أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نعيم عبد مهلهل - أفارقة البصرة ..وأغنيات الهله هولو ..















المزيد.....

أفارقة البصرة ..وأغنيات الهله هولو ..


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 2451 - 2008 / 10 / 31 - 10:02
المحور: سيرة ذاتية
    


أيام كنت أعيش طفولة العسل في شارع السديناوية في مدينة الفن والغناء والشهداء الناصرية ( جنوب العراق ــ 360 كم جنوب بغداد ) ، كان لنا جيراناً من ذوي السحنة السوداء أي كانوا زنوجا ، ولهم أنف أفطس وشعراً مجعداً، ولغة يسمونها في المتداول لغة العبيد ، لم يكونوا رقاً بل كانوا احراراً يمارسون حياتهم كما نمارسها نحن ، ولهم ذات الحقوق ، ولكنهم بسبب اللون والأنف الأفطس لا يتصاهرون إلا من عندهم ،وظلت النظرة والتقاليد تنظر اليهم بمسمى ( العبد ) بالرغم من اننا نتداول دائما قول الخليفة الفاروق :متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً..
وكنا معهم على الحلوة والمرة ولديهم ما يميزهم عنا ، قوة التحمل وسرعة الغضب وطاعة الأوامر ، وكثرت الأنجاب ، وطقوس مرح راقصة تصل حد الغيبوبة كما الدراويش ..
كانت تلك العائلة تمتلك علاقات شاسعة مع عوائل زنجية من كل المدن ، وكان الكثير منهم يزورون هذا البيت ويقيمون كرنفالات ليل مرحة وبريئة في كل مناسبة تحدث ..عرس أو ختان او دورة سنة شمسية او مولد نبوي وغير ذلك من الأفراح والأعياد التي شحت في هذه الأيام بسبب شحت العاطفة الأجتماعية لتعدد مشاغل الحياة وهمومها . وكان من بين زائري هذا البيت رجل بطول امرد وبدانة معقولة وملامح أفريقية كأنها غادرت الحبشة للتو ، وما يميز هذا الرجل هو الناي الذي يمسكه دائما ،وكلما هاج فيه شوق الموسيقى يعزف به من خلال انفه ، فيسود الشارع كله مرح وبهجة هذا العازف الراقص ، والغريب إنه لا يطلب اجراً لوصلته الموسيقية بل يعود ادراجه الى بيت جارنا الزنجي وهناك تبدأ له جلسة هوس ورقص وغناء ربما يطول حتى انبلاج الفجر ، فقديماً كانت الناس لا يشكون من غناء الليل ومرح الجار مهما طال ربما لأن البراءة تغلف كل تلك الطقوس ..
الآن ، ربما إذا سُمع صوت مذياع من حنجرة ام كلثوم أو زهور حسين ويصل الى الشارع ،قد تُرجم بالرصاص ، لأنهُ في عصر العولمة هذا أنقرص عصر الرجم بالحجارة ، او يقال عنك زنديق ، وانا أعرف إن البعض قد هجم على بيوت تحتفل بأعراس ابناءها وحطم الآت الفرقة الموسيقية ،وأذاقوا العريس وابيه من الركل لم يذقه أي معتقل عراقي في معسكر بوكا او المطار أو سجن الجادرية ..
المهم نعود الى ذلك الرجل الزنجي ومتعة الموسيقى التي يطلقها انفه ، الذي أتذكره الآن مع ذكرى عابرة لعبارة الاهداء الجميلة التي كتبها صديقي الروائي الميساني الراحل محمد الحمراني في واحدة من امسيات الذكرى في مدينة اربيل 2006عندما اهداني روايته الجميلة ( أنفي لا يطلق الفراشات ) ، ففي اهداءه عبارة تقول : هاهو مزماري اطلق لحنه الجنوبي إليكَ لتأخذ وقت متعة العشق التي نتشارك فيها كلينا.
ولكن مزمار ذلك الزنجي المصبوغ ببراءة ضحكته الطوطمية كان يطلق الفراشات الملونة التي ظلت تبهج في طفولتنا لحظة زيارته الموسمية الى بيت جارنا قادماً من مدينته البصرة حيث ولد هناك ويعيش.
بعد سنوات . كبرت وذهبت الى العسكرية ، وصاحب المزمار لم اعد أراه في شارعنا ، ولكني عندما كنت في قاطع بحيرة الاسماك حيث قضيت هناك اشهر الجحيم والدهشة ، كنت الاقيه في صدفٍ نادرة يجلس بذات هيئته الموسيقية على بوابة سينما الوطني في العشار ،وكانت تعلو وجهه تجاعيد أزمنة ممتدة من السنغال وحتى الزبير يوشحها حزن المكان المقفر بعدما وصلت القذائف الايرانية الى قلب العشار ، مما اضطر أهل السينما الى اقفالها ، وكما اعتقد انها كانت بعضاً من باب رزقه ، وعرفت بعد ذلك في واحدة من مهرجانات المربد البصرية إن صاحب الزمار يدعى ( تومان ) ، ولا اعتقد إنه حي الآن فلقد شاهدته قبل اكثر من عشرة سنوات يحمل على كتفه شيخوخة هائلة ربما بحجم القارة الافريقية ..
