أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدون محسن ضمد - ولمية عفاريت















المزيد.....

ولمية عفاريت


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1698 - 2006 / 10 / 9 - 10:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ميزة المجتمع الإنساني أنه يتغير باستمرار، وأهم ما يتغير من هذا المجتمع ليس مجموعة الأفراد المكونين له، ليس البعد المادي من المجتمع هو أهم ما يتغير فيه، بل المعنوي منه. غير المرئي هو أهم ما يتغير من المجتمع، مجموعة العلاقات التي تربط بين أفراده ومؤسساته، وكذلك مجموعة المفاهيم والأفكار التي تضبط إيقاع هذه العلاقات.
مؤسسة السلطة تتغير، ويكون التغير فيها مهماً عندما يكون على صعيد العلاقة التي تربطها بمؤسسات وأفراد المجتمع. فعندما تتحول هذه السلطة من مالكة للشعب، إلى أجيرة لديه، فهذا يعني أن تغيراً حقيقياً طرأ عليها. لكن في حال أن مثل هذا التغير لم ينبت في بيئته الحقيقية فإنه سرعان ما يكون غير مجدي، كما هو الحال في العراق الآن حيث خانت السلطات المتوالية خلال هذه السنين الثلاث عقد الإجارة الذي بينها بين الشعب، وراحت تتحول من أجير أمين لأجير خائن، سارق وبلا مروءة بالمرة، نعم لقد غسلت دماء الأبرياء كل ما تبقى من مروءة القوم.
المؤسسة الدينية أيضاً تتغير بتغير العلاقات التي تربطها بأفراد ومؤسسات المجتمع، لكن معها الأمر مختلف، إذ الأصل فيها أنها راعية للشعب وأمينة عليه، لذلك فإن تغير هذه المؤسسة يكون دائماً محفوفاً بالمخاطر، خاصَّة عندما تتحول من راعية للمجتمع إلى ناهبة له.
المهم في الكلام عن جدل التغير هذا أن نرصد تغير المفاهيم، التي قلنا أنها تضبط علاقة المؤسسة بالشعب. باعتبار أن العلاقات وهي تتغير لا تكون دائماً تابعة لتغير في المفهوم، بل كثيراً ما تتغير العلاقة استجابة لطارئ ما أو رضوخاً لضغط معين، ثم تقوم العلاقة الجديدة ومن خلال قوة المؤسسة، باستدعاء التغييرات اللازمة في منظومة المفاهيم التي تتحكم بها.
في التجربة العراقية الحالية، وتحديداً بعد أحداث 9/4/2003، تغير أداء مؤسستي (الدين، السلطة) كثيراً، إلا أن المشكلة في تغير كلا الأدائين، أنه كان بمظهر رائع، وجوهر بشع. فمشاهدة مؤسسة السلطة من الخارج لا تكشف عن غير ثوب براق (ديمقراطي تمثيلي برلماني تعددي.. الخ) وما يعزز الاطمئنان أكثر أن أغلبية رجال هذه المؤسسة ترعرعوا في أحضان دينية بيضاء. غير إن الدخول في أروقتها الخضراء يدفعنا للترحم على أبشع أيام الدكتاتورية والاستبداد.
