أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة) ثورة اكتوبر















المزيد.....



من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة) ثورة اكتوبر


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 738 - 2004 / 2 / 8 - 04:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في الصفحتين ١٩١ – ١٩٢ من الكتاب وردت فقرة حول ثورة اكتوبر بخليط من راي الباحثين وراي غرامشي مؤسس الحزب الشيوعي الايطالي مفادها ان الماركسيين كان يجب ان يدعموا ثورة شباط وان ثورة اكتوبر لم تكن ثورة اشتراكية. ليسمح لي القارئ ان اقتبس جزءا من هذه الفقرة من الكتاب:
"وفي ضوء هذه النظرة التاريخية الموضوعية وبعيدا عن العواطف، نرى بان ثورة شباط 1917 الروسية ـــ البرجوازية التي جاءت من تحت، كانت بداية طبيعية لنقل المجتمعات في روسيا القيصرية المتباينة في تطورها من كافة اشكال العلاقات الانتاجية ما قبل الراسمالية الى العلاقات الراسمالية. ولكن كان على الماركسيين والثوريين الروس من مختلف الاتجاهات دعم هذه الثورة وتوجيهها في الطريق الصحيح وتجنب الاستفزازات التي طبعت نشاط المنشفيك حينذاك، او حتى بعد قيام ثورة اكتوبر بقيادة لينين، التي قال عنها غرامشي، مؤسس الحزب الشيوعي الايطالي : بأنها مجرد انقلاب فوقي لا علاقة لها بالاشتراكية، قام بها عدة مئات من المسلحين. اذ كان على لينين بعد نجاح تلك العملية دفع مسيرة البلاد نحو استكمال مستلزمات الثورة البرجوازية. ولكن، وبسبب الكثير من التعقيدات التي رافقت المرحلة، اعتبر لينين وصحبه الثوار في الحزب البولشفي بان الثورة الاشتراكية قد انتصرت وان العالم دخل بذلك مرحلة انتقال جديدة من العلاقات الراسمالية الى الاشتراكية. وتجدر هنا الاشارة الى ان لينين كان قبل الثورة يؤكد ان روسيا غير مؤهلة لبناء العلاقات الاشتراكية، اذ انها ما تزال في طور متأخر من علاقات الانتاج الراسمالية. ويمكن ان يجد الانسان ذلك في كتابه "التطور الراسمالي في روسيا" و "الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية". واعتقدنا نحن ايضا بان الثورة الاشتراكية انتصرت في روسيا وعملنا على هذا الاساس وبايمانية عالية وبكل ما يرتبط بمثل هذه الايمانية من جوانب سلبية وايجابية. ولكن هذا الاعتقاد كان بعيدا عن الواقع. وظلت هذه الموضوعة الجامدة سائدة دون ان يجرأ مفكر ماركسي ــــ لينيني، شيوعي، على تناولها بالنقد، الى ان انهارت العملية بكاملها نتيجة للازمة الحادة التي رافقتها منذ الولادة. وعلينا ان لا ننسى الاشارة الى ان قلة من مفكري الماركسية ـــ اللينينية، اي من اعضاء الاحزاب الشيوعية، التي تجرأت على ممارسة النقد ازاء العمليات التي كانت تجري في الاتحاد السوفييتي، وهو عيب كبير كان يفترض ان يكون بعيدا عن المثقفين بالفكر الماركسي العلمي الرصين."
اكتفي بهذا القدر من الفقرة لان فيه الكفاية مما يمكن مناقشته. واضطررت الى اقتباس هذا القدر الطويل من الفقرة اولا لانني لم استطع ان اميز نهاية قول غرامشي عن اقوال الباحثين ولان ما جاء فيها يحتوي دررا من التحليل الماركسي العلمي الرصين. فكل ما جاء فيها يمكن اختصاره بالعبارة التي قالها يلتسين بان ثورة اكتوبر كانت خطأ تاريخيا فظيعا.
نبدا البحث بما جاء من ان لينين كان يؤكد ان روسيا غير مؤهلة لبناء العلاقات الاشتراكية. ويشير الباحثان الى مؤلفين من مؤلفات لينين "التطور الراسمالي في روسيا" و "الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية". وهذا يحتوي على مغالطة كبيرة. فان لينين كان يؤكد فعلا في هذين الكتابين على ان روسيا ليست مؤهلة لبناء العلاقات الاشتراكية. ولكن الباحثين لم يشيرا الى تاريخ كتابة هذين الكتابين. فقد كتب لينين هذين الكتابين قبل ثورة شباط البرجوازية. وطبيعي ان الثورة الاشتراكية لا يمكن ان تأتي مباشرة من نظام حكم اقطاعي بل ينبغي تحقيق الثورة البرجوازية أولا ثم الثورة الاشتراكية. ولهذا فان روسيا لم تكن مؤهلة لبناء العلاقات الاشتراكية قبل قيام الثورة البرجوازية. ولكن برنامج الحزب الشيوعي (الاشتراكي الديمقراطي سابقا) الذي اتخذ في المؤتمر الثاني سنة ١٩٠٣ ينص على ان الثورة في روسيا تتألف من مرحلتين، الثورة البرجوازية والثورة الاشتراكية. وهذا البرنامج اتخذ سنوات طويلة قبل كتابة الكتابين الانفي الذكر. وفي كتاب "تكتيكان" شرح لينين تكتيك الماركسيين (البولشفيك) وتكتيك الانتهازيين (المنشفيك) في الثورة البرجوازية القادمة في روسيا. وهذا ايضا جاء قبل كتابة الكتابين المذكورين. وهذا يعني ان لينين لم يكن غافلا عن الوضع الطبقي في روسيا بل كان واضحا لديه كل الوضوح ان مرحلة الثورة الاشتراكية تأتي مباشرة بعد الثورة البرجوازية الظافرة. بل انه في تكتيكان شرح الاحتمالات الممكنة في الثورة البرجوازية وبين انه في حالة نجاح الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة العاملة تتألف دكتاتورية عمال وفلاحين ثورية تستطيع ان تحقق الانتقال الى الاشتراكية من فوق ومن تحت دونما حاجة الى ثورة من تحت. كل هذا كان من الوضوح في ذهن لينين بحيث انه حين قرأ في الصحف السويسرية عن نجاح ثورة شباط البرجوازية كتب رسائل من بعيد تؤكد انتقال روسيا الى مرحلة الثورة الاشتراكية. وحين وصل الى بتروغراد وخرج للتحدث مع الجماهير التي استقبلته في المحطة كان اول كلماته تعيش دكتاتورية البروليتاريا. ففي الواقع كان لينين واثقا واعلن ذلك بصراحة بان روسيا تجابه مرحلتين في الثورة، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية، وان الانتقال من المرحلة الاولى الى الثانية يجري فور نجاح الثورة الاولى. وفيما يسمى مسائل نيسان اكد لينين على قضية ان روسيا اصبحت تمر في مرحلة الثورة الاشتراكية.
