أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - جزء من رواية ( سوبر ماريو ) / تحت الطبع















المزيد.....


جزء من رواية ( سوبر ماريو ) / تحت الطبع


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 2426 - 2008 / 10 / 6 - 04:59
المحور: الادب والفن
    


مابين آذان الظهر ونشرة الأخبار .. مثلا

يااااااااااااااااااااااااااااااه يا ( حامد ) ...
اليوم جاء موظف التضامن الاجتماعي إلى الشارع .. كان قرفانا ومنهكا وهو يحمل في يده الأوراق اللازمة لتوثيق نتائج ( معاينة نقص الرفاهية ) .. اطمئنان القلب الذي يحتاج إليه القانون قبل أن يقرر منح أحد أبناء الوطن كشك سجائر ليساعده على التخلص من بعض أحقاده الطبقية ويضع قدمه على أول الطريق نحو ( العيش بشرف ) !! ..
رحمة ربنا التي لم تتأخر وجاءت في موعدها على يد ملائكة الحكومة
الرحمة التي تأتي دائما بعد العدل
عدل سفراء الله في مديرية الأمن ومحكمة الجنايات ومصلحة السجون
عدل النظام الكوني المحكم والمخلوق بقدر
العدل الذي يأتي دائما قبل الرحمة
والرحمة ليس ذنبها بالتأكيد أنك لم تكن موجودا حين جاءت ...
ـ تعيش انت .. مات امبارح .
كانت أختك ( منى ) واقفة على ناصية الحارة تشخر وتشتم الفلاحات بائعات الخضار والفاكهة اللاتي لم يشفع لهن عندها الجنيه اليومي الذي تدفعه كل واحدة منهن لها مقابل أن تسمح لهن بافتراش الرصيف المجاور لمدخل الحارة .. كانت كلبؤة مسعورة تتأهب للانقضاض على فرائسها بينما تصيح وتأمر الفلاحات بتنظيف الرصيف جيدا قبل رجوع ( كل بنت كلب منهن إلى البلد الوسخة التي جاءت منها ) ...
أما الموظف حينما سألها عنك يا ( حامد ) هدأت وصمتت فجأة كأنما نُزعت فيشة كهرباء من جسدها ثم أخبرته بالأمر بصوت واطيء خرج من بين شفتيها حزينا ومتماسكا في نفس الوقت .. كانت عيناه تلتهمان ثدييها الكبيرين اللذين يثبت حجمهما وبروزهما الشديد من تحت بلوزتها الضيقة امتلاكهما ( c v ) حافل ، وحينما سمعها تقول أنك مت رفع عيناه إلى عينيها لثانية واحدة ثم أخفضهما ليواصل الالتهام .. أختك بالطبع رأت ماذا تفعل عيناه بصدرها وبالطبع أدركت النار التي تحرق أعماقه الآن وبالطبع ابتسمت .. مجرد ابتسامة صغيرة لم تتسع وتمتد وتخرج منها يد مدرّبة لتأخذ شهوته المكتومة من يدها إلى أي مكان يصلح للتخلص من الدموع الشبقية الزائدة .. لأنه ليس أكثر من موظف فحسب .. قطعة خراء لا علاقة لها بفصيلة المخلوقات الأسطورية التي تسمى بني آدم .. قطعة خراء تسعى وتحارب وتجاهد وتستميت وتقاتل كي تبقى على قيد الحياة التي لا تعني أكثر من مواصلة الطريق نحو الموت محافظا على نفسك كقطعة خراء .. لذا هو بالتأكيد لا يمتلك ثمن ( الدخول ) إلى عالمها الرومانسي الحالم عبر أي من بواباته ( العلوية ) أو ( الأمامية ) أو ( الخلفية ) ولو حتى كـ ( عضو ) مؤقت وليس عضوا عاملا .
ـ البقية في حياتِك ...
كان من الممكن ألا يقولها ...
كان من الممكن أن ينصرف بشكل عادي جدا كأنه لم يحدث في العالم ما يستحق الاهتمام
لكنه لو كان فعل ذلك كان سيؤلم أخلاقياته يقين ما بأن هذه اللحظة من الزمن ناقصة حقا بما يعجز معها ضميره عن التحمّل .. لأنه طيب .. رغم عينيه التي انهمر لعابها كالسيل ومخيلته التي نشطت كبركان وأخذت أختك من ناصية الحارة ووضعتها عارية تحته في السرير
لكنه طيب يا ( حامد ) ..
لم يقلها كمجرد التزام أعمى وفارغ بعادة اجتماعية متوارثة .. أو لأنه أراد بشكل تلقائي أن يذكر فورا أية سيرة للحياة بينما يعترض طريقه انتصار حققه الموت قريبا .. أو لأنه أراد أن يفعل أي شيء يمكن اعتباره تصرفا عاطفيا تجاه أختك كمحاولة يائسة للتوحد مع الهموم المنتفخة التي تحملها حينما غابت الابتسامة الصغيرة عن وجهها سريعا ...
فجأة .. اقتربت ( منى ) كثيرا من الموظف ثم أمسكت بيده ، ونظرت في عينيه بقوة وقالت له :
أول ما كلم الرب هوشع قال الرب لهوشع اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب .
ودون أن تهرب يد الموظف من يدها وعيناه من عينيها رد عليها قائلا :
الله أبهى .

