مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2415 - 2008 / 9 / 25 - 10:10
المحور:
سيرة ذاتية
باريس مدينة السير على الأقدام , باريس بلد المتعبين .. والمسحوقين .
الناس الذين ينتقلون تحت الأرض , أكثر من اللذين فوق الأرض , هؤلاء الناس ( التحت ) يدفعون الضريبة عن الذين يتمتعون بالشمس والهواء النظيف والمناظر الجميلة والفضاءات المفتوحة على جمال الأبنية التاريخية " التحفة " وشوارعها العريضة المزدحمة بكل ما يلفت النظر ويبهج القلب , يدفعون ضريبة التعب وإرهاق النزول والصعود على السلالم والسير لمسافات طويلة ليأخذوا المترو - حتى يخففوا الإزدحام على راكبي السيارات الخاصة والحافلات العمومية فوق الأرض .... هكذا المدنية دائما تطحن أناس وترفه أناس ..!؟
- باريس مدينة المتعبين والكادحين المطحونين بالعمل والأثقال والأحمال وساعات العمل الطويلة - وجرَ الحقائب على أدراج المترو الفاقدة للمصاعد الكهربائية - معظمها - !؟.
المرأة في باريس إنسانة متعبة مسحوقة بالعمل والركض وراء لقمة العيش وإثبات الشخصية والإعتماد على النفس – تركض باستمرار , تحمل باستمرار علامات التعب على وجهها ويديها وكل ما يشكل شخصيتها .. .. هذه هي باريس من جانب , هكذا قرأتها وأقرأها كلما زرت مدينة باريس ..
.....
باريس .. عاصمة الرأسمالية العالمية , والفنانين .. والبرجوازيين .. والمليونيرية والأغنياء
عاصمة عرب النفط والمال والعطور والسيارات والفنادق والسياحة و " محلات الماركات " .
باريس عاصمة الموضة والصرعات الجديدة , ومتاحق الأنتيكا , عاصمة العطر ,, والملاهي الليلية .
عاصمة الفن والفنانين والتجديد ..وكل شئ جديد
باريس عاصمة الغلاء .. والبؤساء أيضاً ... إنسانها مضغوط دوماً وعلامات الحزن والعصبية والقلق ( سترس ) على وجهه .
مثلنا العربي أو الشعبي يقول عندما يكون سعر البضائع مرتفعاً نتعجب ونقول : ( شو نحن جايين من باريس ) !؟ - تمركز الرأسمال الأوربي والعالمي , إلى جانب جشع وطمع الرأسمالي فيها -
أيضا .. وأيضاً باريس مدينة الفقير .. والعامل .. واللاجئ .. والمهاجر .. والمبعد .. والمشرَد , والضواحي الفقيرة المهملة من التنظيم والمتابعة والعناية , والمعارضات السياسية من كل أنحاء العالم المبتلي بأنظمة الإستبداد والديكتاتورية والحروب ..
باريس , هي ....... رصيف واستراحة للغريب العامل العاطل عن العمل يبحث عن مأوى وزجاجة خمر , أو بيرة , ورغيف خبز , يضع صحناً أمامه وورقة مكتوب عليها ( مرسي , شكراً ) !!
...... مدينة الثقافة والعلم والفن الحديث ومدارسه القديمة والحديثة هي مدينة باريس .. .. مدينة المتاحف والكنائس , المكتبات والمعارض والمؤتمرات المحلية والعالمية ... مدينة النور والأضواء والسهر والمقاهي الشعبية ( التريتوار – تراس – الرصيف ) , بين كل مقهى ومقهى هناك مقهى .. الكل يعمل والكل ( VOL ) ..
باريس عاصمة الورود والحدائق العامة الجميلة الرائعة .. مدينة الموسيقى والأوبرا ودور السينما والمهرجانات والحفلات والأمسيات الشعرية والفنية والثقافية .. مدينة الحوار واللقاءات والتحرر والديمقراطية ..
باريس مدينة الصحف والمجلات والكتاب والمعهد العربي الكبير .. مدينة الصروح والتماثيل .. والشوارع العريضة ومقبرة العظماء وساحة الباستيل والشانزليزيه ..
لقد مر فيها , وعاش رواد الإشتراكية الأوائل .. ك ( كارل ماركس - تشوإن لاي – وتشوده – هوشي مينه – والكثير الكثير من قادة الأحزاب اليسارية والشيوعية والوطنية والشعراء والكتاب في العالم .......... وهذا فخر لك يا باريس همزة الوصل بين الغرب والشرق كنت وستبقي , وهذا قدرك وموقعك الجغرافي والتاريخي والحضاري , وقدرة الفكر الإنساني الحي الديمقراطي أن يبعث السحر والإشعاع أينما ولد ونمى وأثمر تحولات وانتفاضات وثورات تغير وجه العالم .