نأتي الان الى عبارة "كان على الماركسيين والثوريين الروس من مختلف الاتجاهات دعم هذه الثورة وتوجيهها في الطريق الصحيح وتجنب الاستفزازات التي طبعت نشاط المنشفيك حينذاك..."
لم يشرح لنا الباحثان كيف يستطيع الماركسيون والثوريون الروس من مختلف الاتجاهات توجيه الثورة البرجوازية في الاتجاه الصحيح. ولكن الماركسيين في تلك الايام وعلى رأسهم لينين كانوا يعتقدون ان البرجوازيين في عصر الامبريالية لم يعودوا قادرين على انجاز مهام الثورة البرجوازية انجازا كاملا. فالبرجوازية فور استيلائها على الحكم تحقق المصالح البرجوازية المباشرة ولكنها تبدأ في نفس الوقت في محاربة المفكرين الماركسيين والثوريين من مختلف الاتجاهات الذين يشكلون خطرا عليها وعلى نظامها. فحتى الاصلاح الزراعي، وهو اهم مستلزمات الثورة البرجوازية التقليدية، لانه يقضي على نظام الملكية الاقطاعية، لا تستطيع البرجوازية انجازه انجازا كاملا. وهذا بالضبط ما جعل لينين يستنتج في "تكتيكان" ان افضل تحقيق للثورة البرجوازية هو تحقيقها بقيادة البروليتاريا لان البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة التي تستطيع تحقيق مستلزمات الثورة البرجوازية تحقيقا تاما. كان لينين يريد ان تجري الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة العاملة ولكنه، بسبب "الاستفزازات التي طبعت نشاط المنشفيك" والاشتركيين الثوريين الذين كانوا في قيادة السوفييتات، لم يستطع تحقيق الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة العاملة، او سوفييتات العمال والفلاحين.
والماركسيون بقيادة لينين دعموا في الواقع العملي الثورة البرجوازية وحاولوا توجيهها بالاتجاه الصحيح. ففي الفترة الاولى بعد ثورة شباط البرجوازية حدث وضع استثنائي دعي انذاك بالسلطة المزدوجة، السلطة البرجوازية وسلطة السوفييتات. وكان الماركسيون بقيادة لينين يناضلون في سبيل توجيه الثورة بالاتجاه الصحيح بان يحولوا السلطة المزدوجة الى سلطة السوفييتات. فكان شعار لينين كل السلطة للسوفييت رغم ان البلاشفة كانوا اقلية في قيادة السوفييتات. ولكن "الاستفزازات التي طبعت نشاط المنشفيك" وبانحياز المنشفيك والاشتراكيين الثوريين الى البرجوازية اتجهت الثورة بالاتجاه غير الصحبح رغم نشاط الماركسيين ضد هذا الاتجاه. وطيلة فترة السلطة المزدوجة كان لينين يعتقد ان تحول السلطة الى السوفييتات من شانه ان يحقق الثورة الاشتراكية بطريقة سلمية بدون الحاجة الى ثورة مسلحة. وفور انحياز المنشفيك والاشتراكيين الثوريين الى البرجوازية اعلن لينين عن ضرورة الثورة المسلحة لاسقاط الحكومة البرجوازية. وكان نشاط الحزب البولشفي طيلة الفترة حتى ثورة اكتوبر ينصب على الاعداد للثورة المسلحة وتقوية المنظمات السوفييتية وخصوصا سوفييتات الجنود. وحين حصل الحزب البولشفي على الاغلبية في قيادة السوفييتات اعلن بان الثورة الاشتراكية اصبحت ضرورية.
ولم يكن اشد من الحزب الشيوعي دعما للثورة البرجوازية وتوجيهها بالاتجاه الصحيح اذا اعتبرنا ان تنفيذ مستلزمات الثورة البرجوازية ذا الاهمية الاولى في هذا الاتجاه. فاضافة الى الناحية السياسية حين كان الحزب يحمل شعار كل السلطة للسوفييت كان من الناحية الاقتصادية ايضا يناضل من اجل تحقيق اكثر ما يمكن من مستلزمات الثورة البرجوازية. واهم انجاز للثورة البرجوازية هو الاصلاح الزراعي الجذري. ولكن الحكومة البرجوازية في المرحلة الامبريالية اصبحت عاجزة كما يعلمنا لينين عن انجاز مهام ثورتها البرجوازية انجازا تاما ولذلك لم تكن البرجوازية جادة في انجاز الاصلاح الزراعي انجازا تاما. ولكن الحزب كان انشط القوى الاجتماعية واكثرها حرصا على انجاز الاصلاح الزراعي من تحت بان دعا الفلاحين الى تحقيق الاصلاح الزراعي بانفسهم ولو ان هذا لم يتحقق وبقي الاصلاح الزراعي عبئا على الثورة الاشتراكية كما سنرى ادناه.
