أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتمييز والاقصاء (1-2)















المزيد.....

تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتمييز والاقصاء (1-2)


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1994 - 2007 / 8 / 1 - 06:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الطفولة والهوية

كنت في الطريق إلى البيت عندما شعرت فجأة بان العلكة التي في فمي قد استهلكت، وأصبحت لا تطاق. وقبل أن أتخلص منها، لمحت طفلاً كان يسير بمحاذاتي، بينما وعلى مسافة ليست بعيدة عني كان هناك باب مفتوح تتحدث عنده امرأتان، انتظرت وأنا أسير، اللحظة التي تنتقل بها عيون المرأتين عني كي أتخلص من العلكة، وعندما حانت اللحظة، تخلصت بحركة سريعة من تلك المادة. بعد ثلاث أو أربع خطوات لمحت الصبي وهو يتحرك باتجاهها، ما دفعني للتوقف ومراقبته، وتوقف هو بدوره خائفاً.. بقي بلا حراك ينظر إلي، ما أكد لي أنه يريد التهامها من على التراب، كنت بصدد زجره لولا أن وقوفي بوسط الزقاق قريبا من الصبي صار محط اهتمام وتوجس المرأتين، لم يكن أمامي حينها غير أن ازجر الصبي بنظرة متوعدة، وأكمل سيري على أمل أن يخاف ويبتعد. بعد ذلك كان علي التصرف بطريقة تعيد الهدوء للمرأتين، وهذا ما جعلني استمر بالسير وما جعل اللَّعين بذات الوقت يغتنم الفرصة ويهجم على الأرض وبحركة خاطفة يلتهم تلك القذارة.

فجأة شعرت بالغثيان والحزن، فأنا أعاني من التسوس والأرض قذرة بشكل لا يطاق، وهذا الصغير بدا عليه الشعور بالسعادة وهو يمضغ كل تلك الأوساخ. عندها هجم علي وبشكل مباغت كم هائل من الأسئلة.

تربية الطفل؟ أم الفقر؟ أم إهمال الأبوين؟ أم مجموعة الصدف التي جمعتني وإياه على طريق واحد؟ أم قلة الوعي الصحي؟ أم كل هذه الأسباب اجتمعت فقط من أجل أن تجمع أقذار فمي مع أقذار الأرض لتدخلها بذلك الفم البريء؟ أم أن الأمر برمته عبارة عن فوضى عارمة، وعشوائية بلا حدود؟



متى تبدأ الأزمة؟

لم أعد متأكداً إن كانت الأشياء تحدث من حولنا بشكل عشوائي، أم أنها تحصل بتقدير قوة تخطط لكل صغيرة وكبيرة. أنا لا أعرف في الحقيقة.. كما أنني متأكد بأن لا أحد يمكنه أن يعرف حل هذه الأحجية.. فللكثير من التفاصيل الصغيرة التي تحصل خلال حياتنا اليومية أهمية بالغة في تحديد ملامح شخصيتنا، وقد يمر حدث عابر يجعل من شخص ما مجرماً، أو ملاكاً، أو قد تؤثر التفاتة أو ابتسامة أو صيحة غضب بإنتاج فعل أو ظاهرة تؤثر بحياة الكثير من الناس.

إن حادثة التهام الطفل للعلكة أوقفتني أمام تفاهة المؤثرات التي تحيط بنا، وتصنع بالنتيجة شخصيتنا الاجتماعية، الشخصية التي ستترجم في نهاية الأمر هويتنا الاجتماعية وولائنا الطائفي أو العرقي. ألا يقتل العراقي العراقي الآن بدافع من الولاء والانتماء؟ ألا تؤثر الشخصية الاجتماعية التي ينقلها المجتمع لذهنية الفرد بما يحدث حولنا الآن من قتل وتدمير؟ طبعاً هي تفعل ذلك، ولكن من جهة أخرى ألا يكون أمراً مثيراً للخوف أن نكتشف بأن معظم المفردات التي تشترك بصنع هذه النتيجة هي مؤثرات تافهة وتحدث بشكل عشوائي واتفاقي؟

