أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر مصري - رقابة في ملف مجلة الآداب عن الرقابة















المزيد.....


رقابة في ملف مجلة الآداب عن الرقابة


منذر مصري

الحوار المتمدن-العدد: 672 - 2003 / 12 / 4 - 04:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حسنٌ ..  أن تقوم مجلة ذات مكانة وتاريخ مرموقين ، معروفة بتحفظها على مدى نصف قرن ، في المجال الأدبي و السياسي ، بفتح ملفٍ للرقابة العربية . نعم حسنٌ .. أن تخص مجلة الآداب البيروتية ، الرقابة في سوريا بالملف رقم ( 1 )  الدولة العربية الأشد إثارة لفضول العرب وغير العرب وخاصة بما يتعلق بسياستها الداخلية ، هي التي كانت ، وما تزال تعتبر من قبل البعض ، رغم المتغيرات ، من آخر دول السور في العالم ، هذا الاهتمام الذي لوحظت زيادته في السنين الأخيرة التي شهدت نهاية عهد وبداية عهد . وما رافق ذلك من انفتاح سياسي وإعلامي على الطريقة السورية  ، وغزو ، لا مجال للوقوف أمامه ، لمراسلي الشبكات التلفزيونية الفضائية ، العربية والأجنبة , جعل من الممكن ولو بشكل محدود ، الإطلاع على ، ومتابعة ، ما يجري من أحداث ..
1-            عزيزي السيد الرقيب !
قلت : حسنٌ ..  ولكني حقاً ، لا أستطيع أن أتابع بقولي حسنٌ حسنٌ .. أن تقوم أي مجلة أو جريدة ، بالتوسل إلى الرقيب ليسمح لها بالدخول والبيع في هذا البلد الذي تتصدى لموضوع الرقابة فيه . أفهم ، أن تشرح له ، أن تحاول إقناعه ، أن تأمل منه السماح بالدخول . ذلك أن غاية كل مجلة ، أن تدخل كل بلد ، لتباع أولاً ، لأن أصحاب مجلة الآداب وغيرهم ، ليسوا مبشرين دينين ، أو محسنين في مجال الفكر والأدب ليخسروا من جيوبهم الآلاف من الدولارات ( العملة التي ذُكِرت في الافتتاحية ) لينشروا هرطقات جادت بها قرائح شعراء وقاصين وصحفيين وسواهم  ، وثانياً لتُقرأ ويطَّلع الناس على ما كتب فيها ، وأنا أُصدِّق أن لأصحاب الآداب هذه النية .  قلت أفهم هذا ولكني مرة ثانية حقاً لم أفهم النبرة التي لا أريد تكرار وصفها ، التي كتب بها الأستاذ سماح إدريس ، افتتاحية العدد 7/8 تموز - آب 2002 . ذلك أن جميع من قرأها لاحظ ذلك ، وإن لم يستنكره آخرون ، للأسباب التي ذكرت ، وبحجة إنه لا مجال للحوار مع الرقابة العربية  إلا بالاستجداء ، وربما المداهنة والتملق . وإنه إذا كان لهذه الافتتاحية بما هي عليه دور ما في السماح للعدد بالدخول إلى سوريا ، فقد نجح الأستاذ سماح إدريس ودخل العدد ، وأعترف بأن هذا ليس سهلاً ، وأيضاً لم يكن متوقعاً . ولكنه أولاً وأخيراً هو المطلوب .
وبما أن الافتتاحية ليس النقطة الوحيدة في تناولي للعدد ، لذا سأحاول أن أختصر ما أمكنني ، وهكذا :
-         بعد مخاطبة السيد الرقيب ، بعزيزي ، وهي لفتة لطيفة ، ذكرتني بعنوان كتاب للأستاذ مصطفى محمود ( حوار مع صديقي الملحد )،كان المفكر الراحل إلياس مرقص يجد فيه قدراً لافتاً من الجرأة ! أقول بعد مخاطبة السيد الرقيب ، بعزيزي ، ينتقي له من التحيات أعطرها قاطبة: ( صباح الفلّ ) ثم يباشر ب : ( هذا العدد بين يديك ، لا تبدأ بقراءته . الجو حار؟ أدر المروحة ).. ما أريد قوله للأستاذ سماح هو إن السيد الرقيب الذي يخاطبه وقبل أن يأخذ هذا العدد بين يديه ، بنصف ساعة على الأقل ، قد أدار له الآذن أو مدير مكتبه مكيف الهواء ذي القطعتين !
