أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - القَصيدة المَجنونة (1 من 3) المقدمة















المزيد.....

القَصيدة المَجنونة (1 من 3) المقدمة


منذر مصري

الحوار المتمدن-العدد: 757 - 2004 / 2 / 27 - 10:35
المحور: الادب والفن
    


(مُتِ الآن ... وسأَكتُبُ عَنكَ قَصيدة)

 في أواخِرِ الثَّمانينات، كنتُ قد تَوصَّلتُ لأَقصى استنزافٍ للأدوات القليلة الخاصة بتجربتي الشِّعرية. الأدوات التي بدأتُ باستخدامها مُنذ أول قصائدي، أو لأقل منذ القصائد التي بدأت نشرها، ثم جمعتها في باكورتي ( آمال شاقَّة ) وبعدها مجموعتي العمومية ( بشر وتواريخ وأمكنة ) الصادرة عن وزارة الثقافة لسورية عام 1979 ثم ( كنْ رقيقي ) كما أنها تشكل جزءاً كبيراً من ( دعوة خاصة للجميع ) وكل ذلك في السبعينات. ثم عملت على تطويرها وتشذيبها طوال سني عقد الثمانينات، وبه صدرت لي عن وزارة الثقافة أيضاً المجموعة المشتركة ( أنذرتك بحمامة بيضاء )1984 مع أختي مرام مصري وصديقي الراحل ( هذه أول مرة أصفه بهذه الكلمة) محمد سيدة، كما صدر لي عن وزارة الثقافة السورية للمرة الثالثة وصودر كذلك من قبلها ( داكن ) 1989. أي أنني أمضيت عشرين سنةً تقريباً أعمل بهذه الأدوات بقناعةٍ شبه تامة بأني أكتب قصائدي بالطريقة التي لا مجال بعد لأفضل منها، على الأقل بالنسبة لي، والتي سأبقى أكتب بها حتى أبطل الشعر! أو أموت. إلى أن وقعت بين يدي، فجأةً، أدوات غريبة خشنة، بالكاد كنت أستطيع القيام بعملي المعتاد بها، أدوات جديدة تَسربت لا أدري كيف إلى صندوق عدتي. أدوات أعرفها ولا أعرفها، ربما هي ذات الأدوات القديمة ولكني من كثرة سنِّها وحتِّها... تحولت إلى أدوات أخرى، ربما هي ابنتها، ربما مستنسخةٍ منها، إلا أنها مختلفة عنها والتي أكثر ما يبدو نتاج استخدامي لها واضحاً في مجموعتي ( الشَّاي ليس بطيئاً ) وما تلاها من قصائد. فتح لي هذا عالماً جديداً، بحق، عالماً من الحرية والألوان والروائح، عالماً من الحلم والخيال، أنا من كان لا يسمح للخيال بدخول قصيدته إلا إذا ارتدى مسوح الواقع، عالماً ما كنت أصدق أنه موجود من أجلي وأني أريد الدخول فيه، ثم وأنا مرتبك وسعيد بداخله رغم أني لم أتجاوز كثيراً عتبة بابه، اكتشفت ليس فقط أهمية الأدوات، فقد كنت أعرف هذا جيداً، ومنه كانت تأتي أهمية اللغة في كتابتي، بل أيضاً توصلت إلى قناعة مفادها، أنني لن أستطيع أن آتي بأفكار جديدة لكتابتي دون أن أغير طريقة تفكيري. وأنني لن أكتب شعراً جديداً إلا بأدوات جديدة. أي أن الأدوات الجديدة هي ما سوف يساعدني بأن أتغير و... أتابع، هي ما سيمكنني أن أحقق تلك المعادلة أن أغدو شخصاً آخر هو بذات الوقت أنا نفسي. والتي بواسطتها سأستطيع التوصل، إلى ما خالفت الجميع بادعائه، أقصد المعاني الجديدة، ذلك أن الشاعر، بعرفي، خلاَّق معان، لا مجرد صائغ لمعان عامَّةِ وخامَّة. أي أني رغم هذه الانعطافة الكبيرة بقيت على ضلالي أصدق بأني شاعر معنى، الأمر الذي لن أتخلى عنه أبداً، أؤكد الآن.
لكني أدينُ بكلِّ شيء لأدواتي الأولى التي ذكرت، التي لولاها، ولو لا تصديقي بها، لما كان لدي ما أقوله ولما كتبت حرفاُ! ورغم كل المآخذ التي يمكن أن يوصم بها كل تعريف، كل اصطلاح، كل محاولة شرح، فإنه يَصِحُّ اختصارُها كلها بصفة واحدة... الحقيقية! الرغبة أن تكون إنساناً حقيقياُ وتكتب شعراُ حقيقياً، لذا كان علي الابتعاد ما أمكنني عن ذلك الشعار العربي: أجمل الشعر أكذبه، كنت أقول علينا أن نبعد الكذب عن الشعر كما نبعده عن الحياة...  وذلك بتجنب الادعاءات والمبالغات والغرائب!!! والاقتصاد من استخدام أدوات البديع التي كنت مضطراً أن أعترف أنه لا يمكن كتابة الشعر بدونها لذا كنت أطالب بالحرص الشديد على عدم ابتذالها. وكذلك استخدام اللغة كوسيلة لإيصال المعنى، بعيداً عن الصنعة والزخارف، أي ليس لذاتها وليس للشعر أيضاً، ذلك لأن الشعر ذاته كان في رأيي، وربما مازال، لي وللآخرين. والحرص على وحدة الموضوع، وبناء القصيدة على نحو محكم، كنت أسميه البناء الطابقي، حيث تتسلسل، صعوداً أو هبوطاً، أو صعوداً في المعنى وهبوطاً في الشكل!! المقدمة ثم العقدة ومن ثم الخاتمة، التي كنت كثير التعويل عليها، لإدهاش القارئ وترك انطباع قوي في ذاكرته. وقد انتهيت مع شدة تحكمي بهذه الأدوات إلى أني أستطيع الكتابة بها عن أي شيء، وكذلك أستطيع الإسهاب في أي موضوع لحدٍ لا سابق له، ليس في تجربتي فحسب، بل ربما في كل تجارب الشعرية العربية المعاصرة، حسب إطلاعي. حتى أني كتبت قصيدة من ستٍ وستين صفحة كتبت تحت عنوانها ( لمن العالم ) السطر التالي: ( أطول وأسوء قصيدة في الشعر العربي الحديث ) وقد جمعت قصائدي الطويلة هذه، علماً بأنه لا قدرة لي الآن على كتابة قصيدة تزيد عن واحد على عشرين من عدد صفحاتها، بمخطوطةٍ جاهزةٍ للنشر، رغم أنه لا أمل لي بنشرها أبداً، أطلقت عليها اسم ( المعلقات ) ربما أسوة ب ( معلقة توفيق الصّايغ ) أكثر منه من المعلقات الشعرية العربية السَّبع أو الأثنتي عشرة المعروفة.