نأتي الان الى عبارة غرامشي التي اقتبسها الباحثان ويبدو من كامل الفقرة انهما يؤيدانها. فثورة اكتوبر في راي غرامشي كانت انقلابا فوقيا لا علاقة له بالاشتراكية. والانقلاب الفوقي قبل كل شيء ليس ثورة ولذلك فان ثورة اكتوبر ليست ثورة في عرف غرامشي وربما في عرف الباحثين ايضا. فما الفرق بين الانقلاب الفوقي والثورة؟ الانقلاب الفوقي، مدنيا كان ام عسكريا، يعني ان النظام او التشكيلة حسب تعبير الباحثين لا يتغير اي ان النظام يبقى كما كان عليه وفي الحالة التي نحن بصددها يبقى نظاما برجوازيا او راسماليا. ويعني الانقلاب ايضا ان قادة الانقلاب يعتمدون على اجهزة حكم النظام القائم من جيش ونظام برلماني ونظام تنفيذي ومحاكم وشرطة وامن ووزارات وغيرها. ويبدو لي ان غرامشي كان يقصد هذا بالضبط من قوله ان ثورة اكتوبر كانت انقلابا فوقيا لا علاقة له بالاشتراكية. فهل كانت ثورة اكتوبر انقلابا كهذا؟ يستند غرامشي في تحليله واستنتاجه على ان ثورة اكتوبر بعد نجاحها دفعت "مسيرة البلاد نحو استكمال مستلزمات الثورة البرجوازية" ويبدو لي ان هذه العبارة عبارة حق يراد بها باطل. فثورة اكتوبر فعلا كان عليها ان تحقق مستلزمات الثورة البرجوازية وهو العبء الذي تركته لها البرجوازية التي لم تستطع او لم تشأ تنفيذ مهام ثورتها. ولكن هل كان استكمال مستلزمات الثورة البرجوازية كل ما قامت به ثورة اكتوبر؟ وهل اعتمدت ثورة اكتوبر على اجهزة الدولة البرجوازية لتحقيق ذلك؟
ان الادعاء بان ثورة اكتوبر كانت انقلابا فوقيا قام به عدة مئات من المسلحين يعتبر تجاوزا على التاريخ. فالحزب اعد الثورة خطوة خطوة منذ ان قرر ان الثورة المسلحة اصبحت ضرورية اي بعد ان انحاز المنشفيك والاشتراكيون الثوريون الى البرجوازية واصبحوا جزءا منها وبعد ان اصبح للحزب اكثرية في قيادة السوفييتات. وقد كانت سيطرة الحزب على سوفييتات الجنود سيطرة مطلقة تقرييا بحيث ان الجنود اصبحوا لا يطيعون اوامر ضباطهم الا بعد موافقة السوفييت وكانوا بالحقيقة يطيعون اوامر السوفييت حتى في توزيع الاسلحة على القوات المسلحة. كان ذلك واضحا لدى الحكومة البرجوازية الى درجة انها ارسلت فرقة بقيادة كورنيلوف للاستيلاء على بتروغراد من اجل تحطيم سوفييتات الجنود. فما كان من الحزب الا ان اعلن انه سيجابه كورنيلوف بالقوة اذا تجرا على الهجوم على بتروغراد مما اضطر الحكومة الى سحبه قبل ان يصل الى بتروغراد. اما اذا تم اسقاط الحكومة البرجوازية سريعا بحيث ان غرامشي شعر انه كان عملية مئات من المسلحين فلا يرجع ذلك الا الى ان الحزب كان قد استعد واعد قواته من العمال والفلاحين والجنود للثورة اعدادا صحيحا بحيث ان الثورة استطاعت في ليلة واحدة الاستيلاء على السلطة.
وكان اول قرار للثورة الظافرة انها اعلنت ان السلطة كلها للسوفييتات واصبحت بذلك حكومة سوفييتية. اي ان الثورة من اللحظة الاولى كونت سلطة جديدة والغت السلطات الحكومية القديمة. وكانت قرارات اجتماع مجلس السوفييت في اليوم الثاني للثورة اولا تشكيل الحكومة السوفييتية بقيادة لينين وثانيا قرار الاصلاح الزراعي الجذري. اذ حسب هذا القرار اصبحت الارض كلها ملك الدولة وصادرت اراضي الاقطاعيين كلها بدون تعويض ولم تعد الارض سلعة تباع وتشترى اذ ان الفلاحين الذين نالوا الارض وفقا للاصلاح الزراعي اصبح لهم حق زراعتها ولكنهم لم يعد لهم حق بيعها او شرائها. وليس في تاريخ الثورات البرجوازية اصلاح زراعي جذري كهذا الذي اجرته الحكومة السوفييتية في جلستها الاولى. (لا اريد هنا التطرق الى القرار الثاني الذي اتخذ في هذا المؤتمر وهو قرار السلام لانه قد لا يعتبر من مستلزمات الثورة البرجوازية) وليست مهمة استكمال مستلزمات الثورة البرجوازية في ثورة اكتوبر من اكتشاف غرامشي بل ان لينين كتب عنها كثيرا في السنوات الاولى من الثورة. اقول هنا السنوات الاولى من الثورة لان الثورة الاشتراكية تختلف عن الثورة البرجوازية اختلافا جوهريا. فالثورة البرجوازية في العرف الماركسي تنتهي فور استلام البرجوازية مقاليد الحكم بعد الثورة. اما الثورة الاشتراكية فهي تبتدئ عند استلام البروليتاريا مقاليد الحكم بعد الثورة. ولذلك من الممكن ان نتحدث عن السنوات الاولى من الثورة لان الثورة قد بدأت في اكتوبر ١٩١٧ وبقيت مستمرة طيلة فترة بناء الاشتراكية.