-         يطمئن الأستاذ سماح عزيزه السيد الرقيب بأن لا أحد يريد الشر به ، وأنه هو بالذات ( محسوبك مواطن عربي من لبنان  يؤمن ـ مثلك ـ بالوحدة وبالحرية وبالاشتراكية . لا ينتمي والحمد لله لا إلى قرنة شهوان ولا إلى التيار الوطني الحر ولا إلى القوات اللبنانية ولا إلى المؤتمر الماروني العالمي ) يبرئ الأستاذ سماح نفسه من هذه الفصائل ، وفي تصوره أن كل ما يخشى الرقيبُ السوري هو أن يكون منهم ! ومع أن هذا شيءٌ يخص الأستاذ سماح ، ، بما أنه لبناني ، فأنا لا أظن سوريا تعتبرهم لا الصف الأول ولا الثاني من أعدائها . 
-         ( نحن مجلة مستقلة ، وخاسرة ، ونصرخ منذ عامين ) وهنا أقسم لو كنت بدل هذا الرقيب ، وبعد أن قرأت أن عائلة إدريس هي ، مكتفياً مرة بذكر الكنية ومرة بذكر الاسم الأول : ( الكواكبي ، وعبد القادر ( الجزائري طبعاً ) والحكيم جورج ( حبش ) وهاني ( الراهب ) وحنا ( مينه ) وصولاً لنبيل ( سليمان كما أظن ) وجمال ( باروت ) ـ وحسب علمي ، إن أغلب هؤلاء ، إن لم أقل كلهم لا يمكن إلا بصعوبة ، اعتبارهم من الأولاد البررة الصالحين ! ـ ( عاشت كل حياتها أو جزءاً منها في سوريا ، سوريا التي تتعرض اليوم للانتقادات الأمريكية والإسرائيلية ، بسبب موقفها القومي من حزب الله وعلاقاتها مع العراق .. ومعاذ الله أن نريد .. إلا تعزيز قوتها )  أقول لو كنت بدل السيد الرقيب لما سمحت للعدد بالدخول فقط ، بل لرفعت سماعة الهاتف وطلبت الأستاذ سماح وسألته عم يحتاجه من مساعدات مادية ومعنوية لدعم مسيرة المجلة وصمودها .. ولكن أرجو من الأستاذ سماح أن أدقق له بعض التعابير ، فأقول إن سوريا ، لا تتعرض للانتقادات الأمريكية والإسرائيلية فقط ، ولو كان ذلك فحسب لكان الأمر هيناً ، بل إنها تتعرض ، للضغوطات الأمريكية المتنوعة الأشكال والمستويات ، والتهديدات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة ، وليس فقط بسبب موقفها من حزب الله وعلاقاتها مع العراق ، بل !!!! بسبب موقفها القومي الشامل ، بما يخص القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني كاملة ، وعملية السلام المجتزأة التي تديرها الولايات المتحدة ، القطب الوحيد ، ولصالح طرف واحد دون غيره ، ليس بحاجةٍ للتسمية.
-         أما قمة اللطف فقد ظهرت في اختيار الأستاذ سماح إدريس ل ( يا غافل ، إلك الله ) بدل ( يا ظالم ، لك يوم ) وهو التعبير الأشد ملائمة للسياق (  ورموا بخمسمئة نسخة ( ........... ) جمعنا ثمنها دولاراً دولاراً ! ) لكني لا أصدق أن سماح أو أياً غيره تصل به الغفلة لهذه الدرجة .