هو طيب يا حامد .. مثلك ، ومثل أختك ، ومثل كل الناس الطيبين المتأكدين دائما أنهم مذنبون وأن لكل شيء حكمة وأنه رغم كثرة أخطائهم يستحقون المغفرة والعفو ودخول الجنة ...
ـ سلامو عليكم ...
قالها مبتسما بقدر كبير من الارتباك .. بدا كأنه لا يريد أن ينصرف ، وأنه ينتظر شيئا لا يعرف ما هو ولا كيف يمكن أن يحدث .. من أختك .. منه هو نفسه .. من القدر بشكل عام ...
ـ سلام ورحمة الله
وأدرات وجهها ودخلت الحارة بينما ظل أثناء ابتعاده يلتفت إلى الخلف حتى خرج من الشارع

...................................
...................................
...................................

ياااااااااااااااااااااااااااااه يا ( حامد ) ...
لما عاد الموظف إلى عمله ألقى بملف أوراقك فوق مكتب موظف آخر وقال له أنك مت
هكذا فقط
قال له أنك مت
قالها كمعلومة عادية وعابرة جدا لن يحدث في الكون أي استفادة منها سوى أنها ستحدد مصير هذه الأوراق فحسب
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله ...
قالها الموظف الآخر الجالس على مكتبه قبل أن يصغي بمنتهى اللهفة لزميله الذي سيحكي له عن ( الصاروخ ) أخت ( الواد إللي مات ) التي قابلها اليوم .

* * *
تعريفات جانبية للغرق


ـ ( عملية تؤدي لاختلال التنفس بسبب الانغمار أو الغطس في سائل ) .
منظمة الصحة العالمية .

ـ ( في ستين نصيبة الشارع ارتاح منه )
مؤمن بإمكانية نشأة تاريخ جديد تقدر معه الحياة على التخلص التدريجي من أسباب وأدوات القبح تمهيدا للوصول إلى مرحلة النقاء الكامل للخير ، وعلى هذا يعيش في حالة استعداد وترقب دائم لتلقي الإشارات الأولية لهذا التاريخ .

ـ ( ربنا يغفرله ويسامحه على إللي عمله )
واثق لدرجة اليقين من قدرته على تصنيف أفعال البشر بما يتطابق مع تصنيف الرب نفسه لتلك الأفعال وبالتالي واثق من قدرته على وضع تصورات أقرب إلى الحقيقة للنتائج الأخروية لهذا التصنيف .

ـ ( الله يرحمه )
عابر بالصدفة سمع بالأمر فحسب ولم تشأ الظروف أن تجعل له علاقة به .

ـ ( كان غلبان يا ما اتبهدل في حياته )
عارف بما يعنيه العذاب في الدنيا ، وما يعنيه الخوف من استمرار الحياة بهذا العذاب حتى نهايتها ، وما يعنيه الفزع من أن يكون لكافة المعذبين مصائر متشابهة .

