أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - من أجل سلّة رغيف















المزيد.....

من أجل سلّة رغيف


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2409 - 2008 / 9 / 19 - 05:58
المحور: الادب والفن
    


إلى /القمر الذي لم تسعه سماء بلدي..(صباح الأنباري)..
كنت غالباً ما أكحل عينيّ به كلما أرجع مرهقاً من اتحاد أدباء ديالى،أجرجر عربة اليأس لأن لا جديد في حياتنا الجديدة بعد قرن من الانتظار مليء بوعود ـ مسلفنة ـ داخل ثلاجات الديموقراطية،دائماً أراه رغم ـ إرهاق بدنه ـ مليئاً بأحلام ممكنة التحقيق،يمشي وعقله في صراع مع التعب لرسم فضاءات تلائم أمنياته،قبل أن ينفرد في غرفة أو غربة ليلية يرجع منها محملاً بنص أو مادة نقدية،قليل الكلام هو،كثير الإصغاء،لا يبذر وقته فيما ليس لصالح هواجسه ،منظماً..يتابع أدق التفاصيل الأدبية،وله أرشيفاً لكل أديب جس نبض موهبته ورصد ممكناته في قوادم مغامراته،نذر حياته للفن،صال وجال وهضم بأضراس الحرص ما كان ألمعياً وشاحناً أو وجدها لبنة تنفع لاستكمال سلّم الارتقاء إلى الرفوف العالية في دنيا الحقيقة والجمال،رغم هوسه المسرحي الذي ولد وتماهى فيه قبل أن يحمل لواء حراسته من أقلام مأجورة كانت تزحف لوقف قطار الإبداع العراقي،ناضل رغم الجوع،من أجل تأسيس أرضية تستمد من واقع حال الحياة مادتها،أختار(الصمت)لغة معبرة ومتفجرة وله من التأويل ساحات ومسالك كي يبقى في المحك،ضديّاً لا يساوم على حساب مبدئيته،بهدوء ومن وراء عدسات الكاميرا رصد ما تخفي الوجوه من تذمر واحتجاجات على ما يجري في وضح النهار،وتمكن بقلم رشيق أن يلتقط الحبّات المنفرطة في نصوص تمكنت أن تنفلت من سكة الرتابة والتكرار،غربلها وأعاد تكوينها في مقالات نقدية قالت ما هو محتمل وواقع غير قابل التأويل،وليس أمامنا سوى قراءة كتابه (البناء الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنه) لنعرف لكم هو جاد ومتابع وغير مجامل،ظلّ(صباح)يحصي بلهفة الدقائق المتبقية من عمر أعداء الحقيقة وهو يعد العدّة لحياة طاهرة من التزلف والنفاق والتملق والمتاجرة بالشرف والمقامرة بكل ما هو إنساني،حياة تبيح لك القول بما ترغب ،تأخذ ما هو يساوي عطاؤك وتترك ما هو فائض عن حاجتك لآخرين لا يجدون الحيلة لنيل ما يحتاجونه، لكن الرياح دائماً تخالف الرغبات وتأتي من حيث لم تحتسب،وجد نفسه أمام ديناصورات شبحية تعصف بكل ما تبقى من بقايا حياة كانت سلحفاتيه،حياة كارثية أطاحت بأحلام الحالمين وحققت مستحيلات المارقين ودفنت الرغبات المؤجلة لكل من أنتظر على نيران الصبر،ثمة أيدي تعمل في خفاء معلن،مهمتها سحب البسط من تحت أقدام كل من حمل همومه وأنتظر شمس الحرية الغائبة من هذا البلد مذ وضع حمورابي مسلته الطينية ورتب أسس منقذة لبلد خيراته تكفي دفن الجوع العالمي إلى أبد الآبدين،سجن (صباح)في زمن كانت الأشباح تتشكل لتكوين الشرنقة الحديدية حول عباد لا حول تتمفصل في مفاصلهم،ولا قوة تدنوا من سواعدهم،تسعة وثلاثون يوماً ظلّ يستقبل وهو مليء بالتحدي سياط لا ترحم ولكمات لا ترتخي،من أجل المسرح الذي سكنه وأسكنه سويداء القلب،ما الفرق بين كائن يردوه قتيلاً بالرصاص أو الأنشوطة،وكائن يردوه قتيلاً بالرحيل بعدما تسحب من أسفل قدميه كل البسط المفروشة،تغلق النوافذ وتصد الأبواب،لكي يهيم ويتسكع ،يجوع ويعرى،قبل أن ينزوي في ركن خانق،تموت أحلامه ويلعن كل هاجس يقلقه،ومن يجد نفسه مؤهلاً لركوب المخاطر،يركب سفينة الـ(نوح)والبكاء على جذوره المتصدعة،هناك يموت قتيل الاغتراب في المنافي التعيسة،فئة تخطط بشيطانية بالغة الدقة لتمزيق الليل بعد أن يجردوه من كواكبه الهادية،فكل موهوب هو نجم لامع أو ساطع في بلده،بأفوله تتقدم الحياة خطوة أخرى نحو العماء الذي ينشده ظلاّميون يعملون من وراء الكواليس لدحر الحضارات التليدة وتبديلها بحضارات بليدة..