أيام الطفولة البريئة تتحدد أهم معالم الشخصية، يكتب في ذهن الشيعي أنه شيعي وفي ذهن السني أنه كذلك، في السنوات العشر الأولى من حياته، وفي سنوات البراءة هذه لا يتمتع الأطفال ـ على الأقل في عالمنا العربي ـ بالكثير من الامتيازات التربوية. وحادثة الطفل والعلكة خير شاهد على هذا الموضوع. فالبيئة الاجتماعية التي بلغت بها بدائيتها حدَّ أنها لم تُعَلِّم هذا الطفل الفرق بين الطعام والقذارة، هي التي تنتقي له ولائه بنهاية الأمر وتحدد له الشرعي واللاشرعي، وهي التي سيكون لها الأثر البالغ في تحديد خياراته المستقبلية.

إذن ومن جديد هل تحدث الأشياء المؤثرة بحياتنا، بشكل عشوائي أم لا؟

أعتقد بأن اختيار إحدى الإجابتين سيمثل لي تعبيراً عن ثقة مبالغ بها بـ(المخ)؛ الذي هو أداة غير كفؤة بشؤون الطبيعة فضلاً عما وراء الطبيعة.

التهام العلكة من قبل الطفل فعل (إرادي) بمعنى أنه نابع عن إرادة، غير أن هذه الإرادة ليست متكاملة، فهي إرادة طفل في نهاية الأمر. إذن فهذا الفعل يثير إشكالية المسؤول الحقيقي عن هذا الخطأ الذي قام به الطفل ناقص الإرادة؟

البحث عن المسؤول سيثير إشكالية غاية في التعقيد، فحتى أنا سأكون مشترك بهذه المسؤولية. المرأتين في الزقاق، الأبوين كذلك، البيئة الاجتماعية، المدرسة، التلفزيون، أطفال المحلة، العائلة. كل هؤلاء مسؤول بشكل أو بآخر عن هذا الموضوع. هذا بالإضافة إلى أن مسؤولية كل من هؤلاء تتفرع بدورها إلى مسؤوليات أخرى؛ ذلك أن الأبوين (مثلاً) ضحية من ضحايا نفس الإشكالية؛ أي أنهما بنهاية الأمر نتاج مباشر للتربية والظروف والملابسات المرتبطة بالتنشئة الاجتماعية.

مع أن الفعل الإنساني ينطلق دائماً عن إرادة، الأمر الذي يوجب تحمل الإنسان للمسؤولية الكاملة المترتبة على فعله، لكن نفس الإرادة يبدو أنها مفهوم غير واضح، فمثل الطفل لا يقال عن إرادته أنها كاملة، وربما لا تعتبر إرادة، فالإنسان يتحمل مسؤولية أفعاله بعد بلوغه، وهذا يساوي أن إرادته تبدأ عند هذه السن. ولذلك فالمجتمع ومن خلال الأديان والقوانين لا يحاسب إلا الإنسان كامل الإرادة. أما الإنسان الذي لا يكون كذلك فيبقى خارج إطار المسائلة القانونية والشرعية.

لكن من جهة أخرى ألا يمكن اعتبار جميع أفراد المجتمع بإرادة ناقصة؟ ذلك أن المجتمع عبارة عن كيان مبني على أساس عقد يقضي بتخلي الفرد عن جزء من حريته لصالح حرية الجماعة. وكلما كان الفرد اجتماعياً أكثر، كان بالمقابل أكثر تفريطاً بحريته لصالح حرية الآخرين، أو بكلمة أدق، إزاء تدخل الآخرين بحريته، وعندما يوصف فرد ما، بأنه غير اجتماعي، فإن المقصود من وراء ذلك بأنه لا ينضبط وفق مقررات الجماعة، ويتصرف على هواه.

القبول بالقانون الاجتماعي، يعتبر أيضاً ترجمة أخرى لنفس الموضوع، فقبول الفرد بالقانون يساوي التخلي عن جزء كبير من حريته. فعّاليات الفرد داخل إطار الجماعة لا تنبع عن إرادته بالمعنى الحرفي للإرادة. بل تشترك مع إرادته فيها إرادة المجموعة، وهذ الموضوع يبدأ من أدق خصوصيات الإنسان ولا ينتهي عند أي من عموميات المجتمع. اختيار الملابس، دخول أو عدم دخول المدرسة، طراز بناء البيت، اختيار شريك الحياة... وهكذا. حتى الإنسان الذي يتصور أنه يقود دفَّة حياته بحرية كاملة، لا يفعل ذلك بالكامل، فعملية قيادة الدفة تابعة لشخصيته، وهذه الشخصية صنعت من قبل الجماعة ومؤسسات الجماعة وعقائد الجماعة وضبط الجماعة... الخ.