ولكن هل كان هذا كل ما قامت به ثورة اكتوبر؟ هل كان انجاز مستلزمات الثورة البرجوازية كل ما قامت به ثورة اكتوبر؟ في اليوم الاول من الثورة استولت ثورة اكتوبر على كل المشاريع الصناعية الكبيرة الاجنبية والمحلية التي تشغل اكثر من خمسين عاملا على ما اتذكر بدون تعويض. واستولت على البنك المركزي وجميع البنوك في البلاد بدون تعويض ايضا واستولت منذ البداية على التجارة الخارجية. وانشأت الدولة السوفييتية منذ الاشهر الاولى نواة الجيش الاحمر الذي تصلب وتعزز في مسار الدفاع عن الدولة السوفييتية الفتية ضد الدول الامبريالية كلها التي هاجمته وقوى الروس البيض الذين حاربوا الثورة بكل ما توفر لديهم من قوة، وخلاف ذلك الكثير من الانجازات التي لا تمت بصلة الى الثورات البرجوازية. لم يكن غرامشي صادقا في تحليله ولا منصفا لثورة اكتوبر الاشتراكية وهذا يصدق على الباحثين اذا كانا يؤيدان كلام غرامشي.
تحدثنا حتى الان عن التحضير وعن انجاز ثورة اكتوبر وعن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة السوفييتية في اليوم الاول من حكمها. ولكن المسألة تبقى قائمة. هل حقق الاتحاد السوفييتي الاشتراكية؟ هل تحقق في الاتحاد السوفييتي مجتمع اشتراكي؟ كانت روسيا حين انتصرت الثورة الاشتراكية واستلمت السوفييتات دفة الحكم بقيادة الحزب الشيوعي ولينين اضعف دولة راسمالية في اوروبا. فاضافة الى كون روسيا القيصرية كانت اضعف دولة صناعية في اوروبا جاءت الحرب العالمية الاولى لتدمير هذه الصناعات. والحزب الشيوعي استلم الحكم في بلد مدمر صناعيا ولكن الدول الامبريالية كلها انهت الحرب فيما بينها وانقضت كلها على هذه الدولة المدمرة. واعلن البرجوازيون والاقطاعيون والرجعيون والمنشفيك والاشتراكيون الثوريون كلهم الحرب على هذه الدولة الفتية. وكان على الحزب الشيوعي ان يقود العمال والفلاحين في هذه الحرب الى ان انتصر فيما يسمى اليوم حرب التدخل. كان على الحزب الشيوعي ان يقود العمال والفلاحين في هذه الحرب حين كان الشعب يتضور جوعا وخاليا من الصناعات التي توفر له السلاح لمقاتلة الجيوش المجهزة باحدث الاسلحة. لم يكن للبروليتاريا والفلاحين وجيشهما حتى ما يكفي من الخبز. ولكن قيادة الحزب الشيوعي الصحيحة وايمان البروليتاريا والفلاحين بهذه الدولة الجديدة ادى الى انتصار الثورة الاشتراكية ودحر الروس البيض وكافة الدول الامبريالية. ولو كانت ثورة اكتوبر انقلابا برجوازيا فوقيا لما دعت الحاجة الى ان كل هذه الدول الامبريالية تتناسى الحرب فيما بينها لتقوم مجتمعة في الهجوم على هذه الدولة الفتية "وخنقها في المهد" على حد قول تشرتشل. فلو كانت الثورة انقالابا فوقيا اي انقلابا برجوازيا لاعتبروها جزءا من النظام الراسمالي ولتفاوضوا معها على شروط استمرارها.
خلال حرب التدخل اضطر الحزب الشيوعي الى ممارسة سياسة ما سمي شيوعية الحرب. وشيوعية الحرب تعني ان الحزب يستولي على كل فائض الانتاج الزراعي من الفلاحين. ولدى انتهاء حرب التدخل راى لينين ان شيوعية الحرب لم تعد ملائمة وان الفلاحين اخذوا يتذمرون منها فاعلن تراجعه قليلا للاعداد لظروف مناسبة للتحولات الاشتراكية فكانت سياسة النيب (السياية الاقتصادية الجديدة التي سمحت للبرجوازيين الصغار بالعمل وابدلت سياسة مصادرة فائض الانتاج الزراعي الى سياسة تكليف الفلاحين بدفع ضرائب عبنية. ولكن هذا لم يعن تراجع الدولة عن بناء المجتمع الاشتراكي. فسياسة النيب او السياسة الاقتصادية الجديدة كانت تخص جزءا ضئيلا من البرجوازية في المدن وتخص الفلاحين واغنياء الفلاحين (الكولاك) بالدرجة الرئيسية. فالدولة السوفييتية كانت باشد الحاجة الى منتجات الكولاك من اجل ابقاء الطبقة العاملة على قيد الحياة ومن اجل استمرار وتوسيع الانتاج الصناعي. اما الصناعات الكبيرة والبنوك والتجارة الخارجية فبقيت اثناء النيب في ايدي الدولة. وقد شبه لينين السياسة الاقتصادية الجديدة بمتسلق جبل عال يصل الى موقع يصعب منه مواصلة التسلق فيقرر التراجع قليلا لكي يجد مكانا افضل لمواصلة التسلق. وسخر من اولئك المارقبين من تحت الذي ظنوا ان هذا التراجع يعني ان لينين تخلى عن فكرة بناء الاشتراكية وقرر الرجوع الى الراسمالية.
