أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - زجاجات... لا أحد غير الله يعلم ماذا تحتوي!! بو علي ياسين – الزميل. م. مصري















المزيد.....

زجاجات... لا أحد غير الله يعلم ماذا تحتوي!! بو علي ياسين – الزميل. م. مصري


منذر مصري

الحوار المتمدن-العدد: 746 - 2004 / 2 / 16 - 04:50
المحور: الادب والفن
    


1-( ماذا تريد حقيقةً أكثر من حلم )
ياسين: ها أنذا أتيت لزيارتك، لا تخر صريع الدهشة، كعادتك! يسمح لنا بشيء كهذا، إذا قدمنا أسباباً مقنعة للزيارة، وضمانات كافية للعودة. لكني كذبت حتى آتي إليك، قلت لهم إن لدي مخطوطة كتاب استغرقني العمل به سنين، خبأتها في مكان ما، و يبدو أنه لا يخطر لأحدٍ من أفراد عائلتي أن يبحث عنها في ذلك المكان، لذا فإن علي أن أعود لأضعها في مكان آخر يسهل عليهم إيجادها به. اضطررت لذلك لأني سمعتك تقول العديد من المرات بأنك تفتقدني، وبأنك تتمنى لو آتي وأراك. فأنا أيضاً أفتقدك، أنت تعلم.
الزميل م: ولكنكَ لست حقيقةً أنت، قل لي إنك أنت، حقيقةً، قل لي إنكَ لست حلماُ!
ياسين: وماذا تريد حقيقةً أكثر من حلم..
2-( العالم الذي تعرفه، على حاله مذ تركته )
الزميل م: إذن افتقاد الواحد منّا للآخر هو ما جاء بك إلى مرسمي. ولكني أتساءل إن كان ظرفي يجعلني أفتقدك، أو ظرفك يجعلك تفتقدني، أكثر. أقصد أي افتقاد كان له الحصة الأكبر في هذه الزيارة الرائعة!؟ أنت هناك في العالم الآخر الذي لا معرفة لي به، وأنا هنا في العالم الذي تعرفه، فهو على حاله مذ تركته.
ياسين: لا فرق بين افتقادينا يا منذر، أنت أكثر أم أنا أكثر، الفرق أنني هناك أفتقدكم جميعكم، وأنتم هنا تفتقدوني وحدي.
الزميل م: إننا نفتقدك واحداً واحداً، ونفتقدك جميعاً أيضاً، ولكننا نفتقد معك الكثيرين. أتذكر كيف أنا وأنت وميشل كيلو كنا نفتقد الياس مرقص. ثم أيضاً بعدك رحنا أنا وسميرة ومحمد سيدة نفتقدك، ثم أنا، وحدي أفتقد محمد سيدة، لأن كلَّ أصدقائنا المشتركين إمّا مضوا عالياً وتحولوا إلى أثير، وإمّا مضوا خارجاً كلٌّ في سبيله، إلى خليج أو منفى، دونك من نفتقده وهو بيننا. أول البارحة مساءً اتصل بي صديقك نبيل سليمان وقال لي الشلة مجتمعة في مطعم فينيقيا. ذهبت. كان هناك، نبيل جالساً في الزاوية، يدير كل شيء، كما يطيب له، وغازي أبو عقل وعادل محمود وثائر ديب ووفيق خنسة ( الزعيم الذي تدمع عيناه عند ذكرك) ومنذر حلوم ومنذر خدام ولؤي حسين ووفيق سليطين ومنير شحود ( الدكتور في علم النفس الجنسي الذي عزل لك سطح البيت ) أما بشير دواي جارك، وعبد الله هوشة صديقك، فأظنهما كانا مرتبطين في سهرة أخرى. سألت الله أو عزرائيل أو سكائر دخان اللف، سألت الموت نفسه! ( ماذا كان يمكن أن تخسر لو تركت بوعلي بيننا، وماذا لو تحضره الآن ويجلس معنا ) يأكل قليلاً، يشرب قليلاً، يتكلم قليلاً، وينصت كثيراً! لكنه طوال الوقت يشعرك بأنه سعيد بك. ( ماذا كان يمكن أن تخسر لو أبقيت... )
3-( تلك الأوهام لا تموت )
ياسين: منذر... أنا لم آت لأسمعك تردد: لو وماذا لو... هذا ما حدث وعليك وعلى غيرك، ما دام حياً، أن يحيا معه أو بدونه، ليس ما حدث لي فقط بل ما حدث يوماُ لجدتك التي ربتك ولأمك وكما سيحدث لغيرهم من الأعزاء، لا بد. وربما لو كنت ما زلت حياً، أو عدت للحياة بناء على طلبك، لما شعرت بفقداني على هذا النحو، ولما جدفت وسألت الله أو أي من جلاوزة الموت، أن يذهب ويأتي بي. عشنا أصدقاء لربع قرن، في دائرة واحدة ووظيفة واحدة، منها خمس سنوات في غرفة واحدة، ولم نسهر معاً، إلا ما يعد على الأصابع... المهم الآن، أنا هنا، وقد أتيت لأراك، ولأرى ماذا تفعل هذه الأيام. أرجو ألا تكون مستمراً في ما أعرفه عنك ويعرفه الجميع في التلهي بأي شيء وتأجيل كل شيء.