 قصيدتي المجنونة كما سميتها (مُتِ الآن وسأَكتُبُ عَنكَ قَصيدة) عَن علي الجندي الشاعر المعروف! المجهول! المهجور! صاحب ( الراية المنكَّسة وفي البدء كان الصمت والحُمَّى الترابية وغيرها ) يعود الجزء الأعظم من جنونها، إلى أنها عنه، إلى أنها منه، ومن يعرف عَلي قليلاً أو كثيراً يعرف عمَّا أتكلم. أما الجزء الباقي من جنون هذه القصيدة فلامهرب لي من ادعائه لنفسي، رغم أني طوال كل تلك السنين، كنت كثير الحذر من وقوعي في مطبها، معتبراً أن مجرد ورود كلمة ( جنون ) في قصيدة ما كافٍ لإفسادها. ولكن ماذا أفعل إن كان ( الجنون ) إحدى أكثر المفردات، لا ليس المفردات بل الحالات، قرباً إلى علي، قلباً وقالباً، لا ينافسها في هذا إلا كلمة باهظة أخرى هي ( النزف ) فعلي الجندي لا يحيا مثلي ومثلك بل ينزف حياةً، ولا يكتب شعراً مثل الشاعر فلان والشاعر علان، بل ينزف شعراً، ولا يحب كباقي العشَّاق بل ينزف عشقاً، بكل جنون البشر وبكل جنون الشعراء وبكل جنون العشاق!!
إذن الكلمة التي حاولت ما أمكنني التهرب منها في متن القصيدة، ولم أستطع، فأبقيتها على أمل أن تحظي أو أن تسترد في سياق العمل بعض براءتها وطهارتها مِن كثرة ما تداولها الآخرون ومما مرغوها به، ولكن من يريدها بريئة وطاهرة! فها أنا أضعها عنواناً لكلِّ ما وجدت نفس أهذر به دون أدنى تفكير أو قصد. إلا أنَّني من الآن أعلِن عَدم مسؤوليتي الأدبية والقانونية عمَّا قد يجد فيها البعض من تَجاوزٍ للأعرافِ والشَّرائع، وأصرِّحُ بأنني حكماً لا أِشارك علي في كثيرٍ مما نقلته عنه فيها، وذلك من باب القاعدة الفقهية : ناقل الكفر ليس بكافر. فمِنَ الواضِح أن تِسعينَ بالمئة مما تضمنَّته قصيدتي هو مما رواه لي، المرة تلوى المرة، حتى حفظته عن ظهر القلب، علي الجندي شَخصياً، والعشرة بالمئة الباقية هي بعض ما وجدته يلزمني عند كتابتها من تَوابل وبَهارات لغوية وشكلية تلزم لقول أي شيء. حتَّى العنوان يعود للشاعر ممدوح عدوان ربيب علي الجندي شعرياً والذي ينقص علي عمراً بعشر سنوات أو أكثر بقليل، وقد استطاع ممدوح أن ينتصر على الموت، بعون الله تعالى ورحمته، وأيضاً بشجاعة ممدوح وقوته، في عدة معارك ثخينة، بينما عَلي قابع لا يخرج في بيته الصغير في أحد أحياء اللاذقية ( لَن أقول حتَّى ولا الحرف الأول من اسمه ) تصل إليه بعد عبوركَ ِمَمَرّاً ضيقاً وطويلاً ومعتماً، أحسب أنَّ ملاك الموت نفسه لا يعرف طريقه، أو أنه من كثرة مشاغله قد نَسِيَه.

