أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني والسياسي (18) ؟

سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 2495 - 2008 / 12 / 14 - 10:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

لا جَرَم أن حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح لم يتشكلا كإطارين إلا بغرض ـ كما تبين أدبيات الحركة ــ إقامة الدين على مستوى الفرد والمجتمع والدولة . وتقصد الحركة بإقامة الدين على مستوى المجتمع ــ وفق ميثاقها ــ ( إقامة الدين على مستوى المجتمع يعني أن تنضبط هذه المؤسسات (= المنزل والمدرسة والجامعة والمستشفى والسينما والسوق والمسرح والمسجد والشارع والمقهى والنادي والفندق والحديقة والمتجر والإدارة والمزرعة والمصنع والطريق والسجن وغيرها ) أن تنضبط هذه المؤسسات بأحكام الإسلام وأن يكون من فيها ملتزمين بأحكام الإسلام في أنفسهم وعلاقاتهم ومعاملاتهم ) . أما إقامة الدين على مستوى الدولة ، فإن ميثاق الحركة ينص على التالي ( وإذا اعتبرنا الدولة هي مجموع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، والنظم الأساسية للمجتمع ومن أهمها في بلدنا (الدستور ) ، ويضاف إلى ذلك المؤسسات والإدارات التي تمارس من خلالها تلك السلطات أو تطبق تلك النظم فإقامة الدين على هذا المستوى تعني أن تكون هذه السلطات والنظم والمؤسسات صادرة عن الإسلام وملتزمة به ، وأن تكون السياسات العامة للدولة متفقة مع مبادئ الإسلام ومقاصده ) . إذن بهذه الإستراتيجية التي تأخذ بعدين : سياسي يتولاه حزب العدالة والتنمية عبر المشاركة في المؤسسات بما فيها التشريعية والتنفيذية ، ومن ثم العمل على تطبيق الدين على مستوى الدولة وفق ما ينص عليه ميثاق الحركة ، ثم البعد الدعوي الذي تتولاه حركة التوحيد والإصلاح عبر تأسيس شبكة من الجمعيات ( دور القرآن ، جمعيات ثقافية ورياضية وخيرية ، ووداديات سكنية وغيرها ) والانخراط في مؤسسات قائمة ، ومن ثم العمل على التأثير فيها ومن خلالها ( المجالس العلمية ، هيئات العدول ، الرابطة المحمدية ، خريجي المؤسسات ومدرسي مادة التربية الإسلامية وغيرها ) ، فضلا عن الاشتغال من خلال هيئات الأطباء والمحامين والمهندسين وعدد من الإطارات النقابية . إنها إستراتيجية متكاملة الأبعاد والأهداف . ولا يختلف حزب العدالة والتنمية عن الحركة فيما يتعلق ببنود هذه الإستراتيجية ومراميها . إذن الأهداف واضحة والخطط مرسومة بينما التكتيكات تخضع للتغيير تبعا لما تقتضيه كل ظرفية ولما تتيحه من ربحية واكتساب لعناصر قوة جديدة . وفي هذا الإطار يأتي اعتماد تكتيك التحالف في بعديه :
ـ البعد الحزبي : وذلك بالسعي إلى تشكيل تحالف سياسي /حزبي مع الاتحاد الاشتراكي واستغلال حالة الغضب التي يشعر بها هذا التنظيم إثر الخيبات التي جناها من مشاركته في الحكومة والتي ألقت به في المرتبة الخامسة بعد أن كان يحتل الصدارة ، فضلا عن الخيبة التي تجرعها من المشاركة في حكومة التناوب التوافقي التي كان هو المفاوض الرئيسي بشأنها مع الملك الراحل الحسن الثاني . إن الوضعية التنظيمية والسياسية التي يوجد عليها حزب الاتحاد الاشتراكي جعلته يرفع شعارات سياسية تنذر بتغيير المواقف والمواقع نحو المعارضة ، ومن ثم ممارسة الضغط على النظام لتقديم تنازلات أكبر لصالح الحزب . وباعتبار حزب العدالة والتنمية ينشد المشاركة في الحكومة كمدخل من مداخل تطبيق الدين على مستوى الدولة ، فإنه يريد ممارسة مزيد من الضغط على النظام حتى لا تضيع منه فرصة التشريع من داخل البرلمان وفرصة التنفيذ من خلال الحكومة . طبعا لن يتأتى له هذا إلا إن حصل على أغلبية في البرلمان إما تصويتا أو تحالفا . وحتى يؤمن الطريق إلى الأغلبية فالحكومة ، اعتقد بضرورة الإسراع بالعمل على قطع الطريق على خصم مفاجئ ، هو حزب الصالة والمعاصرة الذي يسميه الاتحاد الاشتراكي بـ"الوافد الجديد" . وكلا الحزبان ــ العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي ــ يوحد بينهما الموقف العدائي من حزب الأصالة والمعاصرة الذي جاء بشعارات لم يألفها الحزبان معا ، وبإستراتيجية مغايرة لما درجت عليها كل الأحزاب ، ألا وهي إستراتيجية تشكيل قطب سياسي قوي يدعم مشاريع الإصلاح والتغيير التي يضعها الملك ويقودها . لهذا فعملية دمج الأحزاب والفرق النيابية وتقوية هياكل التنظيم الجديد فضلا عما يتمتع به السيد فؤاد عالي الهمة من حظوة لدى الملك ، من شأن كل هذا وغيره أن يثير التوجس في الحزبين الغريمين ــ الاتحاد والعدالة ــ ويجعلهما في أمس الحاجة إلى التنسيق لتقوية موقفها . وقاعدة عدو عدوي حليفي ستزيد من تقارب الحزبين ما لم تصدر إشارات قوية من الملك ، ترفع بعض الغبن عن الاتحاد وترمي ظمأه ببعض الامتيازات ، على اعتبار أن مشكلة الاتحاد الآن هي مع المناصب وليس مع المواقف . وما يرفعه من شعارات أو ما يهدد به من مواقف إن هو إلا ردة فعل أو مزايدة بغرض تحسين مكاسبه . أما حزب العدالة والتنمية لا تهمه أساسا وضعية الاتحاد بقدر ما يهمه موقفه الغاضب حتى يضيفه إلى حلقات الطوق التي يقيمها حول النظام . علما أن شعار الاتحاد ومطلبه في "الملكية البرلمانية" يخدم بشكل مباشر وفعال أهداف حزب العدالة والتنمية ،سواء من حيث كون المطلب جاء من الاتحاد وليس من العدالة والتنمية رغم تجاوبه معه . فيكون العدالة والتنمية كمن يأكل الشوك بفم الاتحاد . أو من حيث كون الملكية البرلمانية تعطي صلاحيات أكبر وأوسع للبرلمان وللحكومة وللوزير الأول . ومادام حزب العدالة والتنمية يطمح إلى الحصول على الأغلبية فهي فرصة له لقيادة حكومة بصلاحيات واسعة . وبالتالي فتح الطريق دستوريا وديمقراطيا أمام توجهات حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية لأسلمة القوانين وتطبيق الدين على مستوى الدولة والمؤسسات . وبذلك تلتقي حلقات الطوق السياسي/الحزبي مع حلقات الطوق الدعوي . للحديث بقية .

#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات