أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - مارتن لوثر .. وعشائر بني ركاب ..















المزيد.....

مارتن لوثر .. وعشائر بني ركاب ..


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 2461 - 2008 / 11 / 10 - 02:11
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تتشرف زوجتي إنها منتمية إلى العشيرة العربية بني ركاب والتي تسكن جنوب العراق ووسطه ولم يفكر أسلافها في يوم ما أن يسكن واحد من أبنائها خارج حدود حلم الريف العراقي بسبب إن العراقي الذي ظل منتمياً إلى القبيلة ، ومنذ عهد سومر وبابل يعتقد أن جهات الأرض تنتهي مع نهاية حدود حكم السلالات وكانت عبادان هي أقصى مايتخيلون فيقولون ( ما بعد عبادان قرية )...
لكن بني ركاب حالهم حال أبناء قبائل وأفخاذ وأرداف هذه البلاد توزعوا على شتات الأرض كما توزع السندباد البصري على بحار وجزر ومدن الأرض .. لكن الفرق أن البحار البصري ذهب مغامراُ ، فيما سندباد عراق العولمة الجديد ذهب لضرورة تنوعت بين الجوع والقهر السياسي والقليل منهم دفعه حبه لمشاهدة قوام برجيت باردو فأطال المكوث هناك ثم نفدت نقوده فطلب اللجوء السياسي وليحالفه القدر بعد دهر ليعود وزيرا لوزارة الحلم التي تم استحداثها لضرورة التوافق والمحاصصة بين النخب الطيبة التي مسكت الإرث الذي خلفهُ لنا سرجون الآكدي كما يمسك الذئب بالحمل الوديع ..فكان الله في عونهم وعوننا ، ففي بلاد كثرت عقدها ومصائبها وحروبها فأن الألم مشترك ، بالرغم من إن كهربائهم لا تنقطع فيما بسطاء وفقراء العراق يشتون بحرارة آب وتموز وحزيران كما شيش الطاووق المشوي ..وهي أكلة سورية تعني ( تكة الدجاج ) على ما اعتقد..
هذا الشتات ومنهم أبناء عشيرة زوجتي الطيبة ظل يعيش معاناة هذا القدر المغلف بشتى سيناريوهات المتخيل مابين أن تتحدى المجهول وتبقى ملتصقا بالأرصفة والأزقة ونهارات وغبار الصيف على أمل أن تولد وتموت وأنت على التراب المقدس لبلاد ما عرفت من دهرها عشر سنين ملتصقات براحة وأمان وبين أن تحمل حقيبتك على أكتاف أتعبتها طاسة الاسمنت ومراجعات الامتحانات على ضوء ( اللالة ) وتهاجر إلى بلاد لا تشبه نظرة الغزل المصنوعة في ليل أور ، بلاد نساءها صنع الله أجسادهن من بياض العاج وأنت صنع الله لك خبز التنور ومع دفئه والشوق إليه وقفت على باب ( السوسيال ) ، تطلب لجوءاً مؤقتا إلى حين تذهب عن مساء مدينتكم أحذية رجال فيلق القدس أو أولئك الذين يغارون من بهجة الحب التي فيك فيقولون : لنتخلص من هذا العلماني الكافر....
ومثل بؤساء هذا القرن من منفي الوطن ومهجريه تتكاثف هوسمك الحنين لدى زوجتي وهي تحن إلى ثرثرة الجارات وسلة مسواق الخضرة واللحم ومزاح المدرسات في فرصة المدرسة ، ومشاهدة مواكب هوادج عاشوراء وسماع صوت منادي الإمساك في سحور رمضان ، وحتى ملكها الشوق إلى ساعات القطع الطويلة للكهرباء ، ليداعب خلالها تلك اللحظات المشتعلة كفرن غازي في قيض تموز ونحن نمسك ( مهفات الخوص ) ونشتم العدس وإديسون والفولتية وكل من كان سبباً في جعل برلين لاتنطفئ فيها الكهرباء ثانية واحدة في عشرة أعوام فيما مدينة أور لا تأخذ من نعمة الضوء والتبريد سوى 3 ساعات أو أربع في اليوم فيكون مجيئها مكرمة تساوي ألف مرة مكرمة سيارة التيوتا التي تهدى بسعادة النعش إلى شهداء حروب عبادان ونهر جاسم وزين القوس وكردمند....