ـ ( ماما .. هو الراجل الوِحِش إللي كان دايما بيتشاكل مع الناس في الشارع راح فين ؟! )
طفل صغير يمضي وقتا طويلا في مراقبة الناس من شرفته .

ـ ( خخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ )
مهموم ومؤرق بالعلاقة التي لا يمكن تصديق بجاحتها بين الألم والشر في العالم والعبثية الشرسة للوجود وبين المنطق الذي تطرحه الأديان لتبرير خلق الإله للإنسان .

ـ ( سبحان الله .. الطريقة إللي مات بيها فعلا من جنس عمله .. سبحان الله )
متابع جيد للمعجزات السماوية التي تحدث في الشارع والتي يربطها دائما بمثيلاتها في كتب التراث أو التي يسمع عنها أحيانا من الآخرين كدليل ـ رغم أنه ليس في حاجة إليه طبعا ـ على أن الله عادل وقادر على كل شيء .

ـ ( ............................................................................ )
شخص ما لم يعرف ماذا يقول
أو لم يكن يريد أن يقول شيئا
أو حاول أن يتكلم ولم يستطع
أو مدرك بأنه ليست هناك أهمية لأن يتكلم
أو أنه لا يجب أن يقول شيئا
أو يعرف أنه لا يوجد شيء يمكن أن يقال
أو متأكد بأنه حينما لم يتكلم فكأنه قال كل شيء .

* * *
تعريف الغريق للغرق


سأبدأ من النهاية ...
لأن هناك أشياء في العالم يبدأ تعريفها من نهايتها
لأن هناك أشياء في العالم لا يمكن تعريفها إلا من نهايتها
لأنه هناك أشياء في العالم يكفي أن تحك نهايتها كي يتم تعريفها
في نهاية الغرق
ستبتلع كثيرا من حبوب الهلوسة اللازمة لمنح الهلاوس القاسية التي تحقن الحياة دمائك بها طوال الوقت قليلا من المنطق المصحوب ببهجة غير مفهومة
وتستأجر مركبا
وتقوده وحدك حتى منتصف المسافة بين ضفتي النيل
وتخلع ملابسك
وتقفز .

* * *

الصلاة

يعلم ( حامد ) جيدا أن لصوت خطواته الثقيلة والمنتظمة التي تصعد السلالم وتسير في الممر الصغير المؤدي إلى الشقة رهبة تشعل الارتباك في نفوسهم ؛ كما أن صوت مسحه لنعل الحذاء في حافة الدرج الأول للسلم المؤدي لأعلى والملاصق للباب بمثابة إنذار أخير لهم كي يتأكدوا من أن كل الأوضاع داخل البيت خالية من أي خلل يغضبه .
يرن الجرس .. رنة واحدة فقط .. هي الوحيدة التي تأخذ هذه الوقع الغليظ والمُقبض من بين كل الرنات التي تُحدثها الأصابع الكثيرة والمختلفة التي تضغط الجرس .. تفتح ابنته الكبرى .. عيناها في عينيه لجزء من الثانية ثم تخفضهما وهي تتراجع للخلف ثم تنسحب إلى إحدى الحجرات بينما يدخل هو ويغلق الباب .. يمر بنظرة استكشافية صارمة في صمت على جميع الاتجاهات وهو يتوجه ببطء إلى حجرته كأنما يتأكد من عدم وجود خطأ في مكان ما .
زوجته في المطبخ تعد العشاء والتليفزيون يعرض ( لوريل وهاردي ) ولكن صوته مكتوم تماما .. بعد أن ينتهي من تبديل ملابسه يجلس على حافة السرير وينادي ابنه الصغير .. يدخل الطفل إلى الحجرة بعد لحظات .. تبدو له الحجرة كبيرة جدا بما يجعلها أقرب لأن تكون مكانا مستقلا خارج البيت كما أن إضاءتها المائلة للاحمرار تجعلها أشبه بمغارة ساحر يمارس طقوسا مخيفة ...
ـ صليت العشا ؟
يدق قلبه الصغير بشدة وترتعش روحه أمام هذه النظرة الحادة والصوت القوي والعميق الذي يظل رنينه يتردد في فراغ الحجرة للحظات بعد غيابه .. ينهض ويقترب منه ببطء رافعا يده أمام صدره العريض كأسد يتأهب للانقضاض النهائي على غزال يحتضر ...
ـ صليت ؟
ترتجف الغصّة الغليظة في حلقه وهو يتوسل بعينين مذعورتين لليد السمينة التي تقترب من وجهه الصغير
ـ لـ ...
ولم يتمكن من إكمال النفي بحرف الألف لأن اليد السمينة ارتفعت في الهواء فجأة ونزلت بمنتهى القوة على وجهه .. أسرع يجري خارج الحجرة وهو يصرخ ويبكي بحرقة ليدفن رأسه في حضن أمه التي خرجت إليه من المطبخ واحتضنته في صمت وظلت تربت على ظهره وهي تأخذه إلى حجرته .
وبينما لا يزال يبكي بدموع غزيرة جدا وأنفاس متقطعة وخد مشتعل وجسد ينتفض بشكل متواصل سمعه يزعق فيه من الخارج بقوة :
ـ يلا يا كلب إمشي روح إتوضى وصلي .
يخرج الطفل من حجرته نحو الحمام .. يلمح أبيه بطرف العين جالسا متربعا على الكنبة يتابعه بغضب .. بينما يتوضأ سمعه في الخارج يتمتم :
فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً : « هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ » .
ثم أطلق جيصا قويا .

