أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون محسن ضمد - الأنف (المغرور)














المزيد.....

الأنف (المغرور)


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2118 - 2007 / 12 / 3 - 10:56
المحور: الادب والفن
    


منذ أكثر من سنة بدأ يتشكل عندي هاجس غريب يمكن تسميته بـ(فوبيا المرآة).. فلم يعد هذا الجسم الصقيل مجرد حاجة تنعكس فيها صورتي، الأمر الذي يمنحني فرصة ترتيب مظهري كل صباح. بل تحولت لشيء آخر مثير للقلق وحتى الخوف في بعض الأحيان. فصحيح أنني أحب الموت باعتباره حلاً لكل ما لا يمكن حله.
لكنني من جهة أخرى أحب الحياة باعتبارها فرصة للتأسيس. ومن هنا فأنا أدخر الموت ليوم لا يعود فيه هاجس التأسيس مجدياً أو متاحاً. لكن المرآة لا تفتأ تواجهني كل يوم بأسئلة الجدوى والموت. خاصَّة من خلال (التكشيرة) الماكرة التي ترسمها الشعرات البيض التي أخذت تتكاثر بين شعرات رأسي السوداء.هناك رائحة للموت يبثها الشعر الأبيض، هذه حقيقة يحسها كل من غادر منتصف العقد الثالث، وهي لا تتحدث عن الموت بمعناه المألوف (المفاجئ) بل بمعنى آخر يتعلق بالهدم ويشبه التآكل التدريجي الذي يلتهم الأشياء دون أن يحس بها أحد.يحدثني صديقي الشاعر (كريم حسين عاشور)، باستمرار عن تآكل الجسد الذي يبدأ بعد نهاية ما يسميه بـ(قدرته على البناء والتعويض) فبعد هذه المرحلة تبدأ مرحلة طويلة وبطيئة من الانهيار الذي يلتهم خلايا الجسد ويهدم بنيته، ودون أن يشعر بذلك الإنسان. حديث كريم جعلني أعرف معنى أن الموت حالة تنتاب الجسد وليس حدثاً طارئاً عليه.وبالعودة لفوبيا المرآة، أريد أن أقول بأنني وحتى مع قسوة سؤال الجدوى الذي تبصقه بوجهي كل صباح، لم أكرهها هي، بل كرهت حاسّة البصر عندنا. فهذا الجهاز الذي نسميه (العين) هو وحده المسؤول عن الكثير من مشاكلنا. الخوف الذي يبثه الشعر الأبيض لدى النساء لا تثيره المرآة، بل هذه الحاسَّة (المنحوسة). تجاعيد الوجه ما كانت لتؤدي إلى كآبتهن وجنونهن. لولا عيون الرجال التي تزداد قسوة إهمالها لوجه الأنثى كلما قلت نظارته. حضارة البشر ما كانت لتتأسس على المظهر والشكل، لو فقد هذا الكائن حاسَّة البصر واعتمد على الشم أو السمع أو اللمس بشكل أكثر. أتخيل دائماً يوماً تأتي فيه لعنة تُفقدنا القدرة على الرؤية. وعندها أجزم بأن الكثير من أركان حضارتنا (الشكلية) ستنهار لتحل محلها أركان أخرى. مفهوم العورة، مثلاً، من أكثر المفاهيم التي ستفرح (نسائنا) بانهدامه، وانتهاء اللغط الدائر حول ضرورة سترها ومقدار المساحة التي تساويها من جسدهن. مقاييس الجمال هي الأخرى ستتحول لكذبة كما هي في الحقيقة. وربما سنعتمد على حاسَّة الشم في بحثنا عن الجميلات، وسنشعر بالإثارة طبعاً من خلال اختلاف رائحة أجزاء أجسادهن أو شدتها، وعند ذلك فقط سيكون أمر الاقتراب الشديد من أجساد النساء (الغريبات) متاحاً ومعقولاً جداً.حتى الفلاسفة ستنالهم كارثة انهدام المفاهيم، وسينتهي الكثير من اللغط الذي اتخموا تاريخنا به، وربما من أهم فصول ذلك اللغط هو اختلافهم بشأن إمكان رؤية المطلق، فبعد أن تنغلق (العين البشرية) إلى الأبد سنتجاهل بالتأكيد ضرورة الارتباط بين وجود الكائن وشكله، الأمر الذي ينقذ المطلق من غرورنا المعرفي. لكن طبعا من الممكن أن يختلق الفلاسفة ـ شأنهم دائماً ـ مشكلة أخرى ترضي حاجتهم للاختلاف، ويوقعون المطلق بمأزق آخر، مثل إمكانية شم رائحته، فبعد أن نتحول لكائنات شامَّة، لن يعود من الممكن أن نتصور وجود كائن أو شيء بلا رائحة. وعندها ستتحول قدرتنا على التجريد، من تجريد الشكل إلى تجريد الرائحة، وسنقول بأن رائحة المطلق (قديمة) وهي خارج إطار الزمان والمكان، وهي حتماً لا تتعلق بظاهرة التعرُّق الكريهة، ولا تدل بالتالي على الحركة أو السكون، كما أنها وبالضرورة الفلسفية، ستكون خارج مدى الأنف البشري (المغرور). وبعد كل هذا سنقرر بأن أهم ما يليق بالمطلق من الصفات هي أنه شام وليس سامعاً أو باصراً.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمثقف الجلاد
- عشائر السادة (الرؤوساء)
- عشائر السادة الرؤساء
- أوهام (الكائن البشري)
- الروزخون
- الكتابة عن الموت.. بكاء المقبرة الموحش
- وطن بلا اسيجة.. تفكيك مفهوم الوطن وتشريح عمقه الدلالي
- الثقافة العار
- حاجات الجسد أطهر من حاجات الروح
- قلق الأديان... العودة بالدين لمربع الحاجات البشرية
- الكتابة عن الموت... الموت يركب خيوله
- الكتابة عن الموت.. الحنين إلى الرحم الأول والملاذ الأخير
- الكتابة عن الموت... تداعيات ما قبل الشروع بالنهاية
- تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتميز والاقصاء (2-2)
- تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتمييز والاقصاء (1-2)
- عقلية المواجهة... قراءة في كتاب (امبراطورية العقل الأميركي) ...
- قرية العراق.. الحاجة للانثروبولوجيا السياسية
- العائد مع الذات
- مرض الزعامة
- سرد الشياطين


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون محسن ضمد - الأنف (المغرور)