زوجتي حرمها قدر البلاد أن تمارس متعتها السنوية بزيارة مرقد الشيخ أحمد الرفاعي ، ولم ترى دمعة أمها الأخيرة ، ولم تتمتع بذعر الليل يوم تتصادم الشرطة مع المليشيات ، هاجرت إلى مدن لم تفكر بأن تراها يوما ما ، لكنها كزوجة مطيعة قالت : حتى لو كان القطب بيتك سيكون بيتي . وهكذا نزلت حفيدة الباني الأول لقبيلة بني ركاب ارض مارتن لوثر وهي تخفي ضفائر أحلامها السومرية تحت حجاب الدين والشرق والخجل ومحبتها أن تبقى بذات زيها الجنوبي وهي تغمض عينيها متحاشية أرداف الجرمانيات العارية في المترو والمقاهي والحدائق العامة ، فيما أنا الذكر الشرقي أزوغ بعيون ( الماشايف ) ، فتنهرني زوجتي بنظرتها الحادة والغيورة فأعود إلى وضعي الطبيعي وأقول مع نفسي : توازن ياولد فأنت كاتب رواية جيد ، ومثقف عراقي هرب من رغبة الآخر ليدفنك أنتَ وأعمدتك الصحفية وكتبك وكل بلاغة الغرام التي كنت تكتبها لجنود فصيلك وأصدقاء الدراسة وطالبي الحاجة من أولئك الذين يعشقون ولكنهم لا يحسنون التعبير عن هذا العشق.
المهم ..هي ليست أول ( ركابية ) في أوربا ، فقبلها كانت هناك ( ركابيات ) اصطحبهن أزواجهن للدراسة أو اللجوء أو السياحة لهذا فهي حزينة لأنها لم تكن تملك الريادة في القبيلة لتكون أول سيدة تصافح أجفان مارتن لوثر وتمسي عليه بجلفية الجنوب ( كودن تاك ) ، وتعني هذه الجملة بالألمانية مساء الخير..ولكنها مع حرجها الشديد من نمط الحياة تفكر أن تتطبع ، فالآمان هنا لا يشبههُ أمان بالرغم أنك هنا نادرا ما ترى رجل بوليس ، وإنها عندما دخلت إحدى المشافي لإجراء عملية بسيطة وجدت هناك عشرات النساء يعجز اللسان عن وصف سحرهن وهن يقدمن لها الخدمة وكأنها أكثر من أخت ، فيما تعجبت من دماثة خلق الأطباء ومقارنته بما تقدمه مستشفيات الوطن ، وصراخ الممرضات والفراشات وتثاءب الطبيب الخفر ، فتعجبت وتساءلت ، هنا يقدمون لنا صكوك الغفران التي توصلنا إلى الشفاء والعافية ، وهناك يقدمون لنا دواء ( الأكسباير ) ورطوبة القواويش والشجار الليلي بين الأطباء المقيمين وحراس المنشآت ، وربما بسبب ما يحدث هناك هبطت نسبة التشخيص والعلاج إلى النصف فيكون موتنا جائزا حتى في الأمراض غير الخطرة ، فيما جلس الطبيب هنا لساعة أمام زوجتي ليشرح لها بحنان ( بابوي ) سير عمليتها الجراحية من ( طقطق لسلام عليكم )...
إذن في زمن لا تستطيع الدولة أن تحميك من المسدس الكاتم والعبوة الفائقة التدمير القديس مارتن لوثر ارحم وأفضل لك مليار مرة من سرجون واسرحدون ونبوخذنصر...هولاء لا يفعلون شيئا الآن سوى أنهم يحضرون فاتحتك ويشربون قدح القهوة ويفكرون بأسبوع خرافي في أمارة دبي ...
وأنت هذا المسكين الذي أفنى حياتهم في متعة قراءة غوركي ورامبو ونجيب محفوظ تُلفَ بالكفن ولن يذكروك سوى بأمسية أدبية يتحدث فيها الأصدقاء عن سيرة متعبة وفقر شحيح ثم يذهب كل إلى حاله وهم يستعجلون نهاية الأمسية كي لا يسدل الليل ستائره ويتيه الأمان مع صفارات حراس الليل التي يصفرون فيها وهم ممدين على أسرة النوم في بيوتهم أو وهم يتمتعون برؤية مسلسل تلفزيوني تكون فيه الممثلة المصرية ذائبة في عشق أبن العمدة....
نحن لا عمدة لدينا سوى الله والأمم المتحدة والإتحاد الأوربي الذي يضغطون عليه الآن ليعيدوا النوارس إلى أوطانها بالرغم من أن الرصاص الطائش ما يزال يملأ السماء العراقية ..
زوجتي تستعجل العودة بالرغم من كل هذا ، وأنا أقول لها لنصبر حتى يعدل الحال حاله ولا تصبح شيراز بنت البصرة ، فالعمارة هي ابنة البصرة مثلما حلب بنت دمشق ، وبعقوبة بنت بهرز ..
والى حين يعدل الحال وينال الشعب المنال ..تبقى أحلامنا أنا وزوجتي تحن إلى ذلك اليوم الذي تمر واحدة من نساء المحلة لتخبر بيوتها إن الأحد القادم الموعد السنوي لزيارة الشيخ الرفاعي فتكون هي أول المسجلين في القائمة ..وعندما تمر الحافلة على مضارب بني ركاب الواقعة على الطريق إلى مرقد شيخ الطريقة الرفاعية ستذكر زوجتي ذلك الحنان الإنساني لأطباء مذهب مارتن لوثر وتقارنه بحنان الجنوب فيحدث اشتباك عاطفي يختم عليه ضابط الجوازات في مطار بغداد عبارة ( عودة آمنة إلى الوطن الحبيب )..