* * *


الجريمة والعقاب


كان قد اقتسم مع أحد أصدقائه زجاجة ويسكي .. خرج ( حامد ) بعدها لا يريد سوى أن يصعد إلى شقته ويأخذ سيفين من السيوف الكثيرة التي يحتفظ بها ويفعل بهما أي شيء .. وقف للحظات أمام مدخل الحارة يتطلع إلى الناس ثم تقدم للأمام حتى منتصف الشارع ورفع السيفين معا في الهواء وبدأ يطوحهما بعنف وهو يرقص .. انتاب المارة ذعر شديد جعلهم يسرعون بالفرار من حوله وهم يصرخون .. أصبح الشارع من حوله خاليا فجأة والسيارات بدأت تغير اتجاهات مرورها بعد أن يرى سائقوها المشهد حين اقترابهم منه أما الشرفات والنوافذ فامتلأت بالمتفرجين الذين خرجوا على صوت الصرخات والضجة ووقفوا يراقبونه بخوف وفضول هائلين .. بالصدفة دخلت الشارع عربة شرطة ليس بها سوى ضابط واحد فقط الذي أمر السائق بالتوقف حينما رأى ( حامد ) يرقص ويلعب بالسيفين .. نزل الضابط من العربة وتوجه نحوه ببطء وثبات وحينما أصبح قريبا منه توقف وصاح فيه بقوة : اثبت ياله ...
لم يرد ( حامد ) عليه .. توقف فقط عن الرقص ونظر إلى الضابط كملاك الموت وقال له :
ليس هناك واحد آخر يعرفك إلا ابنك إخناتون .. لقد جعلته عليماً بمقاصدك وبقوتك .
رد عليه الضابط قائلا :
والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان .
ثم رفع ( حامد ) السيفين عاليا ونزل بهما على كتفي الضابط .. صرخة واحدة هائلة اندمجت بداخلها صرخة الضابط مع صرخات الواقفين في الشرفات والنوافذ وانطلقت في فراغ الشارع مع الدماء الغزيرة التي تفجرت من كتفي الضابط الذي أسرع بإحكام قبضتيه عليهما بعد أن شعر بأن ذراعيه بالفعل على وشك الانفصال عن جسده ثم ألقى بنفسه داخل السيارة التي انطلق بها السائق بأقصى سرعة .
ظل ( حامد ) واقفا للحظات .. وحده في منتصف الشارع مع الصمت والدماء بينما العيون المتجمدة تحدق فيه من فوق بألم ورعب مكتوم كأنهم يتطلعون إلى شيطان قادم من أعماق الجحيم .. دخل إلى الحارة لثوان وعاد حاملا كرسيا ووضعه أمام مدخل الحارة ثم جلس عليه واضعا رِجلا على رِجل وفي عينيه نظرة تحدٍ راح يتطلع بها نحو مدخلي الشارع من اليمين واليسار كأنما ينتظر شيئا واثق من مجيئه ...
دقائق قليلة بعدها اقتحمت الشارع ثلاث عربات للشرطة حين توقفت وفتحت أبوابها قفزمنها أكثر من ضابط وعدد كبير من أمناء الشرطة والمخبرين انقضوا جميعا على ( حامد ) الذي سقط من على كرسيه واختفى تماما تحت هذا العدد الكبير من الأجساد التي تهاجمه والأذرع والأرجل التي تنهال عليه بكل قوتها دون توقف .. لم يصدر عنه أي صوت .. أي صوت .. ثم ظهر بعد انتهاء رجال الشرطة من مهمتهم وهم يحملونه من ذراعيه ووجهه مغطى بالدماء وملابسه ممزقة بعدها قام أحد المخبرين بربط ذراعيه وهما مضمومان للأمام بجنزير حديدي طويل ثم انهال على قفاه بصفعة هائلة وهو يأمره : انزل
نزل ( حامد ) على ركبتيه ثم قام المخبر بربط الطرف الآخر من الجنزير بالإكصدام الخلفي لإحدى العربات البوكس ثم ركب الجميع داخل السيارات التي انطلقت بهم بينما إحداها تجر جسد ( حامد ) .. ظل هذا الموكب يجوب الشوارع لفترة طويلة والضابط الذي يجلس بجوار سائق العربة التي تسحل ( حامد ) يقوم بتوجيه أوامره للسائق بأن يسرع بالسيارة للدرجة التي تجعل عظام ( حامد ) تتكسر وجلده يتمزق ثم يأمره بأن يضغط الفرامل فجأة فيندفع جسد ( حامد ) بشده تحت العربة كي يُهرس وجهه ورأسه جيدا ثم يعود للانطلاق بالسيارة بسرعة وهكذا حتى وصل الموكب بسلام إلى مديرية الأمن .
* * *