الزميل م: ياسين. تعلم أني لم أرسم ولم أكتب إلا لكرهي الواجبات. الرسم والكتابة بالنسبة لي، كانا، ولا أريدهما أن يصيرا غير ذلك، لهواً، لهواً لا نهاية له، لهواً مع الأبدية. لأني صدقت نفسي، وصدقتك، وصدقت الآخرين، ورحت أقول إن لهوي ليس لهواً فحسب بل هو لهوٌ من نوع خاص! إنه لهوٌ منتج، لهوٌ واجب! أتذكر مدى إعجابك بهرطقة من هرطقاتي، عندما قرأت لك ما يشبه بياني الخاص عن الشعر، والذي ختمته بأن على الشعر واجب واحد فقط، ووصفت هذا الواجب بأنه واجب مقدس، أنا الذي أفتقر للشعور بقداسة أي شيء، هو خدمتهم.
ياسين: خدمة الناس تقصد. ولكني بالمقابل، إن كنت أنت تذكر، قلت لك إن أغلب شعرك ورسمك ينجو من هذه المهمة الثقيلة، لحسن الحظ. ولحسن الحظ أنك ما زلت تلهو على طريقتك، مصدقاً هذه الأوهام.
الزميل م: قلت لك، تلك الأوهام لا تموت، الحقائق تموت، الحقائق تتبدل وتموت، الأوهام تبقى هي هي لا تخضع لقانون الوجود هذا، الوهم حي لا يموت... 
4- ( بدل الأشجار والطيور أرسم زجاجات )
الزميل م: تعال وانظر ماذا أحضَّر لذكراك الثالثة، لقد أعجبت سلمى بفكرة معرض تشكيلي لمجموعة من رسامي اللاذقية، نزار وليلى نصير وعلي مقوص وأنا، كتحية لك. من وقتها وجدت دافعاً جديداً للعودة للرسم ورسمت كل الأعمال التي أعرضها أمامك الآن.
ياسين: انقل امتناني للجميع، أرجو أن أكون مستحقاً لكل هذا! ولكني أرى أنك تركت رسم الأشجار والطيور، وصرت ترسم زجاجات. أي تطور هذا. مع الأيام يبدو أنك تبتعد أكثر فأكثر عن الشاعرية.
الزميل م: لا أظن أني أبتعد عن الشاعرية على الإطلاق، على الأقل الشاعرية التي تخصني. غير أني أرسم ما أرسم ولا أعلم، وخاصة في بداية الأمر، من ماذا أقترب ولا من ماذا أبتعد.ربما في النهاية، بعد انتهاء التجربة، أنظر وأتأمل عملي من خارجي، أو قل أتأمل نفسي من عملي، وأصل إلى بعض الأحكام والتفاسير حوله. إلا أنها بالتأكيد لا تزيد عن أحكام وتفاسير محدودة بي. الآخرون لهم أحكامهم وتفاسيرهم الخاصة بهم ، كما تفعل أنت الآن.