ليس في الامكان هنا ان نتحدث عن كامل تطور الدولة السوفييتية ولكني اكتفي بالقول بان هذه الدولة التي بدأت في وضع يقرب من الصفر افلحت في خلال اقل من عشرين عاما ان تتحول الى ثاني دولة صناعية بعد الولايات المتحدة رغم الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها الدول الامبريالية طيلة هذه الفترة. فلم يكن بامكان دورة برجوازية ان تبلغ هذا المستوى الذي تطلب من الدول الراسمالية الكبرى مئات السنين لبلوغه في هذه الفترة القصيرة تاريخيا. دولة تنسجم فيها علاقات الانتاج مع تطور قوى الانتاج وحدها قادرة على تحقيق مثل هذا التقدم السريع. ولكن الامبرياليين لم يتركوا لهذه الدولة ان تتطور اكثر من ذلك فدفعوا هتلر الى مهاجمتها للقضاء عليها فكان مصير هتلر المصير المعروف وخرج الاتحاد السوفييتي اقوى مما كان ونشأ المعسكر الاشتراكي كما هو معروف ايضا. يكفي ان نقارن بين فرنسا وسائر دول اوروبا الراسمالية في مجابهتها للغزو الهتلري وموقف الشعوب السوفييتية في الدفاع عن نظامها الاشتراكي لكي ندرك الفرق بين دول راسمالية والدولة والمجتمع الاشتراكي. ليس بالامكان هنا مناقشة المجتمع الاشتراكي الحقيقي وقوانينه الاقتصادية والاجتماعية، القوانين الطبيعية التي نشأت مع نشوء النظام الجديد وليس القوانين التي يضعها الانسان. وقد حاولت شرح ذلك بالتفصيل في كتابي "ستالين كما فهمته" باللغة الانجليزية لان ذلك يبعدنا عن موضوعنا الحالي.
يقول الباحثان "واعتقدنا نحن ايضا بان الثورة الاشتراكية انتصرت في روسيا وعملنا على هذا الاساس وبايمانية عالية وبكل ما يرتبط بهذه الايمانية من جوانب سلبية وايجابية". وانا اعتقد بايمانية عالية انهما صادقان. فهما كما الكثير من اعضاء الاحزاب الشيوعية كانوا مؤمنين بان حزبهم يوجههم توجيها صحيحا وان ما يقوله الحزب هو القول الصحيح دائما. وهذا كان نتيجة للقواعد التي تربى عليها الشيوعيون وفقا لانظمة الاحزاب الشيوعية. ولكن كل الامر هو ان هذه الاحزاب الشيوعية اصبحت احزابا شيوعية بالاسم فقط وتحولت في الواقع الى احزاب تحريفية منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي. فهما عاشا في المانيا في الستينات والسبعينات وكانا يلاحظان كل المساوئ الراسمالية في هذا النظام الذي كانوا يسمونه لهم اشتراكيا وهو ابعد ما يكون عن الاشتراكية. فالاشتراكية التي رأياها لم تكن اشتراكية حقا بل كانت راسمالية تتستر بشعارات اشتراكية زائفة. فكيف امكن ان يؤمن هذان الباحثان بايمانية عالية بان هذا المجتمع الذي عاشوه او المجتمع الذي قد يكونون قد زاروه في الاتحاد السوفييتي هو المجتمع الاشتراكي؟ يبدو لي ان الباحثين كانا من قواعد الحزب الشيوعي انذاك ولم يكونا من قادته وان ايمانهما كان عن قناعة بما يثقفهما الحزب به. وانا لا اريد ان اناقش موقف مثل هؤلاء من اعضاء القاعدة الحزبية من قضية الايمان بان الاتحاد السوفييتي او الدول الاشتراكية الاوروبية هي حكومات اشتراكية لانهم انما ينفذون تعليمات حزبهم. ان ما اريد مناقشته هو موقف قادة الاحزاب الشيوعية وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي الذي سنحت لي فرصة التعرف على الكثير من قادته من هذه القضية.
في اعتقادي ان موقف القادة الشيوعيين في هذا الموضوع نوعان. النوع الاول هو القادة الذين كانوا يعرفون جيدا ان الاتحاد السوفييتي لم يعد دولة اشتراكية بل اصبح دولة راسمالية تتشدق بعبارات ثورية. والنوع الثاني وهم القلة حسب رأيي هم قادة يؤمنون بان الاتحاد السوفييتي في الستينات والسبعينات كان دولة اشتراكية.
ان اكثرية قادة الاحزاب الشيوعية ومنهم قادة الحزب الشيوعي العراقي كانوا يدركون جيدا ان الاتحاد السوفييتي في عهد خروشوف بريجنف غورباشوف لم يكن دولة اشتراكية. ولكن هؤلاء القادة كانوا يخضعون لاوامر الاتحاد السوفييتي التي تتطلب منهم تمجيد الاتحاد السوفييتي ووصفه بالدولة الاشتراكية المحبة للسلام والمؤيدة للحركة الشيوعية وصديقة الشعوب وغير ذلك من الاوصاف المألوفة لدينا جميعا. قد يكون للضغط والتهديد عامل مهم في ارغام هؤلاء القادة على هذا السلوك. فمن المعروف ان الحكومات الخروشوفية المتعاقبة كانت تضطهد كل قائد يجرأ على معارضتها وتعمل على ازاحته ورميه في السجن او حتى على قتله والتخلص منه. ولكن هذا لم يكن السبب الرئيسي. كان السبب الرئيسئ الاموال الطائلة والامتيازات الممتازة التي كان الاتحاد السوفييتي يغدقها على هذه الاحزاب وعلى قادتها. فهؤلاء القادة كانوا يمجدون الاتحاد السوفييتي الخروشوفي عن قصد ويتقاضون اجورهم لقاء ذلك. ومثل هؤلاء القادة الذين يخدمون الدولة الراسمالية السوفييتية وهم يعلمون انها راسمالية ولا علاقة لها بالاشتراكية لا يتورعون عن خدمة اية دولة راسمالية اخرى اذا كانت تغدق عليهم بنفس الكميات من الاموال او باكثر منها.