الحب

فوق أحد أرصفة الجامعة حيث يقع ( Love Street ) يجلس ( حامد ) مع حبيبته .. هو يداعب ورقة شجر بين يديه ويفكر فيها ، وهي تداعب منديلا ورقيا بين يديها وتفكر فيه .. ( حامد ) وحبيبته لا ينظر أي منهما في عيني الآخر أبدا .. يمر وقت طويل من الصمت لأن بداخل كلا منهما كلاما كثيرا جدا .. شعر ( حامد ) بالخجل بعد أن أحس أن منظرهما محرج أمام الطلاب العابرين والجالسين بالقرب منهما الذين يراقبون سكوتهما المتواصل بفضول ساخر تتخلله أحيانا ابتسامات وإيماءات مبتورة متخابثة فيما بينهم كأن هذا الصمت المبالغ فيه دليل على تورط هذين الحبيبين في تبني أحد أكثر أشكال التواصل الرومانسي كلاسيكية وعبطا الأمر الذين يجعلهما مادة جيدة للفرجة والضحك .. قرر ( حامد ) أن يتكلم :
ـ مالِك .. بتفكري في إيه ؟
ـ أبدا .. مفيش حاجة .
ـ لأ .. واضح إن فيه حاجة مهمة شغلاكِ .. حصل حاجة ؟
ـ لا والله عادي .. محصلش حاجة .
ـ أمال مالِك ؟ .. سرحانة في إيه ؟ .. اتكلمي بصراحة .. إنتي ها تخبي عليا ؟
ـ خايفة تزعل مني
ـ مش قلتلك .. لا ياستي قولي ووعد مش ها أزعل منك
ـ وعد ؟
ـ وعد
ـ إنت متأكد يا حامد إننا لما ها نكون مع بعض في بيت واحد ها نكون سعدا ومش ها نتشاكل أبدا ؟
ـ إنتي إزاي تسأليني سؤال زي ده ؟
ـ شفت .. آديك زعلت .
ـ لا أبدا ما زعلتش ولا حاجة .. بس أنا فعلا مستغرب إن إزاي سؤال زي ده يخطر في بالك أساسا
ـ لأني أعرف ناس كانوا برضه بيحبوا بعض جدا ولسنين طويلة قبل الجواز زينا بالظبط ولما اتجوزوا حياتهم أصبحت كلها مشاكل وخناقات وبقوا مش طايقين بعض .. خايفة نبقى زيهم في يوم من الأيام يا حامد .
ـ أولا دول مش زينا .. ثانيا للمرة المليون بقولهالك : إحنا مش زي أي حد .. إللي إنتي بتتكلمي عليهم دول ناس عادية وأكيد إللي بينهم ده مكنش حب أو يمكن مجرد حب عادي .. إحنا إللي بينا حب مش تقليدي .. تقدري تقولي كده إننا الحالة الاستثنائية الوحيدة في الدنيا دي كلها .. إللي بينا حاجة مكنتش موجودة ولا ها تكون موجودة عند أي اتنين غيرنا .. حاجة محدش عرفها ولا جربها غيرنا إحنا بس وده إللي ها يخلينا نعيش على طول في سعادة .