تلك هي رسائل مشفرة في قواميس العولمة المفخخة بالدسائس،لقد قتلوا الأحلام وشردوا الرغبات وفككوا مفاصل العلاقات بطرق سلفية وسلبية،فما معنى أن يعود إلى الخدمة كل من كان حجر عثرة في طريق الحرية بطرق ملتوية أو محسوبية أو من منافذ اللانزاهة،وما بال من حمل هموم زمنه وصهر حياته،لم يصفق أو يهتف،ظلّ يهرول صوب كل منفذ يجده درباً معبداً للوصول إلى سلة رغيفه،ليصطدم بجدار صلب لا يرتضيه كل عراقي نبيل أن يتخذه مسلكاً طالما جواز العبور(صك غفران )من لدن قادم لمّا يزل يحاجج أن النهار باطل ما لم يحرر خيطاً في نهايات الليل للتميز،رفض (صباح)التبرك بورقة تزكية تفرش له بساط النعيم،وجدها طوقاً آخر من أطواق الشوفينيات المستحدثة لتسييس وتذليل العقول،هو الذي رفض أن يهدي كتبه كما أهدى البعض للمعرض المادي أبّان الفترة المنقرضة بعدما توجوا (قبلاي)خان العراق راعياً لقطيع المأجورين،فكيف يلوث منجزه المسرحي بعدما صانه من براثن ونواجذ المتربصين والرقابة الغوبلزية للثقافة المتنورة،فما يجري على الساحة الثقافية من مجازر علنية ستدفع البلاد نحو عصور متأخرة ومظلمة ثانية،وبالتالي تكون هويتنا منسية أو غير مؤهلة لتكوين كياناً بين الكيانات،وما عملية تعطيل إرجاع السياسيين إلى وظائفهم سوى محاولة لترحيل الجيل المتنور وتشريده ليندثر من جديد في المنافي،ولأن (صباحاً)كان شجرة مثمرة إلى حدٍ ما،دفعوه إلى حافة النسيان،ليس وحده فحسب،لأنهم يدركون جيداً وراء كل مبدع وحوله رفوف متراصة من مثقفين يجوعون ويبيعون الكتب ولا يغادرون جذورهم كما صرخ في وضح النهار الكاتب الكبير(أحمد خلف)،بطبيعة الحال أنهم يجتهدون لانتزاع الورود من الطبيعة،وطرد الطيور من الحدائق،وإخراج الكائنات البديعة من الأنهار،مختصر مفيد،محاولة صناعة ليالي بلا كواكب ،يقيناً سيفقد الليل طعمه وكذلك الماء والحدائق،فما قيمة بلاد بلا مبدعين،وما قيمة حضارة بلا مسلة تحكي سنوات سطوعها،تؤرقهم مجيء صباحات تكنس أوضار ودسائس العتاة والمارقين،غادرنا (صباح الأنباري)على مضض،لابد أنه لن يتزحزح عن مبادئ رحلة الدفاع عن القيم الثقافية العالية،يقيناً رغم بعده عن جذوره،سيواصل(ارتحالات في ملكوت الصمت)كي يمارس(طقوس صامته )قبل أن يباغتنا(ليلة انفلاق الزمن)..!!
**مغادرتك يا(صباح)ولوج أكثر نحو الروح واقتراب منطقي من التوحد وتحقيق الأماني،والوصول بأمان إلى شواطئ الأحلام وأرخبيلات الجمال والحرية والتخلص من رثاثة القرون الفاسدة..!!
**ألغوك يا (صباح) وما دروا أنهم رقّوك ..!!‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍
**فيما يشبه الهامش :
صباح الأنباري ـ تولد 1952ـ كاتب وناقد مسرحي ـ أصدر (طقوس صامته) مسرحيات ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ 2000 ( ليلة انفلاق الزمن) مسرحيات صائته ـ اتحاد الكاتب العرب ـ 2001 ( البناء الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنة ) نقد ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ2002 (إرتحالات في ملكوت الصمت) مسرحيات صامته ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ 2004 ،له العديد من المؤلفات ذات القيمة الفكرية والإبداعية والنقدية ،ذات يوم سجن وطرد من وظيفته (مدرساً لمادة المسرح الريفي )بسبب مواقفه الرافضة من السلطة وما كان يشتغل عليه من مسرحيات طليعية مناهضة وأنتظر طويلاً قبل أن تهل شمس أمله لكنه تفاجئ وأجبر على الرحيل عن عراقه،حمل لواء الفن الذي يسكنه وقاد عائلته إلى المنافي كي يجد (سلة رغيف) لهم بعدما لم يجد باباً يستقبله كي يمد يديه ويرفع بنيان بلده،لقد خسرته البلاد وستخسر المبدعين الذين اكتووا بنيران التهميش وحرائق عيون الرقابة،لقد غادرنا (صباح)بعدما أرسى لبنة مهمة في حجر أساس المسرح العراقي الصامت ونال العديد من الجوائز المهمة،رحل من أجل سبب بسيط جداً ،لقد أراد(سلة رغيف)متواضعة كي يشعر أنه أبن بلد يستحق التضيحة،ومن يدري ربما(سلة رغيفه)نستها عربات الديمقراطية في مكان ما من هذا العالم الفسيح ..!!
**********



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحزان صائغ الحكايات..حين يفضح النقد أسرار السرد
- خوذة العريف غضبان//مونودراما//
- مواسم الهجرة إلى الأمان
- تلك من أنباء القرى التي أنفلت
- الرابح يأتي من الخلف
- ربّاط الكلام
- أين موقع أنكيدو
- شاعر البلاط الرئاسي
- من كتاب اللعنات
- تحقيق الرغبة في رواية(غسق الكراكي) لسعد محمد رحيم
- إلى ذلك نسترعي الإنتباه
- الأوراق لا تأتي في خريف الرغبات
- رب نافعة ضارة أيضاً
- امرأة الكاتب العراقي
- الصديق الأخير
- فن النصر
- بيت كاميران
- أصطياد فأر....مونودراما
- غريب الدار
- حتى انت يا جمعة


المزيد.....




- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - من أجل سلّة رغيف