أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..رواية/4















المزيد.....



بعل الغجريّة..رواية/4


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2472 - 2008 / 11 / 21 - 07:27
المحور: الادب والفن
    


البيت القديم
خربة مهجورة،غرف متداخلة،مبنيّة من آجر مرصوص بعناية فائقة،جدران البيت توحي بقدم البناء،فوق كل غرفة قبّة حجرية،في الزوايا أربع مدرجات متروكة تقود إلى غرف تطل على مساحات واسعة من فوضى غابات وتلال وأراضٍ جرداء،تبدو أنها مراصد أو نقاط حراسة،يقع البيت على مرتفع مهمل يطل على نهر متعرج تحفه غابات كثيفة تتطاول هامات الشجر المحتشد وترتمي أفنانها بوحشية لتلامس الماء وتعيق سير المجاريف المتواصلة، تتهدل الأفنان كشعر طويل لغجرية أو(أمازونية)ما رأت مشط قط،نظرة واحدة تحسس الزائر أن البيت متروك،لا فلاّح داعب بمنجله أشجاره،بيت لاح من أفق الخيال هذا ما بوسعي قوله،ليس بيت حلم كما يشتهي المزاج،يرسل شعاع الراحة للقوافل السيّارة،قوافل تتخذ المكان ملاذاً آمناً للوصول إلى الشمال،آه..الشمال الذي نشدناه،الشمال الذي تأتي منه الرياح الباردة،موطن الثلوج،قوافل مهربين من الدرجة المحترفة،قوافل هاربين،القوا الحياة التعيسة وراء ظهورهم،نشدوا الشمال،تخلصاً من جحيم البلاد،ليس بوسع الوشاة رصد التحركات الجارية في مكان مخيف،مكان كثيف الشجر،البيت الذي لاح لنا،بناءه قديم،يرجع بناءه لعصر ما قبل غزو الأغراب بمئة عام،وربما يزيد،هذا وفق حسابي الخاص،حساب(بعل الغجرية)،الحمّال الذي لا يخطأ في حساباته الوزنية،فجدي الحمّال أيضاً،عاش في تلك الفترة،الأبنية تبوح بأعمارها،الأشجار تفصح عن أعمارها،مثلما جبين الإنسان يعلن عن سنوات عمره،مثلما طبقات الأرض تعطي الجولوجيين التخمينات المتوقعة لعمر الأرض،بيت مبني من آجر متماسك،بنوه ليبقوا،من بناه جهل أن للعمر نهاية،ربما أراده للقصف والمجون،ربما بناه لصيد القوافل الخارجة عن سكّة القانون،ليس يعنيني سبب بناءه،لم تفتك به رغم قدم بناءه أسنان الظروف وحراب المناخات القاسية،وجدناه من بعد عناء ترسب في الروح،عذابات لا توصف،سنوات ترحال تحت راية عالمية،راية العوز والحرمان،لنقل رحلة البحث عن الأمان،للحق أقول لقد ضاقت بنا السبل حتى الرحيبة منها،اعدمت فرص الراحة والقرار أيها المؤرخ آلام الناس المحكيّة،لم تعد بلادنا واهبة فرصة قرار،لم تعد أرضها رحبة لتؤوينا،قرار ولد في لحظة تعاسة،لم نمهل الفكرة لحظة واحدة للنقاش خشية أن تترهل الفكرة وتموت قبل البدء بالشروع لتطبيقها كحلٍ أخير يمكن اللجوء إليه،الواحد منا لا تأتيه الفرص الكبيرة لمرتين،ربما فرصة واحدة تأتيه في شريحة من شرائح عمره،سيستغلها/لا يستغلها،مصدات الحياة متحفزة،دائماً تعرقل الجهود عراقيل،تحجم الآمال الكبيرة،تقتل براءة الرغبة قبل إنفلاقها،نحن لا نتناقش،أقصد بنحن،أنا و(منار)الغجرية كما تسميه الناس،أليس النقاش يورث العراقيل،خصلة نادرة تقاسمناها،أننا لم نتناقش أو ننجر وراء وجع الرأس والثرثرات التي أهلكت أقوامنا وفتكت بماضينا الجميل،تناحرات الأخوة أشد فتكاً من تناحرات الأعداء،هم يأتون لديهم قدرات محدودة وأفكار واضحة،لديهم طمع،غاية الغايات عند الغزاة،يمكنك ان تجابهه بما تملك من قدرات،لكن حرب الأخوّة خاسرة على طول الخط،حرب نقاشات سفسطائية أوصلتنا إلى ما نحن فيه،ليكن أيضاً في علمك أنا و(منار)لا نتناقش حول ما يتوالد فينا من قرارات أو رغبات،بلا مدارسه أو تردد ننفذ ما تدفعنا ملكتينا الفطرية وربما براءتينا النادرتين لتنفيذه،كل ما يولد فينا من قرار نلقي من أجله مرساة حياتنا ونبحر من غير متاع طبعاً وبلا تردد أو خوف صوب ومضته السحرية،ومضة ما توالد في ذاكرتينا في لحظة تأمل..!!
***
قالت لي(منار) :
ـ غداً ننطلق..!!