ياسين: ما تفعله أنت الآن... هو رسم دجاجات! أقصد زجاجات! هذا ما أراه. أنت لا ترسم سوى دجاجات، أقصد زجاجات بعد زجاجات! أي لهو في هذا! ألا تشعر بالملل وأنت ترسم كل هذه الزجاجات لا شيء سوى الزجاجات! أو ربما من مللك لا تجد ما ترسمه سوى الزجاجات التي أفرغها زوار مرسمك في بطونهم ورؤوسهم وخرجوا الواحد بعد الأخر يترنحون! زجاجات بعد زجاجات؟
5- ( قليلاً ما أفي بوعودي )
الزميل م: كما ترى رسمت ست عشرة لوحة كبيرة نسبياً، وثماني لوحات صغيرة بقياس (50- 38)، بأنواع متعددة من الأحبار والألوان الزيتية والمائية وغير ذلك، وكلها على ورق سميك، ما عدا اثنتين منها على القماش أهديتهما لصديقين، كما قمت بتلوين زجاجتي نبيذ كبيرتين، وست زجاجات صغيرة، يمكن أثناء العرض وضعها على رفوف تحت اللوحات، كما يفعل أحياناً صديقي نزار صابور.
ياسين: لكنك لم تقل، ماذا يدفعك لرسم كل هذه الزجاجات، وخاصة وإن المناسبة هي معرض تحية لي! أي علاقة تجدها بيني وبين الزجاجات! كنت أفضل لو بقيت ترسم الأشجار والطيور التي أحبها، ولم تف بوعدك إهدائي واحدة منها، أو ذلك الرجل الذي يدير ظهره للعالم فتأتي امرأة وتضع رأسها على كتفه، وإذا قلت لي أنك تريد الآن رسم شيء مختلف، فلماذا لا ترسم مثلاً مزهريات. أنت صاحب ديوان مزهرية على هيئة لا أذكر ماذا!؟
الزميل م: عن وعدي لك بلوحة، تعلم أنه من الأشياء القليلة التي وجدت نفسي أتباهى بها، أني قليلاً ما أفي بوعودي. عدا عن أنك لم تأت يوماً إلى مرسمي وتم يدك وتنزع عن الجدار الوحة التي تروق لك، وتتأبطها وتذهب. أما عن علاقة الزجاجات بك، ربما هناك علاقة، لا أستطيع التأكيد بنعم ولا الجزم بلا، ولكني أرسم زجاجات لأني وقعت على موضوع الزجاجات، أنا رسام مواضيع كما تعرف، للموضوع عندي في الرسم والشعر أهمية قصوى، عكس ما أسمع الناس يرددون. ذلك أنه بتبديل المواضيع تتبدل وتتجدد الأدوات. وقد أحببت، أو قل أني وجدت في نفسي ميلاً، لا أعرف سببه ولا يقلقني أني لا أعرف سببه، لرسم زجاجات. غير أني لا أرسم ذات الزجاجة، كما ترى، فأنا أنوع ما أمكنني، في موقعها على الورقة، وفي شكلها، وفي لونها، وفي نوع الألوان التي أرسمها بها، وغير ذلك.
6- ( الفن هو تكرار )
ياسين: أمّا بالنسبة لي، فأنا فلا أرى تنوعاً، بل تكراراً شديداً!
الزميل م: حسناً، مادمت مصراً، فأنا مضطر الآن، لأن أردَّ عليك، بأحد تعاريف الفن التي كنت أحتفظ بها لنفسي، ولا أقوله أمام الآخرين، عملاً بقول صديقنا الراحل الياس مرقص، بأن العرب لم يفهموا هذا ولن يفهموه حتى يبطلوا عروبيتهم!! بأن: الفن هو تكرار.
7-( يتشابهون إلى درجة عجيبة ويختلفون إلى درجة عجيبة )
ياسين: سبق وذكرت تعريفك هذا أمامي أكثر من مرة! يبدو أنك أنت من حدث له ذلك الحادث وأفقده الذاكرة لا أنا!! وهكذا أجدني مضطراً لأن أذكرك بأني قلت لك أكثر من مرة أيضاً، إن التكرار في الفن، لا يعني التكرار في الأشياء، أو الكلمات،أو الحركات. التكرار الفني إعادة ولادة، بل ولادة جديدة، وكأنها الولادة الأولى، لعمل جديد.
