أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعدون محسن ضمد - المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*














المزيد.....

المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1685 - 2006 / 9 / 26 - 07:18
المحور: حقوق الانسان
    


وحدها الحضارة الميّتة لا تقبل التغيير، وحده الشعب الفاني لا يندرج بسياقات الواقع الذي يعيشه، ينفعل بفواعله المتحركة ويتعامل بمرونةٍ مع متغيراته،
سابقاً كنت أوافق على مقولة أن المفكرين لا ينالهم الموت بنباله؛ لأن فكرهم أزلي.. سابقاً كنت أحسب؛ إن لوعي العمالقة عمرُ يَسْبِقُ الموت وَيَفُوُته. كنت أؤمن بأن الفكر لا ينبغي له أن يفنى أو حتى يتوقف عن التنفس... اليوم لم يعد لهذه الفكرة بريقها القديم، هذا إذا لم تتحول لحفرة ـ وليست فكرة ـ سوداء، بل لفخ مقيت ينصبه التخلف لشعوب يريد لها أن تلبث واقفة خلف جدار الموت وفي فضاء مقابره فقط. اليوم أكاد أجزم بأن الثقافة التي يمتلئ هوائها ببخر أفواه الموتى، لن يكتب لها إلا النصيب التافه من الحياة.
واليوم أوقن بأن على الثقافة أن تدعم حتمية الموت؛ لكي لا ينجو منه ناج، يجب أن يكون فم الموت (أدرد) ليزدرد حكمة الفيلسوف بنفس البلادة التي يبتلع بها منجل الفلاح، على الموت أن لا يفرق، بين هذين الاثنين، فقط من أجل أن يتجدد دم الفكر وتحتفظ الحضارة ببريقها الرائع،
اليوم أصبحت أفهم مغزى أن الحضارات المتطورة تبحث عن فكرها الحديث بجدل الأحياء في الشوارع المشمسة، أما تلك الميتة فلا تحسن غير الجلوس عند مقابرها والتغني بأمجاد سكّانها، الحضارات الميتة تفعل ذلك لدرجةٍ تنسى معها أن الحياة هي علة الإبداع، وليس الموت. وأن سكان القبور، إنما فعلوا ما فعلوه يوم كانوا أحياءاً.
كأن موت الميت في هذه الحضارات هو داينمو إبداعه، ولذلك فهي لا تسمع من قائل قولاً إلا بعد أن يأكل القبر فمه وتغيب حياته في تراب الحكايات.
كلما تمسك قوم بحياتهم زاحموا بهذا التمسك موتهم، وكلما اشتدت الحياة في شعب نازعت موته البقاء، لذلك لا يحيا الأموات في شعوب حيّة، كما أن الشعوب الحية لا تستبدل أرحامها بالقبور. بقيت أفكار أرسطو حيّة ما بقيت الحضارة الغربية ميتة، لقد بقي أرسطو ـ وآخرون غيره ـ ينبعث من قبره لقرون متطاولة، ولهذا السبب بقيت أرحام هذه الحضارة ولقرون عدَّة عاجزة عن أن تنجب قامة تطاول قامت ذلك المفكر العبقري الميت. اليوم وبعد أن تحرك في هذه الحضارة نبض حياتها، لم تعد تجتر أفكار أي من موتاها، بل لقد تحول واقعها الفكري لرمال متحركة، فما يلبث مفكر فيها على الوقوف حتى تبتلعه لتخلي الساحة لآخر يكون أقدر على تنفس هواء الواقع والاستمتاع بشمسه الدافئة. مثل هذه الحضارة لا تتنكر لأفكار موتاها، بقدر ما أنها تبحث عن فكرها الحي بين أحيائها فقط.
إذن هناك علاقة عكسية بين تخلّف شعب ما وبين حضور موتاه في واقعه، وهكذا كلّما تراجع حراك شعب ما، ومات نبض الحياة فيه، كلما انبعث موتاه أكثر وامتلكوا زمام الأمور فيه، وقادوه باتجاه المقبرة، إلى حيث ينتمون.
في بلدي الذي أعيش فيه.. وفي الحضارة التي أنجبتني وبين شعبي الذي ينتحر الآن، لا يحق لحيٍّ أن يتكلم، وإذ فعل فلن يسمعه أحد، فقط لأنه يتكلم وسط بحر من أموات، يتكلم المتكلم عندنا في بيئة هي أقرب إلى المقبرة منها إلى الرحم، لذلك فعندما تضيق الأمور وتشتد الأزمة لا نجد أمامنا إلا تصفح كتب (التاريخ والحديث والسير) فهناك وهناك فقط نستطيع أن نجد بغيتنا، بين أموات غادرونا قبل مئات السنين، استنشقوا هواء تعفن في دهاليز الموت، وتشمسوا بنهارات لفها ظلام التاريخ، وكافحوا واقعاً لم يعد له وجود أبداً، إلا في مقابرنا.
في بلدي ينام الواقع بكل حرارته ولهيب شمسه، ويستيقظ التاريخ، ببرودته، برطوبته، وبكل الطفيليات التي ترتع في ثنايا ظلامه الطويل، في بلدي حزم الناس أمتعتهم، تمنطقوا بأحزمتهم ركبوا جمالهم، ثم وبإصرار يُضْحِكُ الثكلى، يمموا وجههم صوب الماضي البعيد وغابوا في غباره المعتم.
هذه الجملة مقتبسة عن عنوان لأحد فصول كتاب (أزمة التنوير ) للدكتور عبد الرزاق عيد*



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل الخالي... تخبط السياسة الأمريكية بين نموذجي خاتمي ونجا ...


المزيد.....




- والدة أمير قطر تلتقي المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاج ...
- منظمات حقوقية تنتقد قمع الأصوات المؤيدة للفلسطينيين في أوروب ...
- تعليق أمريكي على إقرار قانون مكافحة البغاء والمثلية الجنسية ...
- هل تصدر -الجنائية- مذكرات اعتقال بحق -نتنياهو- و-غالانت- هذا ...
- العراق يُقر مشرع قانون يجرم العلاقات الجنسية المثلية وسط -ان ...
- لم يتضمن عقوبة الإعدام.. قانون جديد في العراق يجرّم المثلية ...
- واشنطن تنتقد العراق بعد إقرار قانون يجرم العلاقات المثلية
- اعتقال مرشحة للرئاسة الأمريكية بسبب غزة!
- معاناة ساكني الخيام من النازحين نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ف ...
- لبنان يقبل اختصاص الجنائية الدولية في جرائم حرب إسرائيلية


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعدون محسن ضمد - المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*