الوقت..نهار أوّل خميس من شهر(صفر)السنة الخامسة من غزو الأغراب،آخر مكان أوانا جنب بقايا حطام عمارة عملاقة نسفتها ذات صباح أسراب طائرات،قلبت سافلها وأنزلت عاليها،قيل مسلحون يسكنون سراديبها الأرضية،عش مقاومة كما سرّب(الملثمون)معلومة نادرة إلى الأغراب،ظلّت البناية تتآكل وتتضاءل،كلما يحتاج إنسان إلى شيء يلتجئ أليها،مختصر مفيد،جردوها من الحديد والنوافذ والأبواب وجزء كبيراً من طوابيقها،في لحظة صفاء،اشتغل مخ(منار)وأشتغل مخي معها،ووافقنا الزميل(حمار)ليس ثمة بد،فنحن عائلة مترجلة لا شبر أرض نملك رغم سعة بلدنا،وضعنا متاعنا البسيط في العربة،وضعت(عشتار)على ظهر الزميل(حمار)جلست(منار)داخل العربة،أمّا أنا مشيت،يحلو لي المشي،أتبعهم،نمشي حيثما يمشي الزميل(الحمار)،دائماً وأبداً حين أمشي أطلق عقيرتي بالغناء،فلي صوت غير مقنع بالنسبة لي لكن(منار)تقول عنه(مهباج)الروح..!!الزميل(حمار)يواصل شق مسارب التاريخ وأحشاء الجغرافية بخطوات واثقة،يرفع رأسه،يضرب كواعب أقدامه بتناغم موسيقي متوازن،تخرج إيقاعات راقصة،مثل عسكري منضبط يمشي في استعراض،خلته يقتحم المنايا أو في مهمة مستحيلة،يهز رأسه طرباً نشيطاً يبدو أوان التنقلات،يافعاً يندفع،مبتهجاً يشاركنا هذا الفرح الذي يغمرنا أوان التحولات المكانية،نتجول من غير سابق تخطيط ولم نهتد رغم غربلتنا لأرضنا السليبة إلى ملاذٍ أمين،كل الملاذات تم إستيطانها من قبل مشردين ومهجرين ووافدين من بلدان الغربة بعد سنوات منافي ونوم على قارعة طرقاتهم،حين نمشي نسلو ونلهو،المشي مفيد في بلاد واقفة،لا تريد مواكبة ما يجري،لا تريد أن تغدو تابعة،وقفت مصدومة،ناسها أوقفوها،بلاد بدأت تتدحرج إلى الهاوية،ناسها تريد ذلك،هم يدحرجون حياتهم صوب المسالك الخانقة،نحن اخترنا حياتنا المتنقلة،حياة فيها فائدة،نغير جونا كما نرغب،نمشي في شوارع تغص بالقمامات،لا يهمنا ذلك،نقول الناس لا تحب النظافة،ليس كل الناس،هناك ناس تحب النظافة،لكنها تخاف أن تتكلم،مسكت ألسنتها،على مضض تنظر وتذرف دموع غالية،قلوبها تحترق،الشعر يشيب قبل أوانه،ترى وجوه بريئة رؤوسها ثلجية،من كثرة القهر كبروا،من لا يحب النظافة،فيهم منابت الشر،لا يتورعون من قتل من يقف بوجههم،لا يرضون من ينصحهم،دنيا عجيبة وغريبة،الواحد يحب أن يسند الواحد،لكن ذلك الواحد يعتبر المساندة إهانة،لا يستوعبون الأشياء،ولا يريدون أن يستوعبوا،تراهم يرشقون بلكمات جارحات،أو رشقة رصاص،كثيرون ماتوا،ماتوا صدفة،قتلتهم حسن نياتهم،دافعوا عن أخلاقياتهم المثالية،جبهوا بأخلاق خارجة عن قوانينها،لا يهمنا ذلك،ما لنا وما لأفعال الناس الذين لا يحبون النظافة،نمشي ونحن فرحين بتبديل محل سكنانا،برك مياه آسنة،مياه تنحدر من مجاري المنازل،المزابل سدت المجاري العامة،مزابلهم،يرمونها من النوافذ أو من وراء جدران بيوتهم،تمشي وترى أو يسقط على هامتك كيس زبالة،أو دورق مياه قذرة،أنت تعرف ما اعني بـ(مياه قذرة)،لا منافذ لمياه المجاري،بيوتات تجاوزت على القوانين،كل فرد حجز مساحة تكفي هبوط طائرة،سيّجها وبنى بيوت عليها،بعضهم راح يبيع البيوت،البيوت المتجاوزة قطعت أوصال الطرق،سدت المجاري،بدأت مياه المجاري تمشي في الطرقات المتبيقة للسابلة،تسد دروب الناس،دروب مركبات(المنيفيست)لا أحد يتكلم،الكل صامتين،راضين بما يجري،الواحد يخاف على حياته،الحياة صارت ثمينة، هناك ناس حياتهم أغلى،وحياة الآخرين عندهم تساوي رصاصة واحدة،بعضهم يدفع ثمن أغلى يدفع رشق رصاصات،أو عبوة مكلفة،ينسف بها من يجادله أو يريد أن ينصحه،صارت الفراغات وتعرجات الأزقة،مرتعاً للذباب والبعوض،مالنا وما يجري،نمشي ونرى وندفع بما نرى وراء ظهورنا،عمارات مهدمة،حرام يا عالم،حرام،أن تهوى عمارات كلّفت الخزينة ما يساوي بناء ربع مدينة،هياكل صامدة،أعمدة كهرباء مسلوخة،سرقوا أسلاكها،ناس بلا ضمير نزعوا أسلاكها وباعوها إلى بلدان مجاورة،الناس تقول في الأسلاك الكهربائية القديمة توجد فيها نحاس،والنحاس ثمنه