-         في النهاية ، كان السيد الرقيب عند حسن ظن الأستاذ  ، ولم يرم ( نخبة سوريا ! ) في سلة المهملات . الأمر الذي خشي الأستاذ سماح أن يفعله . مع أن سلة المهملات ، بالنسبة لهذه النخبة ليست أسوأ مكان ترمى إليه ، و ( قوّى قلبه ) - ما بين ألأقواس تعابير مجتزأة من الافتتاحية - وسمح للعدد بالدخول ، وأثبت بهذا السماح ( للقاصي قبل الداني ، أن سوريا من سعة الصدر بحيث تحضن جميع أبنائها ) حقاً . وإذا أعتبر البعض أن إدخال العدد لا يكفي لإثبات كل هذا ، فإن الرقيب السوري قد بدا وكأنه فوق كل هذه الهرطقات ، أو كأنه أراد أن يؤكد أن صورته الجديدة لا يؤثر بها ما كتبه ثلة من كتَّاب حاق بهم ، حسب اعتقادهم ، ظلم أدبي ما ، في زمنٍ مضى له ظروفه . وفي الحقيقة ، رغم أن الملف بمثابة خطوة لا سابق لها في طريق طويل شاق ، لا يمكن لأحد أن يأخذ عليه عدم الوصول إلى نهايته ، فأن أغلب الذين اطلعوا على الملف ، أبدوا ملاحظات قاسية ، إما على الملف بمجمله ، وإما على ما كتبه هذا أو ذاك من المساهمين ، وأنا شخصياً أشاركهم بهذا ، وأرى أنه كان بالمستطاع ، أن تكون هذه الخطوة الأولى ، أثبت وأوسع . فالشهادات الشخصية قد غلبت بذاتيتها على كامل الملف ، حتى أني عندما قرأت ما كتبته أنا بالذات ، ناظراً إليه كجزء من ملف ، وجدتني أيضاً قد أخذت الأمر على نحو شخصي زائد ، يكاد يكون عرض حال ممل !
2- شهادات كثيرة ولكن ناقصة
 تألف الملف من 20مساهمة : 3 أبحاث ومقابلة واحدة و16شهادة و4 نصوص ممنوعة لبعض من أصحاب الشهادات . وفيما يلي عدة ملاحظات أجد من واجبي إبداءها ، فأرجو قبولها كتكملةٍ لمساهمتي وتصويباً لها . وهذه الملاحظات منها العام على كامل الملف ومنها المحدد بما يخص هذا البحث أو تلك الشهادة :
1-    قدم للملف معده الاستاذ جمال باروت تقديماً مبتسراً للغاية ، وهو على ابتساره ، كان معظمه عن ظرف مجلة الآداب المالي ، يفهم منه أن أصحابها فضلوا ، لمتابعة صدورها ، طريقة فتح ملفات مثيرة بدل قبول أي شكل من أشكال التمويل ... ينتقص من استقلاليتها . ثم وفي الفقرة الأخيرة ، يقوم جمال بتمهيد فيه محاولة مصادرة على أي نقد قاسٍ لطريقة الإعداد والمحتويات ، التي لم يجد من داع ، على ما يبدو ، لشرحها أو التحدث عن ظروفها ، إلا بوصف الملف بأنه غير أكاديمي ! غير أن عدم أكاديميته ، لا أظنها عذراً كافياً لما وجد به الكثيرون من مسالب .
2-    زادت لحد كبير عدد الشهادات بالنسبة لعدد الأبحاث ، 16 شهادة إلى 3 أبحاث ، الأمر الذي أرى أنه أضاع فرصة دراسة نقاط هامة في ملف الرقابة السورية ، واحدة منها مثلاً : من هي جهات الرقابة في سورية وما هي آليات عملها ؟ أو ما هو مفهوم وحدود وآلية الرقابة حسب قانون المطبوعات الجديد الذي صدر السنة الماضية 2001 ، والذي كما تدل الفقرة الهامة التي تناوله بها الاستاذ حسان عباس والإشارة التي ذكرها الاستاذ نبيل سليمان ، يستحق ، وكان يجب ، أن يُفرد له بحث خاص . ثم أين يصيب وأين يخطئ هذا القانون ،.كما كان من الممكن إيراد قوائم بعدد وأسماء الكتب التي منعت في تاريخ سوريا الحديث مثلاً . و بقدر ما يتطلب هذا من جهد بقدر ما يمكن له أن يتراكم مع الأيام ويصبح وثيقة هامة  .