ـ بس احنا حتى دلوقت بنتشاكل كتير من غير ما نتجوز .. يبقى إزاي لما ها نتجوز مش ها نتشاكل ؟
ـ عارفة إحنا بنتشاكل دلوقت ليه ؟
ـ ليه ؟
ـ علشان من جوانا مش طايقين نعيش بعيد عن بعض .. إحنا بنتقابل الصبح في الجامعة ونخرج نتمشى في الشارع شوية وبحدود عشان محدش يشوفنا مع بعض وأحيانا بنخرج بالليل نقعد في مكان عام .. وبعدين ؟ .. كل واحد مننا بيرجع يعيش في بيت بعيد عن التاني .. ويقفل على نفسه أوضه بعيدة عن التاني ، وينام على سرير بعيد عن التاني ( يبتسم ابتسامة ذات مغزى محاولا أن يبدو جريئا بالنسبة لها ) .. فغصب عنا بنعاقب بعض علشان مش قادرين نغير الظروف إللي أقوى مننا وبتمنعنا إننا نكون سوا طول الوقت .. فهمتي ؟
ـ أيوة .. يعني توعدني إننا عمرنا ما ها نتخانق أبدا وإننا ها نعيش سعدا على طول ؟
ـ أوعدك طبعا .. أوعدك إننا ها نعيش دايما في سعادة بعيد خااااااالص عن الدنيا وناسها ومشاكلها ، وإن مفيش لحظة زعل واحدة ها تمر علينا واحنا مع بعض .. عايزك تبطلي تفكير في الموضوع ده خالص ويكون عندك ثقة فينا بدل الشك ده .
ـ حاضر
ـ بعد إذنك لحظة
ـ خير ؟!
لم يرد ( حامد ) على حبيبته وإنما نهض من فوق الرصيف ووقف فاتحا ذراعيه عن آخرهما وصرخ بأعلى صوت :
أنا القدّيس الكامل البوذا الأعظم .. افتحوا آذانكم أيّها الرهبان واسمعوا لي فقد وُجِدَ الطريق أيّها الرهبان .
أمسكته حبيبته من يده وجذبته بشدة لتعيده إلى جوارها ثانية وهي تقول له :
مالك فيه إيه ؟ .. انت اتجننت ؟! .. انت ناسي إن الهندوسية مفيهاش صلاة جماعة ؟!
ـ تحبي نتمشى شوية ؟
ـ براحتك
ينهضا ويسيرا دون أن ينتبه إليهما أحد .. كان الشباب والفتيات الجالسين في الشارع قد أخذوا كفايتهم من المشهد العاطفي الذي يحدث أمامهما حينما بدأ بطلاه في الكلام فراحوا ينشغلون بالتحدث مع بعضهم في أشياء أخرى .