مرتفع هذه الأيام،أعمدة هواتف منزوعة الأسلاك،الناس تقول أسلاكها موصلة جيدة لإشارة البث التلفازي،الناس تقول من أين نأتي بالفلوس،الرواتب مقطوعة،الحياة ترتفع،أولادنا لا أشغال لهم،شهاداتهم أوراق لا قيمة لها،ناس جاءوا من خارج البلاد لديهم شهادات مزوّرة،صاروا سادة يرعون مصالحهم لا مصالحنا،الناس تقول هذه الأشياء،من أين نعيش،ناس تقول هذا،أخذ حاجيات البلاد حلال،الناس تقول هذا،ما دام البلاد منهوبة،مادام بلادنا مسلوبة،أخذ ممتلكاتها حلال،الناس تتكلم بهذه الأشياء،في الطرقات،في المقاهي،أمام أبواب المنازل،اين تجد تجمعاً،حديثهم يدور عن الوضع المعيشي،عن النهب والسلب،عن الخطف والفدية،ناس تعيش حياتها وفق ما تراه يليق بمعيشتها،رجل الدين الوحيد في البلدة،رغب أن ينصح الناس،تلقى طلقة مسدس في وجهه،يقولون جاءه ولد ملثم،عند خروجه لصلاة الفجر،باغته،خاله طالب عوز ومشورة دينية،شبّان بدءوا يلتجأون إلى المسجد،شبّان استقبلوا السقوط برقص وفرح،اشتروا الهواتف الجوّالة،إشتروا الصحون الكبيرة،فوق كل بيت صار صحن يتحرك،يجلب أخبار الناس في المعمورة،كل أخبار الدنيا يجلبها عبر الصحن السحري،يمررها بقدرة قادر عبر أسلاك إلى التلفزيون الملون،الناس بدّلت تلفزيوناتها،التلفزيون الأسود والأبيض لا يشتغل مع الصحن،مضى وقته،العالم ملوّن،العين تشتهي النظر بمتعة للنساء العاريات،كل شيء يوجد في الصحون،المحرمات متواجدة في قنوات(الهوتبيرد)عجائب وغرائب تحدث في يومنا هذا،أشياء يجلبها الصحن،تقول عنها الناس لا تليق بأخلاقنا،تفسد شبابنا،تخرب عقول بناتنا،أراد(ملاّ)البلدة أن يعلن ثورته الإيمانية في أيام الجمع المباركة،هاجم بضراوة من وضع صحناً على سطح بيته،سمّاه(راية الشيطان)،الناس حارت في أمرها،تلفزيون البلد عاطل،ناس تريد أن تعرف أخبار الدنيا،تريد أن تعرف ماذا يجري في بلادنا،اشترت(السنتر لايت)بعضهم يقول(ست لايت)،أشتروها ليعرفوا ما هو مصير العالم الملوّن،(الملاّ)واصل حملته الحماسيّة،لا يمر كلام جارح في البلدة من غير عقاب،مفهوم قديم يتواصل اللجوء إليه بين فترة وأخرى،خرج(الملاّ)من بيته،خرج ليصلي بالناس فجرهم،فاجأه ولد ملثم،باغته بمسدسه،الله رحمه،مد يده الجبارة ودفع أو صد الرصاصة قبل أن تدخل رأسه،يد الله فوق كل يد منحرفة،حرّفت الرصاصة عن رأس رجل يخدم الله في الأرض،نجا(الملاّ)ودخل منزله وقرر أن يغادر البلدة،الناس تقول أنه صاحب كرامة،ناس تقول خدم السلطة الهاربة،عاد ليقول الحق بعد زوال الغمة عن البلاد،لا احد يدري من وراء تلك الفعلة،ماذا يريدون من(ملاّ)لا يختلف عن ملالي غاضوا بصرهم وألسنتهم عن قول الحق لوقت طويل،عادوا يقولون الحق في يوم بلا قانون،عادوا من جديد لصمتهم،بدأوا يسكتون كما سكتوا في سنوات الغليان،الطلقة خرجت قريبة من رأسه،فوهة المسدس تبعد متر وربع المتر تقريباً،خرجت الطلقة وخرجت الجموع المبكرة لصلاة الفجر،وجدوا (لملاّ)جالساً يفكر،أو يشكر،رافعاً إلى السماء بصره،الناس تقول ذلك،الناس تقول الولد الملثم لا يعرف كيف يطلق النار بالمسدس،الولد الملثم هرب و(ملاّ)البلدة غادر البلدة،أخذ أطفاله وذهب إلى الشمال الآمن،ناس تقول أن(الملاّ)تلقى تهديداً من مجهول،هاتفه في الليل،هدده بضرورة تحليل ممتلكات البلد،من باب البلد محتل، (الملاّ)رفض،بعدما بدّل جلده القديم بجلد ديموقراطي،ناس تقول(الملاّ)واعد المهاتف أن لا يتكلم عن هذه الأمور ثانية،لكن الولد الملثم خرج من جحر أبليس ووقف أمامه،سدد فوهة مسدسه إلى رأسه،أطلق وخابت طلقته،لا أحد ينصح في بلاد تنفعها النصيحة أكثر من المال والقوة،الناس بسطاء،الكلام الحلو والمرتب حسب الأصول ،الكلام الحلو يخرج الأفعى من جحره،الكلام المنعش للروح،حتى لو تم تصفيط الأكاذيب،على أقل تقدير ينعش أغوارهم الكاسدة،ناس تعلموا على التعامل المحسوس،التعامل بالكلام،الترحيب يسعدهم،لسان معسول يجعلهم كتلة متصالبة،متعاونة على البر والتقوى،أنت ترى ناس أتوا من القرى،يطرقون الأبواب،يدّعون،أن مجهولين خطفوا أبناءهم،الناس تصدق أقوالهم،تمد يد العون من باب الإحسان،الناس تجلس في بيوتها،جمدوا رغباتهم إلى إشعار قد يطول مع وقف التنفيذ لأحلامهم ينتظرون،بفارغ الصبر ينتظرون صاحب رأي رشيد وقول حلو،لكن الأمور ما تزال تجري كما يريد أصحاب التهديد والوعيد،ما لنا وما للناس،نحن لا نعطل رغباتنا،نطلقها للزمن،نمشي..