3-    لا أستطيع إلا أن أثمن مقالتي الاستاذ حسان عباس ( الصحافة والرقابة في سوريا )، و الاستاذ فاضل الكوكبي ( الرقابة على السينما والدراما التلفزيونية ) ، بكونهما قاما بسرد تاريخي لهاتين الرقابتين ، لكني وجدت فراغاً زمنياً في نص حسان حين ينتقل مباشرة من الرقابة على الصحافة بعد الاستقلال إلى قانون الرقابة الجديد الصادر في عام 2001 ، هذه الفترة التي رسمت صورة سوريا اليوم بما لها وما عليها .أما مقالة فاضل فإني وجدت أن ما أورده من هوامش تزيد في أهميتها عما قرأته في النص ، وخاصة عند ذكره للجان الرقابة ، و قرارات الحجب الشفاهية ، فالفيلم السوري الوحيد الذي استمر العمل في منعه عن العروض الجماهيرية ، وهو ( نجوم النهار ) لأسامة محمد ، لم يصدر به قرار منع كتابي ، هذا حسب معرفتي . أما البحث الثالث الذي قدمه خضر آغا عن المفكر الراحل بو علي ياسين ، فهو على شموليته ، أشبه بشهادة الغائب . ولكن مأخذي الأكبر على قسم الأبحاث بالملف هو وجود بحث عن الرقابة في الصحافة وآخر في السينما والتلفزيون ، وخلوه من بحث عن رقابة الكتب في سوريا ، على أهميته التي لا يمكن الخلاف عليها . 
4-    رأس المفكر أنطون مقدسي ، ( أحد أهم الكتاب العرب في القرن العشرين ) كما وصفه محاوره خضر الآغا ، - مجارياً حملة عامة من الإعجاب الشديد بالإستاذ أنطون ، ظهرت بعد افتتاح منتدى رياض سيف ، بمحاضرة له ونشره لرسالتين شبه شخصيتين ، واحدة للرئيس بشار الأسد ، والثانية لحفيدته - ورغم هذا فإن القول بأنه أحد أهم الكتاب العرب في القرن العشرين ، ينطوي ، برأيي ،  على مبالغة شديدة ، أقول رأس الاستاذ مقدسي ولمدة 35 عاماً ، موقعاً من  أهم المواقع المؤثرة في المشهد الثقافي السوري ، وهو رئيس مديرية التأليف والترجمة في وزراة الثقافة . الجهة الرسمية الأولى المخولة بطبع الكتب على مختلف أنواعها ، تراثية ، علمية ، فلسفية , اقتصادية ( طبعت يوماً رأس المال لكارل ماركس كاملاً ) ، أدبية من كل أنواع الأدب ، تراثية ، أو مترجمة ، أو نتاج إبداعي سوري أو عربي .. الخ . والتي يخصص لها من ميزانية الدولة اعتماد ، أحسب أنه زاد كثيراً على مدى السنوات . وأحسب أيضاً أنه يزيد كثيراً عن مخصصات الجهة الثانية المخولة بطبع الكتب ، وهي إتحاد الكتاب العرب في دمشق . الذي تقتصر إصداراته على نتاج أعضائه من الأدباء ، إلا فيما ندر . أي أن الاستاذ أنطون حقاً ، حتى وإن لم يسمى رقيباً , فهو أحد أهم سدنة النشر والمنع قاطبة في تاريخ سوريا ، فهو في طول مكوثه في موقعه هذا من المؤمَّنين على النشر رسمياً ووظيفياً و عملياً ، وقد أشار في الحوار الوحيد الذي تضمنه الملف ، بأنه ( هناك مخطوط مثلاً أعيده إلى صاحبه فوراً ، وهناك آخر يقرأه ثلاثة قراء أو أربعة لنتأكد منه . وبعد أن توافق اللجنة عليه ، فذلك يعني أنه لا غبار عليه ايديولوجياً . فأنا أعرف ما يريده حزب البعث وماذا لا يريد . إضافة إلى أني أعرف مصلحة بلدي ) على حد تعبيره . كما أنه يقول في أول كلامه : ( وزارة الثقافة هي التي تراقب كل إنتاجها ) ويعود ويبين أن ( هناك رقيب " أكابر" ورقيب " قرباطي " الأكابر يمكن التعامل معه ، لأنه مرن قليلاً وغير متزمت . المشكلة مع القرباطي ، فهو يخاف من كل شيء ، ويوقف الكتاب على أدنى كلمة ، ولا يمكن التعامل معه ) وهنا أحسب أن الاستاذ أنطون يعتبر نفسه من الرقباء الأكابر ، ولكن مشكلة هذا الكلام في أنه يحول قضية الرقابة إلى الطبيعة الخاصة للرقيب ، وإلى مزاجه الشخصي . حتى حين يقول ( يخاف كل شيء ) فهو يبدو وكأنه يتجنب قول بأن هناك ، جهة ما ، سلطة ما ، في رأس الرقيب أو فوق الرقيب تراقبه وتُحاسبه !
