في كتابه ذي العنوانين ( الشعر والعمل ، الشعر والمجتمعات الاستهلاكية ) الصادر عن دار الجليل ، يطلق الناقد العراقي د. عبد اللطيف الراوي أحكاماً نقدية من العيار الثقيل على رؤوس ثلة من أهم الشعراء العرب . ولأن عبد الوهاب البياتي شاعره المفضل سابقاً فيما يبدو ، فقد خصه بأثقل ما في جعبته من قذائف .
وبدون لف ودوران ، إليكم بعض هذا الأحكام ، التي أحسب أني بنزعها من سياقها ، وما سوف أورده أحياناً بين الأقواس من ردٍ أو تعليقٍ عليها ، سأكون قد قمت بعرضها ، بالشكل الأشد ملاءمة لهذا النوع من النقد :
عبد الوهاب البياتي :
1- لقد أسقطنا السيَّاب ، حين احتضنا دجالاً مثل البياتي . / ص 7 /
2- دفعْنا البياتي إلى الغرور والسيكوباتية ،وصدّق أنه أصبح شاعراً عظيماً يعترف به العالم ، ولا يضره لو أنه تصاغر للحاكم ، مهما كان لون سوطه . / ص 7 /
( ويلاحظ هنا عدم منطقية الكلام ، أي أن يقرر المرء حالة شيء ثم يبني فرضية ما ، وهنا : عندما يصدق الشاعر ، عندما يصدق حقاُ ، أنه أصبح شاعراً عظيماً يعترف به العالم ، فمن المنطقي أنه سوف يرى نفسه فوق الجميع ، ويصير من الصعب عليه أن يتصاغر لأحد ، أما لحاكم من نوع صدام حسين ، فالشاعر العظيم قد يفعل هذا مضطراً ، على مستوى الخيار بين الحياة والموت ، أو ، دوننا والمبالغات ، بين الحياة خارج الزنزانة أو في داخلها . وقد سنحت لي فرصتان لألتقي بعبد الوهاب البياتي شخصياً ، واحدة في اللاذقية والثانية في بيروت ، أثناء معرض الكتاب العربي عام 1997 ، وبكلتيهما ، عرفته واحداً من أرق وألطف العراقيين الذين عرفت الكثير منهم في حياتي ، إضافة لتواضع جم ، وددت حينها لو ما كان إلى تلك الدرجة . لكن الأعجب في كلام د . الراوي ، هو قوله : ( مهما كان لون سوطه ) وكأن السوط بذاته ليس مشكلة بل لون السوط ، اللون هو المعيار . وربما كان د . الراوي يقصد أنه لا مانع لديه أن يكون للحاكم سوط أبيض أو أسود يسيط به أناس معينين يستحقون أن يساطوا لسبب أو لآخر بعرفه . )
3- بدأ عبد الوهاب البياتي حياته ( حياته كلها وليس الأدبية فقط ) بالتسلق على أكتاف الشعارات السياسية ،ودغدغة عواطف بعض القوى السياسية . / ص 37 / ( وهنا أفكر بأنه ربما ، قد وقع هذا الكتاب بيد عبد الوهاب البياتي ،وقرأ هذا الكلام ، فاتعظ وتاب ، وبسبب هذا غادر بيته ووطنه ، وهو في العمر الذي على المرء فيه أن ينشد الراحة ، مهما كانت الظروف .فيقوم الحاكم ، لأنه ما عاد يستطيع أن يطاله بسوطه الرديء اللون ، بتجريده من هويته العراقية ، فينهي أبو علي حياته في دمشق ، بدون هوية من أي نوع ، بعيداً عن أهله ومحبيه . ولا أدري إن كان د . الراوي قد سامحه بعد هذا ) .
ـــــــــ
محمود درويش
4- قد نصفق لقصيدة " بيروت " لمحمود درويش ، ولكن إذا جلسنا مع أنفسنا ( وضعية الجلوس في غاية الأهمية ، كما يبدو عند د . الراوي ، ولكن بشرط أن يكون جلوسنا مع أنفسنا ، لا مع آخرين قد يفسدوا علينا جلستنا ! ) وأعدنا قراءتها ، ومقارنتها بأبسط الصور الفوتوغرافية والأفلام التلفزيونية الحية ، عن صمود بيروت ودمار بيروت ، والموت في بيروت ، تغدو القصيدة قميئة إزاء الواقع المدمر الذي كان قبل الغزو ( !! وليس أثناء أو بعد الغزو ) فإذا وضعناها في إطار القصائد التنبوئية ( يبدو أنه لا بد من وضعها في هذا الإطار ، ولا أدري لماذا ؟ ) انحسرت قدرتها على أن تكون فاعلة ( ولماذا ؟ يفسر د . الراوي ) فهي تعتمد في أماكن عديدة الجمل القصيرة المتكئة على التكرار اللفظي والتساؤلات . ( وهنا حقاً يمكن للقارئ أن يصيح ، إذا فهم السبب ، ذهب العجب ) .