أما مع المؤسسة الدينية فالأمر مخيف أكثر، فهي أيضاً باعدت في مسافة ما بين مظهرها وجوهرها. وكان المغيظ في موضوع تغير أدائها، أنها ساهمت في تشويه الكثير من مفاهيم منظومة الوعي المجتمعي، خاصة المنظومة التي تحتكم لها الشريحة الواسعة من شرائح المجتمع، أو من يمكن تسميتهم بـ(الطبقة الفقيرة). الأمر الذي تسبب بتحول هذه الطبقة من مورد بشري تنموي، إلى آلة خطيرة في الهدم والتخريب. لنأخذ مثال بسيط على ذلك، ففي أول أيام هزيمة (صدام) هرعت شريحة من شرائح الشعب العراقي لتنهب موارد الدولة، وكان المنتظر من المؤسسة الدينية أنها تقف موقف حازم من هذا الموضوع، باعتبار أن خطورته تجاوزت أن تكون سرقة مكشوفة، بل تحولت لتخريب مدمر للدولة وبكل مفاصلها. غير أن فصيل من فصائل هذه المؤسسة، اشترك بعملية النهب، وهكذا ومن هذه النقطة بدأ مسلسل التغير في علاقة هذه المؤسسة بالمجتمع، لأن هذه الممارسة جعلتها بحاجة لتغيير المفهوم المتعلق بفعل (النهب). فدون تغيير مفهوم السرقة، أو مفهوم الدولة، لا يمكن أن تكون السرقة شرعية. وبما أن مفهوم الدولة في تلك الظروف الاستثنائية كان رخواً، فقد ناله التغيير قبل مفهوم السرقة. حيث تمت عمليات النهب تحت غطاء أن الأموال المنهوبة مجهولة المالك، ووفق النصوص الشرعية، فإن المال الذي لا يعرف مالكه، لا بد أن يعود للفقيه. وهكذا جُمعََت الأموال وأرسلت للفقيه، والذي كان ـ ولسوء حض العراقيين ـ خارج العراق، الأمر الذي زاد من بشاعة (الوليمة).
المهم في هذه التجربة هو تشخيص الكيفية التي تمت خلالها عملية تغيير المفهوم، فمن الواضح أن للدولة شخصية معنوية، وأن هذه الشخصية المعنوية هي المالك للأموال العامة وهي المتصرف بها من خلال المؤسسات المختصة، على هذا الأساس فإن التغيير جاء عبر ضرب هذه الشخصية، نفيها من الوجود، من أجل أن تصبح الأموال بلا مالك. والخسارة الحقيقية لم تكن بالأموال التي تم ترحيلها لخارج العراق، بل بهدم هذه الشخصية التي هي المظلة الحقيقية التي يستظل بها مفهوم المواطنة، ويلم بمعونتها شعثه. المبرر الوحيد لتماسك (كسريات) الشعب العراقي هو الشخصية المعنوية لدولته الواحدة، التي يجب أن نعمل على تدعيم وجودها، وتخليصه من التلويث الذي ألحقه به نظام صدام.
بتحويل الدولة من معلوم لمجهول على مستوى المفهوم، تراجع السلوك المجتمعي على مستوى الولاء، خطوة إلى الوراء، صار من المعقول جداً أن يتحول الولاء للمذهب، أو القبيلة، أو العِرْق.
الدولة العراقية منذ 9/4 تحولت لوليمة بشعة، اجتمع على الأكل منها معظم العراقيين، وهذا الأمر بحد ذاته مؤلم، لكن يبقى اشتراك المؤسسة الدينية بمثل هذه الوليمة مثير للرعب. ولو أننا تتبعنا مسيرة التغيير (السلوكي/ المفهومي) الذي مارسته هذه المؤسسة بمختلف فصائلها، لوجدنا أن تغيير مفهوم الدولة في سياق نهب أموالها أهون عمليات التغيير التي مارستها هذه المؤسسة. فمهما كان حَصْد الأموال بشعاً، فإنه بأي حال لا يمكن له أن يرقى لبشاعة حَصْد الأرواح. وإذا كان مثل هذا الحَصْد بشعاً ومنافياً للخلق الإنساني والتعاليم الدينية، فكيف تأتى للمؤسسة الدينية أن تمارسه؟
التغيير هنا أيضاً بدأ بالسلوك ثم تبعه بالمفهوم. فقد تغلغلت لداخل العراق وعبر حدوده المكشوفة، مجموعات من القتلة بأجندة مختلفة، وكان أن تناغم التفخيخ والتفجير الذي جاءت به هذه المجاميع ـ والموجه للمكون الأكبر من مكونات الشعب ـ مع مشاعر التمييز الطائفي الذي يغرق به فصيل آخر من فصائل المؤسسة الدينية العراقية، وهكذا راحت هذه المؤسسة تعمل على (تعويم) مفهوم (الحدود) الذي هو آلية تنفيذ العقوبات الشرعية الإسلامية والتي تستخدم لردع المفسدين المشخص إفسادهم بصورة أصولية.