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدجاج وبطون اهل النيجر والمشخاب ..!
- ساهر الناي وشارب الشاي وغولدا مائير ..
- صيف مدينة العمارة
- الموت في العراق هو ثمن الشجاعة
- نعوم جوميسكي ..والمستكي ...
- أفارقة البصرة ..وأغنيات الهله هولو ..
- اليوم العالمي لغسل اليدين بالماء والصابون ..
- أسد وعلى خده شامه ...
- تفاحة الخد .. وشفاه البنت والولد..!
- القناة الفضائية للحزب الشيوعي العراقي..
- بعض غنوص يحيى المندائي ...
- 11 سبتمبر كما تخيلهُ جَدُنا جلجامش
- سيكولوجية رموش العيون
- الرؤيةُ فيما يَرى الرَغيف...
- قصائد ، للناس ، وخبز العباس . وخضر الياس
- عاشوراء.. القضية بين الرؤية وسرفة الدبابة
- رؤى عن الجمال وعطر البياض
- عكاز قاسم حداد
- الحسين ع - العراقي الأصيل الأصيل أبداً
- النبي الأب ..والعمُ النفري


المزيد.....




- السعودية.. 28 شخصا بالعناية المركزة بعد تسمم غذائي والسلطات ...
- مصادر توضح لـCNN ما يبحثه الوفد المصري في إسرائيل بشأن وقف إ ...
- صحيفة: بلينكن يزور إسرائيل لمناقشة اتفاق الرهائن وهجوم رفح
- بخطوات بسيطة.. كيف تحسن صحة قلبك؟
- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - مارتن لوثر .. وعشائر بني ركاب ..