* * *

بداية متكررة


أفتح عينيّ
لازلت حيا إذن ...
.................................
.................................
.................................
الصباح يأتي كل يوم
منذ واحد وثلاثين عاما والصباح يأتي كل يوم
لكن لا أحد يستيقظ بطريقة واحدة ...
لكل واحد أشيائه التي يفكر فيها على الفور حين يستيقظ
الشخص الواحد نفسه لا يظل طوال حياته يستيقظ بنفس الطريقة لأن الأشياء التي يفكر فيها على الفور لا تظل أبدا ثابتة كما هي ..
زمان مثلا كنت حينما أفتح عينيّ في الصباح أفكر على الفور في صندوق ألعابي الذي ينام بداخله القرد البني الذي يرتدي سترة حمراء والأرنب السماوي والقطار وعربة المطافيء والتليفون الأزرق بسماعته الحمراء إضافة للطائرة الهليكوبتر الصفراء وعربات السباق والحصّالة التي كانت عبارة عن كوخ أحمر يسكنه كلب صغير اسمه ( Fido ) .. كنت أفكر كذلك في العدد الجديد من مجلة ( ميكي ) أو ( سمير ) أو ( ماجد ) الذي سيأتيني اليوم والهدية الجميلة التي ستأتي معه كقناع ( بطوط ) أو جدول حصص ( ميكي ) ، وأيضا في برامج الأطفال التي سأشاهدها بعد قليل والتي تأتي قبل مسلسل الظهيرة .. أفكر في عصابة الأشرار المتخيلة التي سأحاربها عبر غرف البيت والبلكونة بمسدسي المكعبات والتي سأنتصر عليها بالطبع في النهاية .
أفتح عينيّ
أفيق من إغماءتي التي لم تكن عميقة لأعرف أنني نجوت ...
هل يمكن لأحد أن يصدق أن تظل أسقف وحوائط وجدران تنهار وتسقط طوال الليل فوق جسد فاقد الوعي و رغم ذلك يبقى حيا ؟!
المعجزة التي تتكرر كل يوم منذ واحد وثلاثين عاما
وتظل معجزة .
إغماءتي ليست عميقة
تجعلني أرى وأشعر وأفكر في الأسقف والحوائط والجدران بدرجات وضوح متفاوتة
الأسقف والحوائط والجدران التي تسقط فوقي دون أن تلمسني
ربما تسقط من حولي أو تختفي فجأة في الطريق إلى جسدي قبل أن تصيبني
لكنها تصيبني .
لازلت حيا إذن ...
أشعر بالفرح
هذا أمر طبيعي جدا بصفتي ناجيا من الموت بمعجزة
لكنني لم تعد لدي أشياء أفكر فيها على الفور ...
لدي شيء واحد فقط أفكر فيه وهو أن النجاة تعني ضرورة أن أظل محافظا على حياتي طوال اليوم بأي شكل وبأي طريقة مهما حدث .
أنا ( سوبر ماريو )
الذي يخوض حروبه الشرسة داخل لعبة متواصلة تتزايد مصاعبها وأخطارها مرحلة بعد مرحلة أي يوم بعد يوم ولحظة بعد لحظة ...
ينبغي على ( سوبر ماريو ) أن يظل حيا حتى يصعد إلى سريره مرة أخرى بعد منتصف الليل موعد الإغماءة التالية التي ليست عميقة كما تعرف .
لست فرحا جدا
كأنني لم أفتح عينيّ منذ لحظات قليلة
ولم أكتشف أنني لازلت حيا
وأنني نجوت من الموت بمعجزة
ولدي أشياء جديدة ليست كالأشياء القديمة التي ينبغي أن أفكر فيها على الفور .
لست فرحا جدا
الفرح المنهك المتعب للغاية واليائس رغما عني
المريض الذي لا يفهم لماذا ينبغي أن يكون مريضا هكذا ؟
الفرح العجوز الذي لم تعد لديه القدرة لأن يفرح
الفرح لاوجود له
مهما نجوت من الأسقف والحوائط والجدران ، ومهما استيقظت ، ومهما كانت لديك أشياء تفكر فيها على الفور حين تستيقظ ...
الفرح لا يصلح سوى أن يكون اسما من أسماء الله الحسنى فحسب !!!
