منذر مصري
الحوار المتمدن-العدد: 766 - 2004 / 3 / 7 - 09:16
المحور:
الادب والفن
1- الأسئلة
كثيراً ما تطرح أسئلة عن مستوى الشعر الذي يكتبه العرب الآن، ليس بين المهتمين من أهل الكار أو من النقاد والمتابعين فحسب، بل من أولئك الذين خارج الدائرة، وبنسبة أكبر. وكثيراً ما يتهم هذا الشعر إمّا بكونه صورة ما عن الشعر العالمي، يذهب إلى ما يذهب إليه تقليداً وإتباعاً أو معاصرة ومشاركة، وإمّا بكونه يخالفه في كل شيء، تخلفاً عنه وجهلاً بما يكتب وينشر في العالم، أو أصالة وهوية، حيث للعالم شعره وللعرب شعرهم. وعلى أهمية هذه الأسئلة، الأهمية التي ربما لا يعترف بها من لا يعترف أصلاً بوجود العالم، أو لا يعترف بعالم خارج ذاته، كأمة أو كفرد! وأمثال هؤلاء على غرابة هذا التوصيف لحالهم، موجودون بكثرة ويحيون بيننا وكأنهم هم الذين على حق ونحن على باطل، أقول على أهمية هذه الأسئلة لا يوجد أي أجوبة شافية أو نصف شافية عن أي منها.
1-- مكانة الشعر العربي الحديث في العالم
بدءاً أقول، بحث كهذا يجب أن يعمل عليه من لديه اطلاع واسع للحد المقبول على المشهد الشعري العالمي ومن ضمنه وبدقة أعلى المشهد الشعري العربي. إلا أني استغرب عدم توليته الاهتمام اللازم من قبل كليات الآداب في الجامعات العربية، أقصد لماذا لا تعد عنه، أسوة بغيره من الموضوعات، دراسات ورسالات ماجستير أو دكتوراه، هل أبطلوا تدريس ما يسمى أدب مقارن أم أنهم يدرسون الأدب المقارن دون أن يقوموا بأية مقارنه! لماذا لا يكتب به النقاد العرب الذين يعرف عنهم هذه السعة في الإطلاع، عدا عن قدراتهم الظاهرة ومواقعهم الثقافية التي تتيح لهم أن يغنوا موضوعاً هاماً وغامضاً وملتبساً كفاية ليثير الكثير من التساؤلات المشروعة حول المستوى الذي توصل له هذا الشعر وقيمته المعترف أو غير المعترف بها في العالم، إضافة إلى وجوه الخلاف والتشابه بينه وبين الشعر العالمي بمختلف صوره كما ألمحت أعلاه. على أن يبدأ بحث كهذا بقبول فكرة التراكم، أي أن تعمل هذه الجامعات بمدرسيها الأكاديميين الذين درسوا وحصلوا على شهاداتهم في جامعات الغرب ويدرسون الشعر الغربي والعالمي نتاجاً ونقداً، وكلٍّ من أولئك النقاد الذين كان من الصعب علي أن أحدد أكثر من اسمين أو ثلاثة منهم، فلم أجد من داع لذكرهم بالأسماء، وكأنه حقاً لا وجود لهم كظاهرة ملموسة، في اللغة الأجنبية التي يعرفها وحيث هو يقيم، في هولندا أو فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو اليابان أو أي مكان آخر. وبالنسبة لي