هل الأزمة الرأسمالية العالمية الراهنة مؤشر على حتمية انهيار النظام الرأسمالي؟.....5

محمد الحنفي

الحوار المتمدن-العدد: 2489 - 2008 / 12 / 8 - 08:20
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

حتمية انهيار النظام الرأسمالي لا بد أن تأتي مقرونة بحتمية قيام نظام اشتراكي:

والحديث عن الحتمية لا يعني علميا، إلا أفول الظاهرة القائمة، ودخولها في ذمة التاريخ، وصعود ظاهرة بديلة تقوم على أنقاضها، في تفاعل عميق مع الواقع في تجلياته المختلفة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، من أجل إعادة صياغة قيمها المادية، والمعنوية، حتى تصير مجسدة للظاهرة البديلة، لتقطع بذلك الطريق أمام إمكانية عودة الظاهرة الآفلة.

وما قلناه في هذه الخلاصة المركزة ليس عبثا، بقدر ما هو واقع علمي مستمد من واقع مختلف الظواهر الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي عرفتها البشرية في تاريخها العميق. هذا التاريخ الذي سجل مرور المجتمعات البشرية من مجموعة من المراحل التي استنفذت مهامها التاريخية، لتدخل في ذمة التاريخ، نظرا لارتباطها بشروط موضوعية: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، متحولة باستمرار. وهذا التحول لا يعني إلا تغيير الشروط القائمة بشروط أكثر تطورا. وهو ما يقتضي تغيير طبيعة الإفراز الناتج عن الشروط الجديدة.

والنظام الرأسمالي، كظاهرة عالمية، لا زال لم يستنفذ مهامه بعد، ولا زال قادرا على التجدد، تبعا لما يحصل في الشروط الموضوعية القائمة في الواقع، وأكثر من هذا، فهو لازال يملك القدرة على التدخل، وبكل الوسائل الممكنة، من أجل صياغة الشروط الموضوعية التي تضمن استمراره، في ظل غياب تفعيل النقيض المتمثل في الحركة الجماهيرية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، وفي ظل غياب ممارسة ديمقراطية حقيقية، تمكن الشعوب من تقرير مصيرها بنفسها.

ولذلك، فالقول بحتمية انهيار النظام الرأسمالي، في ظل غياب قيام شروط فارزة للبديل، هو قول يفتقر إلى العلمية، وهو ما يعني أن انهيار النظام المالي البنكي في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي معظم البلدان الرأسمالية، ما هو إلا زلة وقع فيها هذا النظام، وهذه الزلة لا بد أن تدفعه إلى إعادة النظر في ممارسته التي تحولت إلى ممارسة همجية، في ظل عولمة اقتصاد السوق، التي صارت تستهدف مجمل المقومات الإنسانية، وفي معظم المجتمعات البشرية، التي تحولت إلى مجرد مجتمعات محكومة بسلطة استبداد عولمة اقتصاد السوق الرأسمالية، التي لا تسعى إلا إلى المزيد من إحداث تراكم رأسمالي، حتى وإن كان ذلك عن طريق المضاربات، والاحتكارات الكبرى، أو عن طريق النهب اللا محدود، من قبل ذوي النفوذ الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، الأمر الذي ترتب عنه الانهيار الذي أرعب الجميع، واستفز النظام الرأسمالي العالمي، ودفع به إلى البحث عن الأسباب التي أدت إلى الانهيار المالي البنكي، أو الذي لا يمكن اعتباره نتيجة لفرض أشكال الصراع المختلفة، وفي مقدمتها الصراع الاقتصادي، الذي يستهدف تمكين الجماهير الشعبية الكادحة من حقوقها الاقتصادية المهضومة، بسبب همجية الاستغلال الممارس عليها.

فحتمية انهيار النظام الرأسمالي، يجب أن تكون نتيجة لخوض الصراع الديمقراطي في مراحل معينة، ولخوض باقي أشكال الصراع الأخرى في باقي المراحل، من أجل تقويض النظم الرأسمالي، وحينها يمكن أن نتحدث عن انهيار النظام الرأسمالي، وعن حتمية هذا الانهيار.

وما هو حاصل الآن، يمكن أن يؤدي إلى إضعاف النظام الرأسمالي العالمي، والمحلي، ولكنه لا يؤدي إلى انهياره، لأن الدول الرأسمالية ستتدخل لإنقاذ النظام البنكي العالمي، والمحلي، لدعم استمرار الدور المالي للأبناك في تحريك عجلة الاقتصاد الرأسمالي الصناعي، والتجاري، والخدماتي، الذي يعتبر وسيلة لنهب جيوب المواطنين في جميع البلدان ذات الأنظمة الرأسمالية.

والحالة الوحيدة التي يمكن الإقرار فيها بحتمية انهيار النظام الرأسمالي هي الحالة التي يكون فيها ذلك الانهيار شاملا لمختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ويكون هذا الانهيار مقرونا بصعود البديل الاشتراكي، وعلى المستوى العالمي. والبديل الاشتراكي هو البديل الوحيد للنظام الرأسمالي العالمي، حتى لا يتوهم البعض من أن التوجهات الظلامية المؤدلجة للدين سوف تشكل أنظمة بديلة للنظام الرأسمالي؛ لأن التطور لا يعرف التراجع إلى الوراء، بقدر ما يعرف التقدم إلى الأمام. وإذا كان هناك ارتداد إلى الوراء، فإنه لا يدخل في إطار التطور، بقدر ما يدخل في إطار التراجع. والتراجع إلى الوراء، لا ينتج إلا التخلف على كافة المستويات. وهو ما يعنى استحالة التقدم. وانتقال النظام الرأسمالي، بعد انهياره، إلى النظام الاشتراكي، ليس إلا استجابة لما تقتضيه طبيعة التطور الذي يحصل في البنيات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وليس إلا تطورا في التشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية الرأسمالية، التي تتحول بفعل عوامل ذاتية، وموضوعية، إلى تشكيلة اقتصادية ـ اجتماعية اشتراكية، على مستوى كل قطر على حدة، وعلى المستوى العالمي.

وإذا كان هناك من يعتقد أن توجهه الظلامي، أو البورجوازي الصغير، هو البديل للنظام الرأسمالي، فهو واهم. والوهم لا علاقة له بالعلمية، ولا يدفع المجتمعات إلى الأمام، ولا يقف وراء تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، بقدر ما يعطى الشرعية، بممارسته، للنظام الرأسمالي العالمي، ويمكنه من إعادة إنتاج نفسه، موظفا في سبيل ذلك ما تحققه البشرية من تطور في المجالات العلمية، والمعرفية، والتكنولوجية الدقيقة وفي المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يستمر في الاستئثار بكل شيء، وعلى يد الرأسماليين الجدد.

#محمد_الحنفي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات