|
طارق بن زياد ، وصديقة الملاية...
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 2488 - 2008 / 12 / 7 - 01:03
المحور:
الادب والفن
التاريخ صادقاً كان أم منافياً لحقيقة ماكان ، فهو سردٌ لوقائع ماجرى ، اما الصدق والتأويل والمؤاربة فهذا يُترك لضمير الشاهد والناقل والمدون ، ولكننا في كل الأحوال نقر أننا بدون تواريخنا لايمكن أن نمضيَّ الى الأمام ، وأننا لانلتفت الى الوراء إلا من أجل استعادة ما نبغيه من تاريخ مضى لأجل عبرة أو مفهومية علم ، وبعضهم يستعيدهُ من اجل نزف الدمعة والالم والتطبير ، كما يستخدمهُ البعض في استعادة أيام عاشوراء ،وهم يعلمون إن الحسين ( ع ) لو بعث حياً لأفتى بحرمة كل المجالس التي تقيم طقوسها على هذا الهدم المقصود للجسد ، وأنت تنزل على رأسكَ السكاكين وعلى اكتافكَ السلاسل الحادة ، فيما يريد من ذكراه أن تكون منبراً للسلام والبناء ونشر قيم الخير والعادلة . وللتاريخ في قصص ماجرى مفارقات لايمكن أن نتوقعها في نهاياتٍ لم تحسب حتى بالنسبة الى أصحاب تلك النهايات ، وهذا يعود بالطبع قراءتهم الخاطئة للتاريخ، وربما يركب الغرور والزهو صاحب هذه النهاية ، ولم يدر في خلده أن ينتهي مجد اسطورته والملك ذات يوم على حبل مشنقة أو في زنزانة الحكم المؤبد أو فندق المنفى أو أي مكان لم يألفه بذخ السلطان وجبروته ، وشواهد التاريخ لاتعد ولاتحصى.. غير أن في هكذا سِفر لمثل هؤلاء الذين تتراوح سيرهم الذاتية بين تاريخ الخير والأخر تاريخ شر ، ما قد نجده مفارقة أن ينتهي هذا المجد بصورة بائسة ومذلة وحزينة ، ولدي صورتين جمعهما فقط تشابه نهاية المشهد الحياتي لكل منهما ، وليس بينهما أي رابط وصلة ، ولكنهما كل من مكانه لديه تاريخ بمقاس مجده ، فالأول كان القائد لجيوش الفتح العربي في أسبانيا ، بالرغم أنه لم يكن عربياً ، بل كان بربرياً من جبال المغرب ، ولكنه منح العرب دولة كبيرة صنعت زهوها الخاص لقرون بما يسمى دولة الأندلس ، والتي تعيش اليوم على سياحة شواهد هذا المجد في قرطبة وغرناطة واشبيلية وملقا وقشتالة وطليطلة وغيرها من مدن الأثر الغابر الذي انتهى بالخروج المُذل لآخر ملوك الاندلس المسمى ( عبد الله الصغير ) . فهذا القائد الصلب ( طارق بن زياد ) ، عاش مجدا لم يعمرَ معه ، فتح بلاداً ليهنئَ بها غيره ، ولم ينل من نصره سوى حسد القادة وأهمال الخلفاء ومجافاتهم ، لينتهي فيه الأمر يمتهن الكدية على بوابة الجامع الأموي في دمشق ، وقيل انه وجد ميتاً قرب البوابة ولم يكن معه سوى سيفه وصرة خبز يابسة. في تقديري هذا موت مشرف بالرغم من بؤسه ، موت لم يختاره لنفسه أي جندي شجاع مثل طارق ، ولكن في المحصلة الوجودية نقول : اقدارنا أقوى من أحلامنا ، بالرغم من هذا فأنا أرى في مشهد موته صورة اسطورية افضل مما كان يتمناه ليعيش في برج السلاطين والفاتحين ، فقد انتصر بشرف ومات بشرف وتلك المعادلتين من الخلود صعبٌ أن نجمع بينهما. المشهد الثاني لشبيه الموت المؤسطر للقائد الأمازيغي طارق بن زياد ، هو موت المطربة العراقية الشهيرة ( صديقة الملاية ) والتي ارتبط اسمها بمدينة البصرة من خلال اغنيتها الساحرة ( الأفندي ) ، والتي تتحدث عن صبري صندوق أمين البصرة الذي لايشبهُ حتماً أمناء الصناديق في هذه الأيام ، فقد كان صبري يحسب للبيزة الف حساب ، وهو يقفل عليها صندوق الأمانات ، لأنك قد تستطيع نحرهُ من الوريد الى الوريد ، ولن تجبرهُ على سرقة فلساً واحداً من خزينة الدولة. هذه المطربة التي صنعت دهشة التراث ومحليته في اغاني كثره منها ( للناصرية ..للناصرية ..بو شماغ أخذني وياك للناصرية ) ، وأغنية ( يا صياد السمج ..صدلي بنية ) وغيرها من عاطفة القلب البرئ الصادق ، كانت بغدادية اصيلة ولكن أشهر اغنياتها قد اطلقتها من أجل مدن الجنوب ، هذا يعني أن صوت صديقة الملاية كان صوتاً موحداً ، ولم يكن صوتاً فيدرالياً ، لهذا استحقت المجد لتسكن الذاكرة ،غير أننا الآن نتحدث هنا عن نهايتها المأساوية التي انتهت بفقر مدقع وحياة بائسة في غرفة بخان من خانات بغداد الرطبة ، ولم يمنحها اي مسؤول في الدولة العراقية الرعاية والتقدير الذي تسحقهُ وهو يمر كل يوم على مبنى الاذاعة العراقية في منطقة الصالحية ليرى المطربة ( الأسطورة ) صديقة الملاية تمارس الكدية مهنة لتعيش، وغير بعيد عنها يطرق لمسامعها صوت المذياع وهو يلهج بأغانيها كما يلهج العصفور المرتجف من البرد بأسم عشه الدافئ ، ومثل طارق بن زياد توفيت صديقة الملاية على باب الأذاعة وهي تمد يد التسول والتوسل فقط لتعيش بكرامة المعاند ، لابكرامة الذي يطرق الابواب في مذلة التوسل والرياء والنفاق والسحت. بين موت طارق بن زياد وصديقة الملاية تشابهٌ واحد وخليقة واحدة وتاريخ واحد...
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاصة السورية ماجدولين الرفاعي ...نصوص لها طعم الورد
-
مكائد النساء تبعثر خيالات الأمكنة ..(( قرية شوبنكن الألمانية
...
-
أبي ولينين ويوم العطلة في الصين
-
الحزب الشيوعي العراقي وأسطرة الفتوى ...
-
كِشْ وبَره .. كش ملك .. كش العجوز..
-
تراكمات الوجع الكبير
-
المندائيون ومنظمة اليونسكو والدولة العراقية...
-
جنود ميثولوجيا زقورة أور..
-
عيون خضر ، فراشة حمراء ، وماعون صيني...
-
بطيخ من المريخ ..مشمش من العواشك ...
-
مدينة عفك ، لا تحب مدينة شيكاغو...
-
مديح لزهور حسين ..عتب على البرلمان ...
-
دموع التماسيح ودموع المطر ...
-
كلام عن أنوثة المحظور..في وطن محتل
-
مسيحيو سهل نينوى ...
-
مارتن لوثر .. وعشائر بني ركاب ..
-
الدجاج وبطون اهل النيجر والمشخاب ..!
-
ساهر الناي وشارب الشاي وغولدا مائير ..
-
صيف مدينة العمارة
-
الموت في العراق هو ثمن الشجاعة
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|