الزميل م: قلت لك أن الفن تكرار، وذلك إن كنت تذكر في حوارنا عن التطور في الفن. وعن فكرة أن ليس هناك تطورٌ في الفنون، هناك أحقاب، مراحل، مدارس، كل حقبة، مرحلة، مدرسة تولد وتنمو وتنضج وتشيخ وتموت، أي يحصل التطور في الفن ضمن هذه الحقبة، المرحلة، المدرسة بالذات. ولكن بعدها لا نستطيع أن نقول أن الحقبة الواقعية في الفن أو مدرسة الفن الحديث متطورة أكثر من الكلاسيكية، من يستطيع أن يقول هذا؟ من يستطيع أن يقول أن برانكوزي أو كالدر أو مصطفى علي الذي جاء بعد 500 سنة متطور أكثر من مايكل أنجلو!! وأنت تعلم أن كارل ماركس قال العكس، حين بين أن الفن اليوناني أرقى أنواع الفنون!! ولكن بالعودة لموضوع التكرار في الفن، نعم،التكرار في الفن هو هو التكرار في الحياة ذاتها، أنت قلت ولادة، جديدة، أولى... البشر يولدون وكأنهم يتكررون، ولكنهم في كل مرة يختلفون، ويمكن أيضاً القول: البشر يولدون وكأنهم يختلفون، ولكنهم في كل مرة يتكررون. من هذه الزاوية، الفن بتعريف آخر، هو النتاج البشري الذي يرينا كيف أن البشر يتشابهون إلى درجة عجيبة وهم ذاتهم يختلفون إلى درجة عجيبة.
8- ( ولكن... الفن شكل )
  


ياسين: تستطيع أن تحاضر كما تشاء، سأقول لك شيئاً ليس ينبغي علي أن أنقله لك، لأني علمت به من هناك، وما يعلمه بعد موته الواحد منا لا يُسمح بقوله للأحياء، هناك قانون ينص على هذا، وهو أنك خلقت لتكون خطيب جامع، خطيب جامع المشاطي بالتحديد ، والدليل على ذلك أنك ولدت وترعرعت في بيت جدتك، تماماً مقابل باب ساحته، في حي الصباغين. أمّا ما هو حاضر هنا والآن، في زجاجاتك هذه، فهو التشابه، وما هو غائب وغير موجود فهو الاختلاف.
الزميل م: في مجموعة رسومي ( زجاجات لا احد يعلم غير الله ماذا تحتوي) ينبغي الانتباه إلى التنوع في الأدوات، انظر إلى هذه الزجاجات المرسومة بدقة شديدة، انظر استقامة وتوازي الخطوط، وذلك الانتفاخ في عنق وبطن الزجاجة ثم هناك الضوء القليل الذي يبرق على حافة فوهتها وعلى قوس كتفها. إنها زجاجات واقعية جدا. وربما ببعض التساهل أستطيع أن أسمي الثلاث لوحات الأولى، هذه زجاجات التي رسمتها بالحبر البني الثقيل مع تفاحات مشوبة بالأحمر الخمري وسكين لا يظهر منها سوى نصلها الأبيض، اللوحات الرمبرانتية. ولكن إذا نظرت إلى الزجاجات الملونة بالليموني والأرجواني والحبري، فإنها منتفخة وقصيرة أحياناً ومتطاولة ومائلة أحياناً أخرى. وهي لا تعطي إحساساً بالعمق، لونت سطوحها وكأن حوافها مجرد خطوط على الورق، بدون مراعاة للظل والحجم، إنها زجاجات مسطحة..
/
ياسين: وهل تعتبر أن هذا تنوع! هل يكفي هذا لتدعي أن تكرارك تكرار فنيٌ؟
الزميل م: أظن يكفي، مرة، أثناء زيارة يوسف عبدلكي وهالة عبد الله لي في اللاذقية، فرشت لهم على الأرض رسومي التي ضمنتها ديواني (بشر وتواريخ وأمكنة). حينها تنبه يوسف إلى أن الرسوم التي رسمت بالحبر فقط تختلف عن الرسوم التي رسمت بالحبر والرصاص الذي كنت أغطي به، بدرجات مختلفة، بعض المساحات في اللوحة. أي أن مجرد دخول مادة جديدة أدى، ليس فقط إلى التنوع، بل إلى اختلاف في الأسلوب. في الشكل. أي إلى اختلاف بكامل العمل.
ياسين: هذا أمر لا يمكن تعميمه على الجميع، وهو يحتاج لرسام مثل يوسف عبدلكي، ليتنبه له. وليس كل الناس يوسف عبدلكي، أو نزار صابور، أو سعد يكن. فأنت، إن كنت ترسم بالمائي أو الزيتي أو الفحم، زجاجات طويلة أو قصيرة، غامقة أو فاتحة، فأنت ترسم وتكرر رسم زجاجات، لا يهم هنا لون الزجاجة أو شكلها، المهم أنها زجاجة، وهذا ما يستطيع أن يراه الناس أجمعين.