والنوع الثاني من القادة، القادة الذين يؤمنون حقا بان الدولة السوفييتية في العهد الخروشوفي هي دولة اشتراكية فوضعهم يختلف عن النوع الاول. ان الحزب الشيوعي العراقي لم تكن له علاقات واسعة مع الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي قبل ثورة ١٤ تموز. فبعد الثورة فقط فتحت أمامه ابواب الاتحاد السوفييتي وبلدان اوروبا الشرقية على مصراعيها فكان قادة الحزب يجولون ويصولون فيها وفتح الباب امام الشباب العراقي للدراسة فيها وكان باب اللجوء الى هذه البلدان مفتوحا امام الشيوعيين العراقيين في ظروف الاضطهاد التي تضطرهم الى الهجرة. وهذا يعني ان القادة الشيوعيين العراقيين كانوا يعرفون الاتحاد السوفييتي الاشتراكي الحقيقي قبل ١٩٥٣ من الادبيات الشيوعية فقط قبل ثورة تموز وانهم حين عرفوا الاتحاد السوفييتي عن كثب عرفوه بعد ان تحول الى دولة راسمالية توجد فيه كل مساوئ المجتمع الراسمالي. فكان القلة من قادة الحزب الشيوعي فقط ممن امنوا بان الاتحاد السوفييتي بعد ثورة تموز كان بلدا اشتراكيا فعلا.
ان هذا يذكرني بظاهرة نشاهدها يوميا في عوائلنا. فحين يتعلم الطفل الالوان الابيض والاحمر والاسود يعرفها جيدا فاذا جاء شخص وقال للطفل مازحا هذا ابيض مشيرا الى لون احمر فان الطفل ينتفض ويحتج ويقول للشخص هذا ابيض. اطلب معذرة القارئ باني اورد في بحث جدي كهذا مثلا بسيطا نشاهده كل يوم لدى اطفالنا. ولكن ايمان قادة شيوعيين بان الاتحاد السوفييتي الذي تنتشر فيه كل المظاهر الراسمالية مثل التضخم النقدي والسوق السوداء والعهارة والبطالة والمافيا الخ ... هو مجتمع اشتراكي يدل على ان هؤلاء القادة لم يبلغوا في معرفة الاشتراكية مستوى الطفل الذي تعلم ان يميز اللون الابيض من اللون الاحمر ولا يوافق على خدعه. فهل يوجد مثل هؤلاء بين قادة الحزب الشيوعي العراقي؟ اعتقد انه كانت توجد فعلا اقلية ضئيلة جدا من مثل هؤلاء. فكيف امكن ذلك؟
دخلت السجون منذ ١٩٤٩ وحتى ثورة تموز ١٩٥٨ وكنت من المحكوم عليهم بالاشعال الشاقة المؤبدة لذلك كنت موجودا دائما في السجون السياسية ومتصلا مع اكثر قادة الحزب الشيوعي الذين دخلوا السجون وكان اكثرهم ضمن قادة الحزب الشيوعي بعد اطلاق سراحهم سواء قبل او بعد ثورة تموز وهم بالعشرات. ولكني استطيع ان اقول بدون اية مبالغة ان ايا من هؤلاء القادة لم يقرأ كتابا ماركسيا واحدا طيلة وجوده في السجن. صحيح ان الكتب لم تكن متوفرة في السجون لمدد طويلة ولكن كانت هناك فترات وجدنا فيها بعض الكتب الماركسية ولو لفترات قصيرة وكان بامكان كل واحد من هؤلاء القادة ان يقرأها وانا رغم اني لم اكن بين هؤلاء القادة فقد حصلت على ثقافتي الماركسية في هذه الفترات القصيرة. هؤلاء لم يؤمنوا بان الماركسية علم يجب دراسته والتمرن على ممارسته مثل كل العلوم الطبيعية الاخرى. انهم كانوا يريدون ان يصبحوا ماركسيين بدون ماركسية. وهذا هو السبب لوجود هؤلاء القادة من الصنفين، الصنف الاول الذي مارس تمجيد الاتحاد السوفييتي لقاء اجور وقلة من الصنف الثاني الذي مجد الاتحاد السوفييتي الخروشوفي مؤمنا بانه دولة اشتراكية.
والنقطة الاخيرة التي تجلب انتباهي في العبارة المقتبسة اعلاه هي مفهوم استكمال مستلزمات الثورة البرجوازية. لقد وردت هذه العبارة بشكلين في نفس الفقرة. الشكل الاول هو انه كان على الماركسيين ان يدعموا الثورة البرجوازية من اجل استكمال مستلزماتها حتى تبلغ ذروتها ودرجة انحلالها فقام لينين بدلا من ذلك بالتحضير للثورة الاشتراكية والقيام بها. والشكل الثاني هو ان الثورة لم تكن ثورة اشتراكية نظرا الى ان حكومة الثورة قامت بانجاز مستلزمات الثورة البرجوازية.