بقايا أشجار يابسة..أشجار تم زراعتها لصد أغبرة الدنيا،أشجار صارت طويلة،متفرعة،تمد ظلال مؤنسة،في الصيف يجلس تحت الظلال بسطاء،عشّاق يمارسون الهوى على الهواء الحار،بنت يحتضنها ولد،ترى العجب تحت ظلال الأشجار الصامدة بوجه أغبرة الدنيا،أغبرة محيرة تزحف من الجنوب الغربي للبلاد،من الصحاري عديمة الفائدة،تأتي لتطمرنا،كل سنة،أحياناً كل نصف سنة،حتى تم فقد الموازين الطقسية،صارت الريح تجمح،تنطلق إلينا،صار الغبار يأتي كل يوم،يأتي ليقيم على البلدة وشاحاً خانقاً،يستحيل إلى كرنفالاً كونياً،يقتلع صفائح المحال التجارية،يقتلع أعمدة الكهرباء،يقتلع أسلاك الكهرباء،يقتلع أبواب منازل من الدرجة التعيسة،يطرد الناس إلى قبورهم،تستمر الريح،ناس تقول:تأتي لتخصيب أرضنا جراء الجدب المتواصل..!! ناس تقول:تأتي ليموت أصحاب(الربو)والعاهات المزمنة..!!ناس ترى ترك الصلاة في المسجد سبباً لهذ البلاء،ناس تقول:الغش في السوق جلب على رؤوسنا نكد الآخرة..!!نقاش يطول،نقاش يورث خصومات ورشق بنادق ،ناس تموت وناس تخرج من المولد بعاهة،حكايات جديدة تولد لتتواصل سيرة الناس في بلدة(جلبلاء)،أشجار كثيرة تم زراعتها قبل مجيء الأغراب،اختفت،الناس تزحف لقطعها،الناس تريد أن تعيش،تريد أن تبقى زمن أطول،تريد أن تطبخ وتخبز،ناس تمتلك أفواج أطفال،عيونهم مفتوحة،أفواههم لا تشبع،لا يوجد غاز،لا يوجد نفط،نمشي..أينما نجد بقعة منسية،نراها ممكنة السكن،نحط رحلنا،ننظف،نزيح الأوساخ،أكوام براز بشرية،بقايا مواد إنشائية محطمة،نفرح ونحن نواصل العمل،ليت الناس مثلنا،تلهج ألسنتنا،ليتهم ينظفون مثلما ننظف،لصرنا بلدة نظيفة،بلادنا تصير نظيفة،عالمنا يغدو نظيفاً،سيحبنا العالم،العالم لن يحاربنا إذا صرنا ننظف أوساخنا،العالم سيخافنا حين ننظف،سيقولون،يا ويلنا،بدأوا الحياة،ماذا عملنا كل هذه الأجيال،ألم نعش،لماذا يقولن بدءوا الحياة،ما علاقة الحياة بالتنظيف،سؤال يشغل الذهن،جوابه عند عالم يراقبنا،العالم يتهيأ،يحترس،ما الذي جرى،لا..لا..شيء..لا..شيء..العالم يخاف من نظافتكم،نظافتكم دليل نهوضكم،نهوضكم دليل عافيتكم،عافيتكم دليل قوتكم،قوتكم دليل وحدتكم،وحدتكم دليل هزيمتهم،هزيمتهم دليل حضارتكم،آه..هي الحضارة إذاً،العالم يقول ذلك إذا رأونا ننظف،سيقولون:حضارتهم بدأت تلمع،بدأت تشع،خرجوا من الكهوف،علينا أن نعمل شيئاً يدرء عنّا حضارتهم الناهضة..!!نحن ننظف أي مكان يليق بنا،لا علينا بما تفعله الناس،تتملكنا رغبة المكوث طبعاً،أي مكان نجده،هو ملك الله على البسيطة،الأرض ليس ملك أحد،ملك من يحرثها،ملك من ينظفها،أي مكان مهمل ننتخبه ملاذاً آمناً،نطرح حياتنا قليلاً،حياتنا المتجولة،نبغي الكسل لوقت قليل،نعرف أن بقاءنا مرهون بوشاية واشي يتربص بنا،يلاحقنا،واشي يبيع الكلام مقابل مال حرام،يبيع الخبر بحفنة مال قذر،نستعد دائماً،أنا و(منار)،كلّما ننظف مكاناً نضع في بالنا لحظة الرحيل،نتهيأ له ونحن نطرح حياتنا المتنقلة،نضعها على أهبة الإستعداد،في حالة نفير كما يحصل أوان الكوارث المتوقعة،تداهمنا قوافل الأغراب،لم نحتفل بعد بفرحنا،لم ننسلخ بعد من التعب،تداهمنا قوافل مركبات،يترجل شاب يتلثم بقناع يضيع ملامحه، يتقدمهم صانعاً لنفسه صوتاً واقياً يجنبه عيون الوشاة،حالة شاعت في البلاد،بعدما تم نحر العديد منهم من قبل فئات بجهر القول تنادي ضرورة طرد الأغراب من أرض الأجداد،كل من يقودهم نحونا،يتمتم بلازمة لا تتبدل،كلمات بطبيعة الحال غير لائقة التداول بين أبناء البلد الواحد،يجبرنا أن نشد الرحال من جديد صوب متاهات بلادنا التي لا تنتهي..!!
