أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعدون محسن ضمد - رسالة إلى هتلر














المزيد.....

رسالة إلى هتلر


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2461 - 2008 / 11 / 10 - 08:41
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم يكتشف الخليل بن أحمد الفراهيدي أوزان الشعر ليسجل براءة اختراعه، فالشعر كان قبل أن يكون الفراهيدي. وهو أيضاً لم يضبط الأوزان ليمنح الناس سر الابداع، إذ الابداع لا يوهب. لكن الفراهيدي فعل ما فعل ليضبط شكل هذا الذي نسميه شعراً. وكانت المشكلة يوم توهم البعض أن الفراهيدي مُعلم شعر، وهكذا انصرفوا لدراسة التفعيلة، التي هي نحو من أنحاء الحساب. وهذه نكتة مهمة؛ أقصد أن يقع بين الشاعر وبين الناقد، أبله يعتقد بأن طريق الحساب يوصل إلى الشعر. يُشرق الإبداع من رحمٍ يتجاوز منطق التوقع الإنساني، وعندما يتحقق على شكل منجز، يتحول إلى موضوع للدرس، ما ينزع عنه بريقه الحقيقي، فالناقد يتتبع المرئي والمحسوس، بينما الإبداع غير هذين، ففن الشعر لا يُخْتَصر بحساب الإوزان.
هذه النكتة ترتبط بجميع أنواع الإبداع، وتخبرنا لماذا لا يتكرر الأفراد من العلماء أو الفنانين أو المستكشفين أو غيرهم. فعجيب أن أمثال هؤلاء لا يتكررون مع أن آلاف المعجبين يحاولون تقليدهم ويسلكون طرقهم ويتتبعون أخبارهم.
هذه النكتة يمكن لها أيضاً أن تفسر الفرق بين الأنبياء والفقهاء (مثلاً)، إذ الفقه محاولة لحساب الجهد الإبداعي الكامن في النبوة، ولأن جل النبوة إبداع لا يكتشفه المنطق، لا يقع الفقه على غير شكلٍ بائسٍ لها.
أهمُ ما تفسره لنا هذه النكتة أيضاً هو الفرق بين الزعماء التاريخيين وبين من يحاولون تقليدهم ممن يعتبرون أنفسهم قادة. فهناك فرق بين البحث عن حل للأزمة وبين العناية بشكل القيادة والحفاظ على مظهرها الخارجي المعروف لدى الناس. ها هنا طريقان: الأول منهما يؤدي لإنقاذ الناس، والثاني يؤدي لإرضائهم. وفي الغالب فإن سماع رأي الجماهير والتصرف على وفق هواها يؤدي لهلاكها. فجل رجال التاريخ كانوا ـ أول أمرهم ـ محل غضب ومقاطعة شعوبهم. ولهذا السبب نجد بعض الماسكين بدفة السياسة العراقية ضائعين بين نموذجي غاندي وهتلر. وهذا ما يعرضنا للضياع. فهتلر كان معنياً بأن يكون قائداً، لهذا فقد جننته شعارات البطولة (التي تعجب الناس).. حولته لأحمق كبير.. عربة حديد مدفوعة على سكة عنف. أما غاندي فقد كان معنياً بالأزمة ما أنقذه من هم البحث عن شكل القيادة الكلاسيكي؛ أي العنف. غاندي لم يكن معنياً بما يعجب الناس، ولا كان معنياً بتطبيق الشكل الكلاسيكي للقيادة. لذلك لم يحمل سلاحاً بوجه الانكليز، ولا خاف من تهمة العمالة وهو يتعاطى بمنطقهم. لا بل انحنى أمام عاصفتهم، فقط ليواجها بجبل من الإبداع...
لذلك أجد أن عليك وأنت مسؤول عن القرارات المصيرية، أن تختار بين نموذجي هتلر وغاندي، بين أن يمدحك شعبك يوماً ويلعنك التاريخ دهوراً، وبين أن يتهمك شعبك بالعمالة ويقف التاريخ أمامك متأملاً سر الإبداع فيك.
بحث غاندي عن المنفذ أوقعه على كنز الفرادة، وبحث هتلر عن البطولة أوقعه بمستنقع الجريمة. أما لماذا وكيف اختلف الأمر بين النموذجين. فهذا ما تفسره حكاية الشاعر والناقد والأحمق الضائع بينهما.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريثما يموت الببَّغاء
- الإنسان الناقص
- نبوئة لن تتحقق
- اغتيال مدينة
- كنت ثوريا
- التثوير الديني
- يقين الأحمق
- كلام المفجوع لا يعول عليه يا صائب
- البقاء للأقوى يا كامل
- اقليم الجنوب
- القرد العاري
- محمد حسين فضل الله
- وأعدائهم
- عبد الكريم قاسم
- ثقافة الوأد
- أعد إليَّ صمتي
- سخرية القصاب
- وعينا المثقوب
- ولا شهرزاد؟
- لو أنته حميد؟


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يرصد دفعة صواريخ إيرانية جديدة.. وموسوى يدع ...
- -لا تحاولون العودة-.. الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا عاجلا إلى ...
- هل ينجر ترامب لحرب إسرائيل ضد إيران؟
- مصدر أمني إيراني: طهران على تواصل مع موسكو وتعول على دور روس ...
- الخارجية الروسية: حياة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ف ...
- الرئيس الإسرائيلي يزور معهد -وايزمان- المتضرر جراء القصف الإ ...
- -سي إن إن- ترجح ميل ترامب لاستخدام القوات الأمريكية لضرب الم ...
- باكستان تجلي عائلات الدبلوماسيين من إيران والبعثات لا تزال م ...
- الجيش الإيراني يعلن تدمير 28 هدفا إسرائيليا معاديا خلال الـ ...
- مباحثات مصرية أمريكية إيرانية لوقف التصعيد بين طهران وتل أبي ...


المزيد.....

- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعدون محسن ضمد - رسالة إلى هتلر