مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2498 - 2008 / 12 / 17 - 10:43
المحور:
الادب والفن
إهداء
إلى والدي العزيز الذي لم أودعه الوداع الأخير ..
دمعة
ووردة
وزهرة غربة
للوجه
الذي أعطاني غلال محبة .. ودلال .. واحترام شخصيتي ورأيي
أعطاني دفء القلب .. واللسان
جناح وسند .. ورمز كان لي
في الحنان وكرم اليدين .. والشجاعة والصبر .. والقدرة على تحمل الصعاب
والتضحية في سبيل الاّخرين
أقدم كتابي هذا , عربون ذكرى لروحه الطاهرة .... مريم ... 1994
........
شمسنا مشرقية
سماؤنا صافية
ذرانا عالية ..
وسفوح جبالنا وعرة ..
طموحاتنا مترامية .. استراتيجية .. عديدة .. كثيرة .. ومتنوعة
حدائقنا فاتنة .. زاخرة .. جميلة
بكل أنواع الورود والنباتات والأعشاب والمشاتل
وأشجار الغابات .
تجولت معظم أرجاء المعمورة , التقيت بالناس
عشقت الأرض .. والتراب
وكان لي في كل مكان محطة , وكلمة , نصيحة , وملاحظة , مشاركة , ومدرسة
وحديقة .
أيضاً ... كان لي في كل مكان صورة وذكرى وتجربة , مرَة وحلوة , سجن ومنفى ,
دمعة وابتسامة , فرح وحزن
مهرجانات , مؤتمرات , وحدة وتضامن وتعارف
لقاء , ووداع , سلبيات .. وإيجابيات .
هكذا الحياة الحقيقية , تعاش بجدارة وحب وتفاعل وتضحية وعطاء .
هكذا الأرض ... تحفر باليد و المعول , والفكر , والصبر.
نسقيها العرق ونعطيها الجهد والدم , لأننا أحببناها بصدق وعمق
وشرف ونقاء ..
لم نحكم ولم نقتل , لم نشنق ولم نكسّر , لم نحقد ولم نتاّمر
لم نعتقل ولم نسجن , لم نهجَر ولم ننفٍ , لم نحاصر ولم نهدّم ولم نضطهد أحداً ..
لم نخن .. ولم نخاف في يوم من الأيام
لأننا لم نتاجر بالأكفان , والإنسان
لم نتاجر باللحم والدم , بالقلم , والعلم ..
أينما مكثنا وجلسنا وسكنَا , كنت أحوَل الجو من حولي من جماد إلى حياة , مفعمة بالحركة والحيوية والنشاط .
من التخلف والجهل إلى علم ومعرفة , و من الفوضى إلى نظام وترتيب ونظافة
والإنسان إلى محبة وإيمان .. إلى كائن إنساني بشري حقيقي يطمح دوماً للتطور والتجدد والتغيير ليبني الخير والجمال والحق واحترام الإنسان الاّخر , الرأي الاّخر في جو ومناخ من السلام والديمقراطية .
إن الإنسان يقوى بأخيه الإنسان ولا يضعف أبداً مهما كان لونه وانتماءه ومعتقداته وطموحاته .
الإنسان أخ للإنسان وليس عدواً له . فالإنسان يثري ويغتني ويتطوَر ويتقدم في كل النواحي والأوجه حينما يعيش التنوع والإختلاف والتعدد , يجادل , يناقش , يحاور
لينتج التفاعل والمرونة والإطلاع والإنفتاح والتعايش والعطاء الخصب .
...... ولما كان إيماني بالإنسان كبيراً , وحبي له ليس له حدود , أخذت أعمل , وأتعلم , وأعلم , وأربي , وأزرع بنشاط وهمة وفرح .. وبكثافة ..
أخلاقاً .. وتربية .. وحباً وخيراً .
حاولت بكل جهدي وإرادتي وعنادي أن أدخل الموسيقى في جسد الحياة الإنسانية ليصبح إيقاع نبض العطاء والتجارب نسيجاً فنياً راقياً .. وحضارياً .. خالياً من كل شوائب العصر الهمجية , وبصماته الفاشية .. " ولوحاته الدموية " ..!؟
لقد مشيت بعيداً بعيداً عن ملعبي .. ومدرستي .. وبلدتي
عن مدينتي .. وعاصمتي .. ووطني .