***
لحظة اتخذت(منار)قرارها،مؤشر مخي أشار إلى جهة الشمال باتجاه أعالي البلد،أعالي نظيفة،ناسها كنسوا ماضيهم،فرشوا جمال الروح بسط لحياة أخرى،تلك أمنية(منار)أيضاً،(منار)تحب تلك الأعالي،تقول:ليتني ولدت هناك،ليتني تعذبت عذاب نساءهم ،ليتني..ليتني..ليتني..!!هي تقول ذلك،الحياة هناك كما شاع بين الناس فيها بعض خير،هم يقولون بعض خير وأنا أقول الخير كله هناك،عندهم الثلوج،عندهم العنب السود،الزبيب،عندهم طائر القبج،عندهم..عندهم..عندهم..أنا أقول ذلك،بعض أمان هناك،الناس تردد ذلك،تماشياً مع ما يقولون ،سأقول بعض الخير هناك،الأمان كلّه سكن عندهم،أنا أقول ذلك،رغم ما جرى لهم من ويلات،الزمن والسياسات النافرة،تشردوا..قتلوا..أنفلوا..سلبوا..طيلة سنوات العزلة والغليان..!!
***
عند غروب اليوم السابع من رحلتنا،وصلنا ربوة يابسة،ترتفع من جهة الشرق قبل أن تنحدر لتلف كذراعٍ طويلة مقوسة نهر(دلبلاء)رأينا جثث كلاب نافقة،بقايا عظام وجماجم مهشمة..!!
ـ يبدو أن مصيرنا هكذا..(فاهت منار)..
قلت لها:
ـ هياكل كلاب على ما يبدو انتحرت بصورة احتجاجية وجماعية..
قالت لي:
ـ دائماً تجد تفسيراً مناسباً للظواهر المرعبة..
قلت لها:
ـ هذا إن لم نر هنا رصاصات تدين عملية إبادة كلابية..
أجابت:
ـ لو..وجدنا بشراً بدل هذه الكلاب لربما ما تقوله صحيحاً..
أجبتها:
ـ هذا ما رأيته بأم عيني..لحظة وقفت عربات الأغراب ذات أصيل على شارع مقبرة البلدة،يوم انقطع ماء الإسالة وذهبت لجلب دلوين ماء من نهر(دلبلاء)،لم نتزوج بعد،حدث ذلك قبل زواجنا بعام،قبل أن تقرقع مفاصل السماء وتلقيك بين أذرعي،رأيت كيف ترجل العسكريون عن دباباتهم،أوقفوا السير،قطعوا حركة المركبات،رحنا نراقبهم وجلين،عشرات الكلاب تتقاتل من أجل كلبة،سحب بعضهم أقسام سلاحه وراح يطلق الرصاص،قنّاصة لعنة الله عليهم،قنّاصة لا تخطأ اهدافها،عملوا مجزرة كلابية،لقد تركوا كلبين كي يصوروا مشهد التجانس،بيد أنهم صعقوا..
قالت لي بتعجب:
ـ صـ..عـ..قـ..وووووووا..
قلت لها:
ـ حين عرفوا أن الكلبين المنتخبين ذكرين..
ضحكت(منار) وصاحت:
ـ على ما يبدو هذه المجزرة حفلة غرام أخرى..
أجبتها:
ـ لتكن معلومة لك،وراء كل مقبرة جماعية أغراب يا(منار)..
وضعت يدها تحت حنكها،قالت:
ـ لا أفهم ما تود قوله..
قلت لها:
ـ الناس تقول:(طرقة)جديدة لألهاء الناس..
أنزلت يدها،قالت:
ـ ما معنى(طرقة)جديدة يا بعلي..
أجبتها:
ـ فئات قامت بإخراج هياكل الأموت،صوروا المشاهد وأعلنوا إنها مقابر النظام الهارب..
قالت مستفهمة:
ـ وما الداعي من ذلك يا بعلي..!؟
أجبتها:
ـ يضربون عصفورين أو ثلاثة عصافير بحجر واحد..
