أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعدون محسن ضمد - سخرية القصاب














المزيد.....

سخرية القصاب


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2326 - 2008 / 6 / 28 - 08:02
المحور: سيرة ذاتية
    


يقع على طريقي اليومي محل شعبي لبيع اللحوم حيث يديره قصّاب يتمنطق بحزام مليء بالسكاكين الحادَّة. كثيراً ما تدعوني علاقة القصّاب بمجموعة النعاج للتأمل الحزين. فحيث ينهمك هو بذبح وسلخ جلد أحد حيواناته تكون بقيتها منهمكة بالتهام الحشيش والتقاتل عليه، وكأنها لا ترى أو تسمع المنظر الذي يقع بمحاذاتها ويسرد عليها تفاصيل مصيرها الحتمي والقريب. فسرعان ما سيأتي زبون في طريقه لإعداد وليمة كبيرة، وعندها تبدأ عملية اختيار احد المتصارعين على الحشيش والسير به تجاه قَدَر السلخ.
هذا المصير يتكرر باستمرار ومع ذلك لا النعاج تبالي ولا القصّاب يمل. غالباً ما يأخذني مثل هذا التأمل للسخرية من مصير الإنسان، يخيل إلي دائماً بأننا في نهاية المطاف مجموعة هائلة من النعاج. مجموعة كبيرة جداً تحملها كرة هائلة وتدور بها داخل مدار مخيف، عندما تحضر بوعيي هذه الصورة أكاد أقطع بأن الأرض أشبه شيء بالمزرعة التي تربى فيها حيوانات الحقل التي ينتظر كل منها دوره في حفلة حز الرقاب.
كلنا نعلم بمصير الموت، في كل يوم هناك قصّاب ومجموعة سكاكين ودماء من جهة، ومن جهة أخرى حفنة دسمة من الحشائش التي نتقاتل عليها فيما بيننا. والسؤال الذي أواجه به نفسي باستمرار هو: ما الذي يجعلني أشعر بجدوى أكل الحشيش وأنسى أهمية أن أكف عن لعب هذا الدور الممل.. لماذا انتظر القصّاب؟
يوم أمس سمعت من أحد إصدقائي جملة تختصر لعبة الحياة، فقد قال ـ وكنَّا نتحدث عن لا جدوى الكتابة ـ بأن على الإنسان الذي يمتلك وعياً مغايراً قد يقوده لأسئلة الجدوى المخيفة أن يشغل نفسه بأي شيء. أي شيء، أي وهم يجعله ينسى هذا المصير القذر. حسناً إذن، فهل يمكن أن تكون النعاج التي أمر عليها يومياً حكيمة لدرجة أنها امتلكت سر الحياة. أيعقل أنها تلهي نفسها عن التفكير بمصير لا سبيل للخلاص منه عن طريق الانهماك بأوهام العلف.
بالنسبة لي أُدْخِل نفسي دائماً بدوامة مشاغل لا تنتهي، بل لا تخف وتيرة تصاعدها. والويل لي لو حُوصرت بلحظة كساد وعطل. الويل لي لو وجدت نفسي خالياً وحدي داخل غرفة من أربعة جدران، عند ذلك لا أخاف فقط من شلال الأسئلة الذي يحيط بي كما الوحوش الكاسرة. بل أخاف أيضاً مما سيكون عليه حالي بعد أن أقع فريسة تأملاتي الحزينة والمتشائمة، خاصَّة إذا تذكرت الأشياء الحزينة في حياتي. أمي مثلاً والنتائج التي أوصلها إليها حُفلُ سلخها، فقلبها عاجز وضغطها مرتفع ودفتر أمراضها المزمنة مليء بالوعود الكاذبة. أبي هو الآخر شيء محزن، فقد كبر لدرجة جعلته يراقب الوجود من حوله بعيني حكيم مغادر. يشعر دائما بنبض الموت، ويحسب باستمرار لحظات اقترابه، يتكلم عنه بمزيج من الاستسلام والحنق والاستهزاء. أتذكر أيضاً نفسي وأنا أحيطها بمجموعة تافهة من الكتب ومجموعة أخرى من الارتباطات والمشاغل ووظيفة أطل من خلالها بعض الأحيان على الناس لأمثل لهم دوراً ألهيهم به عن حفلة حز الرقاب التي تجري بالقرب من بيوتهم كل يوم.
اقتربت الساعة الآن من التاسعة والنصف صباحاً، وبعد أن افرغت شحنتي العاطفية وبكيت قليلاً من مصير النعجة الذي أذهب باتجاهه، شعرت بالجوع، وفكرت أثناء إنهائي لكتابة هذه الكلمات وبدون أن أشعر بأن اتناول الإفطار، عند ذلك فقط شعرت بأن قصّابي يسخر مني، وأنه يقف هناك في مكان ما وزمان مختلف ويضحك وهو يحدُّ سكاكينه. يضحك من نعجة تافهة لدرجة أنها تراقب بحذر مجموعة سكاكينه لكنها مع ذلك لا تستطيع أن تشيح بعينها بعيداً جداً عن كومة العلف.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعينا المثقوب
- ولا شهرزاد؟
- لو أنته حميد؟
- I don’t believe
- كيف تسلل الشيطان
- دويلات عراقية
- سحقا لكم أيها الأتباع
- حتى أنت يا كلكامش؟
- اكتاف الفزاعة
- المخيفون
- عَرَب
- ثقافة التنافس
- عيب عليك
- ارضنة الدين
- يوسف.. لا تُعرض عن هذا
- أصالة العبودية
- هل نتمكن؟
- أحمر الشفاه
- التعاكس بين منطق العلم و منطق الخرافة
- أنياب العصافير


المزيد.....




- هل يعيد تاريخ الصين نفسه ولكن في الولايات المتحدة؟.. وما علا ...
- مجلس الشيوخ الأمريكي يناقش مشروع قانون ترامب للإنفاق وسط انق ...
- محكمة إسرائيلية توافق على تأجيل جلسات محاكمة نتانياهو في قضا ...
- يضم معارضين سياسيين ومواطنين أجانب... القصف الإسرائيلي يلحق ...
- فرنسا تعتزم أداء -دور محوري- في مفاوضات النووي وطهران تبدي - ...
- مشاهد للجزيرة توثق قصف مسيّرة للاحتلال فلسطينيا يحمل كيسا من ...
- ماذا تعرف عن إنفلونزا العيون؟
- الفساد يطيح بوزير يوناني و3 نواب
- غزة تنزف منذ 630 يوما.. إبادة ممنهجة ومعاناة لا تنتهي في ظل ...
- للمرة الأولى.. أطباء أسناء يركّبون سنًّا لدب بني


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعدون محسن ضمد - سخرية القصاب