ان مفهوم استكمال الثورة البرجوازية بعد قيامها مفهوم مبهم. ان الماركسية، اذا اعتبرنا اللينينية ماركسية، تعتبر ان الثورة البرجوازية تنتهي في اللحظة التي تستولي بها البرجوازية على الحكم. وكذلك تعتبر الماركسية (اللينينية) ان البرجوازية الوطنية في المستعمرات واشباه المستعمرات في المرحلة الامبريالية لم تعد قادرة على انجاز مستلزمات ثورتها البرجوازية انجازا كاملا. اذ فور استلام البرجوازية السلطة تصبح بين نارين، نار العلاقات الاقطاعية التي تهدد ثورتها وتعرقل تطورها الراسمالي، ونار البروليتاريا التي تهدد نظامها البرجوازي كله وتهددها بالثورة الاشتراكية. والطبقات البرجوازية لذلك تشن من يومها الاول نضالا قاسيا ضد الطبقات العاملة والكادحين وفي اغلب الاحيان تتوصل الى المساومة مع بقايا الطبقات الاقطاعية لمحالفتها في النضال ضد العمال وسائر الكادحين.  ولذلك فان دعم الثورة البرجوازية في العرف اللينيني هو النضال ضد البرجوازية واجبارها على تحقيق اكثر ما يمكن من مستلزمات الثورة البرجوازية. اما انتظار استكمال مستلزمات الثورة البرجوازية من قبل السلطة البرجوازية ودعمها في هذا المجال ومنحها الفرصة لاثبات نواياها فهو حلم طوباوي لا يمكن تحقيقه. ولذلك ناضل الحزب الشيوعي الروسي بعد ثورة شباط في سبيل دعم الثورة البرجوازية بالضغط على الكحومة البرجوازية من اجل تحقيق ما يمكن تحقيقه من مستلزمات الثورة البرجوازية وهو يعلم علم اليقين ان البرجوازية لا يمكن ان تحقق كل مستلزمات الثورة البرجوازية. ولكن الحزب الشيوعي بقيادة لينين كان يعمل باتجاه اخر. كان يعمل على اعداد الثورة الاشتراكية ورايه هو انه اذا اتيحت  الفرصة لاستيلاء البروليتاريا على الحكم فما الذي يمنعها عن استلامه وتحقيق مستلزمات الثورة البرجوازية تحقيقا كاملا ضمن التحولات الاشتراكية؟ وهذا ما انجزه الحزب الشيوعي الروسي بقيادة لينين في ثورة اكتوبر.
وخير  مثال على مفهوم استكمال الثورة البرجوازية هو ثورة ١٤ تموز. ان الحزب الشيوعي اختار طريقة دعم الثورة البرجوازية من اجل استكمال مستلزمات الثورة البرجوازية بدعم حكومة الثورة دعما مطلقا اعمى. فبدلا من اختيار النضال الجماهيري لاضطرار البرجوازية على تحقيق اكثر ما يمكن من مستلزمات الثورة البرجوازية اختار دعم الحكومة البرجوازية بصورة مطلقة وحدد شعاره الاستراتيجي، شعار صيانة الجمهورية، وساند الاصلاح الزراعي الذي لم يكن اصلاحا زراعيا جذريا ووجه كوادره الزراعية للعمل ليل نهار من اجل تنفيذ الاصلاح الزراعي بالطريقة التي وضعتها البرجوازية فوضع بذلك كوادره موظفين في الاصلاح الزراعي بدون تخويل ولا رواتب. فماذا كانت النتيجة؟ ما زال الحزب الشيوعي اكثر من اربعين عاما ينتظر استكمال الثورة البرجوازية لتهيئة الظروف المناسبة للانتقال الى الاشتراكية. فهل جرى استكمال اي من مستلزمات الثورة البرجوازية في هذه الفترة ام تحقق في الواقع استلاب حتى النزر اليسير مما تحقق بعد ثورة ١٤ تموز؟ لا اجد حاجة الى الاجابة على هذا السؤال الان حين اصبح العراق يرزح تحت نير الاحتلال الاميركي البريطاني مضيعا حتى دولته البرجوازية.
والسؤال الذي يخطر على الذهن هنا هو هل كان الحزب الشيوعي العراقي وقادته جاهلين للسياسة اللينينية في الثورات البرجوازية؟ لا اعتقد ذلك. فان الحزب بقيادة الرفيق فهد وضع السياسة الاستراتيجية للحزب بوضوح وبلا اي غموض في الميثاق الوطني الذي مازال حسب اعتقادي هو البرنامج الضروري لمواصلة النضال حتى الاشتراكية. كان ذلك في الميثاق الوطني الحقيقي الذي اقره الكونفرنس الحزبي سنة ١٩٤٤. ولكن الحزب عند جمع مؤلفات فهد اختار ان يقتطع من الميثاق جزءه الاستراتيجي ربما لعدم ازعاج صدام حسين او خوفا من غضبه. ولكن الميثاق بصورته الحقيقية كان موضوع تثقيف في السجون حتى يوم الثورة ورغم الميثاق الذي خطة باسم بليلة مقمرة. وكان على قادة الحزب عند اطلاق سراحهم ان يعرفوا ذلك. وفي اول رسالة كتبتها الى اللحنة المركزية للحزب بعد اطلاق سراحي بيومين في آب خصصت نصف رسالتي الى هذا الموضوع. فبينت ان اهم واجب يقع على الحزب الشيوعي في تلك الظروف ان يحدد الشعار الاستراتيجي للعراق بعد الثورة وان يناقش الاخطاء التي وقع فيها الحزب منذ اعتقال واعدام سكرتيره العام الرفيق فهد واقترحت استغلال الظروف شبه العلنية في اعقاب الثورة لعقد مؤتمر للحزب يناقش بالدرجة الرئيسية موضوع الشعار الاستراتيجي وهذه الاخطاء وكيفية اصلاحها. وفي كتابي حول ثورة تموز بينت بالتفصيل سياسة الحزب الشيوعي اللاماركسية قبل وبعد ثورة تموز.