وأحسب أن أخطر ما جاء في هذا الحوار هو ذلك الحكم الذي اختصره الأستاذ أنطوان بقوله : ( الوضع الثقافي في البلد بشع جداً ، ويلزمه عمل كثير ) !
5-    رغم أن الشهادة ، شهادة ! أقصد أنه ليس من المطلوب أن تتضمن تحليلات واستنتاجات ، ولكن مفهوم العرض حال ، وتصفية الحسابات بأنواعها ، قد غلب على شهادات الملف ، ولا داعي لذكر الاستثناءات ، لدرجة أن البعض راح يشطُّ بذكرياته ( مثلي ) كما أن واحداً من  أهم الأسماء المشاركة ، كاد أن يعتبرها أحدى روايته ، وقد وثق ما يرويه بصورة له وهو مطروح على السرير في المشفى بعد حادثة الاعتداء عليه . وآخر استعان بأسلوب الجداول ليبين لنا ما بُدِّل له من تعابير وكلمات خطيرة من قبل محرر في جريدة محلية ! وقد اختلط بهذه الشهادات الكثير من الغث والقليل من الثمين ، حيث بث بها ، ومن خلال الذكريات الشخصية المسهبة ، بعض من التفاصيل والوقائع ذات الدلالات الهامة . ولكني تمنيت لو تضمن الملف شهادات كتَّاب مثل حنا مينه وزكريا تامر وحيدر حيدر ، الذين إضافة لأهمية شهاداتهم ، فلكل منهم ، كما هو معروف ، قصص وحكايات مع الرقابة السورية . وكذلك شهادة الروائي علي عبد الله سعيد ، الذي نشر له ، منذ عدة سنين ، ملحق النهار الثقافي ، تفاصيل من تقرير الرقيب العجيب عن روايته ( سكر الهلوسة ) .
6-    لم أجد في الأربعة النصوص المنشورة كممنوعات ، على قلتها ، ما يستحق المنع ، لا من قريب ولا من بعيد . سوى أن امرأة قبلت امرأة من عنقها وابتعدت عنها، ثم بعد ذلك ، قبلت ذات المرأة امرأةً أخرى قبلةً طويلة .. و قادتها إلى مصطبتهما . في خاتمة مقطع نهاد سيريس ، وأن الأحداث التي يرويها نيروز مالك تجري في السجن ولكنها خالية من أي مشهد لتعذيب أو إذلال أو كلام في السياسة يبرر منعها . أما قصة محمد أبو معتوق ، فقد ذكر صاحبها بالذات ، أن عدد مجلة اللوتس الذي نشرت به ، منع بسبب أن الرقيب لم يفز بإحدى جوائز مسابقة المجلة الشعريه آنذاك ، لذا ليس هناك سبب لاعتبارها نصاً ممنوعاً !!

