أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - سعدون محسن ضمد - محكمة الاطفال














المزيد.....

محكمة الاطفال


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1900 - 2007 / 4 / 29 - 11:53
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


جوهرُ الكتابة أنها إِبداع وريادة وتجديد، حتى أن الكاتب نفسه، وفي كثير من الأحيان يُفاجأ بالآراء التي تظهر أثناء ممارسته الكتابة. جوهر الفعل الإبداعي في الكتابة، أنها تجعل من نفس الكاتب متلقياً لأفكار ترد عليه من مكان ما في أعماق وعيه، ودور المتلقي الذي يمارسه القارئ، يمارسه الكاتب قبل ذلك،
لكن مع ذلك.. كيف يحدث أن فعل الكتابة يفتح مضاميناً جديدة في ذهن نفس الكاتب؟
قبل أيام استيقظ ابني الصغير مرعوباً من كابوس أخافه، حدَّ أنه لم يصدق بأن الذئاب في الكابوس فقط، وأنها غير موجودة بين جدران الغرفة أو تحت أثاثها. وفي صباح اليوم التالي روي لي الكابوس التالي:
اشترينا بدل الخروف الموجود على سطح بيتنا ذئبين اثنين، وبينما كنت أنا على سطح الدار وقع انفجار كبير، مما أخاف الذئبين، فراحا يعويان معاً، وبعد فترة وجيزة سمعت طرقاً على باب البيت، فذهب ابن عمي الصغير لفتح الباب، غير أنه اكتشف بأن الطارق لم يكن غير ثعلب انقض عليه وذبحه. ثم تحول لأخي الذي كان خلفه، فذبحه هو الآخر، وهنا عرفت بأنني التالي، فاختبأت داخل غرفة الضيوف، ونجحت بتظليل الثعلب، لكن لوقت قصير وجدني بعده وذبحني.
شعرت ومن خلال تعابير الطفل أن الكابوس يخيفه جداً، ففكرت أن أحاوره بشأنه، من أجل أن امنحه فرصة للتعبير عن مخاوف قد تكون مكبوته في مكان ما من وعيه البريئ، وهكذا دار بيننا الحوار التالي:
ـ لماذا استبدلنا الخروف بذئبين؟
ـ لا أعرف؟
ـ هل شاهدت كيف ذبح الثعلب أخاك وابن عمك؟
ـ لا لم أشاهد.
ـ عندما تقول بأن الثعلب ذبحك هل تقصد بأنه أكلك، أم أنه ذبحك فعلاً؟
ـ لا لم يأكلني، بل حز بسكين كانت بيده حنجرتي.
لحد هذه النقطة في الحوار كنت لا أزال ضائعاً بين هذه الرموز المتناقضة، لماذا الذئاب بدل الخروف، لماذا يطرق ثعلب الباب، لماذا يستخدم الحيوان سكيناً بدل أنيابه... غير أن السؤال التالي ساعدني كثيراً.
ـ هل تحب الخروف الصغير الذي اشتريناه؟
ـ نعم.
ـ هل أنت خائف على مصيره؟
ـ نعم.
ـ هل تكره أن نأكل الحيوانات؟
ـ نعم.
إذن هكذا يحصل الفعل الإبداعي في الكتابة، فوجود كم هائل من المعلومات في الذاكرة لا يكفي ليصنع منك مبدعاً، بل لا بد من التماعة تأتي من مكان ما، وتربط بين مبعثرات الذاكرة. ثم وبسرعة تقف أمامك وجهة نظر متماسكة ومتينة، وجديدة حتى عليك.
عرفت بسرعة بأن الطفل كان يعاني من التناقض بين حبه للحم الحيوان وبين كرهه لبشاعة ذبحه. ولهذا فقد حدث صراع داخل لا وعيه (ربما) بين هذين التناقضين، الأمر الذي عجل بانعقاد محكمة بريئة داخل كابوسه، الحيوان الضحية استدعى أخوته وأبناء عمومته من (المتوحشين)، عند ذاك صار الإنسان في الكابوس هو المذبوح، والجميل في الأمر أن الحيوانات وخلال عملية الثأر الكابوسية، لم تكتف بذبح أخ وابن عم الطفل، بل ذبحته هو أيضاً. هكذا عبر لاشعور الصغير عن التناقض الذي يؤرقه فارتحاح، وكانت الحكمة التي خرج بها من الكابوس جميلة ورائعة.
في العراق اليوم نعيش كابوساً مشابها، فكلنا نشترك بجريمة، نقع سريعاً ضحية لها. نعم علينا أن نعترف جميعاً بأننا قتلة، ولا يشفع لنا أننا لم نمارس القتل بصورة مباشرة، فما دام هناك، وعلى الدوام، إما أخ أو صديق أو قريب يمارس الجريمة ويحضى على الأقل بسكوتنا، فنحن شركاء بها. المعادلة بسيطة بساطة المحكمة في كابوس هذا الطفل:
إذا كنت لا تريد أن يذبحك أقربائي، فلماذا إذن تسمح لأقربائك بذبحي؟؟




#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حصاد السنين
- وحده الحيوان لم يتغير
- التنين العربي (مشنوقا)
- منطق الثور الهائج
- الاختلاف والدين.. كيف يمكن إجراء مصالحة بين الدين والاختلاف؟
- يوم كان الرب أنثى
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة وال ...
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثانية
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الأولى
- جريمة أنني أفكر/ أفكر؛ أنني مجرم
- كذبة كبيرة أسمها.... العراق
- وداعاً شهاب الفضلي.. ما دمت هناك وأنا هنا
- الإسقاط الرمزي لشكل الأعضاء التناسلية.. دراسة في عدوانية الذ ...
- ولمية عفاريت
- مدفع الشرق الأوسط الكبير... الدرع الأميركي بمواجهة القذيفة ا ...
- تحضُّر العجرفة... ضريبة أننا لا نريد الاعتراف بالعجز
- تجريم الإسلام.. دعوة للتنقيب بحثاً عن كل جذور العنف في العرا ...
- تهافت المنهج في العلوم الإنسانية
- إفلاس الانثروبولوجيا
- الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين


المزيد.....




- انتقاد أميركي للعراق بسبب قانون يجرم العلاقات المثلية
- نتنياهو يشعر بقلق بالغ من احتمال إصدر الجنائية الدولية مذكرة ...
- لازاريني: المساعي لحل -الأونروا- لها دوافع سياسية وهي تقوض ق ...
- تظاهرات حاشدة في تل أبيب تطالب نتنياهو بعقد صفقة لتبادل الأس ...
- سوناك: تدفق طالبي اللجوء إلى إيرلندا دليل على نجاعة خطة التر ...
- اعتقال 100 طالب خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة بوسطن
- خبراء: حماس لن تقايض عملية رفح بالأسرى وبايدن أضعف من أن يوق ...
- البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم -المثلية الجنسية-
- مئات الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بالإفراج عن الأسرى بغزة ...
- فلسطين المحتلة تنتفض ضد نتنياهو..لا تعد إلى المنزل قبل الأسر ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - سعدون محسن ضمد - محكمة الاطفال