قالت:
ـ ما حكاية عصافيرك يا بعلي..
قلت:
ـ من جانب يلقون التبعة على النظام الهارب،لزيادة الطين على رؤوسهم..
قالت:
ـ ذلك عصفر واحد..
قلت:
ـ ومن جانب يلهون الناس ويشغلونهم كي لا يفكروا بوقع صدمة السقوط وما يجري في أنحاء البلاد..
قالت:
ـ وما هو العصفور الثالث..
أجبتها:
ـ يستولون على أراضي ممتازة يا عزيزتي..
صاحت:
ـ يا للخيبة..يا للمصيبة..
من وراء الربوة الجرداء إندفع أرنب برّي ووراءه يلهث كلب صيد نحيف ومن بعيد دوى طلق ناري،استدار الأرنب حول المكان دورتين قبل أن يقرر لجوءه الحيواني إلينا،صار أسفل العربة وراح يتوسل بطريقته الحيوانية،رق قلب(عشتار)،تأوهت(منار)وحملت الأرنب المذعور،في عينيه لمحت صرخة استغاثة،بينما الكلب ظلّ دالقاً لسانه،يئن ويراقب،يهز عجيزته اليابسة،يهز ذيله الطويل،يقعي وينهض،الزميل(حمار)طلب منّي المشورة،لح بنظراته وكاد أن يندفع بعدما فقد صبره،ربما هيأ سلاحه الطارد،(ضراط وفساء)،أراد أن يستخدم وسيلته الخاصة لوضع حدٍ للموقف،هيمنت على أعصابه بإشارة وعرف ما رميت إليه،وصل صيّاد أغبر الوجه،رجل إكتهل قبل موعده،عدواني الطباع،لم يلق ترحيباً،طلب بكل سوء أخلاق الطريدة التي لاذت من بعد مثابرة وهلع بنا..قالت له(منار):
ـ ماذا ينفعك هذا الهيكل العظمي المتهالك يا غريب..
أجابنا:
ـ من أسبوعين وأنا أهيم في البراري بحثاً عن أرنب بري..
قلت له:
ـ نحن إصطدناه وليس من المعقول أن تأخذه منّا..
قال:
ـ يا رجل لي ابنة عليلة لا يشفيها إلاّ لحم أرنب في وقت الحيض..
صاحت(منار)بوجهه:
ـ وما أدراك أنه كما تقول..
واصل عناده:
ـ أعطوني الأرنب..طفلتي تكاد أن تهلك..
حاول بشتى الوسائل وقدّم لنا حفنة نقود غريبة أخرجها من جيبه،هددنا بالسلاح ولو لا كلبه الذي هجم على(منار)وأفلت الأرنب من بين يديها لما تركنا،إندفع من جديد يركض وراء كلبه الذي صار في لمحة بصر نقطة أثر،بكت(عشتار)رفعت كفيها إلى السماء وراحت تدعي للأرنب كي ينجو من(الكلبين)واصلنا رحلتنا،هواء جاف،تلال شاحبة،قبل أن يتوارى قرص الشمس،برق ضوء أوقفنا من جهة اليمين،خلت نفسي في لحظة وهن،(منار)تحدق في بذهول،وكذلك (عشتار)أمّا الزميل(حمار)بدا أكثرنا ثباتاً وجرأة،غيّر من اتجاهه،تساءلت ألسنتنا:ما الذي يحصل..!!من جديد برق الضوء واستحال إلى عمودٍ ملوّن يمتد من داخل بيت متروك نحو السماء،بيت لا تظهر ملامحه إلاً بتسليط بصر حاد عليها،ضوء يتموج،يصعد كطيف شمسي في يوم ربيعي..قالت لي:
ـ ما هذا يا نوّار..؟؟
أجبتها:
ـ أخاله مقام رجل قويم..
قالت:
ـ لم لا نذهب إليه،عسانا نجد المراد أو نجد لنا مكاناً يؤوينا..
عند أوّل الليل،ألقينا متاعنا أمام سور حجري عالي البنيان،وجدنا باباً لم تسمح لي(منار)أن أعالجه،بقينا أمام المنزل حتى مطلع النهار،ضوء قمر منير ينوّر الدنيا من حولنا،نسيم رطب منعش صد هجمات البعوض علينا،بيت وجدناه خير مأوى،من أعين الوشاة والأشرار..!!