الزميل م: ربما، ولكن... الفن شكل.
9- (Message in a bottle  )
ياسين: وماذا عمّا كنت تدعيه بأن الفن رسالة، وبأن له وظيفة، وبأنه وجد ليساعد البشر، ليجعل حياتهم أشد جمالا؟
الزميل م: نعم إنه كذلك، إنه رسالة، ولكن على طريقته وبلغته، إنه كذلك بأسلوبه، بأشكاله، بل بشكلانيته.
ياسين: إذن هو رسالة، أنت تقول إنه كذلك بطريقته! ولكن أين الرسالة هنا؟!
الزميل م: وأين تريدها أن تكون! إنها موجودة حيث ينبغي.. إنها في بطن إحدى الزجاجات. Message in a bottle
ياسين: في إي منها؟
الزميل م: لا اعرف.
ياسين: أنت لا تعرف بأي زجاجة، مع أنك من رسم كل هذه الزجاجات! كيف للآخرين، أذن، أن يعرفوا؟
الزميل م: من قال إن على الآخرين أن يعرفوا شيئاً كهذا، ليس المعرفة هنا هي القضية، وأحسب أني أستطيع أن أتجرأ وأزيد بأن عليهم أن لا يعرفوا، لا بأي زجاجة توجد الرسالة ولا يعرفوا أيضاً ماذا في أي من الزجاجات، حتى إني، أنا نفسي، لا اعرف ما إذا كانت الزجاجات التي أرسمها ملآنةً أم فارغة، وكما في عنوان المجموعة لا أحد غير الله يعلم ماذا تحتوي.
10- (ما ليس له شكل، ليس له وجود )
ياسين: كم شكلاً في الواقع للزجاجة؟
الزميل م: في الواقع، في الواقع الواقع، لا يوجد أي شكل للزجاجة.. في الواقع للزجاجة مضمون، محتوى. أنا وأنت نشتري زجاجة ما، لأنها تحتوي زيتاً أو عصيراً، علي الجندي يشتري الزجاجة لأنها تحتوي عرقاً!! ونحن نفضل هذه الزجاجة أو تلك رغم أنها تحتوي ذات النوع من المحتويات، لأنها أرخص أو تحتوي أكثر، أو نوعها أفضل. أما إذا أردنا شراء زجاجة لمجرد شكلها، أو الاحتفاظ بزجاجة فارغة، وصمدها على الرف مع بقية من الزجاجات التي استطعنا على نحو ما جمعها، كما كنت تستطيع أن تراها في قبو محمد سيدة، لو مرة زرته. فهذا يعني أننا ننظر إليها كعمل فني، وفي الفن للزجاجة ما لا يعد من الأشكال، منها ما يصنعه الزجاجون ومصانع الزجاج وأصحاب أفران البورسلين كصديقي طلال راعي مثلاً، ومنها ما يرسمه رسامو الطبيعة الصامتة وسيزان ودوفي وبراك وبيكاسو وأنا على تواضعي.. لا يوجد شكل للزجاجة ولا يوجد للزجاجة شكل... إلا في الفن.
/
ياسين: ولكنك في هذه الأعمال تهتم بالشكل على حساب المعنى! اهتماماً يكاد يمحي أي عنصر فني آخر. أنت مصر على أن تقدم زجاجات فارغة! لماذا يا أخي لا تضع فيها شيئاً ما؟ لماذا لا تضع عاطفةً لا على التعيين.
الزميل م: يحصل أحياناً أن تميل كفة عنصر ما في اللوحة على حساب عنصر آخر، كأن تقول إن الشكل يغلب المضمون في لوحات مونديريان أو كاندنسكي أو ليجية، لا ليس ليجية فهو دائماً يضمن أفكاراُ، فلأقل باتريك هارون مثلاُ، أو بالعكس، إن العاطفة تغلب الشكل في لوحات فان كوخ أو كوكوشكا أو المرحلة الزرقاء عند بيكاسو، إن كنت تذكر العميان والمتسولين والعشاق الذين رسمهم بها. ولكن، حتى بدون هذه المعادلة، الكل يعلم، أنه ما ليس له شكل، ليس له وجود.