5- ومحمود درويش نفسه يقر أن في القصيدة هذياناً " أهذي ، ربما أبدو غريباً عن قومي .. " / ص 64/ ( الإدانة بتهمة الهذيان مثبتة بإقرار الجاني واعترافه دون استخدام لأي وسائط الضغط من ترهيب وتعذيب ، والاعتراف سيد الأدلة ، قولاً واحداً .
ــــــــ
سعدي يوسف
6- إني أدعو لإزالة هذا الطابو المضروب حول شعراء لم يكونوا حتى الآن أفضل شعرائنا ، وإعادة قراءتهم ، بعيداً عن الحماسة العربية المدمرة ، لكي ننصف خلال ذلك أولئك الشعراء الكبار حقاً " كسعدي يوسف مثلاً " الذين ما زالوا يقدمون كلمتهم النبوءة ، ممزوجة بأنفاسهم التي يريد أن يكتمها ، بين لحظة وأخرى ، جلاد متربص . / 7 / ( كل هذه البلاغة والترطين ، حيث يجعل كلمتهم نبوءة ! ممزوجة !! بأنفاسهم !!! وهو يدعونا لإزالة الطابو المضروب والابتعاد عن الحماسة المدمرة !!!! رغم موافقتي أن سعدي يوسف شاعر كبير حقاً )
7- وسعدي يوسف ، بإقرار جميع النقاد الجادين ( لا النقاد المزَّاحين أمثالي ، ولا داع طبعاً عند د. النوري لذكر أحد هؤلاء النقاد الجادين ) من أعظم شعراء العصر / ص 72 / ( وهي شهادة تكاد تحسب عليك يا صديقي سعدي أكثر من أن تحسب لك ، ولكن ماكو مشكلة )
ــــــــ
نزار قبّاني
8- ففي هذا الشعر " العربي المعاصر " نتوءات ملغومة : إحباطية ، فوضوية ، مائعة ، أو تخريبية بحتة . وكل هذه الأشكال روافد تصبّ في مستنقع المحاولات التي تريد إرجاع العجلة إلى الوراء .... وشعر نزار قباني وأدونيس سابقاً ( ! ) وجماعة مجلة شعر رافد من هذه الروافد /ص 40/ ( والحقيقة كنت مخيراً ، إمّا أن أكتب صفحة كاملة رداً على هذا ، ماذا أصفه ؟ الكلام ، وإمّا ، وهذا ما اخترته ، أن أكتفي فقط بكلمة : لا تعليق ! )
9- فنزار شاعر مسطح يغازل ( لاحظوا ، نزار يغازل والبياتي يدغدغ ! ) العواطف القومية ( البياتي يدغدغ العواطف السياسية ! ) والجنسية بمستوى واحد ( يفضل د. الراوي أن يكون هناك مستويات مختلف للمغازلة ، على ما يبدو ) / ص 40/
ــــــــ
تاريخ إصدار الكتاب هو عام : 1984 ، ولا ريب أنه ابن مكانه وزمانه على نحو ما ، وياله من مكان وياله من زمن . وهو بمجمله ينطلق من وجهة نظر ماركسية ، أو لنقل يسارية قومية ، بالتأكيد هناك فرق ، فتصوروا أن يكون هناك يساراً يفكر هكذا . خاصة وإنه يحاول ، تصحيح ، إعادة التفكير في أحكام سابقة له ، يصف بأنها كانت نتيجة الحماسة العربية المدمرة . ولكن مرور هذه العشرون سنة على إصداره ، لا يمنع من كونه أحد كتب نقد الشعر العربي المعاصر النادرة ، والتي يساعد سوء توزيع الكتاب العربي في أن لا يدري بها إلاّ القلة . وهو على صغره ، كونه يجمع محاضرتين لا أكثر للدكتور عبد اللطيف ، يتضمن اجتهادات وأحكاماً كثيرة ومتنوعة ، بعضها ربما كان أغلبنا قد سمع به ، وربما مازلنا نسمعها الآن . ولكن يوماً ، بالنسبة لي ، لم يخطر ببالي أن أجدها مكتوبة . أمّا السؤال الباقي فهو : أي نقدٍ هذا ؟