***
بيت أمين مهمل،يغيب بين صفوف أشجار اليوكالبتوس وسدرتين وخمس نخيل،البيت من حجر عتيق البناء، طرازه يقود الذهن صوب بدايات القرن المنصرم يوم زحف الأغراب من بلاد الأناضول وعاثوا في البلاد الدمار،أتوا بكل ما هو يلغي النبع الصافي،قتلوا أبناء الطوائف المتواضعة،بحثوا عنهم في القرى،في الوديان،من لا يدين بدين الوالي،ينحر قرباناً بأسم الدين والجهاد،غيروا الطباع،الكتب تقول ذلك،أنا لم أعش زمنهم،لم أولد في فترتهم،حكايات كثيرة سمعتها،تقول أنهم جاءوا وعاثوا في الديار فسادا،حكايات تقول:خربوا أخلاقنا..!! حكايات تقول:أخذوا فلذات أكبادنا طعماً لحروبهم البعيدة..!! جعلوا الولد يبصق بوجه أبيه كي يثبت ولاءه للغازين قبل تسجيله شرطياً مطيعاً،جعلوا البنت تغادر ماضيها وتدوس على أعرافها المتوارثة،راحت تلقي من على رأسها كل ما يستر ملامحها،بنات رغبن التجديد لحياتهن،رغبن الموضة والتحرر،تفككت أسر وعشائر وتوسعت متباعدة القرى والمدن فاستعرت نيران النزاعات حول الإرث والملكية،من سطح البيت ترتفع القبب الوديعة،قبة فوق كل غرفة،ست غرف متداخلة الأبواب،ست قبب فوق البيت،تشكل القبب نجمة دقيقة الترسيم،ربما تشبه لحد ما نجمة(داود)،لم نهتد لتأويل مقنع بخصوص مالكه أو الفترة المتوقعة لآخر نزيل حط رحاله في بيت غريب منفرد في مكان مؤهل للعيش بعيداً عن مشاكل المدن،ليس في المدن مشاكل كبيرة،العيش جميل،لكن المشكلة الكبيرة،ثرثرات الناس،ناس تدعي ثقافتها،تجيد العجن،تجيد تخليط الأمور وضياع الخيط الرئيس للحكاية،تدعي ذلك فلسفة وثقافة حداثية،البيت مرتفع البنيان،مرتفع على مرتفع أرضي،نهر يجري أسفله،منتصف النهر صخرة فيها عين يندلق منها شلال ماء رقراق متوهج،وجدنا مدرجاً حجرياً يتعرج صوبه،سهّل عملية نقل الماء،ربما قطن المنزل(باشا)من(باشوات)الأتراك،أقوال كثيرة سمعتها،أقوال أخرى تهجئتها في مزق أوراق،ربما البيت محمية من محمياتهم،لرصد اللصوص وناقلوا الممنوعات إلى(أكراد)الشمال،كلام كثير شائع بين الناس عن أماكن سريّة،مقاصف للمجون،تقام فيها حفلات للأنس والجنس،من قبل علية قوم،تركوا جمال دنياهم وملاحة نساءهم وجاءوا يبحثون عن أجساد جديدة،هناك حكايات عن فتيات اختفين ونساء تركن بيوتهن في ذلك الزمن العلقم،بنات جميلات يأخذونهن ويبيعونهن لملاهي البلدان المجاورة،إلى ملاهي(مصر)على أية حال،تلك حكاية أخرى،ربما اسطورة أخرى لرجل سيأتي ويريد أن يحكي اسطورته،حكايتي يا كاتب،موجعة،لا أقول مفجعة،كلّما أحكيها،تسحب مواجع لا تنتهي،تقلب ظهر المجن،فتتطاير المحن،لنعد إلى فلك الحكاية،البيت يقع على مرتفع أرضي بوسع كل عين من فوق قببه رؤية مسالك خفيّة تتخذها قوافل المهربين طرق نجاة من مخالب(جندرمة)الحدود في تلك الأيام العصيبة،أيام الجوع وبيع الشرف في بيوت الباشوات المحررين باسم الدين، طرق ترتسم مثل خطوط متعرجة أو أغصان شجر بلا أوراق،ألقينا التعب وراءنا،بهمة ونشاط أزلنا ما تساقط متراكماً من يابس الشجر وتوحشات الأغصان المتهدلة وأنزلنا متاعنا وفرشنا غرفة لنومنا وغرفة للزميل(حمار) بطبيعة الحال حدث هذا مع تباشير الفجر بعد ليلة سهر وفرح خارج البيت،نامت(عشتار)وبقينا أنا و(منار)نتجاذب أطراف الحوار حتى برز الخيط المبين الذي رسم ملامح النهار،كدت من هول الغبطة لحظة وصولنا ليلاً أن أقتحم الدار لولا رفيقة دربي(منار)التي أصرّت:(في الصباح)..!!عانقتني ورطبت ثغري بقبلة من قبلاتها التي هي لا تنتهي من جهة وهي أيضاً لعبتها الساحرة كلما تلمحني أو ترى بغريزتها الأنثوية مغامرة مجهولة العواقب تنضج في أفق خيالي،استقبلتنا العصافير والحمام وغرابين وقفا يهزان رأسيهما،غرابان يرحبان بنا،صوت ديك صدح،تحريت حتى أقرّت(منار)أيضاً:سمعت صياحه على ما يبدو لي..!!وجدناه يعتلي جدار البيت من جهة اليسار،ديك منتفخ الأوداج،بمهابة يقف،ينظر إلينا،خلته يخبر العالم عنّا،ديك خلته وجبة غداء تاريخية،ديك كبير الحجم،مكتنز اللحم..!!
صاحت(عشتار):
ـ أبي أريد ذلك الديك..
قلت لها:
ـ سنمسكه ونتغذى به هذا اليوم..!!
