أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - العراقيون رواية بوليسية طويلة














المزيد.....

العراقيون رواية بوليسية طويلة


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 2407 - 2008 / 9 / 17 - 04:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"يمكننا أن نشاهده وهو يغلق باب البيت القديم المزدان بزخارف يدوية جميلة تعود إلى بداية القرن الماضي. أطبقه بعنف مرتديا معطفه الأسود الطويل وقبعته المميزة وهو يضع على وجهه نظارتين جديدتين. وبدا كمن يحاول التخلص بسرعة من المكان. لكنه لم يهرول كعادته. فسار هذه المرة ببطء لأن كلّ شيء تم بمنتهى البراعة حيث سجيت جثة المرأة وسط المنزل بعد طعنها في بطنها عدة طعنات قاتلات فأصبح الدم حولها بركة كبيرة" هكذا كانت تجري مشاهد العنف في سينما ستينات القرن الماضي. وقد لا أغالي إذا ما وجدت إن العراقيين هم من أكثر الشعوب العربية حبا بالروايات البوليسية وكتابات أغاثا كريستي تحديدا وكذلك مشاهدة مسلسل (شارلوك هولمز) الذي جلدنا به تلفزيون بغداد سنوات طوال. أما أفلام (هيتشكوك) فلها وقع كبير جدا في نفوس النظارة لا يعادلها إلا مشاهدة أفلام هرقل الجبار ورنكو وسعيد افندي وخنيجر ونعيمة: هذا الفلم العراقي الذي استمتع به جميع العراقيين دون أن تحدث به جريمة واحدة، ولم تسل قطرة دم واحدة طوال ساعتين من المشاهدة الممتعة.
لكن العراقيين رغم ذلك هم ولوعون بأفلام المغامرات عموما منذ بدء السينما التي أغلقت أبوابها هذه الأيام. وأيام زمان كان سعر الرواية البوليسية خمسين فلسا فقط. ويجد القارئ نفسه محاطا بما يكفي من أحداث كي يصل إلى القاتل المجهول أخيرا. هذا يعني أن الرواية البوليسية على العموم هي أرخص كثيرا من الكتب المعروضة في الأدب والثقافة والعلم، وخاصة تلك الروايات المستعملة طبعا. ومن الغريب أنها تعود كرة أخرى إلى السوق في حركة دورية دائمة. فقد قرأ العراقيون من جيلي العشرات من هذه الكتب بدءا بمغامرات (جيمس بوند) وانتهاء بمجلات سوبرمان ثم حكايات سمر والوطواط. لكن لا تزال روايات أغاثا كريستي تقرأ بنهم إلى يومنا هذا.
وحينما كنت أسكن الحيدرخانة، كتبت روايتين بوليسيتين في منتصف السبعينات منعهما (السيد الرقيب) طبعا: كانت الأولى تدور أحداثها في بغداد إبان الاحتلال الانكليزي، والثانية في مدينة ثلجية نائية،كنت ارغب بزيارتها ولم أزرها قط.. ومن الأغرب إن الجواب على إحداهما قد ذيل بأنها أدب لا يتناسب وفكر الحزب والثورة! بالطبع حينما قرأت زوجتي هذه الردود خشيت عليّ، وبغفلة من الزمن أخفتهما إلى الأبد ولم تظهرا أبدا. فقد يكون الرقيب من وجهة نظرها قد نظّم بي تقريرا إلى الحزب والثورة! ثم غيبت الروايتين مع من غاب من الكتب في تنور الوالدة طبعا بعد أول نزول في (القلّق) الثوري التقدمي الاشتراكي القومي الطليعي النضالي العروبي على الطريقة العاربة. صحيح إن هذا الجيل الحالي قد أعرض كثيرا عن الثقافة والقراءة عموما، لكنه حتما سيعود إليها لأن الثقافة ومنها الرواية زاد روحي لكل شعب مستقر يمتلك قليلا من الحضارة أو المدنية. لكن الرواية البوليسية لما يحن الوقت بعد لكتابتها والشعب العراقي كلّه يعيش حياة أشد بوليسية من أية امة أخرى في الوقت الحاضر.
والرواية ابنة المدينة ووليدتها الشرعية، والرواية البوليسية عموما تحتاج إلى مقدار كبير من رفاهية الشعب وصفاء ذهنه لكي يقرأها بتلذذ وينعم بها. كما أنها في الوقت نفسه تحتمل مجتمعا يمتاز بمقدار كبير من صفاء الذهن. لا يمكننا أن نتصور ثمة كتابا لروايات بوليسية في مدينة محطمة كبغداد تعود القهقرى إلى العصور الوسطى : عصر ما قبل الصناعة في الأقل، أو في البصرة أو الموصل اللتين تشبهان قريتين كبيرتين مغبرتين. مثلما ليس ثمة روايات بوليسية في منطقة الخليج العربي أيضا؛ على الرغم من إن الإنسان العربي هناك يعيش ظروف المدنية كلها؛ فالتطور الاجتماعي لم يصل إلى درجة كتابة الرواية البوليسية المبنية على العلاقات الاجتماعية وتطور علم الجريمة والتعقيد المكاني. لكننا ربما نجد ثمة روايات بوليسية في القاهرة حيث يكون المناخ كافيا لقراءتها والشروط الموضوعية متوافرة أجمعها.
ماذا يكتب العراقيون من بوليسيات؛ عن جرائم غير غامضة، وجثث معلومة مجهولة وبيوت تحترق بفعل قوى همجية وأناس يمارسون أعتى أشكال القهر والتدمير في حياتهم وبلا حسيب ولا رقيب؟؟ من يكشف كلّ هذه الجرائم الواضحة؟ ومن المسؤول عنها؟ ربما يأتي من يكتب عن هذه الجرائم الوحشية في يوم ما ويوثقها ويعلنها إلى الملأ.. لكن الفاعل معلوم .. موجود.. مشخّص.. عندئذ لن يكتب الجيل القادم روايات بوليسية، بل نمط من الروايات الوحشية لم تعرفه فنون الرواية العالمية من قبل. هذا إن بقي الشعب العراقي حيا على سطح وطنه ولم ينقرض. " أغلق الباب بقوة ذو المعطف الأسود والقبعة الغريبة وسار ببطء نحو الشارع اخرج مسدسه النصف وبلي وأطلق النار على الجميع هذه المرة".



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية في عالم متغير
- تعالوا إلى زها محمد حديد
- تعددت السفن والطوفان واحد
- حديث إبن الرافدين: حساب عرب سياسي
- البحث عن قبعة نابليون
- المسيري: ثلمة في جدار قديم
- نادورام كوتشي
- وهم العالمية: بيس نفر
- حزن ما بعد المليون
- عمود طاجا / عمود تيراقا
- إلى كراج النهضة
- سبخة العرب
- العشرة المبشرون..!
- لماذا ننشر كتبنا هنا؟
- انهض أيها القرمطي
- فتاح باشا
- حرب عالمية أقتصادية على الأبواب؟؟
- تعالوا إلى الطفولة العراقية في غينس
- العراق وتركيا : من الخاسر في النهاية؟
- الستراتيجية الاميركية بعد سبتمبر 2007


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - العراقيون رواية بوليسية طويلة