أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدون محسن ضمد - أصالة العبودية














المزيد.....

أصالة العبودية


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2177 - 2008 / 1 / 31 - 11:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للمثقف وظائف كثيرة يؤديها، أكثرها خطورة على الناس هي تلك التي يفكر فيها بالنيابة عنهم. وذلك عندما يكتسب شرعية مركبة (سوبر شرعية) كأن يكون على قمة المؤسسة الدينية أو على قمة المؤسسة السياسية.
المهم في هذا الموضوع أن الرأي الخاص والفردي الذي يخرج به هذا الصنف من المثقفين يتحول ـ بفعل التقديس ـ إلى رأي ناجز يقبله ويعمل وفقه جمع هائل من الناس. وهنا تكمن المفارقة، فعندما يخطئ هذا المثقف تنقلب معادلة النيابة بينه وبين الناس، فالناس هم الذين ينوبون عنه هذه المرة لكن بدفع ضريبة خطئه هو.
هناك قاعدتان فقهيتان تحكمان عمليات استنباط الأحكام الشرعية، قاعدة قديمة يُعبر عنها بعبارة: (أصالة البراءة) وقاعدة حديثة يُعبر عنها بعبارة (أصالة الاحتياط). القاعدة الأولى تقول بأن الأصل في السلوك البشري والحياة أنهما مباحتان، ولا يجب على الإنسان أن يشكَّ بحلية سلوكه. إلا عندما يقع تحت ملاحظته دليل متين يشير إلى الحرمة. على أساس هذه القاعدة لا نكون مطالبين بأن نبحث عن حرمة الأشياء، لأن الله أباح لنا كل ما لم يحرمه بنص ثابت منه. والجزء الأهم بموضوع هذه القاعدة أنها تجعل العلاقة بين الإنسان وربه علاقة حرة ومفتوحة وخالية من المحاسبات التي تبدأ بلحظة البلوغ ولا تنتهي بلحظة الموت، الله ومن خلال الثقافة التي تبثها هذه القاعدة متسامح لهذه الدرجة، بمعنى أنه لم يخلق الإنسان من أجل أن يتشفى بشيه على نار لا يخمد لهيبها أبداً، بل خلقه ليمنحه الفضاء الكافي لبنا حياته والتحكم بخياراته.
أما القاعدة الثانية فتقول بأن الأصل في السلوك البشري والحياة أنهما حرام. ويجب على الإنسان والحال هذه أنه لا ينقل قدم عن موطئ قبل أن يتحرى عن حرمة الموطئ الجديد. الثقافة التي تبنيها هذه القاعدة ثقافة مرتابة شكاكة سلبية وغير قادرة على البناء الحضاري. لأنها تنظر للغاية من خلق الإنسان من منطق الخطيئة والعقاب. والرب الذي ترسمه، رب لا يعنيه شيء أكثر من عدِّ هفوات الإنسان ومتابعة أخطائه. اللافت في موضوع هذه القاعدة أن المثقف الذي أسس لها انطلق من دليل يقول بأن العلاقة بين الله والإنسان تشبه العلاقة بين العبد وسيده، وكما أن على العبد أن لا يتصرف أي تصرف قبل أن يتأكد من موافقته لرضا سيده، فعلى الإنسان أن لا يفعل أي شيء قبل أن يتأكد من موافقته لرضا الله. والخطأ الذي وقع فيه هذا المثقف يقلب معادلة العلاقة بين الله والإنسان من كونها علاقة بين خالق ومخلوق إلى كونها علاقة بين مالك ومملوك. والفرق كبير، ذلك أن الله لم يشتر الإنسان، بل خلقه، السيد لا يشتري العبد إلا عندما يكون محتاجاً إليه، بمعنى أن الأصل في علاقة المالك بالمملوك هو حاجة المالك، ما يدفعه لأن يفرض على العبد منظومة سلوك مليئة بالممنوعات ومنسجمة مع رفاهيته على حساب نكد العبد. أما الأصل في علاقة الخالق بالمخلوق فهي الغنى المطلق ما يجعل الخالق يشرع لحياة مباحة، مؤسسة على منطق أن الله خلق الأشياء ليتمتع بها الإنسان، لا ليتحسر عليها. الغريب في الموضوع أن المشكلة لم تتوقف عند حدّ أن القاعدة الثانية مهدت الطريق أمام عملية تحريم جميع الأشياء، بل هي أيضاً كرَّست لثقافة العبودية التي تعاني منها ثقافتنا أصلاً. وليس غريبا بعد ذلك على ثقافة تتأسس على مثل هذه القاعدة الفكرية أنها تجعل العبودية نموذجاً يحكم كل نسق العلاقات الاجتماعية. فالأبن عبد لأبيه والجماهير عبيدة لقائدها والمكلفون عبيد لمراجعهم والشعب كل الشعب عبيد بحضرة الرئيس.
الذي أخطأ بإنتاج هذه القاعدة مثقف واحد، لكنها تُتَرجم الآن لسيل دافق من الأخطاء. وهذا لا يعني بأن علينا مطالبة المثقف بالكف عن التفكير، بل مطالبة الجماهير بأن تكف عن التعامل بمنطق أنها عبيد.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نتمكن؟
- أحمر الشفاه
- التعاكس بين منطق العلم و منطق الخرافة
- أنياب العصافير
- الجينوم العربي
- ال(دي أن أي)
- كريم منصور
- الأنف (المغرور)
- لمثقف الجلاد
- عشائر السادة (الرؤوساء)
- عشائر السادة الرؤساء
- أوهام (الكائن البشري)
- الروزخون
- الكتابة عن الموت.. بكاء المقبرة الموحش
- وطن بلا اسيجة.. تفكيك مفهوم الوطن وتشريح عمقه الدلالي
- الثقافة العار
- حاجات الجسد أطهر من حاجات الروح
- قلق الأديان... العودة بالدين لمربع الحاجات البشرية
- الكتابة عن الموت... الموت يركب خيوله
- الكتابة عن الموت.. الحنين إلى الرحم الأول والملاذ الأخير


المزيد.....




- أوباما: الولايات المتحدة -قريبة بشكل خطير- من الاستبداد
- نتنياهو: لدينا القدرة على ضرب كل المنشآت النووية الإيرانية و ...
- ترامب يُحدد المدة الزمنية قبل اتخاذ قراره بشأن التدخل العسكر ...
- من الصين وروسيا إلى باكستان.. هل تصمد تحالفات طهران أمام الح ...
- صاروخ سجيل.. ما مميزات السلاح الذي أطلقته إيران لأول مرة على ...
- ترامب لبوتين: -توسط في شؤونك الخاصة-.. ردا على عرضه التوسط ب ...
- إسرائيل وإيران: هل تتّسع دائرة التصعيد بعد الضربات الأخيرة؟ ...
- تحرك طائرة -يوم القيامة- الأمريكية
- وفق القانون الدولي - تنسيق أوروبي أكبر لمكافحة -أسطول الظل- ...
- صحة غزة: 84 شهيدا بنيران جيش الاحتلال منذ فجر اليوم


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدون محسن ضمد - أصالة العبودية