انقضى الصباح وأفلحنا من بعد جهد الإمساك بالديك،لقد أتعبنا كثيراً بمكره وخفته،حتى ليخال أنه تدرب على الطيران،ديك أثار في الشكوك،ديك بلا دجاجات،شيء غير وارد،الديك لا يعيش بلا دجاجات يركبهن كل دقيقة،كيف بديك ينفرد معتزلاً عن الدجاجات،مسكناه وذبحته بحربة عسكرية أحتفظ بها من زمن حرب(إيسان)أخرجت(منار)حفنة طحين وعملت لنا على نار الحطب فوق الصاج أرغفة مطعمة برقائق بطاطا وشرائح بصل،يوم تاريخي لنا ونحن نلتهم لحم من بعد سنوات حرمان،فرح يغمرنا لأننا أصبحنا نملك من بعد شقاء وعناء بيتاً لا يخرجنا منه مالك،أو يدفعنا العوز أن نغادره مكرهين لعدم حصولنا على أجرة السكن،بيت أفرحنا وفرح الزميل(حمار)بعد أن شبع من الحشائش وأغترف من النهر عذب الماء بعد سنوات من مياه البرك الآسنة،فرحت وفرحت(منار)وفرحت(عشتار)وفرح الزميل (حمار)طوال ذلك النهار،لم نخلد للراحة،بقينا نرتب وننظف ونزيل ما هو موحش ومعيق،انطلق لساني يغني،فرح الزميل(حمار)راح يهز رأسه وهو يسحل جذوع أشجار متروكة،بينما(عشتار)ظلّت جالسة فوق جذع شجرة توت،تصفق لنا بكفين من بلور وتكركر كاشفة عن أسنانٍ دقيقة،تلمع كالياقوت..!!
***
لابد من مقدمات بسيطة أقولها بكل وضوح لك ياكاتب،أريدك أن تلم بحكايتي،هي أنا يا كاتب،ما أحكيه لا يعدو سوى براكين احتدمت وانفلقت ونثرتني على زمنين،زمن ظالم وزمن لمّا يزل لا ينوّر،لا نور في الأفق،عشر سنوات والظلام يرفض أن يتحلل أمام الضوء القادم،زمان عنيد،وضوء بليد،أريد أن أحكي كل شيء،كل ما حكيته للناس،الناس لم تسمع من حكايتي سوى شطور،أريد أن أقربك من قضيتي،قد أعجز إذا ما طلبت منّي أن أسهب في شرحي بخصوص هذا التكوين العائلي لنا،أو التركيبة التي أنتجتنا،هل هي لعبة قدرية أو ترسيمة بارعة من ألعاب الصدف،أنا من شجرة مقطوعة،صحيح لي جد شهير وتاريخاً تمناه الكثير،لكنني لم أشبع من أبي ولا من أمي،ليس بوسعي أن أتذكر شيئاً من طفولتي،كل ما هو يرتسم وبكل دقة في بالي سنوات من العمل كحمّال في بلدة(جلبلاء)المتواضعة،التي تطل بكمد على حافة نهر(دلبلاء)المتعرج كثعبان جريح زاحف من الشمال منحدراً حتى الجنوب،مثلما (منار)فتاة صغيرة مستديرة الوجه وعينان واسعتان وشعر يتهدل بطريقة غجرية،متوافقان في كل صفة أو خصال مقبولة،(منار)ترعرعت ببراءة نادرة وعشقاً بلا حدود للحياة من غير أب وأم مثلما أنا عشت،كذلك(عشتار)كتب عليها أن تعيش بقية عمرها بلا أخ وأخت كما أكدت سنوات زواجنا، الزميل(حمار)خلال سنوات رفقتنا لم أجده يتنسم رائحة أنثى ولا يعير بالاً كلما مرّت واحدة أمامه،أعني حمارة،صرنا عائلة لا تمل التنقل،رغم ركلات الظروف القاسية،رغم موت الفرح في بلادنا،رغم الجوع وتوافد أوبئة غريبة،أصبحنا عائلة لا تعرف غير السعادة لغة،لا تستغرب أيها الصابر المتابع لما أقوله أن قلت لك:عقل واحد غير بليد أو معقد يستوطن رؤوسنا،قلب واحد لا يغير من إيقاع نبضاته أوان التجاوزات الحاصلة علينا يتوزع داخل أجسادنا،أجسادنا نحن الأربعة،أنا و(منار)و(عشتار) والزميل(حمار)،هي حقيقة تؤكدها ما عشنا من وقائع ورحلات فوق العادة،ولك أيها الولد الكاتب الحصيف أن تمسك خيط السر،خيط الحكاية للوصول إلى لب ما أقوله لك من خلال أسماءنا المتناسقة..(..نوّار ـ منار ـ عشتار ـ حمار..)..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعل الغجريّة..رواية(2)
- بعل الغجريّة..رواية(1)
- حكاية عبّاس
- ثلاث قصص قصيرة
- السكن في البيت الأبيض
- ونثرنا ضمائرنا على الجدران//قصة قصيرة
- بجلطة شعريّة..مات بطل رواية(نافذة العنكبوت)
- الأتفاقية الأمنية بين مطرقة أمريكا وسندان الفوضى
- أنا كاتب تلك الفصة
- شيء ما يحدث
- لحظة فقد ذاكرته
- أنا كاتب تلك القصة
- في حدثين منفصلين
- حفيد العاشق محروس
- مضت ساعات الندم
- براءة اكتشاف..البرلمانيون لا يقرؤون
- صبر العراقي..أيّوبي
- الجنود لا يتحركون ليلاً
- هل قلت شعرا
- ولد روائياً


المزيد.....




- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم -
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم .
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - بعل الغجريّة..رواية/4