنه أن يقدم إجابة للحيوان لعجز الآته ومعامل أبحاثه... ولهذا لابد للإنسان أن يشعل نور قلبه ويحرك عضلة عقله ليفتح له الطريق للدين والفن وكل مفردات العالم العلوي الذي لا يعرفه الحيوان ولو تحقق هذا ستكون الفلسفة مقترنة بذات الإنسان مما يجعلها تعيش مهما تقدم العلم لأن الإنسان طوال ما هو إنسان سوف يظل يسأل "لماذا؟".

"ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، ولكن إلى جانب طعام الفم لابد من طعام الوجدان" عبارة إستهل بها الحكيم الحديث عن "طعام الوجدان" موضحاً أن الإنسان في طفولته بعد أن يترك ثدي أمه يبدأ في الحبو مستخدماً يديه ورجليه ولكن ليس الطفل وحده هو الذي يلعب فصغار الحيوانات تلعب لمعرفة قدراتها العضلية لكن الطفل يفعل ذلك لكي يكتشف الأشياء من حوله، وهذا اللعب في الطفولة هو المنبع الأول للفن الذي يعرف على أنه نشاط ليس مقصده الأكل أو الشرب أو المنفعة المباشرة وإنما الإكتشاف للحياة عن طريق الوجدان.

الوجدان يبقي نائم حتى يهزه الجمال والتناسق في الخلق وهذا يفتح الباب أمام الإنسان للبحث في قوانين الوجود، ويمكن للأم أن تقدم لطفلها ما ينمي وجدانه من خلال عمل فني جميل، المدرسة كذلك يمكنها تنمية وجدان تلاميذها من خلال تزيين الجدران بلوحات جميلة، الدولة عندما تزين ميادينها وحدائقها بروائع فن النحت إنما تدفع بعيون شعبها لأن تتصل دوماً بالجمال مما يجعل المواطنين يحمون بلادهم من التخريب، والدول الغربية الراقية يغذي قادتها شعوبهم وجدانياً من خلال الآثار الفنية الضخمة والجميلة في كل مكان حتى محطات القطار، مما يدفع بتلك الشعوب للحرص على نظافة شوارعها وميادينها العامة وعدم السماح لأحد بأن يخدش هذا الجمال.



#باسنت_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكتئبات بدعوى الأمومة
- عرض كتاب أحاديث إلى الشباب للراحل سلامة موسى
- حوار مع بائعة متجولة
- حوار مع د. يحيى الجمل
- هل سبق وأن تعرضتِ لتحرش جنسي؟
- عمل المرأة وإحساس الرجل بذاته
- حوار مع . نادية عيلبوني
- التوائم مفاجأة سارة ومخيفة معاً للأم
- نساء وحيدات
- الدعوة الدينية هل أصبحت الطريق الأسرع للثروة؟
- حوار مع د.هالة مصطفى
- أحتاج إليك
- شاب يصر على التحرش بي
- حوار مع د. بسمة موسى
- علاقات خاصة
- حوار مع د. منى راداميس
- نقطة حوار تناقش مجدداً أزمة الرسوم الدنمركية
- وثيقة وزراء الإعلام العرب برأي أهل الصحافة
- تعاطف عائلي مع حالتي
- لؤلوة وأنطوانيت تجارب نسائية من العراق


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - باسنت موسى - في الوقت الضائع- للراحل توفيق الحكيم