إذن في إطار تقييمنا للسلوك الفردي من جهة، وللسلوك الـ(مجموعي) من جهة أخرى لا بد لنا من أن نأخذ بنظر الاعتبار هذا التداخل والاشتراك بإنتاج الفعل، فالفعل الجماعي مقسَّم على الأفراد، والفعل الفردي مدفوع بإرادة وضغط وإملاء الجماعة. وهذا الموضوع يوصلنا لعتبة الهوية، هوية الفعل، وهوية الفاعل. فما هي الهوية أولاً وأخيراً؟ الهوية التي تحولت في العراق لوحش ينشر الرعب داخل الأزقة ويسحل خلفه جثث الآلاف المؤلفة من الأبرياء.

ملف هذا العدد من مدارك معقود لموضوع الطائفية الحسّاس جداً في العراق، الطائفية التي تجد أساسها في الهوية، وانبعاثها من الهوية، وغايتها الهوية. والسؤال المهم بهذا الصدد هو من أين نبدأ بعملية البحث عن جذر الطائفية، باعتبارها سلوك فردي، وهمٌّ جماعي.

الطائفية في العراق تجاوزت حدود الكلام، والاتهام، والتمييز والإقصاء، ووصلت لحدود الجبهوية. صارت لدينا سواتر وأراض حرام تفصل بين مدن العراق. ومدينتي الصدر والأعظمية خير مثال على ذلك. فقد استخدمت شتى أنواع الأسلحة في صراع هاتين المدينتين مع بعضهما. وإزاء هذا الحجم من التورط بموضوع الطائفية، لا بد لنا من وقفة تأمل، قد تكون مغرقة بالتحليل الفكري، النظري، المتعالي، لكنها ضرورية للوصول لعمق من أعماق الأزمة.



تساؤلات انثروبولوجية

(الهوية تنطلق من رغبة الجماعة في التملك)

إشكالية الطائفية تنبع وتتأسس على إشكالية أخرى هي إشكالية الهوية، هذه الإشكالية التي يمكن استثمارها لفتح باب واسع على المجهول.. ليس المجهول الميتافيزيقي، بل الفيزيقي. أي الضياع الحاضر (اللحضوي) الذي نعيشه وليس الغائب الذي نتخيله.

نـحن العراقيون الآن نغرق بحمى القتل وجنون التصفية ونتلبس روح القطيع ونعود لعصور ما قبل التاريخ. وهذا الباب يفضي للتساؤل عن اللحظة المدمرة الأولى التي وصل فيها الإنسان لشرعية القتل على الهوية، أي اللحظات التاريخية الأولى للتمييز (الطائفي أو العرقي).

متى.. ولماذا ميَّز الإنسان بني جنسه على أساس الفكرة التي يؤمنون بها، أو العرق الذي ينتمون إليه؟

هذا السؤال يحيلنا أو يوقفنا على ضرورة البحث عن الأسباب التي وقفت خلف تشكُّل أولى الجماعات البشرية، ثم طبيعة تطور هذا التشكل، وأيضاً طبيعة المؤثرات التي دفعت بهذه الجماعات نـحو التمييز، والإقصاء.

من الواضح أن (نـحن) التي هي الذات الاجتماعية، تتأسس على المصلحة التي تجمع أفراد الجنس البشري داخل كيان اجتماعي يعضد بعضه بعضاً. وهذا الكيان متأسس على حاجات بشرية، بعضها بايلوجي، وبعضها سايكولوجي. فالحاجات البايولوجية، مثلاً، حاجة الصغير للرعاية حتى يصل سن الاستقلال. ما يحتم ضرورة وجود المؤسسات الراعية (العائلة والمؤسسات التي تتقاسم معها عملية التنشئة الاجتماعية). حاجات كبار السن للرعاية أيضاً حاجات بايولوجية، وهي أيضاً تنتج مؤسسات اجتماعية مناسبة. أما الحاجات السايكولوجية فمثل العواطف والمشاعر، فالإنسان لا يتحمل الشعور بالوحدة، ما يضطره للبحث عن الاجتماع ببني جنسه. هذا مضافاً إلى الحاجات (البايوسايكولوجية) المتعلقة بالحاجة للمعاشرة بين النوعين (ذكر/ أنثى) فمن الواضح أنها مركبة من حاجتين، بايولوجية وسايكولوجية.