3-سلطة الأهل على الأولاد القاصرين
رغم النبرة الاستعلائية ، المعاكسة تماماً لنبرة افتتاحية الآداب ، التي تتصف به مقالة بلال خبيز في عدد ملحق النهار الثقافي/4-8-2002/ ، ورغم أن ( اللّي بياكل العصي ما متل اللّي بيعدها ) فأنا أوافقه أن الملف بدا وكأنه شكوى مسرفة لهؤلاء الكتاب من أنفسهم إلى أنفسهم ، ومن الرقيب إلى الرقيب ، أو لأقل من الرقيب الأدنى إلى الرقيب الأعلى ، من لا يشكى لأحدٍ غيره ! كما أوافقه بأن الملف قد قصر ، عن قصد أو غير قصد ، ب ( تفكيك المنطق الذي تقوم الرقابة في هديه بمنع ما ينشر ويذاع ) أي ، إذا ما أصاب ظني ، ولا أدري لماذا يصرح بلال به ، أن الممنوع حقاً في سوريا لم يتم التطرق إليه ، فهو ما يمس تابويات النظام السياسي حصراً ، أما الباقي كالجنس والنظريات الدينية الفلسفية والاقتصادية ، فهي مجرد تنويعات ، لا أكثر . لكني لا أوافقه في ذلك الإقحام لفكرة وجود الدولة أو عدم وجودها في الموضوع ، فهو عندما يقول أن ( الكتّاب والفنانون يسرفون في شرح اللا منطق الذي يحكم الرقابة هناك، لكن هذا اللا منطق أو ربما المنطق الأعوج لا يجعله غير قابل للفهم . إن الكتّاب يفهمونه جيداً، لكنهم ينزعون عنه منطقه لئلا يقولوا قولاً صريحاً في استحالة قيام الدولة في سوريا، في ظل هذه السلطة وكنفها الأبوي ) يكون قد دفع بالكلام إلى حيث يريده هو ، لا إلى حيث يجب أن يصل . لأنه ليس من المعقول أن يصعد ما يقوله ، أي صاحب بحث عن هذه الرقابة ، أو صاحب شهادة ، إلى مستوى مناقشة وجود الدولة كوهم أم حقيقة في سوريا ، وبرأيي أنه ، نظرياً وعملياً ، تكون الدولة ، كسلطة فوقية ، ذات مؤسسات قمعية ، أي بتوصيفها الكلاسيكي المعروف ، موجودة في البلاد التي تمارس بها الرقابة في أقصى حدودها ، أكثر منها في البلاد الأخرى التي بمقدار ما تشف وتشحب الرقابة بها بمقدار ما تشف وتشحب صورة الدولة . حتى تصل هذه البلاد , إلى انعدام الإحساس بوجود الدولة ، ومن ثم إلى عدم وجودها فعلياً ، كما بشر الشيوعيون يوماً .
وما أخالف به بلال أيضاً هو قوله (  معضلة الكتّاب والفنانين في جو من هذا القبيل، تكمن في أنهم لا يستطيعون أن يكبروا في أوطانهم من دون أن تفرض عليهم السلطة مشاركتها في تبرير حصارها لنفسها ) وهذا غير صحيح ، لأن الأدباء الذين من هذا القبيل ، لا أحد في سوريا ، يعتبرهم من الكبار ، على الإطلاق . وهذا يعود إلى حساسية شديدة يتصف بها المحيط الثقافي السوري ، ليس لها أي مثيل ، لا في اللبنان ، في حدود علمي ، ولا في أي بلد عربي آخر .   
4- لماذا لم تنشر قصيدتي في الملف ؟
بعد كسلٍ وتردد ، رغم أني من اتصل بجمال باروت في بادئ الأمر أعرض عليه مشاركتي في الملف ، كتبت على عجلٍ شديد ، ( قصة إتلاف كتابي داكن ) وأرسلتها له ، طالباً منه كمعد تصحيح ما يراه مبالغات أو لا يمكن نشره ، ولكن كان هم جمال ، هو أن أرسل أيضاً على عجل ، نص قصيدة ( ساقا الشهوة ) موضوع المساهمة ، وسبب منع الكتاب ، إضافة لكونها مزقت من مجلة الناقد عدد /43/ عند دخوله سوريا ، فأرسلت له القصيدة كاملة ، وأنا مطمئن هذه المرة بأن ملفاً مضاداً للرقابة لن يمتنع عن نشرها ، علماً بأني أشرت في شهادتي إلى أن كتابي ( مزهرية على هيئة قبضة يد ) الذي صدر عن شركة رياض الريس للكتب 1997 قد تضمنها ، وأنه تم السماح للكتاب بالدخول إلى سوريا ، كما تم توزيعه من قبل المؤسسة العامة الموكلة رسمياً بتوزيع المطبوعات من الكتب والجرائد والمجلات بأنواعها , فبيع في المكتبات ومعارض الكتاب ولم يعترض أحد على شيء . ولكن لم يمض وقت طويل حتى صدر ملف الآداب عن الرقابة في سوريا دون نشر القصيدة ، قال لي جمال في البداية أن العدد بسبب وجود ملف آخر ( الدولة الديموقراطية العلمانية في فلسطين التاريخية ) قد تضخم كثيراً ، ولأن هذا ليس عذراً مقبولاً ، لأن الملف تضمن أربعة نصوص طويلة ومجتزأة من روايات وقصص ، ولم ينشروا قصيدتي التي كان في الإمكان طبعها على صفحتين فقط كما ظهرت في الناقد ، فقد تابع جمال ضاحكاً بأنهم قالوا عنها قصيدة بورنو ! ورغم أن هذا لم يزعجني على الإطلاق ، لأن أشياء كهذه قد توقفت منذ زمن  أن تكون مصدر إزعاجي ، ولكن إضافة للتساؤل : كيف لمثقف مثل سماح إدريس أن يفهم قصيدة كهذه بمثل هذه السطحية . فإنه يرنا الفرق في النظرة بينه وبين ناشر آخر كرياض الريس مثلاً .  