مات تومان البصري ذو الأصول الأفريقية ، مات وهو لايدري بأن واحد من اجداده الذين جيء بهم في زهو دولة بني العباس وترفها وازدهار تجارة الرق ربما كان آمر لفصيل في واحدة من سرايا جيش الزنج الذي قاد ثورته الشهيرة واحتل صاحب هذه الثورة البصرة وبطائحها ،وجعل اسيادها والملاكين يخدمون العبيد الى أن جهز اليهم الخليفة العباسي حملة عسكرية وقضت على ثورتهم ليعودا مرة اخرى أرقاء وعبيد ، ومع مرور الازمنة تحرر هؤلاء ، وهجر الكثير من الناس فكرة امتلاك العبد لسبب مادي أو ديني أو إن امتلاك العبيد صار مظهرا من مضاهر الجاه والسلطان فأنحصر وجودهم عند شيوخ العشائر وعلية القوم والملاكين ،اما البقية فأندمجوا مع شرائح المجتمع وعاشوا فقراء كادحين ، يقتربون من مهنة البحر الذي قادهم الى هذه الامكنة وكأنهم يترجون منه أن يعيدهم اليها ..لهذا كانت اغلب أغاني الهله هولو التي تطلقها دنابك هؤلاء السمر تناجي البحر وتلومه وتشتاق الى قمرياته الصافية..
اليوم أفارقة البصرة وزنوجها يعيشون في صميم النسيج الأجتماعي العراقي ،وربما سمحت لهم دساتير الدولة العراقية منذ تاج المغفور له الملك فيصل الأول ( رحمه الله ) وحتى اليوم أن يعيشوا كما اي مواطن وليتعلموا وينالوا ذات الفرص ، فكان منهم الطبيب والمعلم والرياضي والفنان والشاعر ، وربما كانوا في أبداعهم وعملهم اكثر أصراراً في العطاء ، حتى قال لي احدهم إن ربع شهداء حروب العراق من اهل البصرة هم من زنوجها ، أو بعبارته هو من ( سمرانها )..
الذي دفعني لكتابة هذا المقال الذي قد يغيظ بعض من يمتلك عنهم معلومة أفضل مني ..هو ما نشرته قناة الجزيرة الفضائية قبل ايام عن قيام أفارقة البصرة كما اسماهم التقرير بأنشاء منظمة مجتمع مدني تدافع عن حقوقهم ، وهذا في اعتقادي أبسط حق يمكن أن ينالوه بعدما اظهر التقرير شهادات ( لبصاروة ) سمر وهم يتشكون من أن النظرة الدونية للون والشكل مازالت موجودة عند بعض الناس ، حتى أن واحدة من هذه الشهادات على لسان سيدة بصرية تقول :( الحر أي الإنسان الأبيض ،المجتمع يرفض اقترانه بسوداء ) ..
وحتما لدى هؤلاء المغامرين والأبطال من الذين أسسوا هذه الجمعية المبررات ليتحدوا كل الحواجز والتأويلات وقياسات المجتمع وليطالبوا ربما بعضو برلمان زنجي او وزيراً أسمراً ،فأنا لم اشاهد هذا اللون في البرلمان ووزارات الدولة منذ وزارة بريمر وحتى وزارة السيد المالكي ..!
خلاصة هذا ..انا فقط أردت ان اقول لهؤلاء الشجعان ..انتم بصريون أصلاء ، حتى لو كانت جداتكم من جوهانسبورغ ،لأن زنوج البصرة عرفوا جيداً كيف يمنحوا للمدينة تراثها الجميل ويدافعوا عنها في شدائدها ، وتذكرون ان نصف مفاخرة العراق برقصه وموروثه الشعبي في الخارج من خلال المهرجانات الدولية جاء من الفرقة البصرية للفنون الشعبية التي غالبية اعضاءها من السمر ( الحلوين )..وكذلك أيضا اردت في هذا المقال ان استذكر الروح الرائعة لصاحب الناي الاسطوري ( تومان ) ، واقرأ على روحه فاتحة الغياب وأدعوا المجلس البلدي للبصرة أن يمنحه ما يتمنى وأن يقام له تمثالاً يليقُ به ....



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم العالمي لغسل اليدين بالماء والصابون ..
- أسد وعلى خده شامه ...
- تفاحة الخد .. وشفاه البنت والولد..!
- القناة الفضائية للحزب الشيوعي العراقي..
- بعض غنوص يحيى المندائي ...
- 11 سبتمبر كما تخيلهُ جَدُنا جلجامش
- سيكولوجية رموش العيون
- الرؤيةُ فيما يَرى الرَغيف...
- قصائد ، للناس ، وخبز العباس . وخضر الياس
- عاشوراء.. القضية بين الرؤية وسرفة الدبابة
- رؤى عن الجمال وعطر البياض
- عكاز قاسم حداد
- الحسين ع - العراقي الأصيل الأصيل أبداً
- النبي الأب ..والعمُ النفري
- قصيدةٌ عن عُطاس الخبز
- دمعة على مدرج ملعب كرة قدم
- أنا أحب العراق ..إذن انا حزين
- المستنصرية الشهيدة
- بابل ...وجنائن من لغز ورموش التوراة
- من طور سيناء ..الى طور الشطراوي


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نعيم عبد مهلهل - أفارقة البصرة ..وأغنيات الهله هولو ..