وهنا وبعد التأكيد على أن الحاجة لوجود الذات المجتمعية ليست حاجة طارئة لا بد من التساؤل عن العلاقة بين صيغة وجود هذه الذات وبين حتمية تحولها لذات إقصائية أنانية.

لكن قبل التحول لموضوع الإقصاء أجد أننا بحاجة لمعرفة أكثر فيما يتعلق بظروف نشأة الجماعة البشرية، خاصّة فيما يتعلق بنشوء العائلة على النمط البشري. فمن الواضح بأن الحاجات الجسدية والنفسية لا تبرر وحدها تكون العائلة على النمط البشري؛ إذ الحاجتان موجودتان عند بعض الحيوانات، ومع ذلك لم تتكون (العائلة) ذات التركيب المعقد لديها كما هو الحال عند البشر . فما هو السبب وراء تميز الجنس البشري؟

يتميز البشر عن سائر الحيوانات، وكما يبدو من مراقبة سلوك الكائنين، بأن البشر يدرك ذاته بشكل مغاير لإدراك سائر الحيوانات ذواتها. وهذه المغايرة ليست ذات بعد فلسفي أو تأملي، بمعنى أن تميز إدراك البشر لذاته تأتي من كونه بالإضافة لإدراكه ذاته، يدرك العلاقة بينها وبين المحيط الذي ترتبط به، إلى درجة تسمح له بأن يتحكم بهذا المحيط لصالح هذه الذات، بخلاف سائر الحيوانات.

لقد كشفت التنقيبات الآثاريةبأن الإنسان القديم كان يحتفظ بالأدوات التي تكفل له التحكم بالبيئة المحيطة به ، مثل العصي والأحجار القاطعة. ومع أن بعض القردة وحسب ما كشفت بعض الأبحاث تستطيع أن تستخدم العصي في أداء بعض الأنشطة، كجلب أصبع الموز أو ضرب الخصم، إلا أنها لا تحمل هذه العصي معها حيث تذهب لتكرار الاستفادة منها،

هذا الفرق نستطيع أن نستثمره في الاستدلال على أن إدراك الذات (أنا) لدى البشر تطور بما يكفي للربط بينها (أنا) وبين ضمير التملك (لي) فاصطحابه للأسلحة معه دليل على تشكّل ضمير التملك (لي) داخل وعيه، وارتباطه بالضمير (أنا)، وتأثيره من ثم على سلوكه الفردي والجماعي. فالتملك تعبير عن علاقة حميمة بين الإنسان وبين الأدوات التي يشعر بأنه بحاجة ماسة لها، وأنها تمكنه من تجاوز مأزق وصعوبات حياته.

إن تبلور مفهوم التملك خطوة ضرورية على صعيد تشكيل العائلة بشكلها البشري، وباعتبارها شكل الجماعة الأولي، فلا بد أن الرجل الأول وخلال اشتراكه بعملية الصيد مع أبنائه، كان يسمح لهم باستخدام أسلحته، أو يشاركهم باستخدام أسلحتهم، الأمر الذي ساعد على تبلور مفهم ضمير التملك (لنا) الذي لا بد أن يرتبط بالضمير (نـحن) لصنع جماعة بشرية تتماسك بشكل أكثر متانة وقوة.

إذن هناك ارتباط ضروري بين الضميرين (نـحن، لنا)؛ وهذا الارتباط يمكن أن يجد فعّالية له أو استدعاء من خلال شعور أفراد الجماعة الواحدة بملكية بعضهم للبعض الآخر فتنظم الزوجة لملكية الزوج والعكس صحيح، فأحساس كل من الذكر والأنثى باللذة والطمأنينة مع بعضهما يجعلهما حريصان على البقاء معاً، وهذا الحرص الذي تتفرع عنه مشاعر الغيرة هو تعبير مباشر عن الملكية، وفي هذا السياق نستطيع أن نعتبر أن الحرص على التثبت من النسب من خلال الأب أو الأم هو نـحو آخر، وأيضاً مباشر، من أنـحاء الملكية، حيث تتطور الملكية لتشمل الأطفال وهكذا وصولاً لأبناء الأخوة والأخوات وصولاً للعائلة الكبيرة ثم الفخذ والعشيرة.