في كل ما سبق ، أخشى أن يصل المرء إلى ذلك الاستنتاج , بأننا نحن العرب مازلنا أمة كلام .. أمة أقوال ، نقول ما لانفعل ، أمة حكي ، أما الأعمال ، فهي بالنيات ، وعلى الله ، أو على وكيله في الأرض ، السيد الرقيب وبنحو أدق ، السيد سيد السيد الرقيب الذي له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير .
5- شَيءٌ كالخاتمة
ثم في النهاية ، لا أدري لماذا أعفينا جميعنا أنفسنا من تقديم  بعض المقترحات والمطالب ، كأن يدعى الأدباء إلى اتخاذ إجراءات لمقاومة هذه الرقابة وإفشالها، والتفكير بحلول لقيام ومتابعة النشاط الأدبي والإبداعي خارجاً عنها .  هل هذا شيءٌ زائد عن الحد ،  هل هو من تفاصيل الخطوة الثانية ، ولكن هل هناك خطوة ثانية ، ومتى ، وهل ما أقوله الآن في خاتمة كلامي ، يمكن أن يفهم كمزاودة على الجميع . حقيقةً أخشى من هذا ، لأن لا أحد . ولكن وبعد أن أدخِل الملف إلى سوريا ، وقرأه الكثيرون ، حتى أنه ، كما ذكر ، صور في بعض المكتبات وبيع بما يعادل سعر مجلة الآداب على ارتفاعه بالنسبة للدخل السوري ، وكُتب بعده العديد من المقالات والمراجعات ، يشعر المرء أنه لم ولن ولا يمكن تنتج عنه أي فائدة عملية ، سوى تعميم أن هناك من حدث معه هذا ، وهناك من قال هذا ، وما زالت الأمور تجري كما هي ... وملف لا تزيد فائدته عن ذلك ، للأسف ، لا يمكن التوقع له أن يقنع السلطات والهيئات المسؤولة في أي بلد ، بمراجعة قوانين الرقابة لديها ، وتغيير أنظمة جهات وآليات العمل الخاصة بهذه الرقابة ، فما بالك بسوريا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
         
ملاحظة : كتب هذا المقال بعد صدور مجلة الآداب بفترة قصيرة ، ثم نشر ، السنة الماضية ،  في مجلة نزوى العمانية .



#منذر_مصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب والشَّعب والسُّلطة والمعارضة في سوريا
- هل من المحتم أن يكون للعرب مستقبل ؟


المزيد.....




- -لكلماته علاقة بأيام الأسبوع-.. زاخاروفا تعلق على تصريحات ما ...
- سيارة وجمال.. هدايا مقدمة لسعودي أنقذ مواطنيه من سيل جارف (ف ...
- -المسيرة-: 5 غارات تستهدف مطار الحديدة الدولي غرب اليمن
- وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية
- وثيقة سرية تكشف عن أن قوات الأمن الإيرانية تحرشت جنسيا بفتاة ...
- تقارير مصرية تتحدث عن تقدم بمفاوضات الهدنة في غزة و-صفقة وشي ...
- الكرملين يعلق على الضربة المحتملة ضد جسر القرم
- مشاهد جديدة من موقع انهيار طريق سريع في الصين أدى إلى مقتل ا ...
- سموتريتش يشيد بترامب في رفض حل الدولتين
- -وفا-: إسرائيل تحتجز 500 جثمان فلسطيني بينهم 58 منذ مطلع الع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر مصري - رقابة في ملف مجلة الآداب عن الرقابة