تخطيت دائرتي الإجتماعية والسياسية والإقتصادية إلى ما هو أبعد من الأفق المحلي .
سافرت معي دمعة , أينما ارتحلت في هذه المسيرة الطويلة .. والمتشعبة والمعقدة باّن . كانت هذه الدمعة تنام معي وترافقني كنسمة الهواء , وقطرة الماء , وشعاع الضوء , كان لا بد لها أن تسقط هنا وهناك .. طالما تعدّت دائرة العين .. ومحيطها .
أبت هذه الدموع الحارّة النابعة من مخزن القلب أن تسقط وتتلاشى في الأثير ,أو على ذرات التراب دون أن تترك أثراً , ربما ستقول على الأقل : لماذا ..؟؟ وأين ؟ ومتى ؟ وكيف سقطت ... " بنفسجات الروح " .. ..؟؟
كان لا بد للعقل والفكرو الحس الرهيف أن يسجّل .. " رثاء " الدمعة المالحة المحرقة .... , رفيقته في الإنتماء والغناء والدماء .... تركته وسافرت في جوف الأرض لتنبت حبة , ونبتة , وكلمة , أو تورق خواطراً , وصلاة , ونشيداً .. ورسائلاً , رسمت مكانها لوحة وسهماً يؤشر لعلامات فارقة , ومنحنيات قوية , ومنعطفات خطرة , أو قمماً شامخة شاهقة , في سطح المكان والزمان التي مرّت في شرايينه ولم يعلم بها أحد ..!؟
.......
ها هي الحبات وحدها تتكلم , فلنصغٍ لنبضها .. وأناشيدها ..
حقاً لقد كانت هذه الكلمات التي نثرتها هنا وهناك , وهذه التجارب الغنية التي حصدتها , وهذا التفاعل الحي المعمَق في الجذور, وعلى السطح , كانت نور شمس أضاءت دربي ومشواري , ونمّت شخصيتي , وصقلت وأنضجت وبلورت أفكاري ..
كان لابد لي من أن أجمع هذه الحبات التي تناثرت وسقطت هنا وهناك في سهول الأرض وشعابها وأوديتها وتلالها وصحاريها وواحاتها , مع ينابيعها , وجداولها وأنهارها واّبارها .. ( حدودها ) و ( مطاراتها ) و ( موانئها ) ..
في مدنها , عواصمها , قراها , ريفها , أكواخها وخيامها ومخيماتها ..
في كل شبر من ثرى الأديم الطاهر الذي أعطانا الحياة ورونقها وأهميتها وقداستها .. وعطرها .
.... وفعلاً .... , لقد أخذت ألملمها في سلتي , أزهاراً وأعشاباً , نباتاً وحبوباً وثماراً ... وربما أيضاً أشواكاً مفيدة أحياناً , فيها شفاء الكثير من أمراضنا ..
كان لا بد لهذا المعدن البشري أن يمر عبر مراحل عديدة من نار الصهر والتذويب والطرق , في تجارب وخبرات لا تحصى متنوعة وقاسية ..
فكانت هذه " العصارة الشخصية ) , مؤكدة جوهر ونوعية هذا المعدن ومدى احتماله ومقاومته وليونته , محتفظاً بخصائصه الإنسانية القوية والثمينة تبعاً لظروف التحدي والديبلوماسية .. والتهادن .
أجل ... لقد نثرت هنا وهناك دماً أحمراً من لون القلب –
من لون الثورة .. وورود الحب .. والشهداء .... هرب مني دون علمي أو , بعلمي لا فرق , أبى إلا أن يزور القارات الخمس , لينثر فوقها شتلات الوجع الإنساني , ليزهر براعماُ للفرح والأعياد .. والأجراس .. والأمل .
براعماُ للحقيقة .. والحرية ..
لنجمعه بيلساناً .. وقمحاً .. ونخيلاً .. وبرتقالاً.. وعباد الشمس
غاراً وزيتوناً .. وخمراً
في سلامنا الحقيقي .. سلامنا العادل الذي نبغيه .. ! من مؤلفي : حبات متناثرة / بيروت / 1993
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