إذن فـالضمير (نـحن) يتأسس على ضميري التملك (لي، لنا)؛ وهذا يعني أن إدراك عملية التملك، والملكية هو الخطوة الأولى على طريق بناء الجماعة البشرية.

لا بد أن رحلة الانتقال من تبلور الذات الفردية (أنا، لي) إلى تبلور الذات الجماعية (نـحن، لنا) كانت طويلة جداً، ولا بد أنها أيضاً اتخذت مسارات عدَّة، لكنها وعلى كل حال مثَّلت البذرة الأولى للهوية وسواء كانت طائفية أو عنصرية، فمن فردانية الملكية المحصورة بـالحدود الضيقة للضمير (أنا)، انتقل الإنسان لبوابة أوسع وأبشع، عندما تضخم الضمير (أنا) وتحول للضمير (نـحن) (ما لنا) و(ما لهم)..

الأساطير التي تتحدث لنا عن الجريمة الأولى التي ارتكبها الضمير (أنا) وهو يدافع عن ملكيته (لي) في أسطورة (قابيل وهابيل) لا تخبرنا بأن هذا الضمير تاب وقرر عدم تكرار جريمته، بل تُحْجِم عن ذلك لتخبرنا بطريق غير مباشر بأنه اتجه إلى البوابة الثانية البوابة التي تنفتح على القتل الأكثر وحشية.. الجريمة الأكثر بشاعة.. الإبادة الجماعية. الحروب التي تُعبِّر عن دفاع الجماعة (نـحن) عن ملكيتها (لنا) ضد تهديدات (هم). هذه الحروب التي تجد صداها الآن في القتل العشوائي الذي يحدث الآن في العراق بعد تهشم هويته الجماعية لمجموعة هويات فرعية متناحرة.



تفشي اللعنة

من الجدير ذكره أن تضخم الميل نـحو التملك لم يقتصر فقط على الطعام والأسلحة والأزواج والأولاد. بل تفشى لجميع مناحي الحياة، حتى الأفكار صارت مملوكة لجماعة (نـحن). الدين نفسه كان ضحية لشراهة التملك. بل وحتى الآلهة أُدخلوا إلى هذا الجحيم، ودخلوا بالتالي لمنطقة الصراع فصارت آلهة (نا) تلعن آلهة (هم) وتتهمها بأنها ليست آلهة وأنها تؤدي إلى الظلال والشقاء الأبدي.

كل تجارب الإنسان الإصلاحية وسواء كانت ذات بعد ماورائي أم أنها لم تكن كذلك، تعرضت لهذا التشويه، فهي جميعها وفي مرحلة ما من مراحل تطورها، أخذت تتشظى وتتقسم بدافع من جنون الامتلاك، أو جنون تقسيم الحصص بين الـ(نـحن) والـ(هم).





#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقلية المواجهة... قراءة في كتاب (امبراطورية العقل الأميركي) ...
- قرية العراق.. الحاجة للانثروبولوجيا السياسية
- العائد مع الذات
- مرض الزعامة
- سرد الشياطين
- العودة إلى القرية
- الواقع الافتراضي.. الانترنت بوابة العالم الخيالي الجديد
- محكمة الاطفال
- حصاد السنين
- وحده الحيوان لم يتغير
- التنين العربي (مشنوقا)
- منطق الثور الهائج
- الاختلاف والدين.. كيف يمكن إجراء مصالحة بين الدين والاختلاف؟
- يوم كان الرب أنثى
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة وال ...
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثانية
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الأولى
- جريمة أنني أفكر/ أفكر؛ أنني مجرم
- كذبة كبيرة أسمها.... العراق
- وداعاً شهاب الفضلي.. ما دمت هناك وأنا هنا


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتمييز والاقصاء (1-2)