( مُتْ الآن وسأَكتُبُ عَنكَ قَصيدة ) ليست قصيدة مجنونة فحسب، بل هي، بالمقارنة مع قصائدي الأخرى الطويلة التي لم يكتب لها أن تبيض بعد، إحدى قصائدي القليلة المحظوظة التي يعرف بوجودها بعض الأصدقاء، وهم تحديداً علي الجندي بطلها! وزوجته ابتسام التي لم تحتج على أي من الآثام والمخازي التي وردت فيها سوى أنها هي من تمكنت من اصطياد علي في تلك الأمسية الشعرية... لا هو!! وممدوح عدوان صاحب دور البطولة الثالث فيها، ذلك لأن الدور الثاني كان من نصيب أحمد الجندي عمِّ علي، الشاعر وصاحب سيرة ( لهو الأيام ) الذي هو البطل الأول في أغلب نوادر علي، هذا إذا لم يكن هو نفسه، وقد توفى ربما قبل أو بعد كتابة القصيدة بأشهر، دون أن يتاح لي فرصة إطلاعه عليها، و هذا ما كان حسب رأي عَلي من حسن حظي! كما أني أرسلتها يوماً إلى رياض الريس وكان خلال نشره لكتابي ( مزهرية على هيئة قبضة يد ) يسألني عن علي دائماً، ومنه اطَّلع عليها يوسف بزي ووصفها بأنها من نوع تلك القصائد التي لا يمكن نشرها إلا بعد موت صاحبها، كقصائد أبي نوّاس المحرمة التي أصدرتها وقتها شركة رياض الريس للكتب والنشر، وأخيراً عباس بيضون، الذي ما برح لليوم، كلما التقينا، أن يتندر بها ويذكر بعض ما ورد فيها أمام الجميع، ثم يلتفت ويهددني بأنه إذا لم أقعد عاقلاً، وأبطل كتابة المقالات السياسية التي تمغص له بطنه، فسوف يقوم بنشرها!!
والآن ها أنذا أدفع بها في هذا الطريق الذي لم أكن أحلم به من قبل، لا أنا ولا هي. ها أنذا أدفع بها، ليس إلى صفحة داخلية في جريدة أو لأحشرها بين دفتي كتاب، يطبع في بلد ولا يسمع عنه حتى في بلد مجاور، بل إلى العالم... إلى الآلاف والملايين من البشر الذين يتاح لهم اليوم، أن يقرؤوا و يروا ويسمعوا،  دون أن يتوقفوا عند حدود دول، أو معابر مدن، دون جغرافية أو تاريخ، دون أن يخضعوا لتفتيش حقائب وقلب بطانة جيوب أو مصادرة ومنع دخول، دون الانصياع لإيديولوجية نظام أو تعاليم حزب، دون مقص رقابة أو موافقة وزارة أو رضاء صاحب دار نشر. الآن.. في هذه اللحظة أشعر بأني أطلق قصيدتي هذه، السجينة أربع عشرة سنة، إلى الحرية، إلى الحياة، إليكم، من أعرفهم منكم، ومن لم أعرفه بعدُ، ومن لن أعرفهم أبداً.
----------------------------------   اللاذقية:24/02/2004