أعترف بأنه ليس لدي مثل هذا الاطلاع وخاصة شقه الأول، إلا أنه يمكنني وبقدرة الأعمى والجاهل أن أشير إلى الشيء ونقيضه في آن، كأن أقول: نعم استطاع الشعر العربي أن يحقق مكانة عالية في العالم المعاصر، أو أن أقول العكس تماماً أي: لم يستطع الشعر العربي الحديث أن يحقق المكانة التي كان يجب أن يحققها باعتباره النتاج الفني الأول لأمة كبيرة ذات عراقة تدعي أنه تاريخها! وأحسب أن المرء لا يعدم المبررات لهذا الرأي أو ذاك. وما أجدني على وشك قوله هو أن الغرب الآن قد وصل، لست متأكداً مئة بالمئة، إلى نوعٍ من العدمية والشكلانية والتداخل بين الفنون ما يجعل من العرب وكأنهم المتمترسون الوحيدون في خندق الشعر الأخير! إلا أن هذا يقابله أن الغرب في تنوعه وغناه يفلت من أن ينطبق عليه أي توصيف عام، كما أن العالم ليس فقط غرباً، وهو ليس قرية صغيرة أو قرية كبيرة كما يردد بعضنا كالببغاوات، العالم اليوم هو العالم كله، بكل اتساعه وضيقه،وتباعده وقربه، واختلافه وتشابهه، في آن. وقد بات هذا أشد وضوحاً منه في أي زمن سابق، فالشعر اللاتيني بالتأكيد يمتلك حضوره العالمي الباهر بأسمائه الكبيرة المعترف بها عالمياً، والتي حصدت ما لا يحلم به العرب ولو بعد قرن من جوائز وشهرة، أما الأفريقيون غير العرب والأسيويون كالهنود والصينيين واليابانيين فنحن لا نعرف عنهم إلا الفتات.
3- النموذج
قد يعتبر البعض أن طرح ومناقشة فكرة النموذج تكاد تكون معدومة الأسباب، لأن الشعر العربي، والكلام دائماً عن الشعر العربي الحديث، يكاد لا يعترف بأي نموذج معروف، فمنذ الملائكة والسياب والبياتي ثم الصايغ و الخال وإنسي كان النموذج إما غائباً وغير موجود، وإما ضائعاً ومفقوداً! كان هناك ما يمكن التكرم عليه ووصفه بالتأثيرات، إلا أنه لم يتوصل لدرجة مطابقة معادلة أي نموذج محدد من أي نوع. ولا يبدو أن هذا كان غايته، وهذا برأيي، يحسب له لا عليه. لذا إن أمكن إجراء مقارنة من أي نوع و بأية زاوية نظر، فإنه لا يمكن إجراء مفاضلة أو إطلاق حكم قيمة. لذا لا يمكن بالتالي أن يكون أي كلام يقال في هذا مديحاً أم ذماً! فقط عرض آراء ووجهات نظر، ثم إن نسبة قد تصل إلى نسبة 99% الشهيرة من الشعراء العرب لا يجيدون أي لغة أجنبية، ولايعرفون الشعر العالمي إلا بواسطة ترجمات أغلبها ركيك وأحياناً عن لغات غير لغة الشعر المترجم الأصلية، عدا عن كونها أقل من نادرة، وهكذا كأنه شيء يشبه المزاح ما ذكر من تأثيرات قوية لسان جون بيرس وبريفيير ونيرودا وريتسوس على هذا الشاعر أو ذاك.