11- (الفن هو معنى العالم الذي ليس له معنى )
ياسين: هل يعني انك لا تبالي الآن سوى بشكل وبوجود الشيء لمجرد وجوده حتى وإن فقد معناه؟
الزميل م: بالتأكيد لا... الزجاجة بما هي عليه من هامشية، من تفاهة، من خلوها من الإيحاء، من خلوها من الشاعرية، من الأسطورة، ربما تعطي الفن من المعنى أكثر مما تعطيه أي مفردة أخرى.
ياسين: كيف؟
الزميل م: أليست الزجاجة إحدى أشد الأشياء في العالم هشاشة!
ياسين: حسنا ثم ماذا؟
الزميل م: كيف ثم ماذا!! وأنت تعلم أن الفن بحقيقته، بجوهره، تعبير عن هشاشة العالم.
/
ياسين: إذن أنت في هذه التجربة تؤدي هذا المعنى في الفن!
الزميل م: في هذه التجربة وغيرها ما أريد قوله: الفن هو معنى العالم الذي
ليس له معنى.
12- ( لا أحد يدري )
الزميل م: فظيع أنت، من لا يعرفك يجهلك. أولاً في العادة أنا من يجري المقابلات. وثانياُ بحسب الأهمية والشهرة أنت من يجب أن يكون موضوع المقابلة لا أنا. وثالثاُ: ما زلت على عادتك المذمومة، تهتم بالآخرين أكثر مما تهتم بنفسك أو على الأقل هذا ما كنت تفعله عندما كنت بينهم وما زلت مصراً على متابعته وأنت بعيد عنهم، ماذا تسمي هذا، أ هو هروب من نفسك كما اتهمتك مرة!
ياسين: هذه قصة أخرى، يامنذر... الآن علي أن أودعك. سأزورك بعد حين لاريب، سأفتقدك وسأدعوك لتدعوني مرة ثانية إلى مرسمك، وربما آتي ويكون عندك بعض الأصدقاء. أما مكان إقامتي الجديد فهو لا يصلح للقاءات كهذه، على الأقل بالنسبة لكم أنتم الأحياء. ولو بعد زمن طويل، لا أتمنى أن ألتقيك هناك، مصلحتي أن تبقى هنا! لأنه، أنت هنا، يعني جزء مني ما زال هنا، أجزاء مني ما زالت حية في بقية الأحياء. لا تعلم ماذا يعني لي ذلك. لذا إياك يوماً أن تستعجل فكرة زيارتي، أرجوك.
الزميل م: لا أحد يدري.



#منذر_مصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عراقي 6 من 5 منذر مصري : أخي كريم عبد... ابق أنت... وأنا أعو ...
- عراقي - 5 من 5 الحرب: ابق حياً- ليس سهلا إسقاط التمثال-احتفا ...
- عراقي - 4من 5- رسالة شاكر لعيبي
- عراقي 3من 5- المنفى والأرض والموت وقصيدة النثر العراقية
- عراقي 2من 5- الشعر: سعدي يوسف- مهدي محمد علي
- عراقي - 1من 5- المحتوى- المقدمة- نداء
- معادلة الاستبداد ونظرية الضحية - في الذكرى الثالثة عشر لوفاة ...
- محمود درويش : أيُّ يأسٍ وأيُّ أملٍ ممزوجين معاً في كأسٍِ واح ...
- عادل محمود لَم يخلق ليكون شاعراً !
- علي الجندي قمر يجلس قبالتك على المائدة
- أي نقدٍ هذا ؟
- بوعلي ياسين مضى وعلى كتفيه شال من شمس شباطية
- يوم واحد من حياة إيفان دنيسوفيتش- للروائي الرجعي عدو الحرية ...
- كتابٌ أكرهُهُ وكأنَّه كتابي
- دُموعُ الحَديد
- حجر في المياه الراكدة - مقابلة مع وكيل مؤسسي الفرع العاشر لل ...
- على صَيحة ... يَعقِدُ جمميعَ آمالِه - مقدمة لمختارات من شعر ...
- محمد سيدة ... هامش الهامش
- احتفاءً بحق الموت العربي
- رقابة في ملف مجلة الآداب عن الرقابة


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - زجاجات... لا أحد غير الله يعلم ماذا تحتوي!! بو علي ياسين – الزميل. م. مصري