#منذر_مصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خبر عاجل... شعبان عبود : أنا خائف
- زجاجات... لا أحد غير الله يعلم ماذا تحتوي!! بو علي ياسين – ا ...
- عراقي 6 من 5 منذر مصري : أخي كريم عبد... ابق أنت... وأنا أعو ...
- عراقي - 5 من 5 الحرب: ابق حياً- ليس سهلا إسقاط التمثال-احتفا ...
- عراقي - 4من 5- رسالة شاكر لعيبي
- عراقي 3من 5- المنفى والأرض والموت وقصيدة النثر العراقية
- عراقي 2من 5- الشعر: سعدي يوسف- مهدي محمد علي
- عراقي - 1من 5- المحتوى- المقدمة- نداء
- معادلة الاستبداد ونظرية الضحية - في الذكرى الثالثة عشر لوفاة ...
- محمود درويش : أيُّ يأسٍ وأيُّ أملٍ ممزوجين معاً في كأسٍِ واح ...
- عادل محمود لَم يخلق ليكون شاعراً !
- علي الجندي قمر يجلس قبالتك على المائدة
- أي نقدٍ هذا ؟
- بوعلي ياسين مضى وعلى كتفيه شال من شمس شباطية
- يوم واحد من حياة إيفان دنيسوفيتش- للروائي الرجعي عدو الحرية ...
- كتابٌ أكرهُهُ وكأنَّه كتابي
- دُموعُ الحَديد
- حجر في المياه الراكدة - مقابلة مع وكيل مؤسسي الفرع العاشر لل ...
- على صَيحة ... يَعقِدُ جمميعَ آمالِه - مقدمة لمختارات من شعر ...
- محمد سيدة ... هامش الهامش


المزيد.....




- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - القَصيدة المَجنونة (1 من 3) المقدمة