قد اكتب حلقة عن الميثاق الوطني للحزب الشيوعي خصوصا اذا افلحت في الحصول على نسخة من الميثاق الاصلي وليس الميثاق كما ظهر في مولفات الرفيق فهد. (اخبرني بعض الاشخاص ان الميثاق موجود في ارشيف العراق في المكتبة العامة في براغ) فاذا كان بين قراء هذا المقال شخص يعيش في براغ او يزور براغ فارجوه ان يحاول استنساخ جزء الميثاق الوطني الذي يسمى المنهاج وهو على ما اتذكر صفحة واحدة فقط.
حسقيل قوجمان
٥ شباط ٢٠٠٤
ملاحظة
حين كنت اعد هذا المقال لارساله الى الحوار المتمدن قرأت بحث تروتسكي المنشور في الحوار المتمدن يوم ٧ شباط وهذه هي الملاحظة حول هذا البحث:
جاء في تقديم البحث انها محاضرة القاها تروتسكي في الدانمارك سنة ١٩٢٢ وانه "عندما القى تروتسكي هذه المحاضرة كان منفيا من الاتحاد السوفييتي ..." وهذا لا يمكن ان يكون صحيحا لان تروتسكي في ١٩٢٢ كان وزيرا في الحكومة السوفييتية ولم يطرد من الاتحاد السوفييتي الا سنة ١٨٢٨. وبعد قراءة نص المحاضرة تبين انه كان يلقيها على الاقل سنة ١٩٣٢ لانه يتحدث عن مرور ١٥ عاما على الحكومة السوفييتية ويقارن بين تقدم الاتحاد السوفييتي وبين تدهور الاقتصاد الالماني والاميركي سنة ١٩٣٢.
كل المحاضرة تؤكد بلغة مسربلة يصعب فهمها على ان ثورة اكتوبر كانت ضرورية وان الحزب الشيوعي ولينين كان على حق في تقديره واشاد بدور الحزب البلشفي في الاعداد وفي انجاز ثورة اكتوبر ويؤكد على عظم الانجازات التي حققها الاتحاد السوفييتي خلال تلك الفترة ويرد على من كان يقول ان ثورة اكتوبر جاءت بالجوع والبؤس الى الشعوب السوفييتية بان ١٥ عاما ليست سوى دقيقة في ساعة التاريخ وان الراسملية استغرقت قرونا لتصل الى هذا التقدم الصناعي والاقتصادي. واكد على ان قوة الثورة كانت ناجمة عن ان البروليتاريا استطاعت ان تجر وراءها الفلاحين والجنود بقيادة الحزب البلشفي.
ولكنه في الوقت ذاته يؤكد على نظرية الثورة الدائمة التي وضعها سنة ١٩٠٥ ويقول انه لا يجد حاجة الى اعادة النظر فيها. ونظرية الثورة الدائمة هي النظرية التي كان يختلف فيها مع لينين وستالين طيلة فترة وجوده في الاتحاد السوفييتي. وموجز النظرية هو ان المجتمع الاشتراكي لا يمكن تحقيقه في دولة واحدة بل يجب ان تحدث ثورة في جميع العالم الراسمالي من اجل ذلك. وهذا كان خلاف نظرية لينين القائلة بامكانية تحقيق الثورة وبناء المجتمع الاشتراكي الكامل في دولة واحدة في عصر الامبريالية.
حسقيل قوجمان
٧ شباط ٢٠٠



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية)العبودية المقيتة
- من وحي كتاب فهد - الحلقة الاولى
- المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي
- زوار موقعي الاعزاء
- جواب على رسالة ! حول الحزب الشيوعي الاسرائيلي
- لماذا مادية ديالكتيكية؟
- رسالة مفتوحة من حسقيل قوجمان الى آرا خاجادور
- ديمتروف والانتقال السلمي الى الاشتراكية
- حينما يصبح البتي برجوازي شيوعيا
- سياسة الاحلاف والجبهات بين الماركسية والانتهازية
- عبادة الشخصية بين المادية والمثالية
- عراق اليوم بنظر ماركسي يتتبع الاحداث من بعيد
- الحوار المتمدن
- مستلزمات انشاء الحزب البروليتاري الجديد
- من يزرع الريح يحصد العاصفة - حول انهيار المانيا الشرقية واتح ...
- أنهاية حرب باردة ام بداية حرب حارة؟
- دفاع عن الماركسية في محنتها
- التعايش السلمي من ستالين الى خروشوف
- أزمة الخليج
- زواري الاعزاء


المزيد.....




- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى الاستنف ...
- اتحاد النقابات العالمي (WFTU – FSM)”، يُدين استمرار المحاكما ...
- شاهد ما قاله السيناتور ساندرز لـCNN عن تعليق أمريكا شحنات أس ...
- م.م.ن.ص// يوم 9 ماي عيد النصر على النازية.. يوم الانتصار الع ...
- آلاف المتظاهرين احتجاجا على مشاركة إسرائيل في -يوروفيجن-
- من جهينة عن خيمة طريق الشعب في مهرجان اللومانيتيه (1)
- السويد.. آلاف المتظاهرين يحتجون على مشاركة إسرائيل في مسابقة ...
- مداخلة النائب رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية في الج ...
- أخذ ورد بين مذيعة CNN وبيرني ساندرز بشأن ما إذا كانت إسرائيل ...
- مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة أمستر ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة) ثورة اكتوبر