أفتح عيني ...
لازلت حيا إذن
ولازال أبي وأمي وأخي وجدتي موتى مجهولي المصير
لازالت زوجتي تسعل في المطبخ وتبكي بداخلها على أمومتها التي لم تتحقق بعد
وشقيقاي كلا منهما يجلس على مكتبه الحكومي الآن وينتظر بخوف مكتوم قدرا جميلا يعوضه عن نتائج السكن إلى الزوج الذي خُلق له من نفسه
لازال أحد أصدقائي يحلم بكوكب الأرض يتحول إلى جمهورية إسلامية عظمى ، والآخر يبحث عن ذاته التائهة التي يتوسل للفراغ منذ زمن لأن تكون مهمة ونافعة في العالم رغم كافة الألغاز الدرامية القاسية جدا التي قد يحلها الله بعد انتهاء الفيلم الطويل ورغم الناس التي فشلت في أن تحبه كما يجب .
لازلت ( سوبر ماريو )
أتحرك على الشاشة بيد كائن يجيد اللعب إجادة تامة
محترف لايمكن أن يرتكب خطأ واحدا
يتعمد أن يجعلني أعيش الموت في كل لحظة لكنه لايميتني
يجعلني أنجو من كل الميتات كي أموت أكثر
يمنحني أطول وقت ممكن كي أفكر بفزع مكتوم في معنى (Game Over ) التي لا أعرف موعدها .
أفتح عيني
ماذا لو كان ( سوبر ماريو ) لا يحركه أحد ، وأن نجاته المستمرة من الموت ليست سوى صدف بحتة كان من الممكن ألا تحدث لأنه لا يوجد ببساطة من يقرر هذه النجاة ؟
لا زلت حيا إذن
ربما كان القرار الوحيد والأول والأخير هو أن يدخل ( سوبر ماريو ) اللعبة فحسب وما بعد ذلك تم تركه بشكل كلي لما ستقرره اللعبة بنفسها .
أفكر في أن اللعبة مبرمجة من الأساس لأن تكون قرارتها هكذا
أن تفتل بسهولة
وبطء
واتقان محكم .
أفكر في الأشياء التي لايمكن استيعابها بشكل كامل
لأنها تخص كائنا محترفا كان ولايزال موجودا
أو كان ولم يعد موجودا
أو لم يكن موجودا أصلا
لكنه بالتأكيد لا يفتح عينيه في الصباح
مستيقظا من إغماءته التي لم تكن عميقة
ويكتشف أنه لايزال حيا
ويفرح فرحا وسخا
لأن الأشياء التي سيفكر فيها على الفور ليست سوى استمرار عادي جدا للعبة التي كانت ولاتزال موجودة
المؤكد أنها موجودة
اللعبة التي تجعل الصباح منذ واحد وثلاثين عاما يأتي كل يوم
تجعل الصباح ـ رغم كل شيء ـ ليست لديه أي مشكلة في أن يأتي كل يوم ...
( سوبر ماريو ) ينهض كي يغسل وجهه .

* * *
http://mamdouhrizk.blogspot.com/



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراعاة النائم في قاعة العرض
- بعد صراع طويل مع المرض
- جحيم عابر لا يتدخل فيما لا يخصه
- الشعر / العدالة الكونية الوحيدة
- التدوين .. الأدب .. الكتابة
- جامع الطلقات الفارغة
- بأمل أن تغفر لنا الرمال المتحركة هذه الضوضاء الخفيفة
- أصلح الأماكن لإخفاء الكاميرا
- رحم واسع يسمح بهزة رأس صغيرة
- براحة ضمير كاملة
- الخيارات المتاحة في حركة الرأس باتجاه الحائط
- ضرورة أن أكون في أمان كهذا
- ما لم يذكره ( سلاح التلميذ )
- أنا أسوأ من ذلك بكثير
- السينما كتجميل للأنقاض الخالدة
- الشعر قصيدة النثر الكتابة … ( لاشيء غريب .. لا شيء عادي )
- مبررات ضعيفة لإساءة الظن بوظيفة الأشلاء
- … وصلاة على روحك لن تعترف بشيء
- نصوص
- Setup


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - جزء من رواية ( سوبر ماريو ) / تحت الطبع