إن عملية (تعويم/ تغيير) هذا المفهوم لم تأت عن طريق السكوت عن عمليات التفجير والذبح فقط، ولا بخلط مفهوم (مقاومة المحتل) بمفهوم (الإفساد في الأرض)، حيث دخل لدائرة الشرعية التي رسمتها بخلطها لهذين المفهومين، كل عصابات القتل والسرقة والاختطاف، وجميع المجاميع التي تعمل لحساب أجهزت مخابرات دول الجوار، وكل مجاميع حزب البعث المفجوع بالهزيمة... الخ. إن التغيير الحقيقي جاء أكثر ما جاء، عن طريق شرعنة عمليات قتل المخالف (المختلف) تحت ذريعة مقاومة المحتل.
الوعي المجتمعي وعي تابع دائماً، فهو لا يرسم حدود المفاهيم التي يستند إليها بسلوكه، بل يترك ذلك لمؤسسات المجتمع التي يتبعها بالولاء، ومن هنا فإن الذي يجب أن يتحمل الحظ الأوفر من عقوبات الجرائم التي يرتكبها المجتمع المخدوع، هو المؤسسات الخادعة، خاصَّة تلك التي تُمَيِّع الحدود بين المفاهيم المتعارضة.
المخالف هو (المختلف داخل دائرة الإسلام)، والمحتل هو في معظم الأحيان (الكافر الحربي) ومع أن الحدود التي تفصل (الكافر الحربي) عن (الكافر الذمي) بدرجة من الوضوح تكفي لحقن دم الثاني، إلا أن خلط الأوراق الذي قامت به المؤسسة الدينية ميع الحدود حتى بين (الكافر الحربي) وبين (المخالف)، الأمر الذي دفع الجماعات المسلحة لقتل المختلف حتى دون التثبت من حقيقة كونه مختلفاً.
بما أننا كمجتمع نعمل دائماً تحت شعرا (ما فات مات) فلست بصدد محاكمة المؤسسات الإسلامية المختلفة على ما فعلته بنا لحد الآن، بل فقط أريد أن أشير لآثار التخريب التي تتركها أخطاءها التي تتقاعس عن تصحيحها حتى الآن. فالدولة ما تزال (مجهول) وأموالها على هذا الأساس بلا مالك، لذلك تحولت الوزارات ليس فقط منبعاً لتمويل العصابات التابعة للوزير، بل أيضاً مورداً دسماً لتنفيذ الأجندت التخريبية لدول الجوار، ما يعني أننا لا نكلف المخربين حتى ثمن تخريبهم لدولتنا؟
(المقاوم) ما يزال يفجر (المخالف) بذريعة (قتل المحتل)، والمشكلة أن مفهوم المخالف الذي فتحت حدوده المؤسسة الدينة ترهل لدرجة أنه أصبح يشمل حتى (العراقية التي تلبس الحجاب الإسلامي ولا ترتدي العباءة العراقية)، ويشمل أيضاً (حامل جهاز الموبايل ذي النغمات غير الإسلامية) والشاب الذي (يسرح) شعره على طريقة الغرب الكافر، وصاحب المحل الذي يضع على دعاية محله صورة لطفلة (غير محتشمة) أي لا ترتدي الحجاب الإسلامي، حتى لو كانت هذه الطفلة دون سن السادسة، ووووو الخ.
لا شك بأن النقد الذي يوجه للمؤسسة الدينية يجب أن يكون حذراً جداً، نظراً لقدسيتها ومكانتها لدى الشعب، لكن من جهة أخرى، فإن السكوت عن كل هذه الأخطاء أيضاً خطر جداً. يجب أن نعمل على مراقبة جميع مؤسسات المجتمع، حرصاً على دعمها باتجاه الأداء الجيد، فهي بنهاية المطاف مؤسسات بشرية، تدار من قبل بشر معرضين للخطأ والسهو.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدفع الشرق الأوسط الكبير... الدرع الأميركي بمواجهة القذيفة ا ...
- تحضُّر العجرفة... ضريبة أننا لا نريد الاعتراف بالعجز
- تجريم الإسلام.. دعوة للتنقيب بحثاً عن كل جذور العنف في العرا ...
- تهافت المنهج في العلوم الإنسانية
- إفلاس الانثروبولوجيا
- الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين
- المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*
- العقل الخالي... تخبط السياسة الأمريكية بين نموذجي خاتمي ونجا ...


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدون محسن ضمد - ولمية عفاريت