باريس عاصمة عريقة ومدينة عالمية بامتياز . باريس بالنسبة لأوربا , كبيروت بالنسبة للوطن العربي والمنطقة الشرق أوسطية .
باريس هي كل هذا التشكيل والصور الجميلة , والتناقضات والمحتوى المتنوع المختلف المتشكل المنصهر في بوتقة الثقافة الفرنسية وبقية ثقافات ولغات العالم , مع الديمقراطية والمبادرات الفردية الحرة .
باريس تمثال جان دارك ولافاييت وبرج إيفل والمسلة المصرية وساحة الكونكورد .. ومتحف العظماء إميل زولا جان جاك روسَو فولتير مونتسكيو فيكتور هيغو.. ووووو ...
.........
زرتها لأول مرة منذ نهاية السبعينيات القرن الماضي , سافرت إليها وسكنت فيها عدة مرات أيام وشهور برفقة الأبناء ..
مشيت أكثر شوارعها وأحياؤها وتعرفت على معالمها , واكتشفت سحر جاذبيتها , وأسرار تجددها وفرادتها وجمالها على مر الحقب التاريخية ..
بكيت في شوارعها شوق الوطن ورائحة دمشق , قرأت وكتبت على مقاعدها الخشبية المنتشرة في كافة الطرقات والشوارع والحدائق والأماكن العامة ....... هي هي باريس صومعة للمثقف والأديب والشاعر والكاتب .. والرسَام .. ولكل مبدع بحاجة إلى أجواء للكتابة والتعبير والعطاء والإنتاج عما يجول في الخواطر والخيالات ..
وفي نفس الوقت , باريس مخيفة , ,!؟ إذا الإنسان لم يثبت فيها شخصيته و أقدامه بالعمل والسهر والإنتاج بجدارة واستقامة وجهد ووعي وانتباه عالي المستوى , فإنه يضيع في متاهاتها المظلمة .. وتدوسه عجلاتها ذات الإيقاع السريع والصاخب ..
أخذت وتعلمت من مدينة باريس الفرنسية " العالمية , الأممية " الكثير الكثير , اللغة وحب القراءة والجو الثقافي الضاج بالحركة والناس والسياح والتسلية والجدية وحب الجريدة والوردة اليومية .. كالخبز الفرنسي الطازج اللذيذ ..
باريس مخزون حضاري لا ينضب ..
باريس مدينة ( فريش ) طازجة جديدة يوميا .. كل يوم في باريس جديدة تعشق التطور والتحديث والجمال والقهوة الصباحية على أرصفتها النظيفة .. لإستقبال ملايين السياح والزوَار يوميا .. سلام وتحية لك يا باريس مدينة النور والعلم والثقافات .. وإلى لقاء جديد معك على ضفاف السين وموسيقى الشعوب ...
.........
الثقافة , والإعلام الحر , هما نبض الشعوب و علامة عن حيوية تطور البلاد . من يسيطر على الثقافة والإعلام اليوم .. يسيطر على الساحة .. ... الإعلام ثم الإعلام .. ثم الإعلام هو سلاح العصر ..
لا تغيري وجهك يا باريس وجه العدالة والحرية والديمقراطية .. ومساعدة الشعوب للتحرر والتقدم الفكري ..
لا تهملي الإعلام لخدمة الإنسان وحقوق الشعوب كما كان في بداية القرن العشرين .. فوسائل إعلامك الضعيفة الهزيلة اليوم – وخاصة البرامج التلفزيونية لا تجديد ولا تطوير فيها لا في الشكل ولا في المضمون - لايتناسب مع تاريخك وموقعك الحضاري ومع رسالة الإعلام الحر والديمقراطي . ولاينقل واقع المجتمع الفرنسي الحقيقي ولا واقع شعوب العالم وأنظمة الإستبداد فيها .. وبهذا أصبحت لاتجاري العصر بل متخلفة عن الكثير من إعلام الدول الغربية والعربية .. هذا ما لاحظته وشاهدته وأشاهده باستمرار .. إن الثقافة والإعلام الذي لايخدم الحقيقة والواقع وينقله إلى ميدان التغيير والتطوير لخدمة الإنسان يبقى غريبأ عن أحلام الشعوب في غد أفضل
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