4- أدونيس وآخرون
أدونيس هو الاسم الذي لا يمكن الهروب من ذكره في كلٍ من الشقين الأول والثاني من السؤال. فمن ناحية المكانة العالمية فربما أدونيس أحد أشهر الشعراء اليوم، ليس الشعراء العرب فحسب بل الشعراء العالميين كافة. فهو مترجم لكل اللغات الحية تقريباً، ومرشح شبه دائم لجائزة نوبل ويقال إنه كاد من سنتين أن يحصل عليها لولا فرق صوتين، كما لا تخلو أي موسوعة شعرية وغير شعرية عالمية من ذكره، فإذا بحثت عنه بلقبه هذا تجد مئات الصفحات التي يختلط فيها مع اسم الإله أدونيس بالذات، وكذلك عند البحث في الإنترنت. أما من ناحية النموذج، فأدونيس باعتقادي يقدم المثال الأنصع بأن الشعر العربي قد سار في دربه الخاص من البداية وحتى النهاية، حيث أن تجربة أدونيس قد مرت في كافة مراحل الشعر العربي قديماً وحديثاً، وعلى نحو متسلسل ندر مثل صراحته ووضوحه، فمن القصيدة التقليدية التي تربى أدونيس عليها إلى قصيدة التفعيلة التي وجد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة يكتبونها، إلى قصيدة النثر التي كتبها، في ( المسرح والمرايا وكتاب الهجرة والتحولات بين أقاليم النهار والليل وحتى في مفرد بصيغة الجمع الذي يتضمن ( قبر من أجل نيويورك ) المختلفة لحد ما) بأدواته ولغته الشعرية ذاتها، وأخيراً قصيدة النص التركيبية المعقدة التي لا يجاريه فيها أحد. وهو في كل هذا بريء من أي اتهام ذكر في اتخاذه من أي شاعر أو قصيدة بالمعنى العام نموذجاً. ومن المعروف أنه بترجمته لسان جون بيرس بالتحديد قد قام ليس فقط بترجمته على العربية بل إلى الأدونيسية، حتى إن صديقه! الشاعر اللبناني الفرنسي صلاح ستيتية الذي أصدر مرة أدونيس مختارات من أشعاره ترجمها بنفسه، وأثناء محاضرة له في جامعة اللاذقية في ذات القاعة وعلى ذات المنصة التي جاء أدونيس بدعوة من ذات الجامعة، ووقف عليها قبله بأشهر، وذلك منذ سبع ثمان سنوات أو أكثر لا أذكر، الأمر الذي لم يتكرر مع شعراء آخرين للأسف، قال أمام الجميع وبما يزيد عن الممازحة واللعب بالكلمات): إن أدونيس لم يترجم ولم يُؤدنس سان جون بيرس بل دَنَّسه!)
ولكن ما يجب لفت النظر إليه هو أنه ليس أدونيس ومحمود درويش فقط من ترجمت أشعارهما إلى لغات أخرى، فهناك عشرات من الشعراء العرب الذين تمت ترجمة مختارات أو مجموعات محددة من أعمالهم لعديد من اللغات العالمية وخاصة الانكليزية والفرنسية والاسبانية، وإنه شيئاً فشيئاً إذا استمر العمل الجيد وإذا تحسنت الظروف وإذا عاد العرب ليكونوا جزءاً حياً وسليماً في جسم هذا العالم! وإذا وإذا ... فربما يحتل الشعر العربي الحديث المساحة التي من حقه أن يطمح لها فيه، أو على الأقل يستعيد المكانة التي كان يحتلها الشعر العربي القديم، لا أكثر. هذا العالم الذي نتكلم عنه ونحن نعلم أن الشعر بات فيه أشبه ما يكون بحيوان مهدد بالانقراض، يحرص بعض العلماء والمهتمين بالحفاظ على ما بقي من أنواع الحياة على إبقائه حياً واستمرار سلالته مثله مثل أي حيوان آخر يعاني ذات الظروف، لم ينتبه الإنسان لقيمته أو لأهمية مجرد وجوده إلا بعد علِمَ أنه على شفير الانقراض!
4- سر خوف البشر من انقراض الحيوانات
كثيراً ما خطر لي هذا السؤال: ترى ما هو السر، ما هو السبب الحقيقي من خوف البشر من ظاهرة انقراض الحيوانات، ومن ثم حرصهم على بقاء سلالة هذا الحيوان أو ذاك، وخاصة تلك الحيوانات التي لا تفيده بشيء لا بلحمٍ ولا ببيضٍ ولا بريشٍ ولا بفرو! ولم يخطر ببالي أنا قليل الخيال سوى جوابٍ واحد ربما لا يعيه أحد منا لأنه كامن في داخلنا، وهو أننا، نحدس، نشعر، نأمل، إذا أنقذنا حيواناً ما من الانقراض فربما غداً أو بعد غد ينقذنا هذا الحيوان من المصير نفسه!!
فَكِّروا في ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 آذار 2004
#منذر_مصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